مُقَدّمَة الْمُؤلف.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي ميز الْخَبيث من الطّيب، وأحرز الحَدِيث بالعلماء النقاد من الْخَطَأ وَالْكذب، وَالصَّلَاة على سيد الورى وَخير الْبَريَّة، وَجَمِيع صحابته دعاة الله إِلَى سبله المرضية، وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَذريته الطيبين. ونسأله التَّوْفِيق والتأييد. فبيده أزمة التَّحْقِيق والتسديد.
وَبعد فَقَالَ أَضْعَف عباد الْقوي الْوَلِيّ مُحَمَّد بن طَاهِر بن عَليّ الفتني الْهِنْدِيّ مسكنا ونسبا والحنفي مذهبا: هَذَا مُخْتَصر يجمع أَقْوَال الْعلمَاء النقاد والمحدثين السراد فِي وضع الحَدِيث أَو ضعفه حَتَّى يتَبَيَّن أَن وَضعه أَو ضعفه مُتَّفق أَو أَنه بِسَبَب قُصُور قَاصِر أَو سَهْو ساه مُخْتَلف كَيْلا يتجاسر الكسل على الْجَزْم بِوَضْعِهِ بِمُجَرَّد نظرة فِي كَلَام قَائِل أَنه مَوْضُوع وَلَا يتسارع إِلَى الحكم بِصِحَّة كل مَا نسب إِلَى الحَدِيث غافل مخدوع فَإِن النَّاس فِيهِ بَين إفراط وتفريط فَمن مفرط يجْزم بِالْوَضْعِ بِمُجَرَّد السماع من أحد لَعَلَّه ساه أَو ذُو تخطيط وَمن مفرط يستبعد كَونه مَوْضُوعا وَظن الحكم بِهِ سوء أدب ومخترعا وَلم يدر أَن لَيْسَ حكمه على الحَدِيث بل على مخترع الْكَذِب الخاذل أَو مَا زل فِيهِ قدم الغافل. وَمِمَّا بَعَثَنِي إِلَيْهِ أَنه اشْتهر فِي الْبلدَانِ مَوْضُوعَات الصغاني وَغَيره وظني أَن أمامهم كتاب ابْن الْجَوْزِيّ وَنَحْوه ولعمري أَنه قد أفرط فِي الحكم بِالْوَضْعِ حَتَّى تعقبه الْعلمَاء من أفاضل الكاملين فَهُوَ ضَرَر عَظِيم على القاصرين المتكاسلين. قَالَ مُجَدد الْمِائَة السُّيُوطِيّ (1) قد أَكثر ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات من إِخْرَاج الضَّعِيف بل وَمن الحسان وَمن الصِّحَاح كَمَا نبه عَلَيْهِ الْحفاظ وَمِنْهُم ابْن الصّلاح وَقد ميز فِي حيزه ثَلَاثمِائَة حَدِيث وَقَالَ لَا سَبِيل إِلَى إدراجها فِي الموضوعات فَمِنْهَا حَدِيث فِي صَحِيح مُسلم وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ رِوَايَة حَمَّاد بن شَاكر وَأَحَادِيث فِي بَقِيَّة الصِّحَاح وَالسّنَن وَنقل فِيهِ عَن أَحْمد بن أبي الْمجد أَنه قَالَ وَمِمَّا
_________
(1) قلت لَعَلَّه الْمِائَة التَّاسِعَة وَالله أعلم. اهـ مصححه. وَلم يصب فِيهِ ابْن الْجَوْزِيّ إِطْلَاقه الْوَضع بِكَلَام قَائِل فِي بعض رُوَاته فلَان ضَعِيف أَو لَيْسَ بِقَوي أَو لين فَحكم بِوَضْعِهِ من غير شَاهد عقل وَنقل وَمُخَالفَة كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع وَهَذَا عدوان ومجازفة - انْتهى
وَأَنا أورد بعض مَا وَقع فِي مُخْتَصر الشَّيْخ مُحَمَّد بن يَعْقُوب الفيروز آبادي من كتاب الْمُغنِي من حمل الْأَسْفَار فِي الْأَسْفَار للشَّيْخ زين الدَّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ فِي تَخْرِيج الْأَحْيَاء وَفِي الْمَقَاصِد الْحَسَنَة للشَّيْخ الْعَلامَة أبي الْخَيْر شمس الدَّين السخاوي وَفِي كتاب اللآلئ للشَّيْخ جلال الدَّين السُّيُوطِيّ وَفِي كتاب الذيل لَهُ وَفِي كتاب الْوَجِيز لَهُ وموضوعات الصغاني وموضوعات المصابيح الَّتِي جمعهَا الشَّيْخ سراج الدَّين عمر بن عَليّ الْقزْوِينِي ومؤلف الشَّيْخ عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْعَطَّار وَغير ذَلِك فاجمع أَقْوَال الْعلمَاء فِي كل حَدِيث كي يَتَّضِح لَك الْحق الْحقيق بِالْقبُولِ وَقد حثني عَلَيْهِ بعض الأعزة الْكِرَام واستبطئوا حِين شرعت الاختتام وَهُوَ كالتذكرة للموضوعات وكاف عَن المطولات وَحين وَقع الْفَرَاغ عَن التسويد تحرّك عزمي إِلَى أَن أجمع من أجد من الْكَذَّابين والضعاف ليَكُون قانونا (1) فِي غير مَا فِي هَذَا الْكتاب من الموضوعات والضعاف وَالله الْمُوفق لهَذَا المرام وبعونه التَّيْسِير للاختتام والمرجو من الإخوان ذَوي الطباع الصَّحِيحَة إِذا اطلعوا على سَهْو أَو طغيان أَن يصلحوا بأقلامهم الفصيحة ويعذروا الْكَاتِب الحقير بِعَين النَّصِيحَة فَإِن الْخَطَأ ديدني لقلَّة عدتي وَكَثْرَة أشغالي وتشتت أحوالي بتفاقم النوائب (2) من أَرْبَاب الدولة الآخذين سيف الْعدوان على الضعفة من الإخوان فَالله الْمُسْتَعَان.
هَذَا مَعَ عدم من أراجعه فِي هَذِه الْبِلَاد من الْمُحدثين أعالم الْعلمَاء وأفاضل الْفُضَلَاء فَإِن هز عطف أحد استطراف شَيْء من الْمكَاتب فَلَا ينس قِرَاءَة الْفَاتِحَة لمن تعنى فِيهِ مُدَّة مديدة وإراحة من التَّبعَات الشَّدِيدَة والمرجو من فضل الله الْعَظِيم أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم.
_________
(1) الَّذِي نَحن بصدد طبعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. اهـ مصححه.
(2) التفاقم التعاظم وزنا وَمعنى. اهـ مصححه.
************************************
تذكرة الموضوعات للفتني
مُقَدّمَة وفيهَا مبَاحث
الأول فِي اصْطِلَاح الحَدِيث وشروط رِوَايَته.
الصَّحِيح مَا اتَّصل سَنَده بِنَقْل الْعدْل الضَّابِط عَن مثله وَسلم عَن شذوذ وَعلة - والشذوذ أَن يرويهِ الثِّقَة مُخَالفا لغيره - وَالْحسن مَا لَا فِي إِسْنَاده مُتَّهم وَلَا يكون شاذا ويروى من غير وَجه نَحوه، والضعيف مَا لم يجْتَمع فِيهِ شرطا الصِّحَّة وَالْحسن. وَيجوز عِنْد الْعلمَاء التساهل فِي أَسَانِيد الضَّعِيف بِلَا شَرط بَيَان ضعفه فِي الْوَعْظ والقصص والفضائل لَا فِي صِفَات الله والحلال وَالْحرَام. قيل كَانَ مَذْهَب النَّسَائِيّ أَن يخرج عَن كل من لم يجمع على تَركه وَكَذَا أَبُو دَاوُد وَكَانَ يخرج الضَّعِيف إِذا لم يجد فِي الْبَاب غَيره ويرجحه على الرَّأْي (1) . الْمسند مَا اتَّصل سَنَده مَرْفُوعا إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم أَو مَوْقُوفا، وَالْمَرْفُوع مَا أضيف إِلَيْهِ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم سَوَاء كَانَ مُتَّصِلا أَو مُنْقَطِعًا فالمتصل يكون مَرْفُوعا وَغير مَرْفُوع وَالْمَرْفُوع يكون مُتَّصِلا وَغير مُتَّصِل. والمسند مُتَّصِل مَرْفُوع، وَالْمُعَلّق مَا حذف من مبدأ إِسْنَاده وَاحِد فَأكْثر، والغريب مَا تفرد وَاحِد عَمَّن يجمع حَدِيثه كالزهري، وَالْمَوْقُوف مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابِيّ من قَول أَو فعل مُتَّصِلا أَو مُنْقَطِعًا وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة، والمقطوع مَا جَاءَ عَن التَّابِعين، والمرسل قَول التَّابِعِيّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسلم. والمنقطع مَا لم يتَّصل إِسْنَاده من الأول
_________
(1) وَمِمَّنْ نقل عَنهُ ذَلِك ابْن حَنْبَل وَابْن مهْدي وَابْن الْمُبَارك: قَالُوا إِذا روينَاهُ فِي الْحَلَال وَالْحرَام شددنا وَإِذا روينَاهُ فِي الْفَضَائِل تساهلنا. اهـ الإدارة المنيرية. وَالْآخر، والمعضل مَا سقط من سَنَده اثْنَان، وَالْمُنكر مَا فِيهِ أَسبَاب خُفْيَة غامضة قادحة. وَفِي شرح النخبة وللجرح مَرَاتِب أسوأها أكذب النَّاس وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الْوَضع أَو هُوَ ركن الْكَذِب. ثمَّ قَوْلهم دجال أَو وَضاع أَو كَذَّاب. وأسفلها تحولين أَو سيئ الْحِفْظ أَو فِيهِ أدنى مقَال. وَبَين الأسوأ والأسفل مَرَاتِب فَقَوْلهم مَتْرُوك أَو سَاقِط أَو فَاحش الْغَلَط أَو مُنكر الحَدِيث أَشد من قَوْلهم ضَعِيف أَو لَيْسَ بِالْقَوِيّ أَو فِيهِ مقَال. وَأَرْفَع مَرَاتِب التَّعْدِيل كأوثق النَّاس ثمَّ ثِقَة ثِقَة أَو ثِقَة حَافظ أَو ثَبت ثَبت وَأَدْنَاهَا كشيخ ويروى حَدِيثه وَيعْتَبر بِهِ وَنَحْو ذَلِك.
وَفِي الْعدة وَأعلم أَن الْأَحَادِيث الَّتِي لَا أصل لَهَا لَا تقبل وَالَّتِي لَا إِسْنَاد لَهَا لَا يرْوى بهَا: فَفِي الحَدِيث "اتَّقوا الحَدِيث عني إِلَّا مَا علمْتُم فَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار" فقيد صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم الرِّوَايَة بِالْعلمِ وكل حَدِيث لَيْسَ لَهُ إِسْنَاده صَحِيح وَلَا هُوَ مَنْقُول فِي كتاب مُصَنفه إِمَام مُعْتَبر لَا يعلم ذَلِك الحَدِيث عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وأله وَسلم فَلَا يجوز قبُوله: فَفِي مُسلم "كفى بِالْمَرْءِ كذبا أَن يحدث بِكُل مَا سمع" وَفِيه "يكون فِي آخر الزَّمَان كذابون دجالون يأتونكم بِأَحَادِيث بِمَا لم تسمعوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم فإياكم وإياهم لَا يضلونكم وَلَا يفتنونكم.
الثَّانِي فِي أَقسَام الواضعين.
فِي خُلَاصَة علم الحَدِيث أعلم أَن الْخَبَر ثَلَاثَة أَقسَام: قسم يجب تَصْدِيقه وَهُوَ مَا نَص الْأَئِمَّة على صِحَّته. وَقسم يجب تَكْذِيبه وَهُوَ مَا نصوا على وَضعه. وَقسم يجب التَّوَقُّف فِيهِ لاحْتِمَاله الصدْق وَالْكذب كَسَائِر الْأَخْبَار وَلَا يحل رِوَايَة الْمَوْضُوع لمن علم حَالَة فِي أَي معنى إِلَّا بِبَيَان وَضعه. وَيعرف الْوَضع بِإِقْرَار وَاضعه وبقرينة حَال الرَّاوِي والمروى بركاكة اللَّفْظ وَالْمعْنَى. والواضعون أَصْنَاف وأعظمهم ضَرَرا قوم منتسبون إِلَى الزّهْد وضعُوا حسبَة فَيقبل موضوعاتهم ثِقَة بهم. والكرامية وَبَعض المبتدعة يجوزون الْوَضع فِي التَّرْغِيب والترهيب وَهُوَ خلاف إِجْمَاع الْمُسلمين الَّذين يعْتد بهم فِي الْإِجْمَاع - انْتهى.
وَفِي الرسَالَة قَالَ زيد بن أسلم من عمل بِخَبَر صَحَّ أَنه كذب فَهُوَ من خدم الشَّيْطَان. وَفِي اللآلئ قَالَ الزَّرْكَشِيّ بَين قَوْلنَا لم يَصح وَقَوْلنَا مَوْضُوع بون بعيد كثير فَإِن الْوَضع إِثْبَات الْكَذِب وَالِاخْتِلَاف وَقَوْلنَا لم يَصح لَا يلْزم مِنْهُ إِثْبَات الْعَدَم وَإِنَّمَا هُوَ أَخْبَار عَن عدم الثُّبُوت. وَقَالَ أَيْضا لَا يلْزم من جهل الرَّاوِي وضع حَدِيثه. وَفِي الْوَجِيز فرق بَين الْمُنكر والموضوع. وَقَالَ ابْن حجر أَكثر الْمُحدثين من سنة مِائَتَيْنِ إِلَى الْآن إِذا ساقوا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ اعتقدوا أَنهم برئوا من عهدته. وَذكر السخاوي عَنهُ أَن لفظ لَا يثبت لَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون مَوْضُوعا فَإِن الثَّابِت يَشْمَل الصَّحِيح فَقَط والضعيف دونه. وَالْمُنكر إِذا تعدّدت طرقه (1) إِلَى دَرَجَة الضعْف الْقَرِيب بل رُبمَا ارْتقى إِلَى الْحسن. وَحكى السُّيُوطِيّ عَن ابْن الْجَوْزِيّ أَن من وَقع فِي حَدِيثه الْمَوْضُوع وَالْكذب وَالْقلب أَنْوَاع: مِنْهُم من غلب عَلَيْهِم الزّهْد فغفلوا عَن الْحِفْظ أَو ضَاعَت كتبه فَحدث من حفظه فغلط، وَعَن يحيى مَا رَأَيْت الْكَذِب فِي أحد أَكثر مِنْهُ فِي من ينْسب إِلَى الْخَبَر والزهد. وَمِنْهُم قوم ثقاة لَكِن اخْتلطت عُقُولهمْ فِي أَوَاخِر أعمارهم. وَمِنْهُم من روى الْخَطَأ سَهْو فَلَمَّا رأى الصَّوَاب وأيقن لم يرجع أَنَفَة أَن ينسبوا إِلَى الْغَلَط. وَمِنْهُم زنادقة وضعُوا قصدا إِلَى إِفْسَاد الشَّرِيعَة وإيقاع الشَّك والتلاعب بِالدّينِ. وَقد كَانَ بعض الزَّنَادِقَة يتغفل الشَّيْخ فيدس فِي كِتَابه مَا لَيْسَ من حَدِيثه. قَالَ حَمَّاد بن زيد وضعت الزَّنَادِقَة أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث وَلما أَخذ ابْن أبي العوجاء لضرب عُنُقه قَالَ وضعت فِيكُم أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث أحرم فِيهَا الْحَلَال وأحلل فِيهَا الْحَرَام. وَمِنْهُم من يضع نصْرَة لمذهبه رَجَعَ رجل من المبتدعة فَجعل يَقُول انْظُرُوا عَمَّن تأخذون هَذَا الحَدِيث فَإنَّا كُنَّا إِذا هوينا أمرا صيرناه حَدِيثا. وَمِنْهُم من يضعون حسبَة ترغيبا وترهيبا، ومضمون فعلهم أَن الشَّرِيعَة نَاقِصَة إِلَى تَتِمَّة. وَمِنْهُم من أجَاز وضع الْأَسَانِيد لكَلَام حسن. وَمِنْهُم من قصد التَّقَرُّب إِلَى السُّلْطَان. وَمِنْهُم
_________
(1) هَكَذَا الأَصْل، وَلَعَلَّ كلمة "ارْتقى" سَقَطت من النُّسْخَة. اهـ إدارة.
(1/7)
الْقصاص لأَنهم يُرِيدُونَ أَحَادِيث ترقق وتنفق وَفِي الصِّحَاح يقل مثله. ثمَّ إِن الْحِفْظ يشق عَلَيْهِم ويتفق عدم الدَّين وهم يحضرهم جهال وَمَا أَكثر مَا تعرض على أَحَادِيث فِي مجْلِس الْوَعْظ قد ذكرهَا قصاص الزَّمَان فأردها فيحقدون عَليّ انْتهى. قَالَ الصغاني إِذا علم أَن حَدِيثا مَتْرُوك أَو مَوْضُوع فليروه وَلَكِن لَا يَقُول عَلَيْهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم.
الثَّالِث فِي كتب أحاديثها مَوْضُوعَة فِي الْكَذَّابين.
فِي الْخُلَاصَة قَالَ الشَّيْخ قد صنف كتب فِي الحَدِيث وَجَمِيع مَا احتوت عَلَيْهِ مَوْضُوع كَمَا مر من مَوْضُوعَات الْقُضَاعِي. وَمِنْهَا الْأَرْبَعُونَ الودعانية. وَمِنْهَا وَصَايَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ كلهَا مَوْضُوعَة عَنهُ سوى الحَدِيث الأول وَهُوَ "أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى غير أَنه لَا نَبِي بعدِي" قَالَ الصغاني وَمِنْهَا وَصَايَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ كلهَا الَّتِي أَولهَا يَا عَليّ لفُلَان ثَلَاث عَلَامَات، وَفِي آخرهَا النَّهْي عَن المجامعة وَفِي أَوْقَات مَخْصُوصَة كلهَا مَوْضُوعَة، وَآخر هَذِه الْوَصَايَا يَا عَليّ أَعطيتك فِي هَذِه الْوَصِيَّة علم الْأَوَّلين والآخرين وَضعهَا حَمَّاد بن عَمْرو النصيبي وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي اللآلئ وَكَذَا وَصَايَا عَليّ مَوْضُوعَة واتهم بهَا حَمَّاد بن عَمْرو وَكَذَا وَصَايَاهُ الَّتِي وَضعهَا عبد الله بن زِيَاد بن سمْعَان أَو شَيْخه وَقَالَ الصغاني وَأول هَذِه الودعانية كَانَ الْمَوْت فِيهَا على غير مَا كتب وَقد ذَكرْنَاهُ من غَيره من مَوْضُوعَات الشهَاب وَآخِرهَا "مَا من بَيت إِلَّا وَملك يقف على بَابه كل يَوْم خمس مَرَّات فَإِذا وجد الْإِنْسَان قد نفد أكله وَانْقطع أَجله ألْقى عَلَيْهِ غم الْمَوْت فَغَشِيتهُ كرباته وغمرته سكراته" وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي الذيل إِن الْأَرْبَعين الودعانية لَا يَصح فِيهَا حَدِيث مَرْفُوع على هَذَا النسق فِي هَذِه الْأَسَانِيد وَإِنَّمَا يَصح مِنْهَا أَلْفَاظ بسيرة وَإِن كَانَ كَلَامهَا حسنا وموعظة فَلَيْسَ كل مَا هُوَ حق حَدِيثا بل
(1/8)
عَكسه وَهِي مسروقة سَرَقهَا ابْن ودعان من واضعها زيد بن رِفَاعَة وَيُقَال أَنه الَّذِي وضع رسائل إخْوَان الصَّفَا وَكَانَ من أَجْهَل خلق الله فِي الحَدِيث وَأَقلهمْ حَيَاء وأجرأهم على الْكَذِب وَفِي الْوَجِيز (1) قَالَ جمال الدَّين الْمُزنِيّ الْأَحَادِيث المنسوبة إِلَى القَاضِي أبي نصر بن ودعان الْموصِلِي لَا يَصح مِنْهَا حَدِيث وَاحِد مَرْفُوع وَإِنَّمَا يَصح يسيره مِنْهَا يحْتَاج فِي تميزها إِلَى نوع من التتبع وَقَالَ الصغاني وَمِنْهَا كتاب فضل الْعلمَاء للمحدث شرف الْبَلْخِي وأوله "من تعلم مَسْأَلَة من الْفِقْه قَلّدهُ الله كَذَا"
وَمن الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة بِإِسْنَاد وَاحِد أَحَادِيث الشَّيْخ الْمَعْرُوف بِابْن أبي الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يَزْعمُونَ أَنه أدْرك عليا وَعمر طَويلا وَأخذ بركابه فَركب وأصابه ركابه فَشَجَّهُ فَقَالَ مد الله فِي عمرك مدا وَأَحَادِيث أبي نسطور الرُّومِي وَأَحَادِيث بشر ونعيم بن سَالم وخراش عَن أنس وَأَحَادِيث دِينَار عَنهُ وَأَحَادِيث أبي هدبة إِبْرَاهِيم بن هدبة الْقَيْسِي وَمِنْهَا كتاب يدعى بِمُسْنَد أنس الْبَصْرِيّ مِقْدَار ثَلَاثمِائَة حَدِيث يرويهِ سمْعَان الْمهْدي عَن أنس وأوله أمتِي فِي سَائِر الْأُمَم كَالْقَمَرِ فِي النُّجُوم وَفِي الذيل سمْعَان بن الْمهْدي عَن أنس لَا يكَاد يعرف ألصقت بِهِ نُسْخَة مكذوبة قبح الله من وَضعهَا، وَفِي اللِّسَان هِيَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن مقَاتل الرَّازِيّ عَن جَعْفَر بن هَارُون عَن سمْعَان فَذكر النُّسْخَة وَهِي أَكثر من ثَلَاثمِائَة حَدِيث أَكثر متونها مَوْضُوعَة - انْتهى.
قَالَ الصغاني وَمِنْهَا الْأَحَادِيث الَّتِي تروى فِي التَّسْمِيَة بِأَحْمَد لَا يثبت شَيْء مِنْهَا، وَمِنْهَا خطْبَة الْوَدَاع عَن أبي الدَّرْدَاء رَفعه وأوله أَلا لَا يركبن أحدكُم الْبَحْر عِنْد ارتجاجه، وَفِي اللآلئ آخر الْخطْبَة الْأَخِيرَة عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس بِطُولِهَا مَوْضُوعَة اتهمَ بهَا ميسرَة بن عبد ربه لَا بورك فِيهِ.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ الوضاعون خلق كَثِيرُونَ كبارهم وهب بن وهب القَاضِي وَمُحَمّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ وَمُحَمّد بن سعيد الشَّامي المصلوب وَأَبُو دَاوُد النَّخعِيّ وَإِسْحَاق بن نجيح الْمَلْطِي وغياث بن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ والمغيرة بن سعيد الْكُوفِي
_________
(1) قلت فِي عزوه إِلَى الْوَجِيز نظر، بل الصَّحِيح عِنْدِي فِي الذيل. اهـ مصححه
(1/9)
وَأحمد بن عبد الله الجويباري ومأمون بن أَحْمد الْهَرَوِيّ وَمُحَمّد بن عكاشة الْكرْمَانِي وَمُحَمّد بن الْقَاسِم الطالكاني وَمُحَمّد بن زِيَاد الْيَشْكُرِي.
وَقَالَ النَّسَائِيّ الكذابون المعروفون بِالْوَضْعِ أَرْبَعَة ابْن أبي يحيى بِالْمَدِينَةِ والواقدي بِبَغْدَاد وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان بخراسان وَمُحَمّد بن سعيد المصلوب بِالشَّام، وَقيل وضع الجويباري وَابْن عكاشة وَمُحَمّد بن نميم والفاريابي أَكثر من عشرَة آلَاف فَأَنْشَأَ الله عُلَمَاء يَذبُّونَ ويوضحون الصَّحِيح ويفضحون الْقَبِيح فهم حراس الأَرْض وفرسان الدَّين كثرهم الله إِلَى يَوْم الدَّين.
وَفِي الْوَجِيز قَالَ ابْن عدي كتبت جملَة عَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل بن مُوسَى بن جَعْفَر عَن آبَائِهِ إِلَى عَليّ رَفعهَا إِذْ أخرج إِلَيْنَا نُسْخَة قريب من ألف حَدِيث عَن مُوسَى الْمَذْكُور عَن آبَائِهِ بِخَط طري عامتها مَنَاكِير، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّه من آيَات الله وضع ذَلِك الْكتاب يَعْنِي العلويات، قَالَ ابْن حجر وَسَماهُ السّنَن وَكله بِسَنَد وَاحِد مِنْهُ لَا خيل أبقى من الدهم وَلَا امْرَأَة كابنة الْعم، وَمِنْه لَا خير فِي الْعَيْش إِلَّا لمسمع واع أَو عَامل نَاطِق وَغير ذَلِك مِمَّا يَجِيء فِي بَابه وَعبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه عَن عَليّ الرِّضَا عَن آبَائِهِ يروي نُسْخَة مَوْضُوعَة بَاطِلَة مَا يَنْفَكّ عَن وَضعه أَو وضع أَبِيه، وَإِسْحَاق الْمَلْطِي لَهُ أباطيل، مِنْهَا لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ أَن تعرج على السرج، وَمن منع الماعون لزمَه طرف من الْبُخْل، وَمِنْه لعن النَّاظر والمنظور إِلَيْهِ، وَمِنْه لَا تَقولُوا مسيجد وَلَا مصيحف وَنهى عَن تَصْغِير الْأَسْمَاء وَأَن يُسمى حمدون أَو علوان أَو يعموش وَغَيرهَا مِمَّا يَجِيء، قَالَ ابْن عدي كلهَا وَضعهَا هُوَ ورى عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن أبي سعيد الْوَصِيَّة لعَلي رَضِي الله عَنهُ فِي الْجِمَاع وَكَيف يُجَامع فَانْظُر إِلَى هَذَا الدَّجَّال مَا أجرأه.
وَقَالَ الديلمي أَسَانِيد كتاب الْعَرُوس لأبي الْفضل جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ الْحُسَيْنِي واهية لَا يعْتَمد عَلَيْهَا وَأَحَادِيثه مُنكرَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَحْمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن بليط بن شريط حدث عَن أَبِيه عَن جده بنسخة فِيهَا بِلَال لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ فَإِنَّهُ كَذَّاب انْتهى كَلَام الْوَجِيز. وَسَنذكر أحد عشر حَدِيثا فِي بَابه مِنْهَا وَنَذْكُر أَحَادِيث كل من هَذِه الْكتب ونحيل بَيَان
(1/10)
حاكيه على مَا فِي الْمُقدمَة فاحفظ الْمُحْتَال عَلَيْهِ وَلَا تغفل، فِي اللآلئ قَالَ الْحَاكِم قَالَ التِّرْمِذِيّ كل حَدِيث فِي كِتَابه مَعْمُول بِهِ إِلَّا حديثان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق