السؤال باسم الله الأعظم

وسمع آخر يقول في تشهده أيضا : ( أبو داود والنسائي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد ) ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت [ وحدك لا شريك لك ] [ المنان ] [ يا ] بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم [ إني أسألك ] [ الجنة وأعوذ بك من النار ] . [ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( تدرون بما دعا ؟ ) قالوا الله ورسوله أعلم . قال : ( والذي نفسي بيده ] لقد دعا الله باسمه العظيم ( وفي رواية : الأعظم ) الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى}

الاثنين، 26 فبراير 2024

ج1.آداب الزفاف في السنة المطهرة للألباني من صفحة {أول صفحة 5 الي آخر صفحة 111}- يليه جزء الثاني بمشيئة الله

الجزء الاول /ج1.آداب الزفاف في السنة المطهرة للألباني من صفحة {أول صفحة 5 الي آخر صفحة  111}- يليه جزء الثاني بمشيئة الله تعالي
 
آداب الزفاف في السنة المطهرة للألباني من صفحة {أول صفحةالي آخر صفحة  111}


                       أول صفحة رقم {5}                            

المقدمة

حمدا لله ، وصلاة وسلاما على نبيه وآله وصحبه ومن والاه ، وعلى كل من اهتدى بهداه .

أما بعد : فقد كان الباعث على تأليف هذه الرسالة وإخراجها للناس لأول مرة ، تحقيق رغبة أخينا في الله تبارك وتعالى الأستاذ عبد الرحمن الباني ، فإنه - جزاه الله خيرا - اقترح تأليفها بمناسبة بنائه على زوجه ، ففعلت ، ثم قام هو بطبعها على نفقته ، ووزعها مجانا في حفلة زفافه ، مكان ما جرى الناس عليه من توزيع السكاكر والحلويات وغيرها ، مما لا يبقى أثره ولا يدوم نفعه ، فكان ذلك منه سنة حسنة ، من حسناته الكثيرة - إن شاء الله - ما أحوج المسلمين إلى الاقتداء به فيها ، والسير على منوالها .

ثم لما نفدت نسخ الطبعة الأولى ، وكان من تمام

صفحة رقم -6-

الاستفادة منها ، تعميم نشرها على الناس في مختلف الأقطار والأمصار ، رأى كثيرون إعادة طبعها ، وألحوا علي بالطلب ، فاستجبت لذلك ، وتفرغت له بعض الوقت ، فأضفت إليها زيادات كثيرة ، فاتني إيرادها في الطبعة الأولى بسبب السرعة التي تم بها تأليفها وإخراجها .

وقد رأيت أن أوسع الكلام في بعض المسائل الهامة التي أساء بعض الناس فهمها في هذا العصر أو قبله ، فبينت - ما استطعت - خطأهم فيها ، وبعدهم عن الصواب فيما قالوه حولها ، وذلك بالحجة والبرهان ، ليكون القارئ الكريم على بينة من أمره ، وبصيرة من دينه ، فلا يتأثر بشبهات الشاكين ، وجدال المبطلين ، وقلة السالكين ، في زمن أصبح المتمسك فيه بالسنة غريبا في بني دينه المحاولين التمسك به ، فكيف هو في المخالفين له ، الصادين عنه ؟

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده القليل الذين قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم :

" إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ "

صفحة رقم -7-

فطوبى للغرباء ( 1 ) .

وأقدم بين يدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلامة الشيخ محب الدين الخطيب تفضل بكتابتها وطبعها في مقدمة الطبعة الأولى ، لما فيها من فوائد ومواعظ ، وهي في رأيي تمهيد قوي لنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه الرسالة مما لم يألفنه ، بل ولم يسمعن به من قبل ، فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، إنك سميع مجيب .

دمشق في 25/10/1376 ه .

( 1 ) رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ، انظر " مختصر صحيح مسلم " للإمام المنذري ( رقم 72 ) بتحقيقي ، طبع المكتب الإسلامي .

www.alalbani.info

صفحة رقم -9-

مقدمة الطبعة الأولى

بقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، ولا رب لهم غيره ، ولا يطاع في السر والعلن سواه ، وصلى الله على معلم الناس الخير محمد هادي الإنسانية إلى سنة الحق ، وعلى آله وصحبه وسلم .

وبعد فإن جماهير المسلمين لا يزالون في مثل عقول الأطفال يلهيهم ما يلهي الأطفال ، ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل ما يصرف الأطفال من ألاعيب وتوافه وأوهام ، حتى يتحروا سنة الإسلام في الاعتدال ، وهدايته في التحرر من كل ما استعبدوا له من الملاهي والسفاسف والزخارف والشهوات ، وحينئذ

www.alalbani.info

صفحة رقم -10-

يرجعون إلى ربهم ، فيحفظ لهم عقولهم ، ويبارك لهم في أوقاتهم وأعمالهم وجهودهم ، ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم ، فيستعملونها فيما ينفعهم ، ويكون به عزهم ، ويعلو به سلطانهم .

وتحري سنة الإسلام في الاعتدال ، والانتفاع بهدايته في التحرر من السفاسف التي صار المسلمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة ، يتوقف على أمرين :

أحدهما : إخلاص العلماء العاملين الذين يبينون للأمة سنن دينها في كل ناحية من النواحي التي تتناولها رسالة الإسلام .

والثاني : ازدياد عدد المسلمين الذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك البيان العلمي بالعمل به ، حتى يتلقاه عنهم بالقدوة من لا يتيسر لهم تلقيه بالدرس والتعلم .

وهذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي التي تناولتها رسالة الإسلام بالسنن الصحيحة عن معلم

www.alalbani.info

صفحة رقم -11-

الناس الخير صلى الله عليه وسلم ، في حفلات الزفاف وآدابه وولائمه ، وهي الناحية التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن الإسلام ، حتى أوغلوا لا في الجاهلية الأولى التي امتازت - في هذه الناحية - بفطرة العروبة وتحررها من بذخ المترفين ، بل في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلى النار ، حتى أصبحت أعباء الزواج وتكاليفه فوق طاقة الناس ، فكادوا ينصرفون عنه - وهو في نفسه من سنة الإسلام - لأنهم انصرفوا فيه عن سنن الإسلام ، فأوقعهم ذلك في شر أنواع الجاهلية .

وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها ، تهيأ لها مؤلف من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها ، وهو أخونا بالغيب الشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي الألباني ، فوضع بين أيدي المسلمين النصوص الصحيحة والحسنة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب الزفاف ، وحبذا لو كان قد اتسع له الوقت وواتته الأسباب ، فاستقصى كل ماورد من ذلك في الحياة الزوجية ، وآداب البيت ، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة الإسلامية . ولكن ظهور الهلال في

www.alalbani.info

صفحة رقم -12-

ليلته الأولى ، قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر حتى يكون بدرا كاملا .

وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه ، تهيأ لها كذلك المسلم الأول والمسلمة الأولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في الاعتدال والتحرر من العبودية للسفاسف والملاهي وتوافه العادات ، عندما استخارا الله ، فخار لهما أن يبنيا البيت المسلم الطاهر ، والأسرة الإسلامية المتحررة من تقاليد الجاهلية الأجنبية عنا ، والطارئة علينا . فأرجو الله عز وجل أن يأخذ بيد أخي المؤمن المجاهد الأستاذ السيد عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته ، حتى يحقق له آماله ، ملتزما سنة الإسلام في ذلك ما استطاع .

وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمة الفاضلة مثلا من تاريخ نساء العروبة والإسلام ، ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها ، لتكون من الخالدات إن شاء الله .

إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان

www.alalbani.info

صفحة رقم -13-

كان لأبيها - يوم تزوجت - السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقا ، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غربا . ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم وحسب ، بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء الإسلام ، وهم : الوليد بن عبد الملك ، وسليمان بن عبد الملك ، ويزيد بن عبد الملك ، وهشام بن عبد الملك ، وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول ، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز .

وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة ، وزوجة خليفة ، وأخت أربعة من الخلفاء ، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات ، ويقال : إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرا في التاريخ ، وتغنى بهما الشعراء ، وكانا وحدهما يساويان كنزا . ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن

www.alalbani.info

صفحة رقم -14-

عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد ، ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأد سم المأكولات وأندرها وأغلاها ، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر ، لاستطاعت ذلك . إلا أني لا أذيع مجهولا بين الناس إن قلت : إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع بالعافية المعتدلون ، وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة والمعدمين ، زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتياد مألوفة ومملولة ، والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصطدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما وراء ذلك ، فلا يجدونه ، بينما المعتدلون يعلمون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه ، وأنهم يجدونه متى شاؤوا ، غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات ، ليكونوا أرفع منها ، وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها ، ولذلك اختار الخليفة الأعظم عمر بن عبد العزيز - في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض - أن

www.alalbani.info

صفحة رقم -15-

تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم ، ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء ، فكانت مغتبطة بذلك لأنها تذوقت لذة القناعة ، وتمتعت بحلاوة الاعتدال ، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف . بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع ، ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله ، فاستجابت له ، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآلىء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها ، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين . وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئا ، فجاءها أمين بيت المال ، وقال لها : إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي ، وإني اعتبرتها أمانة لك ، وحفظتها لهذا اليوم ، وقد جئت أستأذنك في إحضارها . فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة

www.alalbani.info

صفحة رقم -16-

لأمير المؤمنين ، ثم قالت : [ وما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا . ) وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة ، في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات ، وبذلك كتب الله لها الخلود ، وها نحن نتحدث عن شرف معدنها ، ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور ، رحمها الله ، وأعلى مقامهما في جنات النعيم .

إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء ، وكل عيش مهما خشن أو نعم ، إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه ، والسعادة هي الرضا ، والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه ، وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني ، جعلنا الله من أهله .

17 ذي الحجة سنة 1371 ه

7 سبتمبر سنة 1952 م

محب الدين الخطيب

www.alalbani.info

صفحة رقم -17-

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل في محكم كتابه : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) [ الروم : 21 ] . والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه : [ تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ( 1 ) .

وبعد فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آدابا في الإسلام ، قد ذهل عنها ، أو جهلها أكثر الناس ، حتى المتعبدين منهم ، فأحببت أن أضع في بيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة ، إعانة له ولغيره من الإخوة المؤمنين ، على القيام بما شرعه سيد المرسلين .

( 1 ) رواه أحمد والطبراني بسند حسن ، وصححه ابن حبان عن أنس ، وله شواهد سيأتي ذكرها في المسألة ( 19 ) .

www.alalbani.info

صفحة رقم -18-

عن رب العالمين ، وعقبتها بالتنبيه على بعض الأمور التي تهم كل متزوج ، وقد ابتلي بها كثير من الزوجات .

اسأل الله تعالى أن ينفع بها ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، إنه هو البر الرحيم .

وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة ، وإنما يعنيني منها في هذه العجالة ما ثبت منها في السنة المحمدية ، مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها ، أو محاولة التشكيك فيها من جهة مبناها حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه ، وثقة من أمره ، وإني لأرجو أن يختم الله له بالسعادة ، جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة السنة ، وأن يجعله من عباده الذين وصفهم بأن من قولهم : : ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) . [ الفرقان : 74 ] . والعاقبة للمتقين كما قال رب العالمين :

( إن المتقين في ظلال وعيون . وفواكه مما يشتهون . كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون . إنا كذلك نجزي المحسنين ) [ المرسلات : 41 - 44 ] .

وهاك تلك الآداب :

صفحة رقم -19-

1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها :

يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها ، كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن ، قالت :

إني قينت ( 1 ) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئته فدعوته لجلوتها ( 2 ) فجاء ، فجلس إلى

صفحة رقم -20-

جنبها ، فأتي بعس [ ( 3 ) لبن ، فشرب ، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت ، قالت أسماء : فانتهرتها ، وقلت لها : خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأخذت ، فشربت شيئا ، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أعطي تربك ( 4 ) ، قالت أسماء : فقلت : يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك ، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه ، قالت : فجلست ، ثم وضعته على ركبتي ، ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي

______

( 1 ) أي : زينت .

( 2 ) أي : للنظر إليها مجلوة مكشوفة .

( 3 ) هو القدح الكبير .

( 4 ) أي : صديقتك .

صفحة رقم -21-

لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لنسوة عندي : [ ناوليهن ) ، فقلن : لا نشتهيه فقال صلى الله عليه وسلم : [ لا تجمعن جوعا وكذبا

2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها :

وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك ، وأن يسمي الله تبارك وتعالى ، ويدعو بالبركة ، ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم :

( إذا تزوج أحدكم امرأة ، أو اشترى خادما ، [ فليأخذ بناصيتها ] ، [ وليسم الله عز وجل ] ، [ وليدع بالبركة ] ، وليقل :

( 1 ) أخرجه أحمد بإسنادين يقوي أحدهما الآخر . وأشار المنذري إلى تقويته ، والحميدي أيضا في مسنده . وله شاهد في الطبراني في " الصغير " و" الكبير " ، و" تاريخ أصبهان " لأبي الشيخ ، وكتاب " الصمت " لابن الدنيا .

( 2 ) الناصية : منبت الشعر في مقدم الرأس كما في " اللسان " .

صفحة رقم -22-

اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ( 1 ) .

( وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه ، وليقل مثل ذلك ] ( 2 ) .

( 1 ) أي : خلقتها وطبعتها عليه . " نهاية " .

قلت : وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر ، خلافا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى ، وليس في كون الله خالقا للشر ما ينافي كماله تعالى ، بل هو من كماله تبارك وتعالى . وتفصيل ذلك في المطولات ، ومن أحسنها كتاب " شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل " ، لابن القيم ، فليراجعه من شاء . وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة ؟ وجوابي : نعم ، لما يرجى من خيرها ، ويخشى من شرها .

( 2 ) أخرجه البخاري في " أفعال العباد " ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والحاكم ، والبيهقي ، وأبو يعلى في " مسنده " بإسناد حسن ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي . وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " :

" إسناده جيد " . وأشار لصحته عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام الكبرى " بسكوته عليه كما نص في المقدمة ، وكذا ابن دقيق العيد في " الإلمام " .

صفحة رقم -22-

3 - صلاة الزوجين معا :

ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا ، لأنه منقول عن السلف . وفيه أثران :

الأول : عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال :

( تزوجت وأنا مملوك ، فدعوت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة ، قال : وأقيمت الصلاة ، قال : فذهب أبو ذر ليتقدم ، فقالوا : إليك قال : أو كذلك ؟ قالوا : نعم ، ( 1 ) قال : فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك ، وعلموني فقالوا :

( إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ، ثم سل الله من خير ما دخل عليك ، وتعوذ به من شره ، ثم شأنك وشأن أهلك ( 2 ) .

( 1 ) قلت : يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في بيته إلا أن يأذن له ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه " . أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " ، وهو في " صحيح أبي داود " .

( 2 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " . وعبد الرزاق أيضا ، وسنده صحيح إلى أبي سعيد ، وهو مستور ، لم أجد من ذكره سوى أن الحافظ أورده في " الإصابة " فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري ، ثم رأيته في ثقات ابن حبان قال هندية :

" يروي عن جماعة من الصحابة ، روى عنه أبو نضرة "

ثم ساق هذه القصة دون قوله : فقالوا : . . . إلخ ، وهو رواية لابن أبي شيبة .

صفحة رقم -23-

الثاني : عن شقيق قال :

( جاء رجل يقال له : أبو حريز ( 1 ) ، فقال : إني تزوجت جارية شابة [ بكرا ] ، وإني أخاف أن تفركني ( 2 ) ، فقال عبد الله ( يعني ابن مسعود

( 1 ) بحاء مفتوحة ، والأصل " حرير " بدون إعجام ، وقد أورده الذهبي في " المشتبه " بالحاء ، وقال :

" له صحبة " . ثم تناقض فذكره في " التجريد " بالجيم والراء المكسورة ، كما حكاه عنه ابن ناصر الدين في " التوضيح " ، وقد حكى الوجهين عن غير واحد من المتقدمين . والله أعلم .

( 2 ) أي : تبغضني ، وفي " النهاية " : " فركت المرأة زوجها تفركه فركا بالكسر ، وفركا وفروكا فهي فروك

صفحة رقم -24-

( إن الإلف من الله ، والفرك من الشيطان ، يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين . زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود :

( وقل : اللهم بارك لي في أهلي ، وبارك لهم في ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير ] ( 1 ) .

( 1 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصدر السابق ، وكذا عبد الرزاق في " مصنفه " وسنده صحيح ، وأخرجه الطبراني بسندين صحيحين ، والزيادة مع الرواية الأخرى له ، ورواه في " الأوسط " كما في الجمع بينه وبين " الصغير " من طريق الحسين بن واقد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل ، فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين ، ويقول : اللهم بارك لي في أهلي ، وبارك لأهلي في ، اللهم ارزقهم مني ، وارزقني منهم ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير ، وفرق بيننا إذا فرقت في خير " .

وقال : " لم يروه عن عطاء إلا الحسين " .

قلت : يعني مرفوعا ، وعطاء بن السائب كان اختلط ، وقد رواه عنه حماد بن زيد به نحوه موقوفا عليه ، وهو الصواب ، لأن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل أن يختلط ، ولذلك أوردناه في المتن ، وهي الرواية الأخرى عن ابن مسعود .

ثم رأيته من طريق آخر عن ابن مسعود عند الثقفي ، فانظر : " إذا تزوج أحدكم . . . " من " المعجم " .

وله شاهد مرفوع عن سلمان ، أخرجه ابن عدي ، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " ، والبزار في " مسنده " بسند ضعيف تكلمت عليه في " معجم الحديث " بلفظ : " إذا تزوج أحدكم . . . " ، ورواه ابن عساكر عنه وعن ابن عباس .

وروى عبد الزراق عن ابن جريج قال :

حدثت أن سلمان الفارسي تزوج امرأة ، فلما دخل عليها وقف على بابها ، فإذا هو بالبيت مستور ، فقال :

ما أدري أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى ( كندة ) والله لا أدخله حتى تهتك أستاره

فلما هتكوها . . . دخل . . . ثم عمد إلى أهله ، فوضع يده على رأسها . . . فقال : هل أنت مطيعتي رحمك الله ؟ قالت : قد جلست مجلس من يطاع ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي :

" إن تزوجت يوما فليكن أول ما تلتقيان عليه من طاعة الله " ، فقومي فلتصل ركعتين ، فما سمعتني أدعو فأمني ، فصليا ركعتين ، وأمنت ، فبات عندها ، فلما أصبح ، جاءه أصحابه ، فانتحاه رجل من القوم ، فقال : كيف وجدت أهلك ؟ فأعرض عنه ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم ، وقال :

رحمكم الله ، فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب والأستار ؟ بحسب امرئ أن يسأل عما ظهر ، إن أخبر أو لم يخبر .

وفي إسناده انقطاع كما هو ظاهر .

صفحة رقم -26-

4 - ما يقول حين يجامعها :

وينبغي أن يقول حين يأتي أهله :

( بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا .

قال صلى الله عليه وسلم :

( فإن قضى الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا " ( 1 ) .

( 1 ) أخرجه البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي

صفحة رقم -27-

5 - كيف يأتيها :

ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء ، من خلفها أو من أمامها ، لقول الله تبارك وتعالى : : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ، أي : كيف شئتم مقبلة ومدبرة ، وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها :

الأول عن جابر رضي الله عنه قال :

( كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج ] ( 1 ) .

( 1 ) رواه البخاري ومسلم والنسائي . . .

صفحة رقم -28-

الثاني : عن ابن عباس ، قال :

( كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود ، وهم أهل كتاب ، وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف ( 1 ) ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة ، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ، فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف ، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى شري ( 2 ) أمرها ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) . أي : مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، يعني بذلك موضع

( 1 ) أي : على جانب . " نهاية "

( 2 ) أي : عظم وتفاقم .

صفحة رقم -29-

الولد ( 1 ) .

6 - تحريم الدبر :

ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ،

( 1 ) أخرجه أبو داود والحاكم ، والبيهقي ، والواحدي في " الأسباب " والخطابي في " غريب الحديث " ، وسنده حسن ، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي

وله عند الطبراني طريق آخر مختصر .

وله شاهد من حديث ابن عمر نحوه . أخرجه النسائي في " العشرة " بسند صحيح ، ثم روى هو والقاسم السرقسطي في " الغريب " ، وغيرهما ، عن سعيد بن يسار قال :

قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن ، قال : وما التحميض ؟ قلت : نأتيهن في أدبارهن قال : أف أو يفعل ذلك مسلم ؟

قلت : وسنده صحيح ، وهو نص صريح من ابن عمر في إنكاره أشد الإنكار إتيان النساء في الدبر ، فما أورده السيوطي في " أسباب النزول " وغيره في غيره مما ينافي هذا النص خطأ عليه قطعا فلا يلتفت إليه .

صفحة رقم -30-

والأحاديث المتقدمة ، وفيه أحاديث أخرى :

الأول : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :

( لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم ، وكان المهاجرون ( 1 ) يجبون ( 2 ) ، وكانت الأنصار لا تجبي ، فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك ، فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأتته ، فاستحيت أن تسأله ، فسألته أم سلمة ، فنزلت :

( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) وقال : لا إلا في صمام ( 3 ) واحد ( 4 ) .

( 1 ) يعني نساء المهاجرين والأنصار .

( 2 ) من التجبية وهو الانكباب على الأرض وفي القاموس :

" جبى تجبية وضع يديه على ركبتيه وانكب على وجهه " .

( 3 ) أي : مسلك واحد ، وفي " النهاية " :

" الصمام : ما تسد به الفرجة ، فسمي الفرج به " .

( 4 ) أخرجه أحمد والسياق له ، والترمذي وصححه ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " ، والبيهقي ، وإسناده صحيح على شرط مسلم

صفحة رقم -31-

الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنه قال :

( جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هلكت . قال : وما الذي أهلكك ؟ قال : حولت رحلي الليلة ( 1 ) ، فلم يرد عليه شيئا ، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، يقول : أقبل وأدبر ، واتقل الدبر والحيضة " ( 2 )

( 1 ) كنى برحله عن زوجته ، أراد بها غشيانها في قبلها من جهة ظهرها ، لأن المجماع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها ، فحيث ركبها من جهة ظهرها كنا عنه بتحويل رحله ، إما أن يريد به المنزل والمأوى ، وإما أن يريد به الرحل الذي تركب عليه الإبل ، وهو الكور . " نهاية " .

( 2 ) رواه النسائي في " العشرة " ، والترمذي ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والواحدي بسند حسن . وحسنه الترمذي .

صفحة رقم -32-

الثالث : عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه :

( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن ، أو إتيان الرجل امرأته في دبرها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حلال . فلما ولى الرجل دعاه ، أو أمر به فدعي ، فقال : كيف قلت ؟ في أي الخربتين ، أوفي الخرزتين ، أو في أي الخصفتين ( 1 ) ؟ أمن دبرها في قبلها ؟ فنعم ، أم من دبرها في دبرها ؟ فلا ، فإن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن " ( 2 ) .

( 1 ) يعني : في أي الثقبين ، والألفاظ الثلاثة بمعنى واحد كما في " النهاية " .

( 2 ) رواه الشافعي وقواه ، وعنه البيهقي ، والدارمي ، والطحاوي ، والخطابي في " غريب الحديث " ، وسنده صحيح كما قال ابن الملقن في " الخلاصة " ، وعله عن دالنسائي في " العشرة " والطحاوي والبيهقي وابن عساكر طرق أخر ، أحدها جيد كما قال المنذري ، وصححه ابن حبان ، وابن حزم ، ووافقهما الحافظ في " الفتح .

صفحة رقم -33-

الرابع : [ لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها ] ( 1 ) .

الخامس : [ ملعون من يأتي النساء في محاشهن . يعني : أدبارهن . السادس : [ من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ] ( 3 ) .

( 1 ) أخرجه النسائي في " العشرة " ، والترمذي ، وابن حبانمن حديث ابن عباس وسنده حسن ، وحسنه الترمذي ، وصححه ابن راهويه كما في " مسائل المروزي " ، وله طريق آخر عند ابن الجارود بسند جيد ، وقواه ابن دقيق العيد ، والنسائي ، وابن عساكر ، وأحمد ، من حديث أبي هريرة .

( 2 ) أخرجه ابن عدي من حديث عقبة بن عامر بسند حسن ، وهو من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة ، وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به . أخرجه أبو داود ، وأحمد .

( 3 ) أخرجه أصحاب " السنن " الأربعة إلا النسائي ، فرواه في " العشرة " ، والدارمي ، وأحمد واللفظ له والضياء في " المختارة " من حديث أبي أبي هريرة وسنده صحيح كما بينته في " نقد التاج " .

وروى النسائي ، وابن بطة في " الإبانة " عن طاوس قال :

سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها ؟ فقال : هذا يسألني عن الكفر ؟ وسنده صحيح ، وعن أبي هريرة نحوه بسند فيه ضعف .

وقال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " :

" قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء وجزمنا بتحريمه ، ولي في ذلك مصنف كبير " .

قلت : فلا تغتر بعد هذا بقول الشيخ جمال الدين القاسمي في " تفسيره " :

" إنها ضعيفة " لأنها دعوى من غير مختص بهذا العلم أولا ، وخلاف ما يقتضيه البحث العلمي ، وشهادة الأئمة بصحة بعضها وحسن بعضها ، وجم الإمام الذهبي بالتحريم الذي اجتمعت عليه مفردات أحاديث الباب . وفي مقدمة المصححين الإمام إسحاق بن راهويه ، ثم تتابعت أقوال الأئمة من بعده من المتقدمين والمتأخرين كالترمذي وابن حبان وابن حزم والضياء والمنذري وابن الملقن وابن دقيق العيد وابن حجر ، وغيرهم ممن ذكروا في غير هذا الموضع ، فانظر مثلا " الإرواء " ( 7/65 - 70 ) .

============ص 34.غير موجود في الاصل

صفحة رقم -35-

7 - الوضوء بين الجماعين :

وإذا أتاها في المحل المشروع ، ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى الله عليه وسلم :

( إذا أتى أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعود ، فليتوضأ [ بينهما وضوءا ] وفي رواية : وضوءه للصلاة ) [ فإنه أنشط في العود ] ( 1 ) .

8 - الغسل أفضل :

لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه ، يغتسل عند هذه وعند هذه ، قال : فقلت له : يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ؟ قال :

( 1 ) أخرجه مسلم ، وابن أبي شيبة في " المصنف " ، وأحمد وأبو نعيم والزيادة له ، وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري ، وقد خرجناه في " صحيح سنن أبي داود " برقم ( 216 ) .

صفحة رقم -36-

( هذا أزكى وأطيب وأطهر ] ( 1 ) .

9 - اغتسال الزوجين معا :

ويجوز لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد ، ولو رأى منه ورأت منه ، وفيه أحاديث :

الأول : عن عائشة رضي الله عنها قالت :

( كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [ تختلف أيدينا فيه ] ، فيبادرني حتى أقول : دع لي ، دع لي ، قالت : وهما جنبان ] ( 2 ) .

( 1 ) رواه أبو داود ، والنسائي في " عشرة النساء " والطبراني ، وأبو نعيم في " الطب " بسند حسن ، وقواه الحافظ ، وقد تكلمت عليه في " صحيح السنن " رقم ( 215 ) .

( 2 ) رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " ، والسياق لمسلم ، والزيادة له وللبخاي في رواية ، وترجم له ب " باب غسل الرجل مع امرأته " . . .

صفحة 37 و38. غير وجود في الاصل

صفحة رقم -39-

10 - الثاني : عن معاوية بن حيدة قال :

قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : [ احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ] . قال :

صفحة رقم -40-

قلت : يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال :

( إن استطعت أن لا يرينها أحد ، فلا يرينها ] . قال :

فقلت : يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال :

( الله أحق أن يستحيى منه من الناس ] ( 1 ) .

( 1 ) رواه أصحاب " السنن " إلا النسائي ، والروياني في " المسند " ، وكذا أحمد ، والبيهقي ، واللفظ لأبي داود ، وسنده حسن وصححه الحاكم ، ووافقه الذبي ، وقواه ابن دقيق العيد في " الإلمام " .

والحديث ترجم له النسائي ب " نظر المرأة إلى عورة زوجها " ، وعلقه البخاري في " صحيحه " في " باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ، ومن تستر فالستر افضل " ، ثم ساق حديث أبي هريرة في اغتسال كل من موسى وأيوب عليهما السلام في الخلاء عريانين ، فأشار في إلى أن قوله في الحديث : " الله أحق أن يستحيى منه " محمول على ما هو الأفضل والأكمل ، وليس على ظاهره المفيد للوجوب ، قال المناوي :

" وقد حمله الشافعية على الندب ، وممن وافقهم ابن جريج ، فأول الخبر في " الآثار " على الندب ، قال : لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة " .

وذكر الحافظ في " الفتح " نحوه ، فراجعه إن شئت ( 1/307 ) .

صفحة رقم -41-

10 - توضؤ الجنب قبل النوم :

ولا ينامان جنبين إلا إذا توضآ ، وفيه أحاديث :

الأول : عن عائشة رضي الله عنها قالت :

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [ يأكل أو ] ينام وهو جنب غسل فرجه ، وتوضأ وضوءه للصلاة ) ( 1 )

الثاني : عن ابن عمر رضي الله عنهما :

( أن عمر قال : يا رسول الله أينام أحدنا وهو

( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " .

صفحة رقم -42-

جنب ؟ قال : نعم إذا توضأ ) ، وفي رواية :

( توضأ واغسل ذكرك ، ثم نم ) . وفي رواية :

( نعم ، ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء ) .

وفي أخرى :

( نعم ، ويتوضأ إن شاء ( 1 ) .

الثالث : عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( ثالثة لا تقربهم الملائكة : جيفة الكافر ، والمتضمخ ( 2 )

( 1 ) أخرجه الثلاثة في " صحاحهم " ، وابن عساكر ، والرواية الثانية لأبي داود بسند صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " ، والرواية الثالثة لمسلم وأبو عوانة والبيهقي ، والأخيرة لابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " كما في " التلخيص " ، وهي تدل على عدم وجوب هذا الوضوء ، وهو مذهب جمهور العلماء ، وسيأتي لهذا زيادة بيان في المسألة التالية ، وإذا كان كذلك فبالأولى أن لا يجب هذا على الوضوء على غير الجنب . فتنبه

( 2 ) أي : المنكر التلطخ ب " الخلوق " ، وهو بفتح المعجمة ، قال ابن الأثير :

" وهو طيب معروف ، مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء " .

صفحة رقم -43-

بالخلوق ، [ والجنب إلا أن يتوضأ ( 1 )

11 - حكم هذا الوضوء :

وليس ذلك على الوجوب ، وإنما للاستحباب المؤكد ، لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينام أحدنا وهو جنب ؟ فقال :

( نعم ، ويتوضأ إن شاء ) ابن حبان في صحيحه .

حديث حسن ، أخرجه أبو داود في " سننه " من طريقين ، وأحمد والطحاوي والبيهقي من أحدهما ، وصححه الترمذي وغيره ، وفيه نظر بينته في كتابي " ضعيف سنن أبي داود " ، لكن متن الطريق الأولى وهو هذا له شاهدان أوردهما الهيثمي في " المجمع " ، ولهذا حسنته ، وأحدهما عند الطبراني في " الكبير " من حديث ابن عباس .

( 2 ) رواه ابن حبان في " صحيحه " عن شيخه ابن خزيمة ، وإلى " صحيحه " عزاه الحافظ في " التلخيص " كما تقدم قريبا ، ثم قال الحافظ :

" وأصله في " الصحيحين " دون قوله : إن شاء " .

قلت : بل هو في " صحيح مسلم " أيضا بهذه الزيادة كما سبق تخريجه آنفا ، وهي دليل صريح على عدم وجوب الوضوء قبل النوم على الجنب ، خلافا للظاهرية .

صفحة رقم -44-

ويؤيده حديث عائشة قالت :

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء [ حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل ] ( 1 )

( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، وأصحاب " السنن " إلا النسائي ، والطحاوي والطيالسي وأحمد والبغوي في " حديث علي بن الجعد " وأبو يعلى في " مسنده " ، والبيهقي والحاكم وصححاه ، وهو كما قالا كما بينته في " صحيح أبي داود " برقم ، ورواه عفيف الدين أبو المعالي في " ستين حديثا " برقم ( 6 ) بلفظ :

" فإن استيقظ من آخر الليل ، فإن كان له في أهله حاجة عاودهم ثم اغتسل " .

وفي سنده أبو حنيفة رحمه الله .

وروى ابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عباس قال :

" إذا جامع الرجل ثم أراد أن يعود فلا بأس أن يؤخر الغسل "

وعن سعيد بن المسيب قال :

" إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ " .

وسنده صحيح ، وهو مذهب الجمهور .

صفحة رقم -45-

وفي رواية عنها :

( كان يبيت جنبا فيأتيه بلال ، فيؤذنه بالصلاة ، فيقوم فيغتسل ، فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه ، ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر ، ثم يظل صائما . قال مطرف : فقلت لعامر : في رمضان ؟ قال : نعم ، سواء رمضان أو غيره ( 1 )

12 - تيمم الجنب بدل الوضوء :

ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة قالت :

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ ،

( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، من رواية الشعبي عن مسروق عنها . وسنده صحيح ، وهو شاهد قوي للذي قبله ، وكذا رواه أحمد ، وأبو يعلى في " مسنده " ، وله عندي طريق أخرى .

صفحة رقم -46-

أو تيمم ( 1 ) .

13 - اغتساله قبل النوم أفضل :

واغتسالهما أفضل ، لحديث عبد الله بن قيس قال :

( 1 ) رواه البيهقي من طريق عثام بن علي عن هشام عن أبيه عنها . قال الحافظ في " الفتح " :

" إسناده حسن " .

قلت : رواه ابن أبي شيبة عن عثام به موقوفا عليها في الرجل يصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام ، قالت : يتوضأ أو يتيمم . وسنده صحيح .

وقد تابعه إسماعيل بن عياش ، عن هشام بن عروة به مرفوعا ، ولفظه :

" كان إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم " .

رواه الطبراني في " الأوسط " عن بقية بن الوليد عنه ، وقال : :

" لم يروه عن هشام إلا إسماعيل " .

قلت : وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها ، لكنه قد تابعه عثام بن علي - وهو ثقة كما سبق - ففي متابعته رد على الطبراني كما لا يخفى .

صفحة رقم -47-

( سألت عائشة قلت : كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة ؟ أكان يغتسل قبل أن ينام ، أم ينام قبل أن يغتسل ؟ قالت : كل ذلك قد كان يفعل ، ربما اغتسل فنام ، وربما توضأ فنام ، قلت : الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ( 1 )

14 - تحريم إتيان الحائض :

ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها ( 2 ) لقوله تبارك وتعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ( 3 ) فاعتزلوا

( 1 ) مسلم وأبو عوانة وأحمد .

( 2 ) قال الشوكاني في " فتح القدير " :

" ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض ، وهو معلوم من ضرورة الدين " .

( 3 ) أي : هو شيء تتأذى به المرأة . وفسره القرطبي وغيره برائحة دم الحيض . قال السيد رشيد رضا رحمه الله :

" أخذه على ظاهره مقرر في الطب ، فلا حاجة إلى العدول عنه " ، ويعني به الضرر الجسماني ، قال :

" لأن غشيانهن سبب للأذى والضرر ، وإذا سلم الرجل من هذا الأذى ، فلا تكاد تسلم منه المرأة ، لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له ، ولا قادرة عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى ، وهي إفراز الدم المعروف " .

صفحة رقم -48-

النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ( 1 ) فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .

وفيه أحاديث :

الأول : من قوله صلى الله عليه وسلم :

( من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا

( 1 ) هو انقطاع دم الحيض ، وهو ما لا يكون بفعل النساء بخلاف التطهر في قوله : {فإذا تطهرن} ، فإنه من عملهن ، وهو استعمال الماء منهن ، وسيأتي بيان المراد منه في المسألة ( 17 ) .

صفحة رقم -49-

فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ( 1 ) الثاني : عن أنس بن مالك قال :

( إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ، ولم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها ( 2 ) في البيت ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله تعالى ذكره ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جامعوهن في البيوت ، واصنعوا كل شيء غير النكاح ، فقالت اليهود : ما يريد هذا الرجل ألا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا ، أفلا ننكحهن في المحيض ؟ فتمعر ( 3 ) وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد ( 4 ) عليهما ، فخرجا ، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث في آثارهما فسقاهما ، فظننا أنه لم يجد عليهما ( 5 ) .

( 1 ) حديث صحيح . رواه أصحاب " السنن " وغيرهم كما سبق في المسالة .

( 2 ) أي : لم يخالطوها .

( 3 ) أي : تغير .

( 4 ) أي : غضب .

( 5 ) أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " . . .

صفحة رقم -50-

15 - كفارة من جامع الحائض :

من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها ، فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها ، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، قال :

( يتصدق بدينار أو نصف دينار ( 1 )

( 1 ) أخرجه أصحاب " السنن " والطبراني في " المعجم الكبير " وابن الأعرابي في " معجمه ، والدارمي والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وابن دقيق العيد ، وابن التركماني وابن القيم وابن حجر العسقلاني كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " ، وكذا وافقه ابن الملقنفي " خلاصة البدر المنير " ، وقواه الإمام أحمد قبل هؤلاء ، وجعله من مذهبه فقال أبو داود في " المسائل " :

" سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض ؟ قال : ما أحسن حديث عبد الحميد فيه ( قلت : يعني هذا ) ، قلت : وتذهب إليه ؟ قال : نعم ، إنما هو كفارة . [ قلت ] : فدينار أو نصف دينار : قال : كيف شاء " .

وذهب على العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر أسماءهم الشوكاني في النيل ، وقواه .

صفحة رقم -51-

16 - ما يحل له من الحائض :

ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض ، وفيه أحاديث :

الأول : قوله صلى الله عليه وسلم :

. . . اصنعوا كل شيء إلا النكاح ( 1 )

ــــــــــــــــ

( 1 ) أي : الجماع . قال الأزهري :

" أصل النكاح في كلام العرب الوطء ، وقيل للتزوج : نكاح لأنه سبب للوطء المباح " . " لسان العرب " .

والحديث قطعة من حديث أنس المتقدم في المسالة ( 14 ) .

صفحة رقم -52-

الثاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت :

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ، ثم يضاجعها زوجها ، وقالت مرة : يباشرها ( 1 )

( 1 ) البخاري ومسلم وأبو عوانة

صفحة رقم -53-

الثالث : عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم :

( كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا [ ثم صنع ما أراد ] ( 1 )

17 - متى يجوز إتيانها إذا طهرت :

فإذا طهرت من حيضها ، وانقطع الدم عنها ، جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط ، أو تتوضأ أو تغتسل ، أي ذلك فعلت ، جاز له إتيانها ( 2 ) ، لقوله تبارك

( 1 ) أبو داود وسنده صحيح على شرط مسلم .

( 2 ) وهو مذهب ابن حزم ، ورواه عطاء وقتادة قالا في الحائض إذا رأت الطهر : أنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها ، وهو مذهب الأوزاعي أيضا كما في " بداية المجتهد " قال ابن حزم :

" وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها ، وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا " .

صفحة رقم -54-

وتعالى في الآية السابقة :

صفحة رقم -55-

فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .

56 .ليس موجودا بالاصل

57.كذلك

صفحة رقم -58-

18 - جواز العزل :

ويجوز له أن يعزل عنها ماءه ، وفيه أحاديث :

الأول : عن جابر رضي الله عنه قال :

( كنا نعزل ( 1 ) والقرآن ينزل ) ، وفي رواية :

( كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينهنا ( 2 )

الثاني : عن أبي سعيد الخدري قال :

( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي وليدة ( 3 ) ، وأنا أعزل عنها ، وأنا أريد ما يريد الرجل ، وإن اليهود زعموا : [ أن الموءودة الصغرى العزل ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ كذبت يهود ، [ كذبت يهود ] ، لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه ( 4 )

( 1 ) في " الفتح " : " العزل : النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج " .

( 2 ) رواه البخاري ومسلم . . .

( 3 ) يعني جارية .

( 4 ) النسائي ، وأبو داود والطحاوي في " المشكل " والترمذي ، وأحمد بسند صحيح .

وله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه أبو يعلى ، والبيهقي بسند حسن .

صفحة رقم -59-

الثالث : عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا ( 1 ) ، وأنا أطوف عليها ، وأنا أكره أن تحمل ( 2 ) ، فقال :

( اعزل عنها إن شئت ، فإنه سيأتيها ما قدر لها ) ، فلبث الرجل ، ثم أتاه فقال : إن الجارية قد حبلت فقال :

( قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها ( 3 )

( 1 ) أي : التي تسقي لنا النخل ، كأنها كانت تسقي لهم عوض البعير . " نهاية " .

( 2 ) أي : أجامعها ، وأكره حملها مني بولد .

( 3 ) مسلم وأبو داود والبيهقي وأحمد .

صفحة رقم -60-

19 - الأولى ترك العزل :

ولكن تركه أولى لأمور :

الأول : أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها ( 1 ) ، فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي ، وهو :

الثاني : أنه يفوت بعض مقاصد النكاح ، وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم :

( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر ( 2 ) بكم الأمم ( 3 )

( 1 ) ذكره الحافظ في " الفتح " .

( 2 ) أي : أغالب بكم الأمم السابقة في الكثرة ، وهو تعليل للأمر بتزوج الولود الودود ، وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها ، والولود غير الودود لا تحصل المقصود . كذا في " فيض القدير " .

( 3 ) حديث صحيح ، رواه أبو داود ، والنسائي والمحاملي في " الأمالي " من حديث معقل بن يسار ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، ورواه أحمد ، وسعيد بن منصور ، والطبراني في " الأوسط " كما في " زوائده " ، والبيهقي من حديث أنس وصححه ابن حبان ، وقال الهيثمي :

" إسناده حسن " ، وفيه نظر كما بينته في " إرواء الغليل " وتقدم لفظه .

ورواه ابو محمد بن معروف في " جزئه " والخطيب في " تاريخه " من حديث ابن عمر وسنده جيد كما قال السيوطي في " الجامع الكبير " ، ولأحمد نحوه من حديث ابن عمر ، وسنده حسن في الشواهد .

صفحة رقم -61-

ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل ، فقال :

( ذلك الوأد الخفي ( 1 ) .

( 1 ) أخرجه مسلم والطحاوي في " المشكل " ، وأحمد والبيهقي عن سعيد بن أبي أيوب : حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب .

صفحة رقم -62-

ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري أيضا ، قال :

صفحة رقم -63-

( ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ولم يفعل ذلك أحدكم ؟ - ولم يقل : فلا يفعل ذلك أحدكم - فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها . ( وفي رواية ) ، فقال : وإنكم لتفعلون ، وإنكم لتفعلون ، وإنكم لتفعلون ؟

______________

( 1 ) رواه مسلم بالروايتين والنسائي ، وابن منده في التوحيد بالأولى . والبخاري بالأخرى .

صفحة رقم -64-

ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة ( 1 )

20 - ما ينويان بالنكاح :

وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما ، وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما ، فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما ، لحديث أبي ذر رضي الله عنه :

( أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، [ وبكل تكبير صدقة ، وبكل تهليلة صدقة ، وبكل تحميدة صدقة ] ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر ؟ [ قالوا : بلى ، قال : ] فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له [ فيها ] أجر ، [ وذكر أشياء : صدقة ، صدقة ، ثم قال : ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى ] ( 1 )

65.-------------

66.

صفحة رقم -66-

21 - ما يفعل صبيحة بنائه :

ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره ، ويسلم عليهم ، ويدعو لهم ، وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي الله عنه قال :

( أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بنى بزينب ، فأشبع المسلمين خبزا ولحما ، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن ، ودعا لهن ، وسلمن عليه ودعون له ، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه ( 2 ) .

( 1 ) مسلم والسياق له ، والنسائي وأحمد والزيادات كلها له ، وإسنادها صحيح على شرط مسلم ، وللنسائي الزيادة الأخيرة .

قال السيوطي في " إذكار الأذكار " :

" وظاهر الحديث أن الوطء صدقة وإن لم ينو شيئا " .

قلت : لعل هذا عند كل وقاع ، وإلا فالذي أراه أنه لا بد من النية عند عقده عليها ، وهو ما ذكرناه في الأعلى . والله أعلم .

( 2 ) رواه ابن سعد ، والنسائي في " الوليمة " بسند صحيح .

صفحة رقم -67-

22 - وجوب اتخاذ الحمام في الدار :

ويجب عليهما أن يتخذا حماما في دارهما ، ولا يسمح لها أن تدخل حمام السوق ، فإن ذلك حرام ، وفيه أحاديث :

الأول : عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ( 1 )

( 1 ) أخرجه الحاكم واللفظ له ، والترمذي ، والنسائي بعضه ، وأحمد ، والجرجاني من طرقعن أبي الزبير عن جابر ، وقال الحاكم :

" صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : " حديث حسن " ، وله شواهد كثيرة تراها في الترغيب والترهيب .

صفحة رقم -68-

الثاني : عن أم الدرداء قالت :

خرجت من الحمام ، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : من أين يا أم الدرداء ؟ قالت : من الحمام ، فقال :

( والذي نفسي بيده ، ما من أمرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها ، إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن ( 1 )

( 1 ) أخرجه أحمد والدولابي بإسنادين عنها أحدهما صحيح ، وقواه المنذري .

صفحة رقم -69-

الثالث : عن أبي المليح قال :

دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها ، فقالت : ممن أنتن ؟ قلن : من أهل الشام ، قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام ؟ قلن : نعم ، قالت : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

( ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى ( 1 ) .

( 1 ) أخرجه أصحاب " السنن " إلا النسائي ، والدارمي والطيالسي ، وأحمد . وقال الحاكم :

" صحيح على شرط الشيخين " ، ووافقه الذهبي ، فأصاب واللفظ لأبي داود .

صفحة رقم -70-

23 - تحريم نشر أسرار الاستمتاع :

ويحرم على كل منهما أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع ، وفيه حديثان :

الأول : قوله صلى الله عليه وسلم :

( إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي ( 1 ) إلى امرأته ، وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها ( 2 )

( 1 ) أي : يصل إليها بالمباشرة والمجامعة ، ومنه قوله تعالى : {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} .

( 2 ) رواه ابن أبي شيبة ، ومن طريقه مسلم ، وأحمد وأبو نعيم .

ثم استدركت فقلت : إن هذا الحديث مع كونه في " صحيح مسلم " فإنه ضعيف من قبل سنده ، لأن فيه عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف كما قال في " التقريب " ، وقال الذهبي في الميزان " :

" ضعفه يحيى بن معين والنسائي ، وقال أحمد : أحاديثه مناكير " .

ثم ساق له الذهبي هذا الحديث ، وقال :

" فهذا مما استنكر لعمر " .

قلت : ويسنتنج من هذه الأقوال لهؤلاء الأئمة أن الحديث ضعيف وليس بصحيح ، وتوسط ابن القطان فقال كما في " الفيض " :

" وعمر ضعفه ابن معين ، وقال أحمد : أحاديثه مناكير ، فالحديث به حسن لا صحيح " .

قلت : ولا أدري كيف حكم بحسنه مع التضعيف الذي حكاه هو نفسه فلعله أخذ بهيبة " الصحيح " ولم أجد حتى الآن ما أشد به عضد هذا الحديث ، بخلاف الحديث الآتي بعده ، والله أعلم .

صفحة رقم -71-

الثاني : عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرجال والنساء قعود ، فقال :

( لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها ؟ فأرم ( 1 ) القوم ، فقلت : إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن ، وإنهم ليفعلون . قال :

( فلا تفعلوا ، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق ، فغشيها والناس ينظرون ( 2 )

( 1 ) أي : سكتوا ، ولم يجيبوا .

( 2 ) أخرجه أحمد ، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة ، وأبي داود ، والبيهقي ، وابن السني .

وشاهد ثان رواه البزار عن أبي سعيد .

وشاهد ثالث عن سلمان في " الحلية "

فالحديث بهذه الشواهد صحيح أو حسن على الأقل .

صفحة رقم -72-

24 - وجوب الوليمة :

ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها كما يأتي ، ولحديث بريدة ابن الحصيب ، قال :

لما خطب علي فاطمة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( إنه لا بد للعرس ( وفي رواية للعروس ) من وليمة ( 1 ) -

( 1 ) رواه أحمد والطبراني والطحاوي . وإسناده كما قال الحافظ في الفتح : " لا بأس به " .

صفحة رقم -73-

قال : فقال سعد علي كبش ، وقال فلان : علي كذا وكذا من ذرة ، وفي الرواية الأخرى : [ وجمع له رهط من الأنصار أصوعا ذرة ) .

25 - السنة في الوليمة :

وينبغي أن يلاحظ فيها أمورا :

الأول : أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول ، لأنه هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس رضي الله عنه قال :

( بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ، فأرسلني فدعوت رجالا على الطعام ( 1 )

( 1 ) أخرجه البخاري والبيهقي ، واللفظ له ، وغيرهما .

صفحة رقم -74-

وعنه قال :

( تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية ، وجعل عتقها صداقها ، وجعل الوليمة ثلاثة أيام ( 1 )

الثاني : أن يدعو الصالحين إليها ، فقراء كانوا أو أغنياء ، لقوله صلى الله عليه وسلم :

( لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ( 2 )

الثالث : أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة ،

( 1 ) أخرجه أبو يعلى بسند حسن وهو في " صحيح البخاري " بمعناه . ويأتي لفظه قريبا في المسألة ( 26 ) .

( 2 ) رواه أبو داود ، والترمذي ، والحاكم ، وأحمد . وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي .

صفحة رقم -75-

لحديث أنس رضي الله عنه قال :

( إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة ، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري [ فانطلق به سعد إلى منزله ، فدعا بطعام فأكلا ] ، فقال له سعد : أي أخي أنا أكثر أهل المدينة ( وفي رواية : أكثر الأنصار ) مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ( وفي رواية : هلم إلى حديقتي أشاطركها ) ، وتحتي امرأتان [ وأنت أخي في الله ، لا امرأة لك ] ، فانظر أيهما أعجب إليك [ فسمها لي ] حتى أطلقها [ لك ] [ فإذا انقضت عدتها فتزوجها ] ، فقال عبد الرحمن : [ لا والله ] ، بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلوني على السوق ، فدلوه على السوق ، فذهب ، فاشترى وباع ، وربح ، [ ثم تابع الغدو ] فجاء بشيء من أقط ( 1 ) وسمن [ قد أفضله ] [ فأتى به أهل منزله ] ، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث ، فجاء وعليه ردع ( 2 ) زعفران ( وفي رواية : وضر ( 3 ) من خلوق ) ،

( 1 ) لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به . " نهاية " .

( 2 - 3 ) هما بمعنى واحد ، أي : لطخ من خلوق ، وذلك من فعل العروس . كما في " النهاية " .

والخلوق طيب معروف مركب ، يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة .

صفحة رقم -76-

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهيم ( 1 ) ؟ فقال : يا رسول الله تزوجت امرأة [ من الأنصار ] ، فقال : ما أصدقتها ؟ قال : وزن نواة ( 2 ) من

( 1 ) أي : ما شأنك ؟ أو ما هذا ؟ وهي كلمة استفهامبنية على السكون " فتح " .

( 2 ) قال ابن الأثير في " النهاية :

" النواة اسم لخمسة دراهم ، قال الأزهري : لفظ الحديث يدل على أنه تزوج المرأة على ذهب قيمته خمسة دراهم ، لأنه قال : نواة من ذهب " .

وهذا القول حكى مثله الحافظ في " الفتح " عن أكثر العلماء .

صفحة رقم -77-

ذهب ، قال : [ فبارك الله لك ] أولم ولو بشاة ، [ فأجاز ذلك ] . قال عبد الرحمن : فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب [ تحته ] [ ذهبا أو فضة ] ، [ قال أنس : لقد رأيته قسم لكل أمرأة من نسائه بعد موته مائة ألف دينار ] ( 1 ) .

( 1 ) رواه البخاري ، والنسائي ، وابن سعد ، والبيهقي ، وأحمد وأبو الحسن الطوسي في " المختصر " ، والسياق لهما ، وإسنادهما صحيح على شرط مسلم ، وبعض الزيادات لهما ، وسائرها مع الروايات الأخرى للبخاري وأحمد والنسائي وابن سعد والحديث في مسلم وأبي داود والترمذي وصححه والدارمي . . .

صفحة رقم -78-

وعن أنس أيضا :

( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب ، فإن ذبح شاة ، [ قال : أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه ] ( 1 )

( 1 ) رواه البخاري ومسلم واللفظ مع الزيادة له ، . . .

صفحة رقم -79-

26 - جواز الوليمة بغير لحم :

ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر ، ولم لم يكن فيه لحم ، لحديث أنس رضي الله عنه قال :

( أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية ، فدعوت المسلمين إلى وليمته ، وما كان فيها من خبز ولا لحم ، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع ( 1 ) فبسطت ( وفي رواية : فحصت الأرض أفاحيص ( 2 ) ، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ) ، فألقي عليها التمر والأقط والسمن [ فشبع الناس ] ( 3 ) .

( 1 ) جمع نطع بساط متخذ من الأديم وهو الجلد المدبوع .

( 2 ) جمع أفحوص القطاة ، وهو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض ، كأنها تفحص عنه التراب ، أي : تكشفه ، والفحص : البحث والكشف . " نهاية " .

( 3 ) أخرجه البخاري والسياق له ، ومسلم والرواية الأخرى مع الزيادة له ، والنسائي والبيهقي ، وأحمد وعنده الرواية الأخرى مع الزيادة .

صفحة رقم -80-

27 - مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة :

ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها لحديث أنس في قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية قال :

( حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم ، فأهدتها له من الليل ، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا ( 1 ) فقال :

من كان عنده شيء فليجئ به ، ( وفي رواية : من كان عنده فضل زاد فليأتنا به ) ، قال : وبسط نطعا ، فجعل الرجل يجئ بالأقط ، وجعل الرجل يجيء بالتمر ، وجعل الرجل يجيء بالسمن ، فحاسوا حيسا ( 2 ) [ فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء ] ، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 3 )

( 1 ) يقال للرجل : عروس ، كما يقال للمرأة ، وهو اسم لهما عند دخول أحدهما بالآخر " نهاية " .

( 2 ) هو الطعام المتخذ من الأشياء المذكورة في الحديث .

( 3 ) أخرجه الشيخان والزيادة لمسلم . . .

صفحة رقم -81-

28 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة :

ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء لقوله صلى الله عليه وسلم :

( شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ، ويمنعها المساكين ، ومن لم يجب الدعوة فقط عصى الله ورسوله ( 1 )

29 - وجوب إجابة الدعوة :

ويجب على من دعي إليها أن يحضرها ، وفيها حديثان :

( 1 ) رواه مسلم ، والبيهقي ، من حديث أبي هريرة مرفوعا ، وهو عند البخاري موقوفا عليه . وهو في حكم املرفوع ما بينه الحافظ في شرحه .

صفحة رقم -82-

الأول : فكوا العاني ( 1 ) ، وأجيبوا الداعي ، وعودوا المريض ( 2 ) .

الثاني : [ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها [ عرسا كان أو نحوه ] ، [ ومن لم يجب الدعوة ، فقد عصى الله ورسوله ] ( 3 )

30 - الإجابة ولو كان صائما :

وينبغي أن يجيب ولو كان صائما ، لقوله صلى الله عليه وسلم :

( 1 ) أي : الأسير أي : أعتقوه من أيدي العدو بمال أو غيره .

( 2 ) رواه البخاري ، وعبد بن حميد في " المنتخب من مسنده " من حديث أبي موسى الأشعري .

( 3 ) رواه البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي من حديث ابن عمر ، ورواه أبو يعلى ، والزيادة الثانية له ، وسندها صحيح كما قال الحافظ في " التلخيص " .

صفحة رقم -83-

( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليصل ( 1 ) . يعني : الدعاء ( 2 ) 31 - الإفطار من أجل الداعي :

وله أن يفطر إذا كان متطوعا في صيامه ، ولا سيما إذا ألح عليه الداعي ، وفيه أحاديث :

الأول : [ إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طعم ، وإن شاء ترك ( 3 )

( 1 ) أي : فليدع كما هو مفسر في آخر الحديث من بعض الرواة .

( 2 ) رواه مسلم ، والنسائي في " الكبرى " وأحمد ، والبيهقي واللفظ له ، من حديث أبي هريرة مرفوعا . . .

( 3 ) رواه مسلم ، وأحمد . . .

صفحة رقم -84-

الثاني : [ الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ( 1 )

( 1 ) رواه النسائي ، والحاكم ، والبيهقي . وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " ، ووافقه الذهبي . وهو كما قالا .

85. ليس بالصل صفحة 85.

صفحة رقم -86-

الثالث : حديث عائشة رضي الله عنها قالت :

دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : هل عندكم شيء ؟ فقلت : لا . قال : فإني صائم . ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس ، فخبأت له منه ، وكان يحب الحيس ، قالت : يا رسول الله إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه . قال : أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم . فأكل منه ، ثم قال :

صفحة رقم -87-

( إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة ، فإن شاء أمضاها ، وإن شاء حبسها ( 1 ) .

32 - لا يجب قضاء يوم النفل :

ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم ، وفيه حديثان :

الأول : عن أبي سعيد الخدري قال : [ صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما ، فأتاني هو وأصحابه ، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم : إني صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعاكم أخوكم وتكلف لكم ثم قال له : أفطر وصم مكانه يوما إن شئت ( 2 )

( 1 ) النسائي بإسناد صحيح . كما هو مبين في " الإرواء " .

( 2 ) رواه البيهقي بإسناد حسن كما قال الحافظ في " الفتح " .

صفحة رقم -88-

الثاني : عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء ، قال : فجاءه سلمان يزوره ، فإذا أم الدرداء متبذلة ( 1 ) ، فقال : ما شأنك يا أم الدرداء ؟ قالت : إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار ، وليس له في شيء من الدنيا حاجة فجاء أبو الدرداء فرحب به ، وقرب إليه طعاما ، فقال له سلمان : اطعم ، قال : إني صائم ، قال : أقسمت عليك لتفطرنه ، ما أنا بآكل حتى تأكل ، فأكل معه ، ثم بات عنده ، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم ، فمنه سلمان وقال له : يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا ، ولربك عليك حقا ، [ ولضيفك عليك حقا ] ، ولأهلك عليك حقا ، صم ، وأفطر ، وصل ، وائت أهلك ، وأعط كل ذي حق حقه ، فلما كان في وجه الصبح ، قال : قم الآن إن شئت ، قال : فقاما فتوضآ ، ثم ركعا ، ثم خرجا إلى الصلاة ، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا ، مثل ما قال سلمان ( وفي رواية : صدق سلمان ( 2 )

( 1 ) أي : لابسة البذلة وهي المهنة وزنا ومعنى ، والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة .

( 2 ) رواه البخاري والترمذي ، والبيهقي والسياق له ، وقال الترمذي : " حديث صحيح " .

والزيادة والرواية الأخيرة للأولين .

صفحة رقم -89-

33 - ترك حضور الدعوة التي فيها معصية :

ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية ، إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها ، فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع ، وفيه أحاديث :

الأول : عن علي قال :

( صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء فرأى في البيت تصاوير ، فرجع [ قال : فقلت : يا رسول الله ما أرجعك بأبي أنت وأمي ؟ قال : إن في البيت سترا فيه تصاوير ، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير ] ( 1 )

( 1 ) رواه ابن ماجه ، وأبو يعلى في " مسنده " والزيادة له بسند صحيح .

صفحة رقم -90-

الثاني : عن عائشة أنها اشترت نمرقة ( 1 ) فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب ، فلم يدخل ، فعرفت في وجهه الكراهية ، فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ، ماذا أذنبت ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ما بال هذه النمرقة ؟ فقلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ، فقال صلى الله عليه وسلم :

( إن أصحاب هذه الصور ( وفي رواية : إن الذين يعملون هذه التصاوير ) يعذبون يوم القيامة ( 2 ) ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ، وإن البيت الذي فيه [ مثل هذه ] الصور لا تدخله الملائكة [ قالت : فما دخل حتى أخرجتها ] ) .

( 1 ) هي الوسادة ، كما في " النهاية " و" لسان العرب " .

( 2 ) قال الحافظ تحت هذه الجملة من الحديث :

" وفيه أن الملائكة لا تدخل بيتا في الصور ، وهذه الجملة هي المطابقة لامتناعه من الدخول ، وإنما قدم الجملة الأولى ( يعني : إن أصحاب هذه الصور . . . ) عليها اهتماما بالزجر عن اتخاذ الصور ، لأن الوعيد إذا حصل لصانعها فهو حاصل لمستعملها ، لأنها لا تصنع إلا لتستعمل ، فالصانع متسبب ، والمستعمل مباشر ، فيكون أولى بالوعيد " .

( 3 ) أخرجه البخاري ومسلم . . .

صفحة رقم -91-

الثالث : قال : صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر ( 1 ) .

( 1 ) أخرجه أحمد عن عمر ، والترمذي ، وحسنه الحاكم ، وصححه عن جابر ، ووافقه الذهبي . وهو مخرج في " الإرواء " .

صفحة رقم -92-

وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، فأقتصر على ما يحضرني الآن منها :

أ - عن أسلم - مولى عمر - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام ، فصنع له ( 1 ) رجل من النصارى ، فقال لعمر : إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك - وهو رجل من عظماء الشام - فقال له عمر رضي الله عنه :

( إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها ( 2 )

( 1 ) يعني : طعاما .

( 2 ) رواه البيهقي بسند صحيح .

واعلم أن في قول عمر دليلا واضحا على خطأ ما يفعله بعض المشايخ من الحضور في الكنائس الممتلئة بالصور والتماثيل استجابة منهم لرغبة بعض المسؤولين أو غيرهم . . .

صفحة رقم -93-

ب - عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو - أن رجلا صنع له طعاما ، فدعاه ، فقال : أفي البيت صورة ؟ قال : نعم ، فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل ( 1 ) .

ج - قال الإمام الأوزاعي :

( لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف ) ( 2 ) .

( 1 ) رواه البيهقي وسنده صحيح . كما قال الحافظ في " الفتح " .

( 2 ) رواه أبو الحسن الحربي في " الفوائد المنتقاة " بسند صحيح عنه .

صفحة رقم -94-

34 - ما يستحب لمن حضر الدعوة :

ويستحب لمن حضر الدعوة أمران :

الأول : أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وهو أنواع :

أ - عن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ، فدعاه ، فأجابه ، فلما فرغ من طعامه قال :

( اللهم اغفر لهم ، وارحمهم ، وبارك لهم فيما رزقتهم ( 1 )

( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأبو داود والترمذي وصححه . . .

صفحة رقم -95-

ب - عن المقداد بن الأسود قال : قدمت أنا وصاحبان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأصابنا جوع شديد ، فتعرضنا للناس ، فلم يضفنا أحد ، فانطلق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وعنده أربع أعنز ، فقال لي : يا مقداد جزئ ألبانها بيننا أرباعا ، فكنت أجزئه بيننا أرباعا ، [ فيشرب كل إنسان نصيبه ، ونرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه ] ، فاحتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فحدثت نفسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى بعض الأنصار ، فأكل حتى شبع ، وشرب حتى روي ، فلو شربت نصيبه ( ) فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته ( ) ثم غطيت القدح ، فلما فرغت أخذني ما قدم وما حدث ، فقلت : يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم جائعا ولا يجد شيئا ، فتسجيت ( 1 ) ، [ قال : وعلي شملة من صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي ، وإذا أرسلت على قدمي خرج رأسي ، قال : ] [ وجعل لا يجيئني النوم ] ، وجعلت أحدث نفسي ، [ قال : وأما صاحباي فناما ] ، فبينا أنا كذلك

( 1 ) أي : تغطيت ، يعني : يريد أن ينام .

صفحة رقم -96-

إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم تسليمة يسمع اليقظان ، ولا يوقظ النائم ، [ ثم أتى المسجد فصلى ] ، ثم أتى القدح فكشفه ، فلم ير شيئا ، فقال :

( اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني ) ، واغتنمت الدعوة ، [ فعمدت إلى الشملة فشددتها علي ] ، فقمت إلى الشفرة ( 1 ) فأخذتها ، ثم أتيت الأعنز ، فجعلت أجتسها ( 2 ) أيها اسمن [ فأذبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ] ، فلا تمر يدي على ضرع واحدة إلا وجدتها حافلا ( 3 ) ، [ فعمدت إلى إناء لآل محمد ما كانوا يطمعون أن يحلبوا فيه ] ، فحلبت حتى ملأت القدح ، ثم أتيت [ به ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ فقال : أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد ؟ قال : ] فقلت : اشرب يا رسول الله فرفع رأسه إلي ، فقال : بعض سوآتك يا مقداد ، ما الخبر ؟ قلت : اشرب ثم الخبر ، فشرب حتى روي ، ثم ناولني فشربت ، فلما

( 1 ) هي السكين العظيمة العريضة .

( 2 ) أي : أمسها بيدي .

( 3 ) أي : ممتلئا لبنا .

صفحة رقم -97-

عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روي وأصابتني دعوته ، ضحكت ، حتى ألقيت إلى الأرض ، فقال : ما الخبر ؟ فأخبرته ، فقال : هذه بركة نزلت من السماء ، فهلا أعلمتني حتى نسقي صاحبينا ؟ فقلت : [ والذي بعثك بالحق ] ، إذا أصابتني وإياك البركة ، فما أبالي من أخطأت . ( 1 )

الثاني : عن أنس أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ كان يزور الأنصار ، فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار يدورون حوله ، فيدعوا لهم ، ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم ، فأتى إلى باب سعد بن عبادة ف ] استأذن على سعد فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ، ورد عليه سعد ثلاثا ، ولم يسمعه ، [ وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد فوق ثلاث تسليمات ، فإن أذن له ،

( 1 ) رواه مسلم وأحمد وابن سعد وبعضه الترمذي وصححه .

صفحة رقم -98-

وإلا انصرف ] ، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعه سعد ، فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني ، ولقد رددت عليك ولم أسمعك ، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة ، [ فادخل يا رسول الله ] ، ثم أدخله البيت ، فقرب له زبيبا ، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ قال :

( أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون ) .

( 1 ) رواه أحمد والطحاوي والبيهقي وابن عساكر وإسنادهم صحيح .

صفحة رقم -99-

الأمر الثاني : الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة ، وفيه أحاديث :

الأول : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :

هلك أبي ، وترك سبع بنات أو تسع بنات ، فتزوجت امرأة ثيبا ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجت يا جابر ؟ فقلت : نعم ، فقال : أبكرا أم ثيبا ، قلت : بل ثيبا ، قال : فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك ، وتضاحكها وتضاحكك ؟ فقلت له : إن عبد الله هلك وترك [ تسع أو سبع ] بنات ، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن ، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن ، فقال :

( بارك الله لك ) ، أو قال لي خيرا ( 1 ) .

( 1 ) رواه البخاري والسياق له ومسلم والزيادة له .

.100- ليس بالصل ص 100.

صفحة رقم -101-

الثاني : عن بريدة رضي الله عنه قال : قال نفر من الأنصار لعلي : عندك فاطمة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ، فقال : ما حاجة ابن أبي طالب ؟ فقال : يا رسول الله ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مرحبا وأهلا ، لم يزد عليهما ، فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه ، قالوا : ما وراءك ؟ قال : ما أدري غير أنه قال لي : مرحبا وأهلا ، فقالوا : يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما ، أعطاك الأهل والمرحب ، فلما كان بعد ذلك ، بعدما زوجه قال : يا علي إنه لا بد للعروس ( 1 ) من وليمة ، فقال سعد : عندي كبش ، وجمع له رهط من الأنصار أصوعا من ذرة ، فلما كانت ليلة البناء ، قال : لا تحدث شيئا حتى تلقاني ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتوضأ فيه ، ثم أفرغه على علي ، فقال :

( اللهم بارك فيهما ، وبارك لهما في بنائهما ( 2 ) .

( 1 ) وفي رواية : " للعرس " وهي رواية أحمد ، وقد تقدمت بتمامها في المسألة ( رقم 24 ) .

( 2 ) رواه ابن سعد والطبراني في " الكبير " بسند حسن .

صفحة رقم -102-

الثالث : عن عائشة رضي الله عنها قالت :

تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتتني أمي ، فأدخلتني الدار ، فإذا نسوة من الأنصار في البيت ، فقلن :

( على الخير والبركة ، وعلى خير طائر ( 1 ) .

الخامس : عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ ( 2 ) الإنسان إذا تزوج قال :

( بارك الله لك ، وبارك الله عليك ، وجمع بينكما في ( وفي رواية : على ) خير ( 3 )

( 1 ) أي : على افضل حظ ونصيب ، وطائر الإنسان : نصيبه . والحديث رواه البخاري ومسلم والبيهقي .

( 2 ) بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز ، معناه دعا له في موضع قولهم : " بالرفاه والبنين " ، وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية ، فورد النهي عنها . كذا في " الفتح " ثم ذكر أحاديث في النهي عنها ، منها حديث الحسن الآتي بعده .

( 3 ) رواه سعيد بن منصور وكذا أبو داود ، والترمذي ، وكذا أبو علي الطوسي وصححاه ، والدارمي وأحمد والحاكم والبيهقي . وقال الحاكم :

" صحيح على شرط مسلم " . ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا .

صفحة رقم -103-

35 - بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية :

ولا يقول : [ بالرفاء والبنين ) كما يفعل الذين لا يعلمون ، فإنه من عمل الجاهلية ، وقد نهي عنه في أحاديث ، منها : عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جشم ، فدخل عليه القوم ، فقالوا : بالرفاء والبنين ، فقال : لا تفعلوا ذلك [ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ] ، قالوا : فما نقول يا أبا زيد ؟ قال : قولوا : بارك الله

صفحة رقم -104-

لكم ، وبارك عليكم ، إنا كذلك كنا نؤمر ( 1 ) .

36 - قيام العروس على خدمة الرجال :

ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين

( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق في " مصنفه " ، والنسائي ، وابن ماجه ، والدارمي . وقال الحافظ :

" رجاله ثقات ، إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال " .

صفحة رقم -105-

العروس نفسها إذا كانت متسترة ( 1 ) وأمنت الفتنة ، لحديث سهل بن سعد قال :

( 1 ) أعني السترة المشروعة ، ويشترط فيها ثمانية أشياء :

1 - استيعاب جميع البدن إلا الوجه والكفين .

2 - أن لا يكون زينة في نفسه .

3 - أن يكون صفيقا لا يشف .

4 - وأن لا يصف شيئا من جسمها لضيقه .

5 - ولا يكون مطيبا .

6 - ولا يشبه لباس الرجال .

7 - ولا لباس الكافرات .

8 - ولا يكون لباس شهرة .

وأدلة هذه الشروط موجودة في كتابي : " حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة " .

صفحة رقم -106-

( لما عرس ( 1 ) أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فما صنع لهم طعاما ، ولا قدمه إليهم ، إلا امرأته أم أسيد ، بلت ( وفي رواية : أنقعت ) تمرات في تور ( 2 ) من حجارة من الليل ، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته ( 3 ) له فسقته ، تتحفه بذلك ، [ فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس ] ( 4 ) .

( 1 ) أي : دخل بزوجته ، قال في " اللسان " :

" وقد عرس وأعرس : اتخذها عرسا ودخل بها ، وكذلك عرس بها وأعرس " .

( 2 ) إناء يكون من نحاس وغيره ، وقد بين هنا أنه كان من الحجارة .

( 3 ) أي : مرسته بيدها ، يقال : ماثته وأماثته ثلاثيا ورباعيا .

( 4 ) رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحيحه " .

صفحة رقم -107-

37 - الغناء والضرب بالدف ( 1 ) :

ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط ، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور ، وفي ذلك أحاديث :

( 1 ) بضم الدال ، وقد تفتح ، وهو الذي لا جلاجل فيه ، فإن كانت فيه فهو المزهر " فتح " .

صفحة رقم -108-

الأول : عن الربيع بنت معوذ قالت :

( جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بني علي ، فجلس على فراشي مجلسك مني ، ( الخطاب للراوي عنها ) ، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين ( 1 ) .

الثاني : عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : [ يا عائشة ما كان معكم لهو ، فإن الأنصار يعجبهم اللهو ؟ ( 2 )

( 1 ) رواه البخاري والبيهقي وأحمد والمحاملي في صلاة العيدين . وغيرهم .

( 2 ) أخرجه البخاري والحاكم وعنه البيهقي .

صفحة رقم -109-

وفي رواية بلفظ :

( فقال : فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ؟ قلت : ماذا تقول ؟ قال : تقول :

أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم

لولا الذهب الأحم ر ما حلت بواديكم

لولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم ( 1 )

الثالث : عنها أيضا :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع ناسا يغنون في عرس وهم يقولون :

وأهدي لها أكبش يبحبحن في المربد

وحبك في النادي ويعلم ما في غد

وفي رواية :

( 1 ) رواه الطبراني كما في " زوائده ، وسكت عليه في " الفتح " ، وفيه ضعف

ثم وجدت له طريقا أخرى عن عائشة يتقوى بها كما بينته في " الإرواء " .

وفي الباب عن عائشة أيضا في " المسند " ورجاله ثقات غير إسحاق بن سهل بن أبي حنتمة ، أورده في " الجرح " ولم يذكر فيه شيئا .

صفحة رقم -110-

وزوجك في النادي ويعلم ما في غد

قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يعلم ما في غد إلا الله سبحانه ( 1 ) .

الرابع : عن عامر بن سعد البجلي ، قال :

( دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود ، وذكر ثالثا - ذهب علي - وجواري يضربن بالدف ويغنين ، فقلت : تقرون على هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : إنه قد رخص لنا في العرسات ، والنياحة عند المصيبة ) ، وفي رواية :

( وفي البكاء على الميت في غير نياحة ( 2 )

( 1 ) أخرجه الطبراني في الصغير والحاكم ، البيهقي ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي .

( 2 ) أخرجه الحاكم ، والبيهقي والسياق والرواية الأخرى له ، والنسائي ، والطيالسي .

                    صفحة رقم                  -111

الخامس : عن أبي بلج يحيى بن سليم قال :

( قلت لمحمد بن حاطب : تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت ، يعني دفا ، فقال محمد رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

( فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف ( 1 ) . السادس : [ أعلنوا النكاح ) .

( 1 ) أخرجه النسائي ، والترمذي وقال : حديث حسن ، وابن ماجه . وغيرهم . وقال الحاكم :

" صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي .

وهو عندي حسن الإسناد .

( 2 ) رواه ابن حبان والطبراني . والمخلص في " المنتقى من حديثه " والضياء المقدسي في " المختارة 

وسنده حسن رجاله ثقات معروفون ، غير ابن الأسود . وصححه الحاكم ، وكذا ابن دقيق العيد بإيراده إياه في " الإلمام بأحاديث الأحكام " وقد اشترط في المقدمة أن لا يورد فيه إلا ما كان صحيحا .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة العلل والسؤلات الواقعة في كتاب صحيح البخاري لابن المبرد، جمال الدين يوسف بن عبد الهادي الحنبلي (ت ٩٠٩ هـ)

قائمة العلل والسؤلات الواقعة في كتاب صحيح البخاري لابن المبرد، جمال الدين يوسف بن عبد الهادي الحنبلي (ت ٩٠٩ هـ ) الرابط...