السؤال باسم الله الأعظم

وسمع آخر يقول في تشهده أيضا : ( أبو داود والنسائي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد ) ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت [ وحدك لا شريك لك ] [ المنان ] [ يا ] بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم [ إني أسألك ] [ الجنة وأعوذ بك من النار ] . [ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( تدرون بما دعا ؟ ) قالوا الله ورسوله أعلم . قال : ( والذي نفسي بيده ] لقد دعا الله باسمه العظيم ( وفي رواية : الأعظم ) الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى}

الأحد، 11 فبراير 2024

ج4وج5وج6..{تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع}{من الحديث السابع: اليالحديث الرابع عشر.}



تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع

الحديث السابع:
 
((اللهم إني ضعيف، فوق في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضائي، اللهم إني ضعيف فقوني، وذليل فأعزني، وفقير فارزقني)) ضعيف جداً أو موضوع.
رواه ابن أبي شيبة (10/268) وعنه الحاكم (1/527) - باختصار بعض من أوله - من طريق محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبي داود الأودي عن بريدة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ألا أعلمك كلمات من أراد الله به خيراً علمه إياهن ثم لم ينسه إياهن أبداً؟ قال: قل ... )) ، فذكره.
وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)) . فتعقبه الذهبي بقوله: ((قلت: أبو داود الأعمى متروك الحديث)) . ورواه أيضاً الطبراني في ((الأوسط)) قال الهيثمي (10/182) : ((وفيه أبو داود الأعمى، وهو ضعيف جداً)) . وأورد بعضه السيوطي في ((الجامع)) (6137) معزواً للحاكم عن بريدة. وقال في ((ضعيف الجامع)) (4/123) : ((موضوع)) . قلت: والعجب من قول الحاكم - عفا الله عنه - ((صحيح الإسناد)) مع أنه هو القائل في أبي داودهذا: ((روى عن بريدة وأنس أحاديث موضوعة! كما قدمنا في ((التبييض)) (39) . وقد رواه أبو داود هذا على لون آخر، فعند الطبراني في ((الكبير)) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((لقيني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ألا أعلمك كلمات من أراد اله به خيراً علمه إياهن؟ ثلت: بلى يا رسول الله. قال: قل: اللهم إني ضعيف، فوق في رضاك ضعفي، وإني ذليل فأعزني، وإني فقير فأغنني)) . قال الهيثمي (10/179) : ((وفيه أبو داود الأعمى، وهو متروك)) اهـ. قلت: ولا أدري إن كان قد رواه عن ابن عمرو رأساً أو بواسطة، ولا إن كان في الطريق إليه ضعيف، أم السند ثابت
(1/34)


إليه، فإن أحاديث: ((ابن عمرو)) من ((المعجم الكبير)) وقعت في أحد الأجزاء المفقودة، والله المستعان.
وأورد السيوطي الحديث بتمامه في ((الجامع)) (2882) معزواً للطبراني عن ابن عمرو، وأ [ي يعلى والحاكم عن بريدة. وفي ((ضعيف الجامع)) (2/247) - أيضاً -: ((موضوع)) . وفي ((تخريج الإحياء)) (995) : (( ... وقال العراقي: رواه الحاكم من حديث بريدة، قال: صحيح الإسناد)) اهـ. قلت (القائل: الزبيدي) : وكذلك رواه أبو يلى. ورواه الطبراني في ((الكبير)) من حديث عبد الله بن عمرو، وفي الإسناد أبو داود الأعمى، وهو متروك ... )) . قلت: ومما يؤخذ على الإمام العراقي روح الله روحه - وكذلك غيره - أنه يحكى تصحيح الحاكم للحديث الواهي الإسناد، ولا يتعقبه، ويكون الإمام الكبير الحافظ الذهبي رحمه الله قد تعقبه وبين شدة ضعفه. والمعتمد عند أهل التحقيق ألا يؤخذ تصحيح الحاكم للأحاديث أمراً مسلماً به، بل ينبغي أن يقابل قوله بما حكم عليه الذهبي - في ((تلخيص المستدرك)) -، فمن بعده من أهل الشأن من إقرار لهذا التصحيح أو تعقب. كذلك القول بتحسين ما سكت عنه - احتياطاً - متعقب، بل يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله كما حكاه العراقي نفسه - رحمه الله - عن ابن جماعة رحمه الله. انظر ((الباعث الحثيث)) للعلامة أحمد شاكر رحمه الله (ص26-27) . دار الكتب العلمية) .
(هذا) والحديث مروى مقطوعاً على الحكم بن عتيبة الفقيه الكوفي رحمه الله، بإسناد واه أيضاً عند عبد الرزاق (19651) عن معمر في ((جامعه)) عن أبان - وهو ابن أبي عياش - عنه أنه كان يقول: ((ثلاث من يرد الله به الخير يحفظهن، ثم لا ينسيهن: اللهم إني ضعيف فوق في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضائي)) . وأبان متروك الحديث، وكان الإمام شعبة بن الحجاج رحمه الله يكذبه ويقول: ((لأن أزني أحب إلى من أن أروى، أحب إلى من أن أقول: حدثني أبان بن أبي عياش)) هذا، وكنت
(1/35)


وقد وقفت بعد كتابة ما تقدم على حديث بريدة عند الإمام الطحاوي رحمه الله في ((مشكل الآثار)) (1/64-65) من طريقين عن مندل بن علي (وهو العنزي، أحد الضعفاء) عن العلاء بن المسيب به، وبوب عليه: (باب بيان مشكل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اللهم قوّ في طاعتك (1) ضعفي) . ثم قال عقبة: ((فتأملنا هذهين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فوجدنا الضعف لا يكون قوة أبداً، ووجدنا القوة لا تكون ضعفاً أبداً، لأن كل واحد منهما ضد الآخر، ولا يكون الشئ ضداً لنفسه أبداً، وإنما يكون ضداً لغيره، وكان الضعيف والقوة لا يقومان بأنفسهما، إنما يكونان حالين عن أبدان الحيوان من بني آدم ومن سواهم، فيعود ما يحل فيه الضعف منهما الضعيف، وما يحل فيه القوة منهما قوياً (فعقلنا) بذلك أن دعاءه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عز وجل (كذا) أن يجعل ضعفه قوة، وإنما مراده فيه (كذا) - والله أعلم - أن يجعل ما فيه الضعف منه، وهو بدنة - قوياً، فهذا أحسن ما وجدنا في تأويل هذا الحديث، والله نسأله التوفيق)) اهـ.
قلت: ثبت العرش - يا فقيه مصر ومفخرتها - ثم انقش، فإن حال أبي داود نفيع الأعمى لا يخفى على العميان! فضلاً عن إمام بصير بالأسانيد والرجال مثلك. وإذ لم يثبت الحديث، بل لم يكن ضعفه محتملاً - على مذهب الآخذين به في الفضائل -، فما كان من داع إلى إيراده في هذا الكتاب أصلاً، فضلاً عن تأويل مشكلة إلا من باب الجواب عنه على افتراض ثبوته - دفعاً لاستشكال من توهم صحته - وما أظن أحداً من أهل العلم قال بصحبته - من السابقين للإمام الطحاوي عفا الله عنها - وهنا نكتة، فإن الحاكم ولد في السنة التي توفي فيها الطحاوي (321) رحمة الله عليهما وعلى أئمة الهدى ومصابيح العلم. فلا تعلق بتصحيح الحاكم أصلاً. ثم إن الإمام محمد بن إدريس الشاعي القرشي رحمه الله، قد أنكر هذا الدعاء أصلاً - وهو من هو في بزة أئمة اللغة في زمانه حتى عدوا كلامه لغة في نفسه رحمه الله -، فقد روى البيهقي في ((مناقب
_________
$! كذا، وفي الرةايتين اللتين أوردهما - على الجادة -: ((اللهم قوّ في رضاك ضعفي)) .
(1/36)


الشافعي)) (2/116-117) عن الربيع بن سليمان قال: دخلت على الشافعي يوماً، وهو عليل، فقلت: كيف أصحبت يا أبا عبد الله؟ قال: أصحبت والله ضعيفاً. قال: فقلت: قوى الله ضعفك، فقال: ويحك يا ربيع، إن قوى الضعف مني قتلني. فقلت: والله - جعلت فداك - ما أردت إلا الخير، فكيف أقول؟ قال: قل: قوى الله قوتك، وأضعف ضعفك ... )) (1) .
فهذا اليذ ينبغي اعتماده والركون إليه، فالعجب ممن يواجه بسقوط هذا الدعاء من جهة إسناده ومتنه، فيصر عليه تعللاً يرأى أحد الدكاترة الأفاضل - ممن نظنهم من الصداعين بالحق ولا نزكي على الله أحد -، وهذا التعلل من الآفات المستشرية في الساحة، نسأل اله تعالى تخليصنا منها ومن غيرها ـ أن سميع قريب. هذا، وهناك عشرات من الأدعية الجامعة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسان رضوان الله عليهم جميعاً، تغنى عن التثبيت بمثل هذا، فنسأله تعالى أن ييسر للمسلمين من يذللها لهم. آمين.
استدراك:
ثم وجدت للحديث طريقين واهيين جداً، أحدهما ابن الأعرابي في ((معجمه)) (1061) عن ابن عمر. وفيه غسان بن مالك، تناوله أبو حاتم، عن عنبسة بن عبد الرحمن - متروك رمي بالكذب والوضع - عن محمد بن رستم الثقفي لم أجد له ترجمة ولا ذكر - عنه. وفي المكتن زيادة.
والثانية: ذكرها محقق (المعجم)) من رواية ابن شاهين في ((الأفراد)) (5/21/ب) من حديث عائشة، وقال ابن شاهين: ((هذا حديث غريب فرد من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه (يعني عن القاسم عنها) ، لا اعلم حدث به إلا القدامى)) اهـ. قلت: هم عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي أحد الهلكى، كان يعمد إلى أحاديث الضعفاء عن الزهري فيجعلها عن مالك. وقال الحاكم والنقاش: (روى عن مالك أحاديث موضوعة)) . قلت: وروايته هذا المتن بإسناد صحيح كالشمس من أكبر دلالة على اتهامه.
_________
$! وهو في ((آداب الشافعي ومناقبه)) (ص274) لابن أبي حاتم مفرقاً على طريقين بنحوه. ورواه أبو نعيم في ((الحلية)) (9/120) من طريقين عن الربيع بمعناه. وانظر حاشية كتاب أبي حاتم، فقد ذهب ابن الجوزي إلى أن الإمام الشافعي أخذ بظاهر اللفظ وأن الربيع تجوز والشافعي قصد الحقيقة، وأراد مباسطة الربيع، وإن كان دعاؤه صحيحاً.
(1/37)


الحديث الثامن:
((اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تكلك ولا أملك)) ضعيف، معل بالإرسال.
رواه الأمام أحمد (6/144) وأبو داود (1/492) والترمذي (2/304) والنسائي (7/63/64) والدارمي (2/404) وابن ماجة (1971) وابن أبي شيبة (4/386/387) وابن حبان (1305-موارد) والحاكم (2/187) والبيهقي (7/298) والخطيب في ((الموضح)) (2/107) من طرق كثيرة عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد - رضيع عائشة - عنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: ... )) الحديث. قال أبو داود: ((يعني القلب)) . وهذه رواية عفان عنه الإمام أحمد، وبشر بن السري عند الترمذي كلاهما عن حماد. ورواية يزيد بن هارون عند أحمد والنسائي وابن ماجة وابن أبي شيبة وابن حبان: ((اللهم هذا فعلي)) - وهي مرجوحة بلا شك -، ولفظ غير هؤلاء: ((اللهم هذا قسمي)) . وهذا إسناده رجاله كلهم ثقات لكنه معل، ومع ذلك جرى على ظاهره ابن حبان والحاكم فصححاه. وغفل محققاً (1) ((زاد المعاد)) (1/151) فقالا: (( ... وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا)) إذ كان يلزمهما عرض هذا الحديث على كتب ((العلل)) للتوثيق من وجود الشرطين الرابع والخامس من شروط صحة الحديث، ألا وهما: ((السلامة من الشذوذ في السند والمتن، والسلامة من العلة القادحة في السند والمتن)) . وهما يستفيدان كثيراً من جهد الشيخ ناصر حفظه الله - في ((الزاد)) وغيره -، دون أن ينسباه إليه، فيشاء العلي القدير أن يتخليا عن ذلك في هذا الحديث المعلول خاصة.
_________
$! لم أكن قد تعرضت لهما - قبل التبييض النهائي -، ولكنني استخرت الله عز وجل على حذف أو زيادة ما يوقفني جل وعلا لحذفه أو زيادته، وهو حسبي ونعم الوكيل.
(1/38)


فيقعان فيما وقعا فيه.
والحديث قد أعله جمع من الأئمة الحذاق كالترمذي والنسائي - فلم يحكيا كلامهما أو ينشطا للتحقق من هذا الإعلال - وأبو زرعة وابن أبي حاتم، وغيرهم كثيرون (1) . وخلاصة الأمر أن ثلاثة من الحفاظ الأثبات قد رووه عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرسلاً - بإسقاط عبد الله بن يزيد وعائشة خلافاً لحماد بن سلمة -، وهم: حماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب الثقفي كما بينت بالتفصيل في ((تخريج الحقوق)) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله (20) ، وذكرت هناك ما يغني، والله المستعان.
وقد أورد في هذا الحديث ههنا - بهذا الاختصار في تخريجه - لأنه (روى) معناه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي ((تفسير الطبري)) (5/202) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ((ذكر لنا أن عمر ابن الخطاب كان يقول: اللهم أما قلبي فلا أملك، وأما سوى ذلك، فأرجو أن أعدل)) , وهذا إسناد ضعيف لا نقطاعه بين قتادة وعمر، بل هو في الغالب معضل، فإن الغالب فيما يرويه قتادة بإسناده إلى عمر أن يكون بينهما فيه رجلان - أو أكثر - لا سيما والرجل إليه المنتهى في الحفظ والإتقان،، فلو كان بينهما واحد - كأنس رضي الله عنه أو غيره - لصرح به قتادة إن شاء الله تعالى. والأثر لم أقف له على طريق سوى هذه، فالله أعلم.
_________
$! وقال الحافظ بن رجب الحنبلي رحمه الله في ((شرح علل الترمذي)) (ص311) ((وقد قال أحمد في حديث أسنده حماد بن سلمة: أي شئ ينفع وغيره يرسله)) كما نقله عنه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله في مقدمة ((الإلزامات والتتبع)) للدار قطني (ص13) . وانظر بحثه حول: ((زيادة الثقة)) فيها، فإنه نفيس جداً. وهذا النص عن الإمام أحمد لم أجده في ((علله)) من رواية عبد الله ولا المروذي، فلا أدري أيقصد هذا الحديث أم غيره.
=============================================
============================================
ج5.




















































































( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )


تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع






الحديث التاسع:
((اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)) (دعاء عند سماع الرعد والصواعق) . ضعيف. رواه الإمام أحمد (2/100-101) والبخاري في ((الأدب المفرد)) (721) - بلفظ: ((اللهم لا تقتلنا بصعقك ... )) - وابن أبي شيبة (10/216) والترمذي (5/166) والنسائي في ((اليوم والليلة)) (934) والدولابي في (الكنى والأسماء) (2/117) وابن السني (304) والطبراني في ((الكبير)) (12/318) و ((الدعاء)) (981) من طرق عن عبد الواحد بن زياد عن الحجاج بن أرطأة عن أبي مطر عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا سمع الرعد والصواعق قال: (( ... )) ذكره.
ورواه النسائي (933) والحاكم (4/286) - من طريقين عن عبد الواحد به - بإسقاط الحجاج بينه وبين أبي مطر، والصحيح: عن عبد الواحد عن حجاج عنه كما في ((التهذيب)) (12/238) . ولفظ النسائي في الموضع المذكور أولاً: ((كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سمع الرعد والبرق قال: ((اللهم لا تقتلنا غضباً، ولا تقتلنا نقمة، وعافنا قبل ذلك)) ، كأنه - هكذا - من تصرف سيار بن حاتم العنزي - راويه عن عبد الواحد عنده - فإن في حفظه شيئاً، وهو صدوق له أوهام كما قال الحافظ رحمه الله (2714) .
والحديث إسناده ضعيف، حجاج ابن أرطأة - وإن كان كثير التدليس - لكنه صرح بالتحديث في أكثر الطرق، لكنه مختلف فيه اختلافاً محيراً، ومال الحافظ إلى جانب تليينه، فقال (1119) : ((صدوق كثير الخطأ والتدليس)) . وشيخه - أبو مطر - مجهول العين. قال الذهبي في ((الميزان)) (4/574) : ((لا يدرى من هو)) وقال في ((المغنى)) (2/808) : ((نكرة)) . وقال في ((الكائف)) (3/378) - مشيراً إلى لين التوثيق الوارد فيه -: ((وثق)) ، فهو
(1/40)


أحد المجاهيل الذي وثقهم ابن حبان (7/664) جرياً على قاعدته المخالفة للجمهور. وفي ((التقريب)) (8373) : ((أبو مطر، شيخ لحجاج بن أرطأة، مجهول، من السادسة)) . وق
ضعف الترمذي الحديث، فقال: ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)) .
أما الحاكم فقال: ((صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي! مع ما تقدم عنه. وضعفه أيضاً الإمام النووي رحمه الله في ((الأذكار)) (ص154) ، فقال محشية - عفا الله عنه -: ((ولكن للحديث طرق قواه بها بعضهم)) اهـ قلت: كذا قال، ولم يبين الطرق ولا البعض، ويأتي أن الحديث طريق واحد معضلة. وقال الحافظ رحمه الله، فيما حكاه عنه ابن علان رحمه الله في ((الفتوحات الربانية)) (4/284) - ونقله محقق ((دعاء الطبراني)) جزاه الله خيراً -: ((والعجيب من الشيخ - يعني النووي -، كيف يطلق الضعف على هذا الحديث وهو متماسك، ويسكت عن حديث ابن مسعود فيما يقول: إذا انقض الكوكب، وقد تفرد به من أتهم بالكذب وهو عبد الأعلى؟)) . - يعنى أن ابن أبي المساور الكوفي كما في حاشية ((الأذكار)) (ص135) . وقال محقق ((الدعاء)) - فأجاد -، حفظه الله: ((قلت: وقول ابن حجر: حديث متماسك لا يعني به صحة الإسناد، ولعله إشارة إلى أنه لا يخلو من علة، ولكن ليس لدرجة التهالك) اهـ.
هذا، وقد (روى) الدعاء موقوفاً على حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بسند معضل عند عبد الرزاق (2006) عن معمر في ((جامعه)) عن جعفر الجزري (وهو ابن برقان) أنه بلغه عن حذيفة رضي الله عنه أنه كان إذا سمع الرعد قال: ((اللهم لا تسلط علينا سخطك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)) . وهذا إسناد ضعيف لإعضاله، فبين جعفر وحذيفة واسطتان على الأقثل. والله اعلم. وهو فوق ذلك معلول، فقد رواه كثير بن هشام - عند الطبري (13/83) واللفظ له - ووكيع - عن ابن أبي شيبة (10/214) ، وأبو نعيم الفضل بن دكين - عنده أيضاً (10/216) ثلاثيهم عن جعفر قال: بلغنا أن  النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا سمع الرعد الشديد قال: (( ... )) فذكره. فالراجح عن جعفر روايته مرفوعاً معضلاً لاتفاق هؤلاء الثلاثة الأثبات على مخالفة معمر بن راشد وحده رحمه الله لا سيما وهو قد يهم في غير اليمنيين والحجازيين، وعبد الرزاق قد يغلط عليه أيضاً. ومخالفة كثير بن هشام - وحده - لمعمر، كفيلة بإعلال وقفه على حذيفة فإنه أعلم الناس بجعفر بن برقان كما بينا في ((التبييض)) (50) فكيف، وقد انضم إليه حافظا الكوفة: وكيع وأبو نعيم؟ ثم إن هذه الرواية المعضلة لا تصلح لتقوية موصول ابن عمر الضعيف - كما يعرف الطلبة المبتدؤون - لجواز التقاء الطريقين في نفس العلة. والله أعلى وأعلم.
(أما) الثابت في الباب، فكله آثار موقوفة ومقطوعة.
1- فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان إذا سمع الرعد قال: ((سبحان الذي سبحت
له)) .
2- وعن ابن الزبير رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: ((سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائطة من خيفته)) . ثم يقول: ((إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض)) .
3- وعن طاوس رحمه الله أنه كان إذا سمع الرعد قال: ((سبحان من سبحت له)) .
4- وعن أبي صخرة - جامع بن شداد - عن الأسود بن يزيد النخعي رحمه الله أنه كان إذا سمع الرعد، قال: ((سبحان من سبحت له)) أو: ((سبحان الذي يبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته)) . وكل هذه الآثار صحاح، وسوف أخرجها إن شاء الله في قسم تالٍ من ((تبييض الصحيفة)) ، فإن أحدهما قد جاء مرفوعاً عند الطبراني بسند لا يصح. والله المستعان.
(1/42)


الحديث العاشر:
((إنما سماهم الله الأبرار، لأنهم بروا الآباء والأبناء)) ضعيف جداً مرفوعاً وموقوفاً. رواه ابن عساكر (17/400) - ودلني على ذلك الحافظ بن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (4/482) - من طريق موسى بن محمد السامري عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن الوليد الوصافي عن محارب عن ابن عمر مرفوعاً - واللفظ له - وابن عدي (4/1630) من طريق أخرى عن هشام فقال: ((ثنا سعيد بن يحيى)) بدلاً من: ((عيسى ابن يونس)) ، وزاد: ((كما أن لوالديك عليك حقاً، كذلك لولدك عليك حق)) . وأورد الذهبي في ((الميزان)) (3/17) - في جملة مناكير الوصافي -، فقال: ((هشان بن عمار، حدثنا سعدان بن يحيى)) . وهو هو سعيد بن يحيى، وهو اللخمي، صدوق حسن الحديث.
ورواية ابن عساكر عن هشام أثبت من رواية ابن عدي - إن لم يكن الاختلاف من هشام فإن فيه مقالاً معروفاً - ولكن لم أقف على إسناد الطبراني بحيث يتعذر الترجيح، فإنه في ((معجمه الكبير)) بلفظ: ((سماهم الله الأبرار، لأنهم بروا الآباء والأمهات والأبناء، كماى أن لوالديك عليك حقاً، كذلك لولدك)) . كما في ((المجمع)) (8/146) . وقال الهيثمي رحمه الله: ((وفيه عبيد الله ابن الوليد الوصافي، وهو ضعيف)) . قلت: وضعفه شديد كما بينت - بحول الله وقوته - في ((البدائل)) (22) . وإلى هذا القول انفصل العلامة الشيخ الألباني حفظه الله في (الضعيفة)) (1211) ، بعد أن كان يتابع الحافظ رحمه الله في الاقتصار على تضعيفه كما تجده في (الصحيحة)) (544) على أنه - عفا الله عنه - قد أورد الحديث في ((ضعيف الجامع)) (2/211) وقال: ((ضعيف)) ، محيلاً على ((الضعيفة)) (3221) ، فلا أدري أوقف له على طريق أخرى فيها ضعف يسير - وهذا مما لا أعلمه - أم أنسى ما قرره في (1211) ؟ . والحديث عدة
(1/43)


ابن عدي في جملة مناكير الوصافي، وتبعه الذهبي كما تقدم.
(ومن) طريقه أيضاً روى موقوفاً علاى ابن عمر، ففي ((الأدب المفرد)) (94) للإمام البخاري رحمه الله، و ((الحلية)) (10/32) من طريقين عن عيسى ابن يونس عن الوصافي به موقوفاً، ولفظ البخاري: ((إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء. كما أن لوالدك عليك حقاً، كذلك لولدك عليك حق)) . ولفظ ((الحلية)) : ((ما سموا الأبرار حتى بر الأبناء الآباء، والآباء الأبناء)) .
(وروى) أيضاً من قول سفيان الثوري، وفي ثبوته عنه نظر، ففي ((الحلية)) أيضاً (7/81) من طريق إبراهيم بن محمد بن علي الدهان الكوفي ثنا أبو هشام الرفاعي قال: سمعت يحيى بن يمان يقول: خرجت إلى مكة فقال لي سعيد بن سفيان: أقرئ أبي السلام وقل له يقدم، فلقيت سفيان بمكة فقال: ما فعل سعيد؟ فقلت: صالح يقرئك السلام ويقول لك أقدم، فتجهز بالخروج وقال: ((إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء)) اهـ. وإسناده لا يثبت، الدهان لم أقف له على ترجمة، وأبو هشام الرفاعي - واسمه: محمد بن يزيد الكوفي - ويحيى بن يمان مختلف فيهما، وكلاهما إلى الضعف أقرب. ولكن ما أظن يحيى ابن يمان يخطئ في مثل هذه الحكاية - إن صحت - وهذا لو ثبت، لا أدري صفيان أخذه إلا من الأثر المتقدم، فإن الوصافي متقدم الطلقة عليه. والله أعلى وأعلم. هذا، وقد وهم الحافظ المناوى رحمه الله في ((فيض القدير)) (2/574) وهماً عجيباً ما كان ينبغي لمثله، فإنه قال - متعقباً الحافظ السيوطي رحمه الله مغلطاً عليه لعزوه الحديث للطبراني وحده -: ((وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو قصور، فقد رواه سلطان المحدثين باللفظ المذكور في ((الأدب المفرد)) ، وترجم عليه (باب: بر الأب لولده) ، فالضرب عنه صحفاً، والعدول عنه للطبراني، من سوء التصرف)) اهـ.
قلت: هذا التعقب إنما يسلم إن كان الحديث عند البخاري مرفوعاً، وليس الأمر كذلك كما رأيت. والسيوطي رحمه الله - وإن كان أحياناً يبين الرواية الموقوفة للحديث ويعزوها لمخرجها - لكنه في الغالب لا يلتزم ذلك، وما هو
(1/44)


بلازمه في كتابه الذي خصصه لحديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسماه: ((الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير)) يأتي هو وأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقد تعرضنا لوهم يشابه هذا، تتابع عليه غير واحد من الكبار - رحمهم الله - في ((التبييض)) (20) ، فسبحان الموصوف بصفات الكمال ونعوت الجلال، وحده لا ريك له.
استدراك:
والحديث وجدته في ((تفسير ابن كثير)) (1/442) من رواية ابن مردوية من طريق هشام بن عمار أنبأنا سعيد بن يحيى عبيد الله الوصافي به، فقال: ((عن عبد الله بن عمرو بن العاص)) . وشيخ ابن مردوية: أحمد بن نصر، إن لم يكن الذي ترجمه أبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (1/161) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فلم أعرف من يكون. والحديث - على وهائه - معروف بابن عمر لا ابن عمرو. وروى الموقوف أيضاً: ابن أبي حاتم (2050: آل عمران) عن أبيه عن أحمد بن جناب عن عيسى به موقوفاً على ابن عمر، وفي ((ابن كثير)) : ((ابن عمرو)) ، فكأنه وهم. وروى موقوفاً على محارب ابن دثار، رواه أبو قتيبة في ((عيون الأخبار)) (3/85) عن الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: قال محارب بن دثار ... فذكره، ولا يصح أيضاً، الزيادي هو إبراهيم بن سفيان بن سليمان أبو إسحاق، نحوي لغوي من تلاميذ الأصمعي وغيره. ولم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقد رواه جماعة من الثقات عن عيسى به إلى ابن عمر. وأيضاً رواية عيسى عن محارب منقطعة، فإن كان بينهما الوصافي أيضاً، فمدار جميع الطرق عليه.
(1/45)


الحديث الحادي عشر:
((الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة)) . ضعيف جداً. رواه الدارقطني في ((سننه)) (3/80) والقضاعي (307) - واللفظ له - البيهقي في ((المدخل)) (441) والخطيب في ((الفقيه)) (1/32) من طريق الهيثم بن موسى الرازي - وعند الخطيب: المروزي - ثنا عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعاً به. وزاد البيهقي: ((وأنتم في ممر الليل والنهار على آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتيكم بغتة، فمن يزرع خيراً يحصد رغبة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة)) . ورواه أيضاً في ((شعب الإيمان)) (3/3/61/أ) وقال: ((وقد روينا هذا عن عبد الله بن مسعود من قوله غير مرفوع، وهو المحفوظ)) . قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً لوهاء عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان. قال مسلم: ((ذاهب الحديث)) . وقال أبو داود: ((متروك الحديث)) . وقال عبد الله بن علي المديني عن أبيه: ((روى عنه معن وغيره بلاء في البلاء)) . قال: ((وضعفه جداً)) . وقال النسائي في ((التمييز)) : ((ليس بثقة، ولا يكتب حديثه)) . وقال البخاري وأبو أحمد الحاكم: ((ليس بالقوي عندهم)) . وقال ابن عدي: ((والضعيف على رواياته بين)) . قال الحافظ رحمه الله في ((اللسان)) (4/29) : ((وأعجب من كل ما تقدم أن الحاكم أخرج له في ((المستدرك)) ، وقال إنه ثقة)) !! .
أما الراوي عنه - الهيثم بن موسى ـ فلم أهتد إليه بعد جهد، ثم وجدت ابن عساكر (10/352) يذكر في الراوة عن ابن الترجمان: ((الهيثم بن اليمان المروزي)) وهو صالح صدوق كما قال أبو حاتم، ولعله هو، أخطأ بعض الرواة في اسم أبيه، ويشكل على ذلك أن الخطيب ذكر في ترجمة إسحاق بن البهول (راويه عن الهيثم) من ((تاريخه)) (6/386-387) أن حمل الفقه عن الهيثم بن موسى صاحب أبي يوسف القاضي، لكني لم أقف له على ترجمة مستقلة، فتراجع كتب السادة الحنفية لعله مترجم عندهم. والله أعلم.
(1/46)


أما الحارث – وهو ابن عبد الله الهمداني الكوفي صاحب على – فهو ضعيف، ضعفه الجمهور. وقال الذهبي في ((الكاشف)) (1/195) : ((شيعي لين)) . وقال الحافظ في ((التقريب) (1029) : ((صاحب علي، كذبه الشعبي في رأيه ورمى بالرفض، وفي حديثه ضعف)) . قلت: وبرأسه – وحده – عصب الجناية الشيخ الألباني حفظه الله، إذ أورد الحديث في ((الضعيفة)) (42) وقال: ((موضوع. أخرجه الدارقطني ... )) حتى قال: ((وهذا سند ضعيف جداً)) الحارث هو ابن عبد الله الهمداني الأعور، وقد ضعفه الجمهور وقال ابن المديني: ((كذاب)) . وقال شعبة: ((لم يسمع أبو إسحاق منه إلا أربعة أحاديث)) . وفي الكشف (1/205) : ((قال القاري: هو موضوع كما في الخلاصة)) . وأورده السيوطي في ((الجامع)) من رواية القضاعي، وبيض له المناوى! ولوائح الوضع عليه ظاهرة)) اهـ. قلت: الحارث ضعيف – حسب – ليس بواه ولا كذاب. وقد وثقه يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصري – وتبعه ابن شاهين – وقواه النسائي – في موضع. وقال في ((التهذيب)) (2/147) : ((وقال ابن عبد البر في كتاب العلم له، لما حكى عن إبراهيم أنه كذّب الحارث: أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث: كذاب، ولم يبن من الحارث كذبه، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي ... وقال ابن شاهين في ((الثقات)) : قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة ما أحفظه وما أحسن ما روى عن علي. وأثنى عليه. قيل له: فقد قال الشعبي: كان يكذب. قال: لم يكن يكذب في الحديث، إنما كان كذبه في رأيه. وقرأت بخط الذهبي في ((الميزان)) : والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به، والجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب. وهذا الشعبي يكذبه ثم يروى عنه. والظاهر أنه كان يكذب في حكاياته لا في الحديث ... )) . قلت: لفظ ((الميزان)) (1/437) : ((والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكاياته.
وأما في الحديث النبوي فلا. وكان من أوعية العلم)) اهـ.
قلت: وسكوت الشيخ - عفا الله عنه - عن عبد العزيز بن الحصين المذكور لا يحسن من مثله. فإن الحارث - على ما فيه من الضعف - لا أراه يحتمل هذه
(1/47)


الطامة. فيشبه أن يكون - حفظه الله - لما وجد في سند الدارقطني: ((عن ابن الترجمان عن إسرائيل)) ، لم يتفطن له، مع أنه ورد عند القضاعي باسمه كاملاً: ((عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان)) . فسبحان من لا تخفى عليه خافية
هذا، وبعد ما سطرت ما تقدم، وجدت الحديث في ((أمالي الطوسي)) الرافضي (ص485) من طريق أخرى عن إسرائيل لا تساوى فلساً، فقد رواه من طريق أبي المفضل الشيباني قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن سابور أبو العباس الدقاق قال: حدثنا أيوب بن محمد الرقى الوزان قال: حدثنا سلام بن رزين الحراني قال: حدثني إسرائيل ... )) فذكره. وأبو الفضل هذا متهم بالوضع. قال الحافظ حمزة السهمي رحمه الله في ((السؤالات)) (401) : ((ذكر للشيخ أبي الحسن الدارقطني: أن أبا المفضل محمد بن عبد الله الشيباني حدث عن العمري عن أبي كريب بحديث شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: (لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج) قال الدارقطني: حدث عدو الله بهذا، معاذ الله، ما حدث العمري بهذا البتة، هو ذا يركب أيضاً)) . وقال الخطيب (5/466-467) : (( ... وكان يروي غرائب الحديث، وسؤالات الشيوخ، فكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، ثم بان كذبه فمزقوا حديثه، وأبطلوا روايته. وكان بعد يضع الأحاديث للرافضة ويملي في مسجد الشرقية)) . وقال أيضاً: ((سألت حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق عن أبي المفضل فقال: كان يضع الحديث، وقد كتبت عنه، وكان له سمت ووقار)) . وذكر في ترجمته غير ذلك مما يدور حول كونه دجالاً كذاباً يسرق الحديث ويدعي السماع عمن لم يلق. وفي الإسناد أيضاً سلام بن رزين الحراني، الظاهر أنه قاضي أنطاكية، الذي قال فيه الذهبي: ((لا يعرف وحديثه باطل)) . وقال الإمام أحمد في حديثه: ((هذا موضوع، هذا حديث للكذابين)) كما في ((الميزان)) (2/175) و ((اللسان)) (3/75) .
(وروى) الحديث بلفظ آخر عن كل من أنس وعلي أيضاً وأبي ذر رضي
(1/48)


الله عنهم. أما حديث أنس، فأورده الشيخ العجلوني رحمه الله في ((مشف الخفاء)) (1746) بلفظ: ((العلماء قادة، والمتقون سادة، ومجالستهم زيادة)) وقال: ((رواه ابن النجار عن أنس بسند رجاله ثقات)) اهـ. قلت: وقد قلبت ((ذيل تاريخ بغداد)) لابن النجار، فلم أهتد إليه فيه، ولعله في الأجزاء المفقودة منه. وعلى كلٍ، فقد قال العلامة الألباني حفظه الله في ((ضعيف الجامع)) (4/73) : ((موضوع)) وأحال على ((الضعيفة)) (42) ، ولم يذكره فيها إلا باللفظ الذي قدمناه. لكنه قال في الحاشية: ((كذلك قال الصغاني، وأقره غير واحد منهم الشوكاني في ((القواعد)) (ص284 رقم 30) . وأما قول المناوى: ((ورواه الطبراني في حديث طويل. قال الهيثمي: رجاله موثقون)) فوهم منهم)) لأنه عند الهيثمي (1/25) موقوف على ابن مسعود!!)) اهـ.
وأما حديث علي، فرواه الطوسي (ص229) من طريق أبي عبد الله محمد ابن محمد بم طاهر الموسوي عن ابن عقدة بسند المسلسل بآل البيت إلأى علي مرفوعاً بلفظ: ((المتقون سادة، والفقهاء قادة، والجلوس إليهم عبادة)) . والموسوي لم أجد له ترجمة، وكذلك شيخ ابن عقدة وجماعة فوقه. أما ابن عقدة، واسمه: أحمد بن محمد بن سعيد أبو العباس رمى بالرفض، وفيه كلام كثير لم يترجح لدىّ شئ الآن. وترجمته في ((تاريخ بغداد)) (5/14: 23) و ((اللسان)) (1/263: 266) ، وغيرهما.
وذكره الرافعي في ((التدوين)) من رواية الحافظ الخليلي بسنده إلى وكيع القاضي بسند آخر مسلسل بآل البيت أيضاً إلى علي به، بلفظ: (( ... والجلوس إليهم زيادة، وعالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد)) . وإسناده مظلم، فيه أيضاً من لم أهتد إليهم، والزيادة الأخيرة منكرة جداً أيضاً.
وانظر ما قررناه بشأن أحاديث الشيعة ومروياتهم في الحديث الثالث. وأما حديث أبي ذر، فهو حديث باطل طويل جداً، رواه الطوسي الرافضي أيضاً في ((أماليه)) (ص536: 553) ، جاء فيه: ((يا أبا ذر: المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة)) . وفيه - قبله -: ((يا أبا ذر، إنكم في ممر
(1/49)


الليل والنهار ... )) حتى قوله: ((فإن الله وقله)) . وسنتعرض لإسناد هذا الحديث في موضع آخر بإذن الله.
(أما) الروايات الموقوفة للحديث فوقفت عليه من كل من ابن مسعود وعبد الله بن بسر المازني رضي الله عنهما.
فأثر ابن مسعود، رواه الطبراني (9/110) وأبو نعيم (1/133-134) والشجري في (أماليه) (1/47) والبيهقي في ((المدخل) (439) والخطيب في ((الفقيه)) من طريقين عن عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني عبد الله بن الوليد قال: سمعت عبد الله بن حجيرة يحدث عن أبيه (وعند غير الشجري: عبد الرحمن بن حجيرة) قال: كان عبد الله بن مسعود إذا قعد يقول: ((إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً يوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً يوشك أن يحصد ندامة. ولكل زارع ما زرع، لا يسبق بطئ حظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، فمن أعطي خيراً الله أعطاه، ومن أعطي شراً فالله وقاه. والمتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة)) . قال البيهقي: ((وهذا موقوف. وروى عن الحارث عن علي رضي الله عنه مرفوعاً، مختصراً. وإسناده ضعيف)) . قلت: وهذا أيضاً ضعيف - إن لم يكن واهياً - وله علتان.
الأولى: ضعف عبد الله بن الوليد، فإنه - وإن ذكره ابن حبان في ((الثقات)) 0 فقد قال الحافظ في ((التهذيب)) (6/70) ((قلت: وضعفه الدارقطني فقال: لا يعتبر بحديثه)) اهـ. وهذا ظاهره أنه مطرح عند الإمام الدارقطني رحمه الله. وقال في ((التقريب)) (3691) : ((لين الحديث)) .
الثانية: مظنة الانقطاع بين عبد الرحمن بن حجيرة - والد عبد الله - وابن مسعود، فإنه من الطبقة الثالثة، توفي سنة (80) أو (83) - على خلاف في ذلك - ولم يذكر البخاري ولا أبو حاتم الرازي ولا ابن حبان روايته عن ابن مسعود أصلاً، وإنما استدركها ابن أبي حاتم (5/227) على أبيه. وقد أورد الحافظ المزي رحمه الله في ((تحفة الأشراف)) (11961) له حديثاً من طريق بكر
(1/50)


ابن عمروعن الحارث بن يزيد عنه عن أبي ذر رضي الله عنه - عند مسلم - وزاد قوله: ((رواه ابن ليهعة، عن الحارث بن يزيد، عن ابن حجيرة قال: أخبرني من سمع أبا ذر ... فذكره)) . قلت: فلو كانت هذه الرواية من طريق أحد قدماء أصحاب ابن ليهعة، فهي تعل رواية بكر بن عمرو - المتقدمة - وتبين أن بين ابن حجيرة وأبي ذر المتوفى (32) واسطة. وفي هذه السنة أو في التي بعدها توفي ابن مسعود أيضاً رضي الله عنه. مما يقوى احتمال الانقطاع المتقدم ذكره)) ، فالله أعلم (1) .
هذا، ولم يقف محقق ((المدخل)) حفظه الله على رواية الشجري - على الصواب - فقال: ((كذا (يعني: عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبيه) جاء في السند عند جميع من أخرج هذا الأثر، ففي السند انقطاع، لأن جميع اصحاب التراجم يذكرون أن عبد الله بن الوليد يروى عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبيه)) . قلت: يأبى ذلك تصريح ابن الوليد بالسماع - في رواية بشر بن موسى عن المقرئ عند جميعهم إلا البيهقي والخطيب - فالأشبه أن الاسم انقلب على بعض الرواة، فقد كان ينقلب على خالد بن يزيد المصري - أحد الثقات - فقد قال ابن حبان في ((ثقاته)) (5/96) - في ترجمة عبد الرحمن حجيرة الأكبر - ((روى عند دراج وابنه عبد الله بن عبد الرحمن، قلب اسميهما خالد بن يزيد فقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن حجيرة)) اهـ. فلا أبعد أن يكون هذا من قبل عبد الله بن الوليد نفسه، ولا يبرأ من ذلك رجل يقول فيه الدارقطني: ((لا يعتبر بحديثه)) ، وقد وقع ما يشابه ذلك لجبل من جبال الحفظ طيلة أيام دهره) ألا وهو الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني رحمه الله. انظر ((اللسان)) (3/73-74) . أما ما تقدم عن البيهقي رحمه الله من قوله في هذا الأثر: ((وهو المحفوظ)) ، فهو نظير قولهم: ((وهو الأشبه)) أو: ((الأولى)) ، ونحو ذلك. والعم عند الله تعالى. فإن حال إسناده
_________
$! وابعد من ذلك أن يحيى بن سعيد الأنصاري، قد روى الحديث عن الحارث بن يزيد أن أبا ذر ... مرسلاً عند ابن سعد وابن أبي شيبة والحاكم، ولكنا لا نتهجم على القطع بإعلال حديث في ((الصحيح)) دون تتبع روايته عند صاحب ((الصحيح)) وكلام العلماء فيه.
(1/51)


لا يساعد على القول بصحته ولا يحسنه مما يتبادر من الوصف المتقدم.
(وأما) أثر عبد الله بن بسر رضي الله عنهما، فرواه البيهقي في ((الزهد الكبير)) (455) وعنه ابن عساكر (9/8) من محمد بن رزيق (1) بن جامع ثنا الحسين بن الفضل بن أبي حديدة (وعند ابن عساكر: الحسن) ثنا المؤمل بن سعيد بن يوسف اليمامي (كذا في ((الزهد)) والصواب: الشامي) قال: سمعت عبد الله بن بسر المازني صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((المتقون سادة، والعلماء قادة، ومجالستهم عبادة، بل ذلك زيادة. وأنتم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، فأعدوا الزاد، فكأنكم بالميعاد)) . وهذا إسناد واه فيه الآتي:
1- محمد بن رزيق بن جامع، ترجمة الدارقطني في ((المؤتلف)) (ص1018) والخطيب في ((تلخيص المتسابه)) (ص288) ، ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وبين محقق الأول أنه مذكور أيضاً في ((الإكمال)) و ((المشتبه)) و ((التبصير)) و ((التوضيح)) وفي ((المؤتلف)) للحافظ عبد الغني الأزدي رحمه الله، فجزاه الله خيراً،. ولم يذكر أصحاب هذه الكتب أيضاً ما يبين حاله. ومع كل ذلك، فقد قال محقق ((الدعاء)) للطبراني (1/587) : ((لم أقف على ترجمته)) ! وكذلك قال محقق (المعجم الصغير)) (2/164) : ((لم أجده)) . والآخر منهما له شبه عذر، فإن اسمه وقع في ((الصغير)) هكذا: ((محمد بن رزين بن جامع)) ، مشكولاً بفتح المهملة هكذا: ((رَزين)) ! وإن كان ذلك لا يعفى محققاً رضي لنفسه أن يسلك هذه الطريق أن يتبع احتمالات التحرف والخطأ.
2- الحسين (أو الحسن) بن الفضل بن أبي حديدة، لم أكن وقفت له على ترجمة ولا ذكر، ثم وجدت في ((الجرح)) (3/63) : ((الحسين بن الفضل ابن أبي حديرة الواسطي)) ، قاب ابن أبي حاتم: (سمع منه أبي بمصر)) .
_________
(1) وقع في الكتابين: ((محمد بن زريق)) بتقديم المعجمة - والصواب ما أثبتناه. وهذا من الأسماء التي يكثر فيها وقع مثل ذلك.
(1/52)


ولم يذكر فيه شيئاً.
3- المؤمل بن سعيد بن يوسف، وهو الرحبي الشامي، وهو أهتك هؤلاء الثلاثة حالاً. قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (8/49) : ((منكر الحديث)) . وقال ابن أبي حاتم (8/375) : ((سألت أبي عنه فقال: هو منكر الحديث، وسليمان بن سلمة (أحد الرواة عنه) منكر الحديث) اهـ. وسليمان هذا الذي سوى أبو حاتم بين وبين المؤمل هذا في عبارة الجرح، قال ابنه (4/122) : ((وسمع منه أبي ولم يحدث عنه، وسألته عنه فقال: صدق، كان يكذب، ولا أحدث عنه بعد هذا)) . ومؤمل، قال أيضاً ابن حبان في ((المجروحين)) (3/32-33) : ((منكر الحديث جداً، فلسن أدري وقع المناكير في روايته منه أو من سليمان ابن لمة، ولأن سليمان كان يروى الموضوعات عن الأثبات، فإن كان منه أو من مؤمل أو منهما معاً، بطل الاحتجاج برواية يرويانها. وقد روى سلمة بن سليمان - وهو ثقة - عن مؤمل بن سعيد ... )) فأتى بحديث يدلل به على أن البلية وقعت لمؤمل من غير رواية سليمان بن سلمة عنه. وفي كون الراوي عنه غير سليمان هذا نظر، محلة في ((الضعيفة)) (1821) . وفي نفسي من سماع المؤمل من هذا الصحابي ارتياب كبير. فإنه أصغر من أن يدركه وأبوه هو الذي يروى عن ابن بسر، فالله أعلى وأعلم.
استدراك:
وأثر بن مسعود رواه أيضاً الإمام أحمد في ((الزهد)) (ص161) عن عبد الله بن يزيد به، كرواية الجماعة.
(1/53)








ج6.


















































































( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )


تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع






الحديث الثاني عشر:
((تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع)) . في قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) . موضوع. رواه الديلمي كما في ((فردوس الأخبار)) (8446) ، وأورده الإمام ابن عرّاق رحمه الله في ((تنزيه الشريعة)) (1/319) من رواية الدارقطني عن ابن عمر، قال: ((وقال موضوع، والحمل فيه على أبي النصر أحمد بن عبد الله الأنصاري ... )) الخ.
وقال الحافظ رحمه الله في ((اللسان)) (1/202) : ((قال الدارقطني: حدثني أبو الحسن محمد بن عبد الله المزني الهروي ثنا أبو نصر أحمد بن عبد الله الأنصاري ثنا الفضل بن عبد الله بن مسعود اليشكري ثنا مالك بن سليمان ثنا ملك عن نا فع عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه في قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. فأما الذين ابيضت وجوههم) أهل السنة والجماعة. (وأما الذين أسودت وجوههم) أهل البدع والأهواء)) . قال: ((هذا موضوع، والحمل فيه على أبي نصر الأنصاري، والفضل ضعيف)) . وأخرجه الخطيب في ((الرواة عن مالك)) من طريق أبي زرعة حدثنا أحمد بن الحسين الحافظ ثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله القيسي بهراة ثنا الفضل به. وقال: ((منكر من حديث مالك. ولا أعلمه يروى إلا من هذا الوجه)) . قلت: ولعل أبا نصر هو الأول، نسب أولاً إلى جده ـ ويحتمل أن يكون آخر)) اهـ. قلت: ومالك ابن سليمان أيضاً ضعيف، ضعفه العقيلي والدارقطني وغيرهما وأورده ابن حبان في ((الثقات)) وقال كلاماً يتضمن إقراره بضعفه وأنه ممن يستخير الله عز وجل فيه.
والحديث أخرجه أيضاً أبو نصر السجزي في ((الإبانة)) عن أبي سعيد مرفوعاً، كما في ((الدر المنثور)) (2/63) ، وما إخاله يسلم أيضاً من وضاع أو هالك، فالله أعلم.
(1/54)


(وروى) موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما بسند واه جداً، بل موضوع أيضاً عند ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (آل عمران:1139) من طريق حفص بن عمر المقرئ ثنا علي بن قدامة، عن مجاشع بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير عنه في قوله تعالى (يوم تبيض وجوه) ، قال: ((تبيض وجوه أهل السنة والجماعة)) . ثم روى (1140) بنفس السند: (وتسود وجوه) . قال: (وتسود وجوه أهل البدع والضلالة)) .
ورواه أيضاً الخطيب (7/379) من طريق أبي عمر الدوري - وهو حفص ابن عمر المقرئ المذكور - واللالكائى في ((شرح السنة)) (1/72) من طريق أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي، والسهمي في ((تاريخ جرجان)) (ص132-133) من طريق إسماعيل بن صالح الحلواني ثلاثتهم قالوا: ((حدثنا علي ابن قدامة عن مجاشع بن عمرو عن ميسرة بن عبد ربه عن عبد الكريم به. وألفاظهم متقاربة. ورواه أيضاً أبو نصر في ((الإبانة)) كما في ((الدر)) . وهذا إسناد تالف، بل موضوع فيه الآتي:
1- على بن قدامة، وهو الوكيل. قال ابن محرز في ((معرفة الرجال)) (1/100 وكذلك - 232 - باختصار) وعنه الخطيب (12/50) : ((وسألت يحيى بن علي بن قدامة، فقال: وكيل (زاد الخطيب: ابن) هرثمة؟ فقلت: نعم. فقال: لم يكن البائس ممن يكذب، قيل له: حدث عن مجاشع. قال: قد رأيت مجاشع (عند الخطيب: مجاشعاً) هذا كان يكذب، وكان يحدث (زاد الخطيب: عن ابن ليهعة) . وقال الذهبي في ((الميزان)) (3/151) : أشار ابن معين إلى لين فيه بقوله: لم يكن البائس ممن يكذب. قال أبو حاتم الرازي. ليس بقوي)) . وأقره الحافظ في ((اللسان)) (4/251) ولم يذكر قول أبي حاتم، ولا وجدت لعلي بن قدامة ترجمة في ((الجرح)) فلعله قال ذلك من رواية غير ابنه عنه. والله أعلم.
2- شيخه مجاشع بن عمرو، تقدم تكذيبه عن ابن معين. وقال العقيلي: حديثه منكر غير محفوظ. ثم روى عن ابن معين: مجاشع بن عمرو قد رأيته،
(1/55)


أحد الكذابين. وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيف، ليس بشئ. وأرود له الذهبي (3/436-437) أحاديث، قال في آخرها: ((وهذا موضوع، ومجاشع هو راوي كتاب ((الأهوال والقيامة)) ، وهو جزآن (وفي النسخة هـ: خبران) كله خبر واحد موضوع، رواه عن ميسرة بن عبد ربه، عن عبد الكريم الجزري، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وعنه علي بن قدامة المؤذن شيخ لإسحاق بن سنين، وهو من الطبرز ديات)) . وأقره الحافظ في ((اللسان)) (5/15-16) وزاد: ((وقال أبو أحمد الحاكم: منكر الحديث. ومن موضوعاته: ... )) فذكر له حديثاً في تعزية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاذاً في ابنه، وقال: ((أورده الحاكم في ((المستدرك)) وقال: غريب، لأن مجاشع بن عمرو ليس من شرط هذا الكتاب. وذكره ابن عدي في ((الضعفاء)) وأرورد له مناكير)) اهـ.
قلت: ويلاحظ أن سند الكتاب الذي ذكره له الذهبي، هو عين هذا الإسناد، فيحتمل أن يكون هذ التفسير قطعة من الخبر الموضوع الذي يتضمنه هذا الكتاب، فإنه مناسب لاسمه: ((الأهوال والقيامة)) . والعلم عند الله تعالى.
3- شيخه ميسرة بن عبد ربه - وهو أوهى الثلاثة - قال البخاري في ((الضعفاء الصغير)) (355) : يرمى بالكذب، ورواه عنه (1) العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/263-264) ، وقال قبلها: ((أحاديثه بواطيل غير محفوظة)) . وروى عن ابن مهدي قال: ((قلت لميسرة بن عبد ربه في هذا الحديث الذي حدث به في فضائل القرآن أيش هو؟ قال: هذا وضعته أرغب الناس في القرآن)) !! وقال أبو داود: أقر بوضع الحديث. وقال: أبو حاتم: كان يرمى بالكذب، وكان يفتعل الحديث، روى في فضل قزوين والثغور بالكذب (كذا في ((الجرح)) (8/254)) . وقال أبو زرعة: كان من أهل الأهواز، وكان يضع الحديث وضعاً، قد وضع في فضائل قزوين نحو أربعين حديثاً كان يقول: إني أحتسب في ذلك. وقال النسائي في ((التمييز)) ومسلمة:
_________
$! والطريف أنه اتبع ترجمته مجاشع، كأنه تعمد ذلك للعلاقة التي بينهما!!
(1/56)


((كذاب)) زاد الآخر: روى أحاديث منكرة، وكان ينتحل الزهد والعبادة، فإذا جاء الحديث جاء شئ آخر. وقال الحاكم: يروى عن قوم من المجهولين الموضوعات، وهو ساقط. وقال أبو نعيم: يروى الأباطيل. وانظر سائر كلامهم فيه في ((الميزان)) (6/138: 140) .
فإن تعجب فعجب قول إمام المفسرين الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (1/390) : (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة، قال ابن عباس رضي الله عنهما)) . هكذا جزم - عفا الله عنه - وكثيرون غيره، بنسبة هذا التفسير إلى ترجمان القرآن رضي الله عنه وهو كذب عليه كما رأيت، فإن قيل إن عذره في ذلك أن ميسرة الوضاع قد سقط من سند ابن أبي حاتم، فالجواب: فكيف بمجاشع بن عمرو الكذاب الذي وهاه أبو حاتم؟ على أن الراجح رواية الجماعة الذين أثبتوا ميسرة في الإسناد. نعم، وأورد - رحمه الله - حديثاً للترمذي عن أبي غالب عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه فسر الآية بالخوارج، ومع أنه شاهد قاصر لحديث الترجمة فإنه أيضاً مختلف في رفعه ووقفه، وإيراد الآية وحذفها، وإيراد قوله تعالى (هو الذي أنزل عليك الكتاب) الآية، تارة مع الأولى، وتارة بدونها على أضرب كثيرة جداً - ليس هذا محل بيانها. على أن قول أيي أمامة فيه: ((لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً - حتى عد سبعاً - ما حدثتكموه)) ، مما لا يطمئن إليه القلب، فإنه من المستبعد عادة أن يحدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحديث واحد سبع مرات - بل أقل من ذلك - ثم لا يحفظه عنه إلا صحابي واحد، فكأن الحديث أتى من رواية عن أبي أمامة، وهو أبو غالب واسمه: حزور،فإن فيه اختلافاً كثيراً بين النقاد وأكثرهم مال إلى القدح فيه. على أن الحديث قد رواه سيار الأموي، وهو مستور وثقه ابن حبان، وصدقه الحافظ (2720) ، وصفوان بن سليم - وهو ثقة إمام - كلاهما عن أبي أمامة رضي الله عنه، فلم يذكرا الآيات أصلاً، وإنما جاء عند الإمام أحمد (5/269) وابنه عبد الله في
(1/57)


((السنة)) (1546) من رواية صفوان هذا، قول أبي أمامة: ((هؤلاء الذين تفرقوا واتخذوا دينهم شيعاً)) .
لذلك، فإن أحسن أحوال التفسير المتقدم أن يكون من قول أبي أمامة نفسه، وبذلك جزم الإمام البغوي رحمه الله في ((تفسيره)) (1/340) والله تعالى أعلم بالصواب. والذي يعيننا في هذا المقام تحذير إخواننا الكرام بارك الله فيهم مما شاع بينهم من الجزم بنسبة هذا الأثر إلى أن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو منه برئ لا سيما في معرض كلامهم وكتاباتهم عن البدع والمبتدعين، ففيما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم مقنع لمن أراد أن يسلم غداً في القيامة إن شاء الله تعالى.
استدراك:
والحديث قال العلامة الشوكاني في ((الفوائد المجموعة)) (ص317) : ((قال في (الذيل) : هو موضوع)) .
(1/58)


الحديث الثالث عشر:
((تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وأئمة، تقتص آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم. يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة. التفكر فيه بعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وب يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الإشقياء)) .
موضوع. رواه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/54-55) من طريق عبيد الله بن محمد بن خنيس الكلاعي (في الأصل - خطأ -: عبيد ابن محمد) . حدثنا موسى بن محمد بن عطاء القرشي قال: حدثنا عبد الرحيم ابن زيد العمى عن أبيه عن الحسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعاً به (وصوبنا بعض ألفاظه من المنذري) وقال - عقبة -: ((هكذا حدثنيه أبو عبد الله بن عبيد بن محمد رحمه الله مرفوعاً بالإسناد المذكور، وهو حديث حسن جداً ولكن ليس له إسناد قوي. ورويناه من طرق شتى موقوفاً، منها ... )) الخ. فتعقبه الحافظ المنذري رحمه الله في ((الترغيب)) (1/96) بقوله ((كذا قال رحمه الله. ورفعه غريب جداً. والله أعلم)) .
وقال شارحه - روّح الله روحه - تعليقاً على قول ابن عبد البر: ((ولكن
(1/59)


ليس له إسناد قوي)) : ((ولا ضعيف، ولا يعقل أن يكون هذا من كلام النبوة أصلاً)) اهـ.
قلت: بل هو كذب موضوع لا ريب فيه، وفي هذا الإسناد:
1- عبيد الله بن محمد بن خنيس، تقدم ذكره في الحديث الثاني.
2- وشيخه موسى بن محمد بن عطاء وضاع. تقدم أيضاً في نفس الحديث.
3- وشيخه عبد الرحيم بن زيد العمى كذاب معروف. قال البخاري: تركوه. وقال أبو حاتم: يترك حديثه، منكر الحديث، كان يفسد أباه يحدث عنه بالطامات. وقال ابن معين: كذاب خبيث. وفي رواية: ليس بشئ.
4- وأبوه زيد العمى هو ابن الحواري البصري أبو الحواري، ضعيف كما في ((التقريب)) (2131) .
5- والحسن البصري ثقة حافظ وإمام جليل، لكن روايته عن معاذ منقطعة كما يأتي. ولا شك أنه رحمه الله برئ من هذا الإفك.
وللحديث طرق أخرى مرفوعة عن أبي هريرة وأنس وعلي. أما حديث أبي هريرة، فقد قال الخطيب في ((الفقيه)) (1/15) : ((أنا أبو القاسم على بن محمد ابن عبد الله بن الهيثم الأصبهاني نا سليمان أحمد بن أيوب الطبراني نا يحيى بن عثمان بن صالح المصري نا نعيم بن حماد نا عبد العزيز الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه. وهذا الإسناد لا يثبت، وفيه:
1- أبو القاسم علي بن محمد الأصبهاني - شيخ الخطيب - لم أقف له على ترجمة ولا ذكر، وما هو في ((تاريخ بغداد)) ولا ((أخبار أصبهان)) .
2- يحيى بن عثملن بن صالح - وهو السهمي - صدوق له ما ينكر. قاله الذهبي.
3- نعيم بن حماد، وهو ضعيف صاحب مناكير كما قدمت في ((تبييض الصحيفة)) (10) .
وأزيد هنا قول محمد بن علي المروزي: ((سألت يحيى بن معين عنه - يعني
(1/60)


حديثاً لنعيم في ذم القياس بالرأي - فقال ك ليس له أصل. قلت: فنعيم؟ قال (1) : ثقة قلت: كيف يحدث ثقة بباطل؟ قال: شبه له)) كما في ((التهذيب)) (10/460) . فلعل هذا أيضاً مما شبه له، فإن هذا المتن بهذا الإسناد طامة لا تحتمل، والبلاء منحصر في نعيم وشيخ الخطيب، والعلم عند الله تعالى.
وأما حديث أنس، فوقفت على طريقين:
الأولى: عند المرهبي في ((العلم)) من رواية يزيد الرقاشي عنه، كما في ((تخريج الإحياء)) (68) نقلاً عن التخريج الكبير للحافظ العراقي رحمه الله. ويزيد ضعيف، ضعفه الجمهور وقال النسائي وأبو أحمد الحاكم: متروك الحديث، (انظر: ((أخذ الجنة)) ص53) لكنه - على ضعفه - لا يحتمل هذا المتن، بل لا ذنب له فيه، فقد قال الشيخ بن عرّاق رحمه الله في ((تنزيه الشريعة المرفوعة)) (1/282) : ((فيه محمد بن تميم السعدي وهو آفته)) . قلت: وهو وضاع مشهور، فالبلاء منه
الثانية: عند الطوسي (501) من طريق أبي المفضل الشيباني قال: وحدثنا محمد بن علي بن شاذان بالكوفة قال: حدثني أبو أنس كثير بن محمد الحزامي قال: حدثنا حسن بن حسين العرني قال: حدثني يحيى بن يعلى عن أسباط بن نصر عن شيخ من أهل البصرة عن أنس به. وهذا إسناد قد هلهل بالمرة، لم يسلم منه سوى أنس، وفيه الآتي:
1- أبو المفضل الشيباني، تقدم أنه متهم بسرقة الحديث والوضع للرافضة.
2- شيخه محمد بن علي بن شاذان لم أهتد به.
3- أبو أنس كثير بن محمد الحزامي ترجمة الخطيب (12/484) من رواية
_________
$! ووثقه غيره أيضاً، ورماه غير واحد بالوضع. وكرهما إفراط وتفريط. والصواب ما قرره الحافظ بن الكبير ابن رجب الحنبلي رحمه الله عند حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به من كتابة النافع: ((جامع العلوم والحكم)) حيث رجح ضعف نعيم، وأعل الحديث بعلتين أخريين في مبحث نفيس لا تجده عند غيره. وبه تعلم ما في تصحيح الإمام النووي رحمه الله للحديث.
(1/61)


جماعة عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
4- حسن بن حسين العرني رافضي واه. قال أبو حاتم: لم يكن بصدوق عندهم. وانظر في ((اللسان)) (2/199-200) .
5- يحيى بن يعلى - وهو الأسلمي القطواني أبو زكرياء - كوفي شيعي ضعيف، وهاه ابن معين. وهناك كوفيان بهذا الاسم، لكنهما ثقتان: أبو زكرياء المحارني، وأبو المحياة التيمي.
6- أسباط بن نصر وهو الهمداني - مختلف فيه، وقال الحافظ (321) : ((صدوق كثير الخطأ، يغرب)) .
7- شيخه البصري مبهم لم يسم. ولا يدرى من هو.
وأما حديث علي، فرواه الطوسي (ص500) وكذلك (579-580) من طريق أبي المفضل بسنده المسلسل بآل البيت عنه مرفوعاً، وفي أوله: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم في مظانها (كذا) واقتبسوه من أهله، في تعلمه لله خشية (في الأصل: حسنة) ، وطلبه عبادة ... الحديث بطوله. وأبو المفضل تكرر الكلام عنه. والسند الذي ذكره فيه جماعة لم أهتد إليهم، وحسبه به!
(وروى) الحديث مرفوعاً على كل من معاذ وعلى أيضاً.
أما أثر معاذ، فرواه ابن عبد البر وأبو نعيم في ((الحلية)) (1/238-239) من طريق هاشم بن مخلد (وفي ((الحلية)) - خطأ هشام) قال: سمعت أبا عصمة يحدث عن رجاء بن حيوة (وعند أبي نعيم سمعته من أبي عصمة عن رجل سماه عن رجاء بن حيوة عن معاذ بن جبل به. وقال أبو طالب المكي في الفصل الحادي والثلاثين من ((القوت)) : ((وروينا في فضل العلم بالله تعالىمن رواية رجاء بن حيوة عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قل:..)) فذكره، كان في ((تخريج الإحياء)) ، وفيه: ((قال العراقي: قوله (يعني ابن عبد البر في الحديث المرفوع) : حسن، أراد به الحسن اللغوي لا الحسن المصطلح عليه بين أهل الحديث، فإن موسى بن محمد البلقاوي كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ونسبه  العقيلي وابن حبان إلى وضع الحديث، وعبد الرحمن (كذا) بن زيد متروك وأبوه مختلف فيه، والحسن لم يدرك معاذاً. وأبوه عصمة المذكور في الموقوف ضعيف أيضاً، كان يقال له: نوح الجامع. قال ابن حبان: جمع كل شئ إلا الصدق. ورجاء بن حيوة أيضاً لم يسمع من معاذ. وروى الموقوف: سليم الرازي في ((الترغيب والترهيب)) من طريق آخر، وفيه كتابة بن حبلة ضعيف جداً. قلت (القائل: الزبيدي) : ولكن صرح أبو طالب أن رجاء بن حيوة سمعه من عبد الرحمن بن غنم عن معاذ. هذا أشبه (كذا) والله أعلم ... )) الخ.
قلت: ومن طرق كنانة بن جبلة أيضاً رواه الطوسي عن أبي المفضل بسنده إليه عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ.
أما أبو عصمة - في الطريق الأول - فليس ضعيفاً فحسب، بل هو كذاب متهم بالوضع. قال البخاري: ((قال ابن المبارك لوكيع: عندنا شيخ يقال له: أبو عصمة، كان يضع، كما يضع المعلى بن هلال)) . وقال أبو حاتم ومسلم والدارقطني والدولابي والساجي: متروك الحديث. زاد الآخير: عنده أحاديث بواطيل. وذكر الحاكم أنه أقر بوضع حديث في فضائل القرآن من أوله إلى آخره. وكنانو بن جبلة كذبه ابن معين، فقال: ((كذاب خبيث)) . قال تليمذه عثمان ابن سعيد الدارمي: ((هو قريب مما قال يحيى، خبيث الحديث)) . وقال الجوزجاني السعدي: ((ضعيف جداً)) . أما أبو حاتم الرازي رحمه الله فكأنه لم يخبر أمره فقال: ((محله الصدق، يكتب حديثه، حسن الحديث)) .
(وأما) أثر علي، فرواه أبو طالب الحسنى في ((أمالية)) كما في ((تيسير المطالب)) (ص141) قال: ((أخبرنا أبو أحمد محمد بن علي العبدكي (في الأصل: العبدي، والصواب الأول كما تكرر كثيراً في الكتاب) ... فذكره بسنده المسلسل بآل البيت، وفيه: قال أمير المؤمنين لأصابه، وهو بحضرته: تعلموا العلم ... )) الخ. والعبدكي، واسمه: ((محمد بن علي بن عبدك - واسمه: عبد الكريم)) ، قال الإمام برهان الدين الحلبي في ((الكشف الحثيث))


(712) : (( ... وكان إمام أهل التشيع في ومانه، ذكر له ابن الجوزي في ((موضوعاته حديثاً في فضل علي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن جبريل: يا محمد علي خير البشر، من أبى فقد كفر. قال ابن الجوزي: والمتهم به الجرجاني الشيعي)) وهو في ((الموضوعات)) (1/347-348) من طريقه عن علي بن موسى الفقيه القمى عن محمد بن شجاع الثلجي قال: حدثنا حفص بن عمر الكوفي عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي وائل ابن مسعود به)) وقال (1/329) : ((وأما حديث ابن مسعود، ففيه حفص بن عمر، وليس بشئ، ومحمد بن شجاع الثلجي، وقد سبق في أول الكتاب أنه كذاب، والمتهم به الجرجاني الشيعي)) .
وأورده السيوطي في ((اللآلئ)) (1/327-328) وأقره، فلم يتعقبه.
وفي اتهام الجوزي له - بهذا الحديث خاصة - نظر، لوجود الثلجي وغيره في الإسناد، وإن كان اتهام بن عبدك به أليق لمكانه من الإمامة في الرفض. لكن اتهامه - عامة - في محله، فإن أبا طالب المذكور روى له بلايا في (أمالية)) وباله التوفيق. وهو أعلى وأعلم.


الحديث الرابع عشر:
 
 ((تكفير كل لحاء ركعتين)) .
ضعيف على الأقل. رواه تمام الرازي في ((الفوائد)) (141/1) من طريق يحيى بن أبي كثير، وابن الأعرابي في ((معجمه)) (178/2) من طريق أبي عاصم النبيل كلاهمما عن الأوزاعي حدثني عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة مرفوعاً به.
وقال الحافظ رحمه الله في ترجمة: ((مخلد بن يزيد القرشي الحراني من ((التهذيب)) (10/77) : ((قلت: وقال الساجي: كان يهم. وقدم أحمد مسكين بن بكير عليه. فمن أوهامه: حديثه عن الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة رفع قال: يكفر كل لحاء ركعتان. قال أبو داود: مخلد شيخ، إنما رواه الناس مرسلاً ... )) . قلت: لم أقف عليه من طريق مخلد هذا إلا موقوفاً من رواية الإمام أحمد رحمه الله كما يأتي. فإن كان المراد بالإرسال - عند أبي داود - الوقف، فقد أوقفه مخلد ولا أدري من رفعه عنه وإن كان مراده الإرسال - على ظاهره - أي عن عبد الواحد بن قيس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بدون ذكر أبي هريرة - فهذا لم أقف عليه البتة ولا وجدت أحداً بينه.
ومما يرجح الثاني، قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((الميزان)) (4/84) : ((قال أبو حاتم: صدوق. وقد روى مخلد حديثاً في الصلاة مرسلاً فوصله. قال أبو داود: مخلد شيخ، إنما رواه الناس مرسلاً. قال أحمد بن حنبل: حدثنا مخلد بن يزيد..)) فذكره موقوفاً.
أقول: وإسناد الحديث من طريق يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي   مرفوعاً - واه جداً (1) ، فيه أحمد بن محمد بن عمر بن يونس بن القاسم اليمامي، كذبه أبو حاتم وابن صاعد وغيرهما. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال - مرة -: متروك. وقال عبيد الكشوري (منسوب إلى قرية بصنعاء اليمن) : هو كالواقدي فيكم. نعم، تابعه - عند ابن الأعرابي - أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبي الشيباني، وهو ثقة حافظ، لكن مدار الطريقين على عبد الواحد بن قيس الدمشقي، وهو مختلف فيه اختلافاً كثيراُ. وقال الحافظ (4248) : ((صدوق له أوهام ومراسيل)) .
أما رواية مخلد - المرفوعة - عن الأوزاعي، فقد بينت عدم وقوفي عليها. وقد أوقفها الإمام أحد. أما رواية عبد الواحد عن أبي هريرة، فمنقطعة قطعاً. قال ابن أبي حاتم في ((الجرح)) (6/23) عن أبيه: ((روى عن أبي هريرة مرسل)) . وفي ((التهذيب)) (6/439) : ((روى عن أبي أمامة ونافع و ... وأبى هريرة مرسل)) . وقال صالح بن محمد البغدادي: ((روى عن أبي هريرة ولم يسمع منه. وأظنه مدنياً سكن الشام. وقال ابن حبان في ((الثقات)) (7/123) : ((وهو الذي يروى عن أبي هريرة ولم يره، ولا يعتبر بمقاطيعه ولا بمراسيله ولا برواية الضعفاء عنه)) . ثم عاد فذكره في ((المجروحين)) (2/153-154) . وقال الذهبي في ((الميزان)) (2/675) - عقب حديث أورده العقيلي بسنده إلى الأوزاعي، حدثني عبد الواحد بن قيس سمت أبا هريرة يقول: ... فذكره. قال: ((قلت: هذاذ كذب على الأوزاعي: فأساء العقيلي كونه ساق هذا في ترجمة عبد الواحد، وهو برئ منه، وهو لم يلق أبا هريرة إنما روايته عنه مرسلة، إنما أدرك عروة، ونافعاً ... ))
قلت: وللمتن شاهد مرفوع من أبي أمامة - لكن إسناده واه جداً - عند الطبراني
_________
$! ولم ينبه - أو لم يتفطن - الشيخ الألباني حفظه الله، فأورد الإسناد إلى يحيى بن أبي كثير، ولم يعله بهذا اليمامي، فاغتر بذلك أحد إخواننا الكرام فرجح الطريقين المرفوعتين على رواية المصمصي الموقوفة - وتأتي - إذ لم يكن قد وقف على رواية مخلد بن يزيد الموقوفة.  في ((الكبير)) (8/175) وابن عساكر (14/614) من طريق مسلمة ابن علي الخشني عن خالد بن دهقان عن كهيل بن حرملة عنه به. ومسلمة متهم، تقدم الكلام عنه في الحديث الرابع. وبه وحده أعل الحافظ الهيثمي الحديث في ((المجمع)) (2/251) والشيخ الألباني في ((الصحيحة)) (1789) . وكهيل بن حرملة أيضاً فيه جهالة. فقد ترجمه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (7/238) وابن أبي حاتم (7/173) وابن حبان في ((الثقات)) (5/341) بروايته عن أبي هريرة، ورواية خالد سيلان - وحده - عنه. وأورد له ابن حبان حديثاً من طريق خالد بن دهقان قال: ثنا خالد سيلان عن كهيل عن أبي هريرة. وهذا مفاده أن رواية ابن دهقان عنه أيضاً منقطعة، إلا أن يثبت أن بينهما خالد سيلان ت واسمه خالد بن عبد الله بن الفرج، ولقب: ((سيلان)) لضخامة لحيته. وهو ثقة، وثقة أبو سهر الغساني وابن حبان. فهذه علل ثلاث لهذه الطريق.
والحديث - من طريق أبي هريرة - أورده الشيخ الألباني حفظه الله في ((الصحيحة)) جازماً بحسنه - اعتماداً على قول الحافظ رحمه الله في عبد الواحد ابن قيس: ((صدوق، له أوهام)) كما تقدم، ولم يتفطن للإنقطاع الظاهر الذي صرح به الأئمة المتقدم ذكرهم. أما تحقيق حال عبد الواحد بن قيس، فلم أنشط إليه الآن اتكالاً على ضعف الحديث بالانقطاع، والخلاف فيه شديد جداً بين موثق وتارك! ولذلك قلت - تحت حديث الترجمة -: ((ضعيف على الأقل)) .
(أما) الموقوف، فرواه الإمام أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (2/1886) ، فقال: ((حدثنا مخلد بن يزيد الحراني قال: حدثنا الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة ... )) فذكره. قال ابنه عبد الله: ((قال أبي: تفسيره: الرجل يلاحي الرجل يخاصمه يصلي ركعتين تكفيره. يعني كفارته)) اهـ. ومخلد ثقة أو صدوق على أقل تقدير. وتابعه على إيقافه أيضاً: محمد بن كثير المصيصي، ومن طريقه ابن عساكر (10/574) عن الأوزاعي  عن عبد الواحد عن رجل عن أبي هريرة، فأدخل رجلاً مبهماً بين عبد الواحد وأبي هريرة. والمصيصي - وإن قال الحافظ (6251) : ((صدوق كثير الغلط)) - إلا أن خشي غلطه في هذه الرواية - خاصة - مدفوعة بالمتابعة المتقدم ذكرها. وإدخاله رجلاً مبهماً في الإسناد - وإن لم أره توبع عليه في جميع ما تقدم - لكنه صحيح حكماً، فإن هناك واسطة لا تعلمها بين عبد الواحد وأبي هريرة - ولا بد. والحاصل أن الحديث لا يثبت مرفوعاً ولا موقوفاً، ولا جدوى من محاولة الترجيح لضعفه على كل حال. وتغني عن معنهاه أحاديث أخرى ثابتة نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) وقوله: ((إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها، قيل: يا رسول الله، أمن الحسنات: لا إله إلا الله؟ قال: هي أفضل الحسنات)) . بل وجدت هذا المعنى في كتاب الله عز وجل في قوله: (ويدرؤون بالحسنة السيئة. أولئك لهم عقبى الدار) وقوله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل. إن الحسنات يذهبن السيئات. ذلك ذكرى للذاكرين) وهذه النصوص داخلة في جملة ما استخرت الله عز وجل عليه في التبييض النهائي للكتاب، ألهمتها الآن. فالحمد لله على توفيقه. وهو سبحانه أعلى وأعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج2. باقي صحيح السيرة النبوية تحقيق الشيخ الألباني مراجع ومدقق {من 130. الي234.}

  ج2. صحيح السيرة {ج2. باقي صحيح السيرة النبوية  تحقيق  الشيخ الألباني مراجع ومدقق {من 130. الي234.} صفحة رقم -130 - قال : قلت : من غف...