أول صفحة رقم {5}
المقدمة
حمدا لله ، وصلاة وسلاما على نبيه وآله وصحبه ومن والاه ، وعلى كل من اهتدى بهداه .
أما بعد : فقد كان الباعث على تأليف هذه الرسالة وإخراجها للناس لأول مرة ، تحقيق رغبة أخينا في الله تبارك وتعالى الأستاذ عبد الرحمن الباني ، فإنه - جزاه الله خيرا - اقترح تأليفها بمناسبة بنائه على زوجه ، ففعلت ، ثم قام هو بطبعها على نفقته ، ووزعها مجانا في حفلة زفافه ، مكان ما جرى الناس عليه من توزيع السكاكر والحلويات وغيرها ، مما لا يبقى أثره ولا يدوم نفعه ، فكان ذلك منه سنة حسنة ، من حسناته الكثيرة - إن شاء الله - ما أحوج المسلمين إلى الاقتداء به فيها ، والسير على منوالها .
ثم لما نفدت نسخ الطبعة الأولى ، وكان من تمام
صفحة رقم -6-
الاستفادة منها ، تعميم نشرها على الناس في مختلف الأقطار والأمصار ، رأى كثيرون إعادة طبعها ، وألحوا علي بالطلب ، فاستجبت لذلك ، وتفرغت له بعض الوقت ، فأضفت إليها زيادات كثيرة ، فاتني إيرادها في الطبعة الأولى بسبب السرعة التي تم بها تأليفها وإخراجها .
وقد رأيت أن أوسع الكلام في بعض المسائل الهامة التي أساء بعض الناس فهمها في هذا العصر أو قبله ، فبينت - ما استطعت - خطأهم فيها ، وبعدهم عن الصواب فيما قالوه حولها ، وذلك بالحجة والبرهان ، ليكون القارئ الكريم على بينة من أمره ، وبصيرة من دينه ، فلا يتأثر بشبهات الشاكين ، وجدال المبطلين ، وقلة السالكين ، في زمن أصبح المتمسك فيه بالسنة غريبا في بني دينه المحاولين التمسك به ، فكيف هو في المخالفين له ، الصادين عنه ؟
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده القليل الذين قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم :
" إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ "
صفحة رقم -7-
فطوبى للغرباء ( 1 ) .
وأقدم بين يدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلامة الشيخ محب الدين الخطيب تفضل بكتابتها وطبعها في مقدمة الطبعة الأولى ، لما فيها من فوائد ومواعظ ، وهي في رأيي تمهيد قوي لنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه الرسالة مما لم يألفنه ، بل ولم يسمعن به من قبل ، فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، إنك سميع مجيب .
دمشق في 25/10/1376 ه .
( 1 ) رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ، انظر " مختصر صحيح مسلم " للإمام المنذري ( رقم 72 ) بتحقيقي ، طبع المكتب الإسلامي .
www.alalbani.info
صفحة رقم -9-
مقدمة الطبعة الأولى
بقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، ولا رب لهم غيره ، ولا يطاع في السر والعلن سواه ، وصلى الله على معلم الناس الخير محمد هادي الإنسانية إلى سنة الحق ، وعلى آله وصحبه وسلم .
وبعد فإن جماهير المسلمين لا يزالون في مثل عقول الأطفال يلهيهم ما يلهي الأطفال ، ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل ما يصرف الأطفال من ألاعيب وتوافه وأوهام ، حتى يتحروا سنة الإسلام في الاعتدال ، وهدايته في التحرر من كل ما استعبدوا له من الملاهي والسفاسف والزخارف والشهوات ، وحينئذ
www.alalbani.info
صفحة رقم -10-
يرجعون إلى ربهم ، فيحفظ لهم عقولهم ، ويبارك لهم في أوقاتهم وأعمالهم وجهودهم ، ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم ، فيستعملونها فيما ينفعهم ، ويكون به عزهم ، ويعلو به سلطانهم .
وتحري سنة الإسلام في الاعتدال ، والانتفاع بهدايته في التحرر من السفاسف التي صار المسلمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة ، يتوقف على أمرين :
أحدهما : إخلاص العلماء العاملين الذين يبينون للأمة سنن دينها في كل ناحية من النواحي التي تتناولها رسالة الإسلام .
والثاني : ازدياد عدد المسلمين الذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك البيان العلمي بالعمل به ، حتى يتلقاه عنهم بالقدوة من لا يتيسر لهم تلقيه بالدرس والتعلم .
وهذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي التي تناولتها رسالة الإسلام بالسنن الصحيحة عن معلم
www.alalbani.info
صفحة رقم -11-
الناس الخير صلى الله عليه وسلم ، في حفلات الزفاف وآدابه وولائمه ، وهي الناحية التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن الإسلام ، حتى أوغلوا لا في الجاهلية الأولى التي امتازت - في هذه الناحية - بفطرة العروبة وتحررها من بذخ المترفين ، بل في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلى النار ، حتى أصبحت أعباء الزواج وتكاليفه فوق طاقة الناس ، فكادوا ينصرفون عنه - وهو في نفسه من سنة الإسلام - لأنهم انصرفوا فيه عن سنن الإسلام ، فأوقعهم ذلك في شر أنواع الجاهلية .
وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها ، تهيأ لها مؤلف من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها ، وهو أخونا بالغيب الشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي الألباني ، فوضع بين أيدي المسلمين النصوص الصحيحة والحسنة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب الزفاف ، وحبذا لو كان قد اتسع له الوقت وواتته الأسباب ، فاستقصى كل ماورد من ذلك في الحياة الزوجية ، وآداب البيت ، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة الإسلامية . ولكن ظهور الهلال في
www.alalbani.info
صفحة رقم -12-
ليلته الأولى ، قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر حتى يكون بدرا كاملا .
وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه ، تهيأ لها كذلك المسلم الأول والمسلمة الأولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في الاعتدال والتحرر من العبودية للسفاسف والملاهي وتوافه العادات ، عندما استخارا الله ، فخار لهما أن يبنيا البيت المسلم الطاهر ، والأسرة الإسلامية المتحررة من تقاليد الجاهلية الأجنبية عنا ، والطارئة علينا . فأرجو الله عز وجل أن يأخذ بيد أخي المؤمن المجاهد الأستاذ السيد عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته ، حتى يحقق له آماله ، ملتزما سنة الإسلام في ذلك ما استطاع .
وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمة الفاضلة مثلا من تاريخ نساء العروبة والإسلام ، ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها ، لتكون من الخالدات إن شاء الله .
إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان
www.alalbani.info
صفحة رقم -13-
كان لأبيها - يوم تزوجت - السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقا ، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غربا . ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم وحسب ، بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء الإسلام ، وهم : الوليد بن عبد الملك ، وسليمان بن عبد الملك ، ويزيد بن عبد الملك ، وهشام بن عبد الملك ، وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول ، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز .
وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة ، وزوجة خليفة ، وأخت أربعة من الخلفاء ، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات ، ويقال : إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرا في التاريخ ، وتغنى بهما الشعراء ، وكانا وحدهما يساويان كنزا . ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن
www.alalbani.info
صفحة رقم -14-
عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد ، ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأد سم المأكولات وأندرها وأغلاها ، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر ، لاستطاعت ذلك . إلا أني لا أذيع مجهولا بين الناس إن قلت : إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع بالعافية المعتدلون ، وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة والمعدمين ، زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتياد مألوفة ومملولة ، والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصطدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما وراء ذلك ، فلا يجدونه ، بينما المعتدلون يعلمون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه ، وأنهم يجدونه متى شاؤوا ، غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات ، ليكونوا أرفع منها ، وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها ، ولذلك اختار الخليفة الأعظم عمر بن عبد العزيز - في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض - أن
www.alalbani.info
صفحة رقم -15-
تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم ، ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء ، فكانت مغتبطة بذلك لأنها تذوقت لذة القناعة ، وتمتعت بحلاوة الاعتدال ، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف . بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع ، ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله ، فاستجابت له ، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآلىء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها ، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين . وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئا ، فجاءها أمين بيت المال ، وقال لها : إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي ، وإني اعتبرتها أمانة لك ، وحفظتها لهذا اليوم ، وقد جئت أستأذنك في إحضارها . فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة
www.alalbani.info
صفحة رقم -16-
لأمير المؤمنين ، ثم قالت : [ وما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا . ) وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة ، في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات ، وبذلك كتب الله لها الخلود ، وها نحن نتحدث عن شرف معدنها ، ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور ، رحمها الله ، وأعلى مقامهما في جنات النعيم .
إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء ، وكل عيش مهما خشن أو نعم ، إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه ، والسعادة هي الرضا ، والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه ، وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني ، جعلنا الله من أهله .
17 ذي الحجة سنة 1371 ه
7 سبتمبر سنة 1952 م
محب الدين الخطيب
www.alalbani.info
صفحة رقم -17-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في محكم كتابه : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) [ الروم : 21 ] . والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه : [ تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ( 1 ) .
وبعد فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آدابا في الإسلام ، قد ذهل عنها ، أو جهلها أكثر الناس ، حتى المتعبدين منهم ، فأحببت أن أضع في بيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة ، إعانة له ولغيره من الإخوة المؤمنين ، على القيام بما شرعه سيد المرسلين .
( 1 ) رواه أحمد والطبراني بسند حسن ، وصححه ابن حبان عن أنس ، وله شواهد سيأتي ذكرها في المسألة ( 19 ) .
www.alalbani.info
صفحة رقم -18-
عن رب العالمين ، وعقبتها بالتنبيه على بعض الأمور التي تهم كل متزوج ، وقد ابتلي بها كثير من الزوجات .
اسأل الله تعالى أن ينفع بها ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، إنه هو البر الرحيم .
وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة ، وإنما يعنيني منها في هذه العجالة ما ثبت منها في السنة المحمدية ، مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها ، أو محاولة التشكيك فيها من جهة مبناها حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه ، وثقة من أمره ، وإني لأرجو أن يختم الله له بالسعادة ، جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة السنة ، وأن يجعله من عباده الذين وصفهم بأن من قولهم : : ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) . [ الفرقان : 74 ] . والعاقبة للمتقين كما قال رب العالمين :
( إن المتقين في ظلال وعيون . وفواكه مما يشتهون . كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون . إنا كذلك نجزي المحسنين ) [ المرسلات : 41 - 44 ] .
وهاك تلك الآداب :
صفحة رقم -19-
1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها :
يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها ، كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن ، قالت :
إني قينت ( 1 ) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئته فدعوته لجلوتها ( 2 ) فجاء ، فجلس إلى
صفحة رقم -20-
جنبها ، فأتي بعس [ ( 3 ) لبن ، فشرب ، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت ، قالت أسماء : فانتهرتها ، وقلت لها : خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأخذت ، فشربت شيئا ، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أعطي تربك ( 4 ) ، قالت أسماء : فقلت : يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك ، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه ، قالت : فجلست ، ثم وضعته على ركبتي ، ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي
______
( 1 ) أي : زينت .
( 2 ) أي : للنظر إليها مجلوة مكشوفة .
( 3 ) هو القدح الكبير .
( 4 ) أي : صديقتك .
صفحة رقم -21-
لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لنسوة عندي : [ ناوليهن ) ، فقلن : لا نشتهيه فقال صلى الله عليه وسلم : [ لا تجمعن جوعا وكذبا
2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها :
وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك ، وأن يسمي الله تبارك وتعالى ، ويدعو بالبركة ، ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا تزوج أحدكم امرأة ، أو اشترى خادما ، [ فليأخذ بناصيتها ] ، [ وليسم الله عز وجل ] ، [ وليدع بالبركة ] ، وليقل :
( 1 ) أخرجه أحمد بإسنادين يقوي أحدهما الآخر . وأشار المنذري إلى تقويته ، والحميدي أيضا في مسنده . وله شاهد في الطبراني في " الصغير " و" الكبير " ، و" تاريخ أصبهان " لأبي الشيخ ، وكتاب " الصمت " لابن الدنيا .
( 2 ) الناصية : منبت الشعر في مقدم الرأس كما في " اللسان " .
صفحة رقم -22-
اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ( 1 ) .
( وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه ، وليقل مثل ذلك ] ( 2 ) .
( 1 ) أي : خلقتها وطبعتها عليه . " نهاية " .
قلت : وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر ، خلافا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى ، وليس في كون الله خالقا للشر ما ينافي كماله تعالى ، بل هو من كماله تبارك وتعالى . وتفصيل ذلك في المطولات ، ومن أحسنها كتاب " شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل " ، لابن القيم ، فليراجعه من شاء . وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة ؟ وجوابي : نعم ، لما يرجى من خيرها ، ويخشى من شرها .
( 2 ) أخرجه البخاري في " أفعال العباد " ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والحاكم ، والبيهقي ، وأبو يعلى في " مسنده " بإسناد حسن ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي . وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " :
" إسناده جيد " . وأشار لصحته عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام الكبرى " بسكوته عليه كما نص في المقدمة ، وكذا ابن دقيق العيد في " الإلمام " .
صفحة رقم -22-
3 - صلاة الزوجين معا :
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا ، لأنه منقول عن السلف . وفيه أثران :
الأول : عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال :
( تزوجت وأنا مملوك ، فدعوت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة ، قال : وأقيمت الصلاة ، قال : فذهب أبو ذر ليتقدم ، فقالوا : إليك قال : أو كذلك ؟ قالوا : نعم ، ( 1 ) قال : فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك ، وعلموني فقالوا :
( إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ، ثم سل الله من خير ما دخل عليك ، وتعوذ به من شره ، ثم شأنك وشأن أهلك ( 2 ) .
( 1 ) قلت : يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في بيته إلا أن يأذن له ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه " . أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " ، وهو في " صحيح أبي داود " .
( 2 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " . وعبد الرزاق أيضا ، وسنده صحيح إلى أبي سعيد ، وهو مستور ، لم أجد من ذكره سوى أن الحافظ أورده في " الإصابة " فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري ، ثم رأيته في ثقات ابن حبان قال هندية :
" يروي عن جماعة من الصحابة ، روى عنه أبو نضرة "
ثم ساق هذه القصة دون قوله : فقالوا : . . . إلخ ، وهو رواية لابن أبي شيبة .
صفحة رقم -23-
الثاني : عن شقيق قال :
( جاء رجل يقال له : أبو حريز ( 1 ) ، فقال : إني تزوجت جارية شابة [ بكرا ] ، وإني أخاف أن تفركني ( 2 ) ، فقال عبد الله ( يعني ابن مسعود
( 1 ) بحاء مفتوحة ، والأصل " حرير " بدون إعجام ، وقد أورده الذهبي في " المشتبه " بالحاء ، وقال :
" له صحبة " . ثم تناقض فذكره في " التجريد " بالجيم والراء المكسورة ، كما حكاه عنه ابن ناصر الدين في " التوضيح " ، وقد حكى الوجهين عن غير واحد من المتقدمين . والله أعلم .
( 2 ) أي : تبغضني ، وفي " النهاية " : " فركت المرأة زوجها تفركه فركا بالكسر ، وفركا وفروكا فهي فروك
صفحة رقم -24-
( إن الإلف من الله ، والفرك من الشيطان ، يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين . زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود :
( وقل : اللهم بارك لي في أهلي ، وبارك لهم في ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير ] ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصدر السابق ، وكذا عبد الرزاق في " مصنفه " وسنده صحيح ، وأخرجه الطبراني بسندين صحيحين ، والزيادة مع الرواية الأخرى له ، ورواه في " الأوسط " كما في الجمع بينه وبين " الصغير " من طريق الحسين بن واقد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل ، فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين ، ويقول : اللهم بارك لي في أهلي ، وبارك لأهلي في ، اللهم ارزقهم مني ، وارزقني منهم ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير ، وفرق بيننا إذا فرقت في خير " .
وقال : " لم يروه عن عطاء إلا الحسين " .
قلت : يعني مرفوعا ، وعطاء بن السائب كان اختلط ، وقد رواه عنه حماد بن زيد به نحوه موقوفا عليه ، وهو الصواب ، لأن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل أن يختلط ، ولذلك أوردناه في المتن ، وهي الرواية الأخرى عن ابن مسعود .
ثم رأيته من طريق آخر عن ابن مسعود عند الثقفي ، فانظر : " إذا تزوج أحدكم . . . " من " المعجم " .
وله شاهد مرفوع عن سلمان ، أخرجه ابن عدي ، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " ، والبزار في " مسنده " بسند ضعيف تكلمت عليه في " معجم الحديث " بلفظ : " إذا تزوج أحدكم . . . " ، ورواه ابن عساكر عنه وعن ابن عباس .
وروى عبد الزراق عن ابن جريج قال :
حدثت أن سلمان الفارسي تزوج امرأة ، فلما دخل عليها وقف على بابها ، فإذا هو بالبيت مستور ، فقال :
ما أدري أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى ( كندة ) والله لا أدخله حتى تهتك أستاره
فلما هتكوها . . . دخل . . . ثم عمد إلى أهله ، فوضع يده على رأسها . . . فقال : هل أنت مطيعتي رحمك الله ؟ قالت : قد جلست مجلس من يطاع ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي :
" إن تزوجت يوما فليكن أول ما تلتقيان عليه من طاعة الله " ، فقومي فلتصل ركعتين ، فما سمعتني أدعو فأمني ، فصليا ركعتين ، وأمنت ، فبات عندها ، فلما أصبح ، جاءه أصحابه ، فانتحاه رجل من القوم ، فقال : كيف وجدت أهلك ؟ فأعرض عنه ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم ، وقال :
رحمكم الله ، فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب والأستار ؟ بحسب امرئ أن يسأل عما ظهر ، إن أخبر أو لم يخبر .
وفي إسناده انقطاع كما هو ظاهر .
صفحة رقم -26-
4 - ما يقول حين يجامعها :
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله :
( بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا .
قال صلى الله عليه وسلم :
( فإن قضى الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا " ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي
صفحة رقم -27-
5 - كيف يأتيها :
ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء ، من خلفها أو من أمامها ، لقول الله تبارك وتعالى : : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ، أي : كيف شئتم مقبلة ومدبرة ، وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها :
الأول عن جابر رضي الله عنه قال :
( كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج ] ( 1 ) .
( 1 ) رواه البخاري ومسلم والنسائي . . .
صفحة رقم -28-
الثاني : عن ابن عباس ، قال :
( كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود ، وهم أهل كتاب ، وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف ( 1 ) ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة ، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ، فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف ، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى شري ( 2 ) أمرها ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) . أي : مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، يعني بذلك موضع
( 1 ) أي : على جانب . " نهاية "
( 2 ) أي : عظم وتفاقم .
صفحة رقم -29-
الولد ( 1 ) .
6 - تحريم الدبر :
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ،
( 1 ) أخرجه أبو داود والحاكم ، والبيهقي ، والواحدي في " الأسباب " والخطابي في " غريب الحديث " ، وسنده حسن ، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي
وله عند الطبراني طريق آخر مختصر .
وله شاهد من حديث ابن عمر نحوه . أخرجه النسائي في " العشرة " بسند صحيح ، ثم روى هو والقاسم السرقسطي في " الغريب " ، وغيرهما ، عن سعيد بن يسار قال :
قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن ، قال : وما التحميض ؟ قلت : نأتيهن في أدبارهن قال : أف أو يفعل ذلك مسلم ؟
قلت : وسنده صحيح ، وهو نص صريح من ابن عمر في إنكاره أشد الإنكار إتيان النساء في الدبر ، فما أورده السيوطي في " أسباب النزول " وغيره في غيره مما ينافي هذا النص خطأ عليه قطعا فلا يلتفت إليه .
صفحة رقم -30-
والأحاديث المتقدمة ، وفيه أحاديث أخرى :
الأول : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :
( لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم ، وكان المهاجرون ( 1 ) يجبون ( 2 ) ، وكانت الأنصار لا تجبي ، فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك ، فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأتته ، فاستحيت أن تسأله ، فسألته أم سلمة ، فنزلت :
( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) وقال : لا إلا في صمام ( 3 ) واحد ( 4 ) .
( 1 ) يعني نساء المهاجرين والأنصار .
( 2 ) من التجبية وهو الانكباب على الأرض وفي القاموس :
" جبى تجبية وضع يديه على ركبتيه وانكب على وجهه " .
( 3 ) أي : مسلك واحد ، وفي " النهاية " :
" الصمام : ما تسد به الفرجة ، فسمي الفرج به " .
( 4 ) أخرجه أحمد والسياق له ، والترمذي وصححه ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " ، والبيهقي ، وإسناده صحيح على شرط مسلم
صفحة رقم -31-
الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنه قال :
( جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هلكت . قال : وما الذي أهلكك ؟ قال : حولت رحلي الليلة ( 1 ) ، فلم يرد عليه شيئا ، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، يقول : أقبل وأدبر ، واتقل الدبر والحيضة " ( 2 )
( 1 ) كنى برحله عن زوجته ، أراد بها غشيانها في قبلها من جهة ظهرها ، لأن المجماع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها ، فحيث ركبها من جهة ظهرها كنا عنه بتحويل رحله ، إما أن يريد به المنزل والمأوى ، وإما أن يريد به الرحل الذي تركب عليه الإبل ، وهو الكور . " نهاية " .
( 2 ) رواه النسائي في " العشرة " ، والترمذي ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والواحدي بسند حسن . وحسنه الترمذي .
صفحة رقم -32-
الثالث : عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه :
( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن ، أو إتيان الرجل امرأته في دبرها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حلال . فلما ولى الرجل دعاه ، أو أمر به فدعي ، فقال : كيف قلت ؟ في أي الخربتين ، أوفي الخرزتين ، أو في أي الخصفتين ( 1 ) ؟ أمن دبرها في قبلها ؟ فنعم ، أم من دبرها في دبرها ؟ فلا ، فإن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن " ( 2 ) .
( 1 ) يعني : في أي الثقبين ، والألفاظ الثلاثة بمعنى واحد كما في " النهاية " .
( 2 ) رواه الشافعي وقواه ، وعنه البيهقي ، والدارمي ، والطحاوي ، والخطابي في " غريب الحديث " ، وسنده صحيح كما قال ابن الملقن في " الخلاصة " ، وعله عن دالنسائي في " العشرة " والطحاوي والبيهقي وابن عساكر طرق أخر ، أحدها جيد كما قال المنذري ، وصححه ابن حبان ، وابن حزم ، ووافقهما الحافظ في " الفتح .
صفحة رقم -33-
الرابع : [ لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها ] ( 1 ) .
الخامس : [ ملعون من يأتي النساء في محاشهن . يعني : أدبارهن . السادس : [ من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ] ( 3 ) .
( 1 ) أخرجه النسائي في " العشرة " ، والترمذي ، وابن حبانمن حديث ابن عباس وسنده حسن ، وحسنه الترمذي ، وصححه ابن راهويه كما في " مسائل المروزي " ، وله طريق آخر عند ابن الجارود بسند جيد ، وقواه ابن دقيق العيد ، والنسائي ، وابن عساكر ، وأحمد ، من حديث أبي هريرة .
( 2 ) أخرجه ابن عدي من حديث عقبة بن عامر بسند حسن ، وهو من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة ، وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به . أخرجه أبو داود ، وأحمد .
( 3 ) أخرجه أصحاب " السنن " الأربعة إلا النسائي ، فرواه في " العشرة " ، والدارمي ، وأحمد واللفظ له والضياء في " المختارة " من حديث أبي أبي هريرة وسنده صحيح كما بينته في " نقد التاج " .
وروى النسائي ، وابن بطة في " الإبانة " عن طاوس قال :
سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها ؟ فقال : هذا يسألني عن الكفر ؟ وسنده صحيح ، وعن أبي هريرة نحوه بسند فيه ضعف .
وقال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " :
" قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء وجزمنا بتحريمه ، ولي في ذلك مصنف كبير " .
قلت : فلا تغتر بعد هذا بقول الشيخ جمال الدين القاسمي في " تفسيره " :
" إنها ضعيفة " لأنها دعوى من غير مختص بهذا العلم أولا ، وخلاف ما يقتضيه البحث العلمي ، وشهادة الأئمة بصحة بعضها وحسن بعضها ، وجم الإمام الذهبي بالتحريم الذي اجتمعت عليه مفردات أحاديث الباب . وفي مقدمة المصححين الإمام إسحاق بن راهويه ، ثم تتابعت أقوال الأئمة من بعده من المتقدمين والمتأخرين كالترمذي وابن حبان وابن حزم والضياء والمنذري وابن الملقن وابن دقيق العيد وابن حجر ، وغيرهم ممن ذكروا في غير هذا الموضع ، فانظر مثلا " الإرواء " ( 7/65 - 70 ) .
============ص 34.غير موجود في الاصل
صفحة رقم -35-
7 - الوضوء بين الجماعين :
وإذا أتاها في المحل المشروع ، ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا أتى أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعود ، فليتوضأ [ بينهما وضوءا ] وفي رواية : وضوءه للصلاة ) [ فإنه أنشط في العود ] ( 1 ) .
8 - الغسل أفضل :
لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه ، يغتسل عند هذه وعند هذه ، قال : فقلت له : يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ؟ قال :
( 1 ) أخرجه مسلم ، وابن أبي شيبة في " المصنف " ، وأحمد وأبو نعيم والزيادة له ، وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري ، وقد خرجناه في " صحيح سنن أبي داود " برقم ( 216 ) .
صفحة رقم -36-
( هذا أزكى وأطيب وأطهر ] ( 1 ) .
9 - اغتسال الزوجين معا :
ويجوز لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد ، ولو رأى منه ورأت منه ، وفيه أحاديث :
الأول : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [ تختلف أيدينا فيه ] ، فيبادرني حتى أقول : دع لي ، دع لي ، قالت : وهما جنبان ] ( 2 ) .
( 1 ) رواه أبو داود ، والنسائي في " عشرة النساء " والطبراني ، وأبو نعيم في " الطب " بسند حسن ، وقواه الحافظ ، وقد تكلمت عليه في " صحيح السنن " رقم ( 215 ) .
( 2 ) رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " ، والسياق لمسلم ، والزيادة له وللبخاي في رواية ، وترجم له ب " باب غسل الرجل مع امرأته " . . .
صفحة 37 و38. غير وجود في الاصل
صفحة رقم -39-
10 - الثاني : عن معاوية بن حيدة قال :
قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : [ احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ] . قال :
صفحة رقم -40-
قلت : يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال :
( إن استطعت أن لا يرينها أحد ، فلا يرينها ] . قال :
فقلت : يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال :
( الله أحق أن يستحيى منه من الناس ] ( 1 ) .
( 1 ) رواه أصحاب " السنن " إلا النسائي ، والروياني في " المسند " ، وكذا أحمد ، والبيهقي ، واللفظ لأبي داود ، وسنده حسن وصححه الحاكم ، ووافقه الذبي ، وقواه ابن دقيق العيد في " الإلمام " .
والحديث ترجم له النسائي ب " نظر المرأة إلى عورة زوجها " ، وعلقه البخاري في " صحيحه " في " باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ، ومن تستر فالستر افضل " ، ثم ساق حديث أبي هريرة في اغتسال كل من موسى وأيوب عليهما السلام في الخلاء عريانين ، فأشار في إلى أن قوله في الحديث : " الله أحق أن يستحيى منه " محمول على ما هو الأفضل والأكمل ، وليس على ظاهره المفيد للوجوب ، قال المناوي :
" وقد حمله الشافعية على الندب ، وممن وافقهم ابن جريج ، فأول الخبر في " الآثار " على الندب ، قال : لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة " .
وذكر الحافظ في " الفتح " نحوه ، فراجعه إن شئت ( 1/307 ) .
صفحة رقم -41-
10 - توضؤ الجنب قبل النوم :
ولا ينامان جنبين إلا إذا توضآ ، وفيه أحاديث :
الأول : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [ يأكل أو ] ينام وهو جنب غسل فرجه ، وتوضأ وضوءه للصلاة ) ( 1 )
الثاني : عن ابن عمر رضي الله عنهما :
( أن عمر قال : يا رسول الله أينام أحدنا وهو
( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " .
صفحة رقم -42-
جنب ؟ قال : نعم إذا توضأ ) ، وفي رواية :
( توضأ واغسل ذكرك ، ثم نم ) . وفي رواية :
( نعم ، ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء ) .
وفي أخرى :
( نعم ، ويتوضأ إن شاء ( 1 ) .
الثالث : عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( ثالثة لا تقربهم الملائكة : جيفة الكافر ، والمتضمخ ( 2 )
( 1 ) أخرجه الثلاثة في " صحاحهم " ، وابن عساكر ، والرواية الثانية لأبي داود بسند صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " ، والرواية الثالثة لمسلم وأبو عوانة والبيهقي ، والأخيرة لابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " كما في " التلخيص " ، وهي تدل على عدم وجوب هذا الوضوء ، وهو مذهب جمهور العلماء ، وسيأتي لهذا زيادة بيان في المسألة التالية ، وإذا كان كذلك فبالأولى أن لا يجب هذا على الوضوء على غير الجنب . فتنبه
( 2 ) أي : المنكر التلطخ ب " الخلوق " ، وهو بفتح المعجمة ، قال ابن الأثير :
" وهو طيب معروف ، مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء " .
صفحة رقم -43-
بالخلوق ، [ والجنب إلا أن يتوضأ ( 1 )
11 - حكم هذا الوضوء :
وليس ذلك على الوجوب ، وإنما للاستحباب المؤكد ، لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينام أحدنا وهو جنب ؟ فقال :
( نعم ، ويتوضأ إن شاء ) ابن حبان في صحيحه .
حديث حسن ، أخرجه أبو داود في " سننه " من طريقين ، وأحمد والطحاوي والبيهقي من أحدهما ، وصححه الترمذي وغيره ، وفيه نظر بينته في كتابي " ضعيف سنن أبي داود " ، لكن متن الطريق الأولى وهو هذا له شاهدان أوردهما الهيثمي في " المجمع " ، ولهذا حسنته ، وأحدهما عند الطبراني في " الكبير " من حديث ابن عباس .
( 2 ) رواه ابن حبان في " صحيحه " عن شيخه ابن خزيمة ، وإلى " صحيحه " عزاه الحافظ في " التلخيص " كما تقدم قريبا ، ثم قال الحافظ :
" وأصله في " الصحيحين " دون قوله : إن شاء " .
قلت : بل هو في " صحيح مسلم " أيضا بهذه الزيادة كما سبق تخريجه آنفا ، وهي دليل صريح على عدم وجوب الوضوء قبل النوم على الجنب ، خلافا للظاهرية .
صفحة رقم -44-
ويؤيده حديث عائشة قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء [ حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل ] ( 1 )
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، وأصحاب " السنن " إلا النسائي ، والطحاوي والطيالسي وأحمد والبغوي في " حديث علي بن الجعد " وأبو يعلى في " مسنده " ، والبيهقي والحاكم وصححاه ، وهو كما قالا كما بينته في " صحيح أبي داود " برقم ، ورواه عفيف الدين أبو المعالي في " ستين حديثا " برقم ( 6 ) بلفظ :
" فإن استيقظ من آخر الليل ، فإن كان له في أهله حاجة عاودهم ثم اغتسل " .
وفي سنده أبو حنيفة رحمه الله .
وروى ابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عباس قال :
" إذا جامع الرجل ثم أراد أن يعود فلا بأس أن يؤخر الغسل "
وعن سعيد بن المسيب قال :
" إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ " .
وسنده صحيح ، وهو مذهب الجمهور .
صفحة رقم -45-
وفي رواية عنها :
( كان يبيت جنبا فيأتيه بلال ، فيؤذنه بالصلاة ، فيقوم فيغتسل ، فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه ، ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر ، ثم يظل صائما . قال مطرف : فقلت لعامر : في رمضان ؟ قال : نعم ، سواء رمضان أو غيره ( 1 )
12 - تيمم الجنب بدل الوضوء :
ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ ،
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، من رواية الشعبي عن مسروق عنها . وسنده صحيح ، وهو شاهد قوي للذي قبله ، وكذا رواه أحمد ، وأبو يعلى في " مسنده " ، وله عندي طريق أخرى .
صفحة رقم -46-
أو تيمم ( 1 ) .
13 - اغتساله قبل النوم أفضل :
واغتسالهما أفضل ، لحديث عبد الله بن قيس قال :
( 1 ) رواه البيهقي من طريق عثام بن علي عن هشام عن أبيه عنها . قال الحافظ في " الفتح " :
" إسناده حسن " .
قلت : رواه ابن أبي شيبة عن عثام به موقوفا عليها في الرجل يصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام ، قالت : يتوضأ أو يتيمم . وسنده صحيح .
وقد تابعه إسماعيل بن عياش ، عن هشام بن عروة به مرفوعا ، ولفظه :
" كان إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم " .
رواه الطبراني في " الأوسط " عن بقية بن الوليد عنه ، وقال : :
" لم يروه عن هشام إلا إسماعيل " .
قلت : وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها ، لكنه قد تابعه عثام بن علي - وهو ثقة كما سبق - ففي متابعته رد على الطبراني كما لا يخفى .
صفحة رقم -47-
( سألت عائشة قلت : كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة ؟ أكان يغتسل قبل أن ينام ، أم ينام قبل أن يغتسل ؟ قالت : كل ذلك قد كان يفعل ، ربما اغتسل فنام ، وربما توضأ فنام ، قلت : الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ( 1 )
14 - تحريم إتيان الحائض :
ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها ( 2 ) لقوله تبارك وتعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ( 3 ) فاعتزلوا
( 1 ) مسلم وأبو عوانة وأحمد .
( 2 ) قال الشوكاني في " فتح القدير " :
" ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض ، وهو معلوم من ضرورة الدين " .
( 3 ) أي : هو شيء تتأذى به المرأة . وفسره القرطبي وغيره برائحة دم الحيض . قال السيد رشيد رضا رحمه الله :
" أخذه على ظاهره مقرر في الطب ، فلا حاجة إلى العدول عنه " ، ويعني به الضرر الجسماني ، قال :
" لأن غشيانهن سبب للأذى والضرر ، وإذا سلم الرجل من هذا الأذى ، فلا تكاد تسلم منه المرأة ، لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له ، ولا قادرة عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى ، وهي إفراز الدم المعروف " .
صفحة رقم -48-
النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ( 1 ) فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .
وفيه أحاديث :
الأول : من قوله صلى الله عليه وسلم :
( من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا
( 1 ) هو انقطاع دم الحيض ، وهو ما لا يكون بفعل النساء بخلاف التطهر في قوله : {فإذا تطهرن} ، فإنه من عملهن ، وهو استعمال الماء منهن ، وسيأتي بيان المراد منه في المسألة ( 17 ) .
صفحة رقم -49-
فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ( 1 ) الثاني : عن أنس بن مالك قال :
( إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ، ولم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها ( 2 ) في البيت ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله تعالى ذكره ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جامعوهن في البيوت ، واصنعوا كل شيء غير النكاح ، فقالت اليهود : ما يريد هذا الرجل ألا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا ، أفلا ننكحهن في المحيض ؟ فتمعر ( 3 ) وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد ( 4 ) عليهما ، فخرجا ، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث في آثارهما فسقاهما ، فظننا أنه لم يجد عليهما ( 5 ) .
( 1 ) حديث صحيح . رواه أصحاب " السنن " وغيرهم كما سبق في المسالة .
( 2 ) أي : لم يخالطوها .
( 3 ) أي : تغير .
( 4 ) أي : غضب .
( 5 ) أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " . . .
صفحة رقم -50-
15 - كفارة من جامع الحائض :
من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها ، فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها ، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، قال :
( يتصدق بدينار أو نصف دينار ( 1 )
( 1 ) أخرجه أصحاب " السنن " والطبراني في " المعجم الكبير " وابن الأعرابي في " معجمه ، والدارمي والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وابن دقيق العيد ، وابن التركماني وابن القيم وابن حجر العسقلاني كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " ، وكذا وافقه ابن الملقنفي " خلاصة البدر المنير " ، وقواه الإمام أحمد قبل هؤلاء ، وجعله من مذهبه فقال أبو داود في " المسائل " :
" سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض ؟ قال : ما أحسن حديث عبد الحميد فيه ( قلت : يعني هذا ) ، قلت : وتذهب إليه ؟ قال : نعم ، إنما هو كفارة . [ قلت ] : فدينار أو نصف دينار : قال : كيف شاء " .
وذهب على العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر أسماءهم الشوكاني في النيل ، وقواه .
صفحة رقم -51-
16 - ما يحل له من الحائض :
ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض ، وفيه أحاديث :
الأول : قوله صلى الله عليه وسلم :
. . . اصنعوا كل شيء إلا النكاح ( 1 )
ــــــــــــــــ
( 1 ) أي : الجماع . قال الأزهري :
" أصل النكاح في كلام العرب الوطء ، وقيل للتزوج : نكاح لأنه سبب للوطء المباح " . " لسان العرب " .
والحديث قطعة من حديث أنس المتقدم في المسالة ( 14 ) .
صفحة رقم -52-
الثاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ، ثم يضاجعها زوجها ، وقالت مرة : يباشرها ( 1 )
( 1 ) البخاري ومسلم وأبو عوانة
صفحة رقم -53-
الثالث : عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم :
( كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا [ ثم صنع ما أراد ] ( 1 )
17 - متى يجوز إتيانها إذا طهرت :
فإذا طهرت من حيضها ، وانقطع الدم عنها ، جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط ، أو تتوضأ أو تغتسل ، أي ذلك فعلت ، جاز له إتيانها ( 2 ) ، لقوله تبارك
( 1 ) أبو داود وسنده صحيح على شرط مسلم .
( 2 ) وهو مذهب ابن حزم ، ورواه عطاء وقتادة قالا في الحائض إذا رأت الطهر : أنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها ، وهو مذهب الأوزاعي أيضا كما في " بداية المجتهد " قال ابن حزم :
" وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها ، وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا " .
صفحة رقم -54-
وتعالى في الآية السابقة :
صفحة رقم -55-
فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .
56 .ليس موجودا بالاصل
57.كذلك
صفحة رقم -58-
18 - جواز العزل :
ويجوز له أن يعزل عنها ماءه ، وفيه أحاديث :
الأول : عن جابر رضي الله عنه قال :
( كنا نعزل ( 1 ) والقرآن ينزل ) ، وفي رواية :
( كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينهنا ( 2 )
الثاني : عن أبي سعيد الخدري قال :
( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي وليدة ( 3 ) ، وأنا أعزل عنها ، وأنا أريد ما يريد الرجل ، وإن اليهود زعموا : [ أن الموءودة الصغرى العزل ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ كذبت يهود ، [ كذبت يهود ] ، لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه ( 4 )
( 1 ) في " الفتح " : " العزل : النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج " .
( 2 ) رواه البخاري ومسلم . . .
( 3 ) يعني جارية .
( 4 ) النسائي ، وأبو داود والطحاوي في " المشكل " والترمذي ، وأحمد بسند صحيح .
وله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه أبو يعلى ، والبيهقي بسند حسن .
صفحة رقم -59-
الثالث : عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا ( 1 ) ، وأنا أطوف عليها ، وأنا أكره أن تحمل ( 2 ) ، فقال :
( اعزل عنها إن شئت ، فإنه سيأتيها ما قدر لها ) ، فلبث الرجل ، ثم أتاه فقال : إن الجارية قد حبلت فقال :
( قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها ( 3 )
( 1 ) أي : التي تسقي لنا النخل ، كأنها كانت تسقي لهم عوض البعير . " نهاية " .
( 2 ) أي : أجامعها ، وأكره حملها مني بولد .
( 3 ) مسلم وأبو داود والبيهقي وأحمد .
صفحة رقم -60-
19 - الأولى ترك العزل :
ولكن تركه أولى لأمور :
الأول : أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها ( 1 ) ، فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي ، وهو :
الثاني : أنه يفوت بعض مقاصد النكاح ، وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر ( 2 ) بكم الأمم ( 3 )
( 1 ) ذكره الحافظ في " الفتح " .
( 2 ) أي : أغالب بكم الأمم السابقة في الكثرة ، وهو تعليل للأمر بتزوج الولود الودود ، وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها ، والولود غير الودود لا تحصل المقصود . كذا في " فيض القدير " .
( 3 ) حديث صحيح ، رواه أبو داود ، والنسائي والمحاملي في " الأمالي " من حديث معقل بن يسار ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، ورواه أحمد ، وسعيد بن منصور ، والطبراني في " الأوسط " كما في " زوائده " ، والبيهقي من حديث أنس وصححه ابن حبان ، وقال الهيثمي :
" إسناده حسن " ، وفيه نظر كما بينته في " إرواء الغليل " وتقدم لفظه .
ورواه ابو محمد بن معروف في " جزئه " والخطيب في " تاريخه " من حديث ابن عمر وسنده جيد كما قال السيوطي في " الجامع الكبير " ، ولأحمد نحوه من حديث ابن عمر ، وسنده حسن في الشواهد .
صفحة رقم -61-
ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل ، فقال :
( ذلك الوأد الخفي ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه مسلم والطحاوي في " المشكل " ، وأحمد والبيهقي عن سعيد بن أبي أيوب : حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب .
صفحة رقم -62-
ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري أيضا ، قال :
صفحة رقم -63-
( ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ولم يفعل ذلك أحدكم ؟ - ولم يقل : فلا يفعل ذلك أحدكم - فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها . ( وفي رواية ) ، فقال : وإنكم لتفعلون ، وإنكم لتفعلون ، وإنكم لتفعلون ؟
______________
( 1 ) رواه مسلم بالروايتين والنسائي ، وابن منده في التوحيد بالأولى . والبخاري بالأخرى .
صفحة رقم -64-
ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة ( 1 )
20 - ما ينويان بالنكاح :
وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما ، وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما ، فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما ، لحديث أبي ذر رضي الله عنه :
( أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، [ وبكل تكبير صدقة ، وبكل تهليلة صدقة ، وبكل تحميدة صدقة ] ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر ؟ [ قالوا : بلى ، قال : ] فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له [ فيها ] أجر ، [ وذكر أشياء : صدقة ، صدقة ، ثم قال : ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى ] ( 1 )
65.-------------
66.
صفحة رقم -66-
21 - ما يفعل صبيحة بنائه :
ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره ، ويسلم عليهم ، ويدعو لهم ، وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي الله عنه قال :
( أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بنى بزينب ، فأشبع المسلمين خبزا ولحما ، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن ، ودعا لهن ، وسلمن عليه ودعون له ، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه ( 2 ) .
( 1 ) مسلم والسياق له ، والنسائي وأحمد والزيادات كلها له ، وإسنادها صحيح على شرط مسلم ، وللنسائي الزيادة الأخيرة .
قال السيوطي في " إذكار الأذكار " :
" وظاهر الحديث أن الوطء صدقة وإن لم ينو شيئا " .
قلت : لعل هذا عند كل وقاع ، وإلا فالذي أراه أنه لا بد من النية عند عقده عليها ، وهو ما ذكرناه في الأعلى . والله أعلم .
( 2 ) رواه ابن سعد ، والنسائي في " الوليمة " بسند صحيح .
صفحة رقم -67-
22 - وجوب اتخاذ الحمام في الدار :
ويجب عليهما أن يتخذا حماما في دارهما ، ولا يسمح لها أن تدخل حمام السوق ، فإن ذلك حرام ، وفيه أحاديث :
الأول : عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ( 1 )
( 1 ) أخرجه الحاكم واللفظ له ، والترمذي ، والنسائي بعضه ، وأحمد ، والجرجاني من طرقعن أبي الزبير عن جابر ، وقال الحاكم :
" صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : " حديث حسن " ، وله شواهد كثيرة تراها في الترغيب والترهيب .
صفحة رقم -68-
الثاني : عن أم الدرداء قالت :
خرجت من الحمام ، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : من أين يا أم الدرداء ؟ قالت : من الحمام ، فقال :
( والذي نفسي بيده ، ما من أمرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها ، إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن ( 1 )
( 1 ) أخرجه أحمد والدولابي بإسنادين عنها أحدهما صحيح ، وقواه المنذري .
صفحة رقم -69-
الثالث : عن أبي المليح قال :
دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها ، فقالت : ممن أنتن ؟ قلن : من أهل الشام ، قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام ؟ قلن : نعم ، قالت : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه أصحاب " السنن " إلا النسائي ، والدارمي والطيالسي ، وأحمد . وقال الحاكم :
" صحيح على شرط الشيخين " ، ووافقه الذهبي ، فأصاب واللفظ لأبي داود .
صفحة رقم -70-
23 - تحريم نشر أسرار الاستمتاع :
ويحرم على كل منهما أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع ، وفيه حديثان :
الأول : قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي ( 1 ) إلى امرأته ، وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها ( 2 )
( 1 ) أي : يصل إليها بالمباشرة والمجامعة ، ومنه قوله تعالى : {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} .
( 2 ) رواه ابن أبي شيبة ، ومن طريقه مسلم ، وأحمد وأبو نعيم .
ثم استدركت فقلت : إن هذا الحديث مع كونه في " صحيح مسلم " فإنه ضعيف من قبل سنده ، لأن فيه عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف كما قال في " التقريب " ، وقال الذهبي في الميزان " :
" ضعفه يحيى بن معين والنسائي ، وقال أحمد : أحاديثه مناكير " .
ثم ساق له الذهبي هذا الحديث ، وقال :
" فهذا مما استنكر لعمر " .
قلت : ويسنتنج من هذه الأقوال لهؤلاء الأئمة أن الحديث ضعيف وليس بصحيح ، وتوسط ابن القطان فقال كما في " الفيض " :
" وعمر ضعفه ابن معين ، وقال أحمد : أحاديثه مناكير ، فالحديث به حسن لا صحيح " .
قلت : ولا أدري كيف حكم بحسنه مع التضعيف الذي حكاه هو نفسه فلعله أخذ بهيبة " الصحيح " ولم أجد حتى الآن ما أشد به عضد هذا الحديث ، بخلاف الحديث الآتي بعده ، والله أعلم .
صفحة رقم -71-
الثاني : عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرجال والنساء قعود ، فقال :
( لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها ؟ فأرم ( 1 ) القوم ، فقلت : إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن ، وإنهم ليفعلون . قال :
( فلا تفعلوا ، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق ، فغشيها والناس ينظرون ( 2 )
( 1 ) أي : سكتوا ، ولم يجيبوا .
( 2 ) أخرجه أحمد ، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة ، وأبي داود ، والبيهقي ، وابن السني .
وشاهد ثان رواه البزار عن أبي سعيد .
وشاهد ثالث عن سلمان في " الحلية "
فالحديث بهذه الشواهد صحيح أو حسن على الأقل .
صفحة رقم -72-
24 - وجوب الوليمة :
ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها كما يأتي ، ولحديث بريدة ابن الحصيب ، قال :
لما خطب علي فاطمة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إنه لا بد للعرس ( وفي رواية للعروس ) من وليمة ( 1 ) -
( 1 ) رواه أحمد والطبراني والطحاوي . وإسناده كما قال الحافظ في الفتح : " لا بأس به " .
صفحة رقم -73-
قال : فقال سعد علي كبش ، وقال فلان : علي كذا وكذا من ذرة ، وفي الرواية الأخرى : [ وجمع له رهط من الأنصار أصوعا ذرة ) .
25 - السنة في الوليمة :
وينبغي أن يلاحظ فيها أمورا :
الأول : أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول ، لأنه هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس رضي الله عنه قال :
( بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ، فأرسلني فدعوت رجالا على الطعام ( 1 )
( 1 ) أخرجه البخاري والبيهقي ، واللفظ له ، وغيرهما .
صفحة رقم -74-
وعنه قال :
( تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية ، وجعل عتقها صداقها ، وجعل الوليمة ثلاثة أيام ( 1 )
الثاني : أن يدعو الصالحين إليها ، فقراء كانوا أو أغنياء ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
( لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ( 2 )
الثالث : أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة ،
( 1 ) أخرجه أبو يعلى بسند حسن وهو في " صحيح البخاري " بمعناه . ويأتي لفظه قريبا في المسألة ( 26 ) .
( 2 ) رواه أبو داود ، والترمذي ، والحاكم ، وأحمد . وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي .
صفحة رقم -75-
لحديث أنس رضي الله عنه قال :
( إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة ، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري [ فانطلق به سعد إلى منزله ، فدعا بطعام فأكلا ] ، فقال له سعد : أي أخي أنا أكثر أهل المدينة ( وفي رواية : أكثر الأنصار ) مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ( وفي رواية : هلم إلى حديقتي أشاطركها ) ، وتحتي امرأتان [ وأنت أخي في الله ، لا امرأة لك ] ، فانظر أيهما أعجب إليك [ فسمها لي ] حتى أطلقها [ لك ] [ فإذا انقضت عدتها فتزوجها ] ، فقال عبد الرحمن : [ لا والله ] ، بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلوني على السوق ، فدلوه على السوق ، فذهب ، فاشترى وباع ، وربح ، [ ثم تابع الغدو ] فجاء بشيء من أقط ( 1 ) وسمن [ قد أفضله ] [ فأتى به أهل منزله ] ، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث ، فجاء وعليه ردع ( 2 ) زعفران ( وفي رواية : وضر ( 3 ) من خلوق ) ،
( 1 ) لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به . " نهاية " .
( 2 - 3 ) هما بمعنى واحد ، أي : لطخ من خلوق ، وذلك من فعل العروس . كما في " النهاية " .
والخلوق طيب معروف مركب ، يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة .
صفحة رقم -76-
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهيم ( 1 ) ؟ فقال : يا رسول الله تزوجت امرأة [ من الأنصار ] ، فقال : ما أصدقتها ؟ قال : وزن نواة ( 2 ) من
( 1 ) أي : ما شأنك ؟ أو ما هذا ؟ وهي كلمة استفهامبنية على السكون " فتح " .
( 2 ) قال ابن الأثير في " النهاية :
" النواة اسم لخمسة دراهم ، قال الأزهري : لفظ الحديث يدل على أنه تزوج المرأة على ذهب قيمته خمسة دراهم ، لأنه قال : نواة من ذهب " .
وهذا القول حكى مثله الحافظ في " الفتح " عن أكثر العلماء .
صفحة رقم -77-
ذهب ، قال : [ فبارك الله لك ] أولم ولو بشاة ، [ فأجاز ذلك ] . قال عبد الرحمن : فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب [ تحته ] [ ذهبا أو فضة ] ، [ قال أنس : لقد رأيته قسم لكل أمرأة من نسائه بعد موته مائة ألف دينار ] ( 1 ) .
( 1 ) رواه البخاري ، والنسائي ، وابن سعد ، والبيهقي ، وأحمد وأبو الحسن الطوسي في " المختصر " ، والسياق لهما ، وإسنادهما صحيح على شرط مسلم ، وبعض الزيادات لهما ، وسائرها مع الروايات الأخرى للبخاري وأحمد والنسائي وابن سعد والحديث في مسلم وأبي داود والترمذي وصححه والدارمي . . .
صفحة رقم -78-
وعن أنس أيضا :
( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب ، فإن ذبح شاة ، [ قال : أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه ] ( 1 )
( 1 ) رواه البخاري ومسلم واللفظ مع الزيادة له ، . . .
صفحة رقم -79-
26 - جواز الوليمة بغير لحم :
ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر ، ولم لم يكن فيه لحم ، لحديث أنس رضي الله عنه قال :
( أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية ، فدعوت المسلمين إلى وليمته ، وما كان فيها من خبز ولا لحم ، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع ( 1 ) فبسطت ( وفي رواية : فحصت الأرض أفاحيص ( 2 ) ، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ) ، فألقي عليها التمر والأقط والسمن [ فشبع الناس ] ( 3 ) .
( 1 ) جمع نطع بساط متخذ من الأديم وهو الجلد المدبوع .
( 2 ) جمع أفحوص القطاة ، وهو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض ، كأنها تفحص عنه التراب ، أي : تكشفه ، والفحص : البحث والكشف . " نهاية " .
( 3 ) أخرجه البخاري والسياق له ، ومسلم والرواية الأخرى مع الزيادة له ، والنسائي والبيهقي ، وأحمد وعنده الرواية الأخرى مع الزيادة .
صفحة رقم -80-
27 - مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة :
ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها لحديث أنس في قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية قال :
( حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم ، فأهدتها له من الليل ، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا ( 1 ) فقال :
من كان عنده شيء فليجئ به ، ( وفي رواية : من كان عنده فضل زاد فليأتنا به ) ، قال : وبسط نطعا ، فجعل الرجل يجئ بالأقط ، وجعل الرجل يجيء بالتمر ، وجعل الرجل يجيء بالسمن ، فحاسوا حيسا ( 2 ) [ فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء ] ، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 3 )
( 1 ) يقال للرجل : عروس ، كما يقال للمرأة ، وهو اسم لهما عند دخول أحدهما بالآخر " نهاية " .
( 2 ) هو الطعام المتخذ من الأشياء المذكورة في الحديث .
( 3 ) أخرجه الشيخان والزيادة لمسلم . . .
صفحة رقم -81-
28 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة :
ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء لقوله صلى الله عليه وسلم :
( شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ، ويمنعها المساكين ، ومن لم يجب الدعوة فقط عصى الله ورسوله ( 1 )
29 - وجوب إجابة الدعوة :
ويجب على من دعي إليها أن يحضرها ، وفيها حديثان :
( 1 ) رواه مسلم ، والبيهقي ، من حديث أبي هريرة مرفوعا ، وهو عند البخاري موقوفا عليه . وهو في حكم املرفوع ما بينه الحافظ في شرحه .
صفحة رقم -82-
الأول : فكوا العاني ( 1 ) ، وأجيبوا الداعي ، وعودوا المريض ( 2 ) .
الثاني : [ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها [ عرسا كان أو نحوه ] ، [ ومن لم يجب الدعوة ، فقد عصى الله ورسوله ] ( 3 )
30 - الإجابة ولو كان صائما :
وينبغي أن يجيب ولو كان صائما ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
( 1 ) أي : الأسير أي : أعتقوه من أيدي العدو بمال أو غيره .
( 2 ) رواه البخاري ، وعبد بن حميد في " المنتخب من مسنده " من حديث أبي موسى الأشعري .
( 3 ) رواه البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي من حديث ابن عمر ، ورواه أبو يعلى ، والزيادة الثانية له ، وسندها صحيح كما قال الحافظ في " التلخيص " .
صفحة رقم -83-
( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليصل ( 1 ) . يعني : الدعاء ( 2 ) 31 - الإفطار من أجل الداعي :
وله أن يفطر إذا كان متطوعا في صيامه ، ولا سيما إذا ألح عليه الداعي ، وفيه أحاديث :
الأول : [ إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طعم ، وإن شاء ترك ( 3 )
( 1 ) أي : فليدع كما هو مفسر في آخر الحديث من بعض الرواة .
( 2 ) رواه مسلم ، والنسائي في " الكبرى " وأحمد ، والبيهقي واللفظ له ، من حديث أبي هريرة مرفوعا . . .
( 3 ) رواه مسلم ، وأحمد . . .
صفحة رقم -84-
الثاني : [ الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ( 1 )
( 1 ) رواه النسائي ، والحاكم ، والبيهقي . وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " ، ووافقه الذهبي . وهو كما قالا .
85. ليس بالصل صفحة 85.
صفحة رقم -86-
الثالث : حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : هل عندكم شيء ؟ فقلت : لا . قال : فإني صائم . ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس ، فخبأت له منه ، وكان يحب الحيس ، قالت : يا رسول الله إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه . قال : أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم . فأكل منه ، ثم قال :
صفحة رقم -87-
( إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة ، فإن شاء أمضاها ، وإن شاء حبسها ( 1 ) .
32 - لا يجب قضاء يوم النفل :
ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم ، وفيه حديثان :
الأول : عن أبي سعيد الخدري قال : [ صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما ، فأتاني هو وأصحابه ، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم : إني صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعاكم أخوكم وتكلف لكم ثم قال له : أفطر وصم مكانه يوما إن شئت ( 2 )
( 1 ) النسائي بإسناد صحيح . كما هو مبين في " الإرواء " .
( 2 ) رواه البيهقي بإسناد حسن كما قال الحافظ في " الفتح " .
صفحة رقم -88-
الثاني : عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء ، قال : فجاءه سلمان يزوره ، فإذا أم الدرداء متبذلة ( 1 ) ، فقال : ما شأنك يا أم الدرداء ؟ قالت : إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار ، وليس له في شيء من الدنيا حاجة فجاء أبو الدرداء فرحب به ، وقرب إليه طعاما ، فقال له سلمان : اطعم ، قال : إني صائم ، قال : أقسمت عليك لتفطرنه ، ما أنا بآكل حتى تأكل ، فأكل معه ، ثم بات عنده ، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم ، فمنه سلمان وقال له : يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا ، ولربك عليك حقا ، [ ولضيفك عليك حقا ] ، ولأهلك عليك حقا ، صم ، وأفطر ، وصل ، وائت أهلك ، وأعط كل ذي حق حقه ، فلما كان في وجه الصبح ، قال : قم الآن إن شئت ، قال : فقاما فتوضآ ، ثم ركعا ، ثم خرجا إلى الصلاة ، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا ، مثل ما قال سلمان ( وفي رواية : صدق سلمان ( 2 )
( 1 ) أي : لابسة البذلة وهي المهنة وزنا ومعنى ، والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة .
( 2 ) رواه البخاري والترمذي ، والبيهقي والسياق له ، وقال الترمذي : " حديث صحيح " .
والزيادة والرواية الأخيرة للأولين .
صفحة رقم -89-
33 - ترك حضور الدعوة التي فيها معصية :
ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية ، إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها ، فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع ، وفيه أحاديث :
الأول : عن علي قال :
( صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء فرأى في البيت تصاوير ، فرجع [ قال : فقلت : يا رسول الله ما أرجعك بأبي أنت وأمي ؟ قال : إن في البيت سترا فيه تصاوير ، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير ] ( 1 )
( 1 ) رواه ابن ماجه ، وأبو يعلى في " مسنده " والزيادة له بسند صحيح .
صفحة رقم -90-
الثاني : عن عائشة أنها اشترت نمرقة ( 1 ) فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب ، فلم يدخل ، فعرفت في وجهه الكراهية ، فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ، ماذا أذنبت ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ما بال هذه النمرقة ؟ فقلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ، فقال صلى الله عليه وسلم :
( إن أصحاب هذه الصور ( وفي رواية : إن الذين يعملون هذه التصاوير ) يعذبون يوم القيامة ( 2 ) ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ، وإن البيت الذي فيه [ مثل هذه ] الصور لا تدخله الملائكة [ قالت : فما دخل حتى أخرجتها ] ) .
( 1 ) هي الوسادة ، كما في " النهاية " و" لسان العرب " .
( 2 ) قال الحافظ تحت هذه الجملة من الحديث :
" وفيه أن الملائكة لا تدخل بيتا في الصور ، وهذه الجملة هي المطابقة لامتناعه من الدخول ، وإنما قدم الجملة الأولى ( يعني : إن أصحاب هذه الصور . . . ) عليها اهتماما بالزجر عن اتخاذ الصور ، لأن الوعيد إذا حصل لصانعها فهو حاصل لمستعملها ، لأنها لا تصنع إلا لتستعمل ، فالصانع متسبب ، والمستعمل مباشر ، فيكون أولى بالوعيد " .
( 3 ) أخرجه البخاري ومسلم . . .
صفحة رقم -91-
الثالث : قال : صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه أحمد عن عمر ، والترمذي ، وحسنه الحاكم ، وصححه عن جابر ، ووافقه الذهبي . وهو مخرج في " الإرواء " .
صفحة رقم -92-
وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، فأقتصر على ما يحضرني الآن منها :
أ - عن أسلم - مولى عمر - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام ، فصنع له ( 1 ) رجل من النصارى ، فقال لعمر : إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك - وهو رجل من عظماء الشام - فقال له عمر رضي الله عنه :
( إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها ( 2 )
( 1 ) يعني : طعاما .
( 2 ) رواه البيهقي بسند صحيح .
واعلم أن في قول عمر دليلا واضحا على خطأ ما يفعله بعض المشايخ من الحضور في الكنائس الممتلئة بالصور والتماثيل استجابة منهم لرغبة بعض المسؤولين أو غيرهم . . .
صفحة رقم -93-
ب - عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو - أن رجلا صنع له طعاما ، فدعاه ، فقال : أفي البيت صورة ؟ قال : نعم ، فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل ( 1 ) .
ج - قال الإمام الأوزاعي :
( لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف ) ( 2 ) .
( 1 ) رواه البيهقي وسنده صحيح . كما قال الحافظ في " الفتح " .
( 2 ) رواه أبو الحسن الحربي في " الفوائد المنتقاة " بسند صحيح عنه .
صفحة رقم -94-
34 - ما يستحب لمن حضر الدعوة :
ويستحب لمن حضر الدعوة أمران :
الأول : أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وهو أنواع :
أ - عن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ، فدعاه ، فأجابه ، فلما فرغ من طعامه قال :
( اللهم اغفر لهم ، وارحمهم ، وبارك لهم فيما رزقتهم ( 1 )
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأبو داود والترمذي وصححه . . .
صفحة رقم -95-
ب - عن المقداد بن الأسود قال : قدمت أنا وصاحبان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأصابنا جوع شديد ، فتعرضنا للناس ، فلم يضفنا أحد ، فانطلق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وعنده أربع أعنز ، فقال لي : يا مقداد جزئ ألبانها بيننا أرباعا ، فكنت أجزئه بيننا أرباعا ، [ فيشرب كل إنسان نصيبه ، ونرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه ] ، فاحتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فحدثت نفسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى بعض الأنصار ، فأكل حتى شبع ، وشرب حتى روي ، فلو شربت نصيبه ( ) فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته ( ) ثم غطيت القدح ، فلما فرغت أخذني ما قدم وما حدث ، فقلت : يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم جائعا ولا يجد شيئا ، فتسجيت ( 1 ) ، [ قال : وعلي شملة من صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي ، وإذا أرسلت على قدمي خرج رأسي ، قال : ] [ وجعل لا يجيئني النوم ] ، وجعلت أحدث نفسي ، [ قال : وأما صاحباي فناما ] ، فبينا أنا كذلك
( 1 ) أي : تغطيت ، يعني : يريد أن ينام .
صفحة رقم -96-
إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم تسليمة يسمع اليقظان ، ولا يوقظ النائم ، [ ثم أتى المسجد فصلى ] ، ثم أتى القدح فكشفه ، فلم ير شيئا ، فقال :
( اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني ) ، واغتنمت الدعوة ، [ فعمدت إلى الشملة فشددتها علي ] ، فقمت إلى الشفرة ( 1 ) فأخذتها ، ثم أتيت الأعنز ، فجعلت أجتسها ( 2 ) أيها اسمن [ فأذبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ] ، فلا تمر يدي على ضرع واحدة إلا وجدتها حافلا ( 3 ) ، [ فعمدت إلى إناء لآل محمد ما كانوا يطمعون أن يحلبوا فيه ] ، فحلبت حتى ملأت القدح ، ثم أتيت [ به ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ فقال : أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد ؟ قال : ] فقلت : اشرب يا رسول الله فرفع رأسه إلي ، فقال : بعض سوآتك يا مقداد ، ما الخبر ؟ قلت : اشرب ثم الخبر ، فشرب حتى روي ، ثم ناولني فشربت ، فلما
( 1 ) هي السكين العظيمة العريضة .
( 2 ) أي : أمسها بيدي .
( 3 ) أي : ممتلئا لبنا .
صفحة رقم -97-
عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روي وأصابتني دعوته ، ضحكت ، حتى ألقيت إلى الأرض ، فقال : ما الخبر ؟ فأخبرته ، فقال : هذه بركة نزلت من السماء ، فهلا أعلمتني حتى نسقي صاحبينا ؟ فقلت : [ والذي بعثك بالحق ] ، إذا أصابتني وإياك البركة ، فما أبالي من أخطأت . ( 1 )
الثاني : عن أنس أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ كان يزور الأنصار ، فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار يدورون حوله ، فيدعوا لهم ، ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم ، فأتى إلى باب سعد بن عبادة ف ] استأذن على سعد فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ، ورد عليه سعد ثلاثا ، ولم يسمعه ، [ وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد فوق ثلاث تسليمات ، فإن أذن له ،
( 1 ) رواه مسلم وأحمد وابن سعد وبعضه الترمذي وصححه .
صفحة رقم -98-
وإلا انصرف ] ، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعه سعد ، فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني ، ولقد رددت عليك ولم أسمعك ، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة ، [ فادخل يا رسول الله ] ، ثم أدخله البيت ، فقرب له زبيبا ، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ قال :
( أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون ) .
( 1 ) رواه أحمد والطحاوي والبيهقي وابن عساكر وإسنادهم صحيح .
صفحة رقم -99-
الأمر الثاني : الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة ، وفيه أحاديث :
الأول : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
هلك أبي ، وترك سبع بنات أو تسع بنات ، فتزوجت امرأة ثيبا ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجت يا جابر ؟ فقلت : نعم ، فقال : أبكرا أم ثيبا ، قلت : بل ثيبا ، قال : فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك ، وتضاحكها وتضاحكك ؟ فقلت له : إن عبد الله هلك وترك [ تسع أو سبع ] بنات ، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن ، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن ، فقال :
( بارك الله لك ) ، أو قال لي خيرا ( 1 ) .
( 1 ) رواه البخاري والسياق له ومسلم والزيادة له .
.100- ليس بالصل ص 100.
صفحة رقم -101-
الثاني : عن بريدة رضي الله عنه قال : قال نفر من الأنصار لعلي : عندك فاطمة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ، فقال : ما حاجة ابن أبي طالب ؟ فقال : يا رسول الله ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مرحبا وأهلا ، لم يزد عليهما ، فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه ، قالوا : ما وراءك ؟ قال : ما أدري غير أنه قال لي : مرحبا وأهلا ، فقالوا : يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما ، أعطاك الأهل والمرحب ، فلما كان بعد ذلك ، بعدما زوجه قال : يا علي إنه لا بد للعروس ( 1 ) من وليمة ، فقال سعد : عندي كبش ، وجمع له رهط من الأنصار أصوعا من ذرة ، فلما كانت ليلة البناء ، قال : لا تحدث شيئا حتى تلقاني ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتوضأ فيه ، ثم أفرغه على علي ، فقال :
( اللهم بارك فيهما ، وبارك لهما في بنائهما ( 2 ) .
( 1 ) وفي رواية : " للعرس " وهي رواية أحمد ، وقد تقدمت بتمامها في المسألة ( رقم 24 ) .
( 2 ) رواه ابن سعد والطبراني في " الكبير " بسند حسن .
صفحة رقم -102-
الثالث : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتتني أمي ، فأدخلتني الدار ، فإذا نسوة من الأنصار في البيت ، فقلن :
( على الخير والبركة ، وعلى خير طائر ( 1 ) .
الخامس : عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ ( 2 ) الإنسان إذا تزوج قال :
( بارك الله لك ، وبارك الله عليك ، وجمع بينكما في ( وفي رواية : على ) خير ( 3 )
( 1 ) أي : على افضل حظ ونصيب ، وطائر الإنسان : نصيبه . والحديث رواه البخاري ومسلم والبيهقي .
( 2 ) بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز ، معناه دعا له في موضع قولهم : " بالرفاه والبنين " ، وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية ، فورد النهي عنها . كذا في " الفتح " ثم ذكر أحاديث في النهي عنها ، منها حديث الحسن الآتي بعده .
( 3 ) رواه سعيد بن منصور وكذا أبو داود ، والترمذي ، وكذا أبو علي الطوسي وصححاه ، والدارمي وأحمد والحاكم والبيهقي . وقال الحاكم :
" صحيح على شرط مسلم " . ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا .
صفحة رقم -103-
35 - بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية :
ولا يقول : [ بالرفاء والبنين ) كما يفعل الذين لا يعلمون ، فإنه من عمل الجاهلية ، وقد نهي عنه في أحاديث ، منها : عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جشم ، فدخل عليه القوم ، فقالوا : بالرفاء والبنين ، فقال : لا تفعلوا ذلك [ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ] ، قالوا : فما نقول يا أبا زيد ؟ قال : قولوا : بارك الله
صفحة رقم -104-
لكم ، وبارك عليكم ، إنا كذلك كنا نؤمر ( 1 ) .
36 - قيام العروس على خدمة الرجال :
ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق في " مصنفه " ، والنسائي ، وابن ماجه ، والدارمي . وقال الحافظ :
" رجاله ثقات ، إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال " .
صفحة رقم -105-
العروس نفسها إذا كانت متسترة ( 1 ) وأمنت الفتنة ، لحديث سهل بن سعد قال :
( 1 ) أعني السترة المشروعة ، ويشترط فيها ثمانية أشياء :
1 - استيعاب جميع البدن إلا الوجه والكفين .
2 - أن لا يكون زينة في نفسه .
3 - أن يكون صفيقا لا يشف .
4 - وأن لا يصف شيئا من جسمها لضيقه .
5 - ولا يكون مطيبا .
6 - ولا يشبه لباس الرجال .
7 - ولا لباس الكافرات .
8 - ولا يكون لباس شهرة .
وأدلة هذه الشروط موجودة في كتابي : " حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة " .
صفحة رقم -106-
( لما عرس ( 1 ) أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فما صنع لهم طعاما ، ولا قدمه إليهم ، إلا امرأته أم أسيد ، بلت ( وفي رواية : أنقعت ) تمرات في تور ( 2 ) من حجارة من الليل ، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته ( 3 ) له فسقته ، تتحفه بذلك ، [ فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس ] ( 4 ) .
( 1 ) أي : دخل بزوجته ، قال في " اللسان " :
" وقد عرس وأعرس : اتخذها عرسا ودخل بها ، وكذلك عرس بها وأعرس " .
( 2 ) إناء يكون من نحاس وغيره ، وقد بين هنا أنه كان من الحجارة .
( 3 ) أي : مرسته بيدها ، يقال : ماثته وأماثته ثلاثيا ورباعيا .
( 4 ) رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحيحه " .
صفحة رقم -107-
37 - الغناء والضرب بالدف ( 1 ) :
ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط ، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور ، وفي ذلك أحاديث :
( 1 ) بضم الدال ، وقد تفتح ، وهو الذي لا جلاجل فيه ، فإن كانت فيه فهو المزهر " فتح " .
صفحة رقم -108-
الأول : عن الربيع بنت معوذ قالت :
( جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بني علي ، فجلس على فراشي مجلسك مني ، ( الخطاب للراوي عنها ) ، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين ( 1 ) .
الثاني : عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : [ يا عائشة ما كان معكم لهو ، فإن الأنصار يعجبهم اللهو ؟ ( 2 )
( 1 ) رواه البخاري والبيهقي وأحمد والمحاملي في صلاة العيدين . وغيرهم .
( 2 ) أخرجه البخاري والحاكم وعنه البيهقي .
صفحة رقم -109-
وفي رواية بلفظ :
( فقال : فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ؟ قلت : ماذا تقول ؟ قال : تقول :
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحم ر ما حلت بواديكم
لولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم ( 1 )
الثالث : عنها أيضا :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع ناسا يغنون في عرس وهم يقولون :
وأهدي لها أكبش يبحبحن في المربد
وحبك في النادي ويعلم ما في غد
وفي رواية :
( 1 ) رواه الطبراني كما في " زوائده ، وسكت عليه في " الفتح " ، وفيه ضعف
ثم وجدت له طريقا أخرى عن عائشة يتقوى بها كما بينته في " الإرواء " .
وفي الباب عن عائشة أيضا في " المسند " ورجاله ثقات غير إسحاق بن سهل بن أبي حنتمة ، أورده في " الجرح " ولم يذكر فيه شيئا .
صفحة رقم -110-
وزوجك في النادي ويعلم ما في غد
قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يعلم ما في غد إلا الله سبحانه ( 1 ) .
الرابع : عن عامر بن سعد البجلي ، قال :
( دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود ، وذكر ثالثا - ذهب علي - وجواري يضربن بالدف ويغنين ، فقلت : تقرون على هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : إنه قد رخص لنا في العرسات ، والنياحة عند المصيبة ) ، وفي رواية :
( وفي البكاء على الميت في غير نياحة ( 2 )
( 1 ) أخرجه الطبراني في الصغير والحاكم ، البيهقي ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي .
( 2 ) أخرجه الحاكم ، والبيهقي والسياق والرواية الأخرى له ، والنسائي ، والطيالسي .
صفحة رقم -111
الخامس : عن أبي بلج يحيى بن سليم قال :
( قلت لمحمد بن حاطب : تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت ، يعني دفا ، فقال محمد رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف ( 1 ) . السادس : [ أعلنوا النكاح ) .
( 1 ) أخرجه النسائي ، والترمذي وقال : حديث حسن ، وابن ماجه . وغيرهم . وقال الحاكم :
" صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي .
وهو عندي حسن الإسناد .
( 2 ) رواه ابن حبان
والطبراني . والمخلص في " المنتقى من حديثه " والضياء المقدسي في "
المختارة
وسنده حسن رجاله ثقات معروفون ، غير ابن
الأسود . وصححه الحاكم ، وكذا ابن دقيق العيد بإيراده إياه في " الإلمام
بأحاديث الأحكام " وقد اشترط في المقدمة أن لا يورد فيه إلا ما كان صحيحا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق