السؤال باسم الله الأعظم

وسمع آخر يقول في تشهده أيضا : ( أبو داود والنسائي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد ) ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت [ وحدك لا شريك لك ] [ المنان ] [ يا ] بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم [ إني أسألك ] [ الجنة وأعوذ بك من النار ] . [ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( تدرون بما دعا ؟ ) قالوا الله ورسوله أعلم . قال : ( والذي نفسي بيده ] لقد دعا الله باسمه العظيم ( وفي رواية : الأعظم ) الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى}

الثلاثاء، 13 فبراير 2024

ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها من كتاب الأدب الي كتاب الفضائل وما بعده


من كتاب الادب

ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية 

وعلومها

من كتاب الأدب

1 ـ باب كم مرة يشمت العاطس؟

...

1 - باب كم مرة يشمت العاطس؟

103- (1) عن أبي هريرة موقوفاً عليه: "شَمِّتْ1 أخَاكَ ثَلاثَاً، فما زَادَ فهو زُكَامٌ".

ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث وعزاه إلى أبي داود، ثم ذكر أن أبا داود أخرجه من وجه آخر عن ابن عجلان، وفيه قول سعيد المقبري: "لا أعلمه إلا أنه رَفَعَ الحديث - يعني أبا هريرة - إلى النبي صلى الله عليه وسلم". ثم ذكرَ روايةً أُخرى عَلَّقَها أبو داود أيضاً، ثم حَكَمَ عليها بالحسن2.

قلت: أما الرواية الموقوفة، فقد أخرجها أبو داود في (سننه) 3 من طريق: يحيى القطان. والبخاري في (الأدب المفرد) 4 من طريق: ابن عيينة، كلاهما عن: محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري5، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.

وفي إسناده "محمد بن عجلان"، وقد تُكُلِّم في روايته عن المقبري،

__________

1 التَّشْمِيتُ - بالشين والسين-: الدعاء بالخيرِ والبركةِ، والمعجمة أعلاهما. (النهاية 2/499) .

2 زاد المعاد: (2/440 - 441) .

(5/290) ح 5034، ك الأدب، باب كم مرة يشمت العاطس.

(ص 137) باب من عطس مراراً.

5 أبو سعيد المدني، ثقةٌ، من الثالثة، تَغَيَّرَ قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة، مات في حدود 120هـ /ع. (التقريب 236) .

(3/197)

عن أبي هريرة، قال يحيى القطان: "سمعتُ محمد بن عجلان يقولُ: كان سعيدٌ المقبري يُحَدِّث عن أبيه عن أبي هريرة، وعن أبي هريرة، فاختلط عليَّ فجعلتها كلها عن أبي هريرة"1.

قال ابن حبان عقب إيراده هذه الحكاية: "وليس هذا مما يَهِي الإنسان به؛ لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة، فما قال ابن عجلان: عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. فذاكَ مما حَمَلَ عنه قديماً قبل اختلاط صحيفته عليه، وما قال عن سعيد عن أبي هريرة: فبعضها متصل صحيحٌ، وبعضها منقطع لأنه أسقط أباه منها، فلا يجب الاحتجاج - عند الاحتياط - إلا بما يَرْوي الثقات المتقنون عنه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ... "2.

فَتَبَيَّنَ من هذا أن ما ينفردُ به ابنُ عجلان عن المقبري عن أبي هريرة: ينبغي التوقف فيه احتياطاً، لاحتمال أن يكون منقطعاً.

فإن قيل: وعلى القول بالانقطاع فإنه لا يضرُّ؛ لأنَّ الواسطة بين المقبري وأبي هريرة: "أبو سعيد المقبري"، ومع العلم بالواسطة فإنه لا يضر سقوطها؟

قيل: إنَّ تخليط ابن عجلان في حديث سعيد المقبري ليس قاصراً على رواية المقبري عن أبيه، بل منها ما كان عن سعيد عن غير أبيه، فقد

__________

1 الثقات لابن حبان: (7/386) . وانظر: الميزان: (3/645) مع اختلاف يسير.

2 الثقات: (7/387) .

(3/198)

وَرَدَ في حكايته آنفة الذكر: أن سعيداً كان يُحَدِّثُ عن أبيه، عن أبي هريرة. وعن رجل، عن أبي هريرة، فاختلط عليه فجعلهما عن أبي هريرة1.

وليس ذلك فحسب، بل اختلطت على ابن عجلان أحاديثُ المقبري عن أخيه عن أبي هريرة، وغيره من مشايخ سعيد، كما قاله النسائي رحمه الله2.

هذا ما يتعلق بالكلام على إسناد هذا الحديث، أما من ناحية رفعه:

فقد أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والطبراني في (الدعاء) 4، وابن السُنِّي في (عمل اليوم والليلة) 5، ثلاثتهم من طريق:

الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة - قال: لا أعلمه إلا رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم - بمعنى الحديث المتقدم.

وأخرجه الطبراني في (الدعاء) 6 من طريق ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ... ، وقد تَقَدَّمَ أن

__________

1 الميزان: (3/645) .

2 ينظر حول ذلك: (الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم) : (ص 223 - 225) .

(5/290) ح 5035.

(3/1695) ح 1999.

(ص 125) ح 250 باب تشميت العاطس ثلاثاً.

(3/1695) ح 2001.

(3/199)

البخاري أخرجه في (الأدب) من طريق ابن عيينة موقوفاً.

وقد رُوي مرفوعاً من وجهٍ آخر، عَلَّقَه أبو داود1 فقال: "رواه أبو نعيم، عن موسى بن قيس، عن محمد بن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعاً".

ووصله الطبراني في (الدعاء) 2، فقال: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم ... به، إلا أنه وقع عنده: "موسى بن موسى الأنصاري" بدل "موسى بن قيس" وأشار المحقق إلى عدم وقوفه على ترجمته.

والرجل - كما جاء في إسناد أبي داود - هو موسى بن قيس3، قال ابن القَيِّم: "هو الحضرميُّ الكوفيُّ، يعرفُ بعصفور الجنة، قال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم الرازي: لا بأس به"4.

وقد حَسَّنَ ابن القَيِّم - رحمه الله - حديث موسى بن قيس هذا، فقال: "وهو حديث حسن"5.

وقد سألَ ابن أبي حاتم أباه عن حديث أبي هريرة هذا موقوفاً؟ فقال: "منهم من يرفعه" قلت: من يرفعه؟ وأيهما أصح؟ فقال: "قوم من الثقات يرفعونه"6.

__________

1 السنن: (5/290) .

(3/1694) ح 1998.

3 قال الحافظ ابن حجر: "صدوق رُمِيَ بالتشيع، من السادسة/ د س". (التقريب:553) .

4 زاد المعاد: (2/440 - 441) . وانظر: ترجمته في تهذيب التهذيب (10/366) .

5 زاد المعاد: (2/441) .

6 علل ابن أبي حاتم: (2/291) ح 2376.

(3/200)

فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث يُروى عن أبي هريرة موقوفاً ومرفوعاً، وأن رَفْعَهُ زيادة من الثِّقَةِ فهي مقبولة، والحديث حَسَنٌ لغيره، وذلك أنه من رواية ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وقد تقدم أن الاحتياط التوقف في رواية ابن عجلان ما لم يتابع عليها، وقد وجدت الشيخ الألباني - رحمه الله - نَبَّه على متابعة له تجعل حديثه مقبولاً، ولا ينزل عن درجة الحسن، وهي:

ما أخرجه الديلمي في (مسند الفردوس) من طريق: علي بن عاصم: حدثنا ابن جريج، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به.

أشار - رحمه الله - إلى هذه المتابعة في (السلسلة الصحيحة) 1 ثم قال: "وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير علي بن عاصم، قال الحافظ: صدوقٌ يخطئ ويهم".

قلت: وحديثه لا بأس به في المتابعات، وإذا ضُمَّ إلى طرق حديث ابن عجلان المتقدمة تَقَوَّى كل منهما بالآخر.

وثمة متابعة أخرى لسعيد المقبري نفسه، وذلك فيما أخرجه ابن السني في (عمل اليوم والليلة) 2 من طريق: محمد بن سليمان بن أبي داود3، عن أبيه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن

__________

(ح 1330) .

(ص 126) ح251.

3 الحراني، اسم جده: سالم أو عطاء، صدوقٌ، من التاسعة، مات 213هـ / ق. (التقريب 481) .

(3/201)

النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا تشميت بعد ثلاث مرات".

وأشار النووي - رحمه الله - إلى هذه الطريق في (الأذكار) 1 فقال: "وروينا في كتاب ابن السني - بإسناد فيه رجل لم أتحقق حاله، وباقي إسناده صحيح - عن أبي هريرة ... " فذكره.

قال ابن حجر - رحمه الله - عقب نقله كلام النووي هذا: "الرجل المذكور هو: سليمان بن أبي داود الحراني، والحديث عندهما - يعني عند ابن السني وأبي يعلى- من رواية محمد بن سليمان عن أبيه، ومحمد موثَّق، وأبوه2 يقال له: الحراني، ضعيف، قال فيه النسائي: ليس بثقة ولا مأمون"3.

ولا شك أن هذه الطريق وإن كانت ضعيفة، فإنَّها تتقوى بما سبق، وإذا انضمت إلى الطريق السابقة أعطتها قوة.

ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام: أن ابن القَيِّم - رحمه الله - قد أشار إلى رواية ابن المسيب عن أبي هريرة الأخيرة، فبعد أن فرغ من الكلام على حديث ابن عجلان قال: "وفي الباب حديث آخر عن أبي هريرة يرفعه ... " فذكره، إلا أنه حدث له وهم يرحمه الله، وهو أنه جعل لهذا المتن إسناداً آخر، فقال: "وهذا الحديث هو حديث أبي داود الذي

__________

(ص 234) .

2 انظر ترجمته في الميزان: (2/206) .

3 فتح الباري: (10/605) .

(3/202)

قال فيه: رواه أبو نعيم، عن موسى بن قيس، عن محمد بن عجلان، عن سعيد ... "1. وقد علم مما تقدم أنهما حديثان متغايران.

هذا، وقد حَسَّنَ حديث أبي هريرة من طريق المقبري: البغوي2، والسيوطي3، والألباني4. وجوّد الحافظ العراقي إسناده5.

ومن هذا يتبين أنَّ الحديث حسنٌ بتلك المتابعات، كما حَكَمَ بذلك ابن القَيِّم رحمه الله.

ومن الشواهد التي ذكرها ابنُ القَيِّم - رحمه الله - لهذا الحديث:

104- (2) حديث عبيد بن رفاعة الزرقي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "تشمتُ العاطسَ ثلاثاً، فإنْ شئت فشَمِّتْهُ، وإن شئت فَكُفّ ".

قال ابن القَيِّم - رحمه الله - عقب إيراده هذا الحديث: "ولكن له علتان:

إحداهما: إرساله؛ فإن عبيداً هذا ليست له صحبة.

والثانية: أن فيه أبا خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني، وقد تُكِلِّم فيه"6.

__________

1 زاد المعاد: (2/441) .

2 في مصابيحه، انظر: (المشكاة) : (ح 4743) .

3 في الجامع الصغير، انظر: فيض القدير مع الجامع: (4/164) ح 4898.

4 في صحيح الجامع: (ح 3715) .

5 كما في فيض القدير: (4/164) .

6 زاد المعاد: (2/441) .

(3/203)

قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 1، والترمذي في (جامعه) 2، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 3، كلهم من طريق: عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن4، وإلى هنا اتفقوا جميعا ثم حصل اختلاف:

فأما أبو داود وابن السُّني فقالا: عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أمه حميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة، عن أبيها عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما الترمذي فقال: عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة، عن أمه عن أبيها، كذا سماه عمر، ولم يسم أمه ولا أباها. ولذلك فقد قال الترمذي عقب إخراجه "حديث غريب، وإسناده مجهول". وَضَعَّفَهُ النوويُّ5 معتمداً في ذلك على قول الترمذي.

ولكن تَعَقَّبَ الحافظ ابن حجر النوويَّ، فقال: "إطلاقه عليه الضعف ليس بجيد؛ إذ لا يلزم من الغرابة الضعف، وأما وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولاً: فلم يُرِدْ جميع رجال الإسناد؛ فإنَّ معظمهم

__________

(5/291) ح 5036.

(5/85) ح2744 ك الأدب، باب ما جاء كم يشمت العاطس.

(ح 252) .

4 أبو خالد الدالاني، الأسدي، الكوفي، صدوقٌ يخطئ كثيراً، وكان يُدَلِّس، من السابعة/ 4. (التقريب 636) .

5 في الأذكار: (ص 234) .

(3/204)

مُوثَّقُون، وإنما وقع في روايته تغيير اسم بعض رواته وإبهام اثنين منهم". ثم ساق إسناد أبي داود وقال: "وهذا إسناد حسن، والحديث مع ذلك مرسل".

ثم ساق إسناد الترمذي، وقال: "وكأنه لم يمعن النظر، فمن ثم قال: إنه إسناد مجهول. وقد تَبَيَّنَ أنه ليس بمجهول، وأن الصوابَ: يحيى بن إسحاق، لا عمر"1.

فتبين من ذلك أنَّ هذا الحديث وإن كان مرسلا إلا أنه حسن الإسناد، وأبو خالد الدالاني وإن كان متكلماً فيه إلا أنه لا يصل إلى درجة من يُترك حديثه، وأن أقلَّ أحوالِ هذا المرسل أنه يصلحُ شاهداً لحديث أبي هريرة المتقدم، والله أعلم.

__________

1 فتح الباري: (10/605 - 606) .

(3/205)

2 - باب هل يجزئ عن الجماعة أن يسلم أو يرد أحدهم؟

105- (3) عن علي رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُجْزِئ عن الجماعةِ إذا مَرُّوا أن يُسَلِّم أَحَدُهُم، ويُجْزِئ عن الجُلوسِ أن يَرُدَّ أَحَدُهُم ".

قال ابن القَيِّم رحمه الله: "ذهب إلى هذا الحديث من قال: إنَّ الرَّد فرضُ كفاية، يقومُ فيه الواحدُ مقامَ الجميع، لكن ما أَحْسَنَهُ لو كان ثابتاً؛ فإنَّ هذا الحديث رواه أبو داود من رواية سعيد بن خالد الخُزاعي المدني. قال أبو زرعة الرازي: مدنِيٌّ ضعيف. وقال أبو حاتم الرازي: ضعيفُ الحديثِ. وقال البخاري: فيه نَظَرٌ. وقال الدارقطني: ليس بالقوي"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2 - ومن طريقه البيهقي3 - وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 4، ثلاثتهم من طريق:

سعيد بن خالد الخزاعي5، حدثني عبد الله بن الفضل6، حدثنا

__________

1 زاد المعاد: (2/426 - 427) .

(5/387) ح 5210 ك الأدب، باب ما جاء في ردِّ الواحد عن الجماعة.

3 السنن: (9/48 - 49) ك السير، باب النفير وما يستدل به على أنَّ الجهاد فرض على الكفاية.

(ص 114) ح 224، باب سلام الواحد من الجماعة على الجماعة.

5 المدني، ضعيف، من السابعة، مات بعد الخمسين/ د. (التقريب 235) .

6 ابن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، المدني، ثقةٌ، من الرابعة/ ع. (التقريب 317) .

(3/206)

عبيد الله بن أبي رافع، عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه به، واللفظ الذي ساقه ابن القَيِّم هو لفظ أبي داود. ولفظ ابن السُّني نحوه.

وأخرجه جماعة غير هؤلاء، ذكرهم الشيخ الألباني في (إرواء الغليل) 1.

والحديثُ بهذا الإسنادِ ضعيفٌ؛ لضعف سعيد بن خالد كما مَرَّ من كلام ابن القَيِّم رحمه الله. وقال الدارقطني: "الحديثُ غيرُ ثابت، تَفَرَّد به سعيد بن خالد المدني ... وليس بالقوي"2. وَضَعَّفَهُ المنذريُّ3 بسعيد هذا، وكذا الضياء المقدسي4.

وللحديث شاهدٌ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أشارَ إليه الشيخ الألباني5 رحمه الله، وأخرجه ابن السُّنِّي في (عمل اليوم والليلة) 6 من طريق: حفص بن عمرو بن زريق، ثنا عبد الرحمن بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله! القوم يمُرُّون يسلِّم رجل منهم، يجزئ ذلك عنهم؟ قال: "نعم". قال: فيردُّ رجل من القوم، أيجزئ

__________

(3/242) .

2 العلل: (4/22) .

3 مختصر السنن: (8/79) .

4 نقله عنه في إرواء الغليل: (3/242) .

5 الإرواء: (3/243) .

(ص 118) ح 234.

(3/207)

ذلك عنهم؟ قال: "نعم".

وهذا الإسناد رجاله ثقات، غير حفص بن عمرو فلم أقف على من تَرْجَمَهُ، وعبد الرحمن بن الحسن: كذا هو عند ابن السُّنِّي، وصوابه: عبد الله، فهو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب1، فقد أورده الشيخ الألباني في (الإرواء) 2 من رواية أبي سهل القَطَّان في (حديثه) ، فقال فيه: عبد الله بن حسن بن حسن بن علي ...

وله شاهد آخر أرشد إليه الشيخُ الألباني رحمه الله، وهو من رواية الحسن بن علي رضي الله عنه، أورده الهيثميُّ في (مجمع الزوائد) 3 بمثل لفظ حديث أبي سعيد المتقدم قبل قليل، ثم قال: "رواه الطبراني، وفيه كثير بن يحيى، وهو ضعيف".

ويشهد له أيضاً: ما أخرجه مالكٌ في (الموطأ) 4 عن زيد بن أسلم، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُسَلِّمُ الراكبُ على الماشي، وإذا سَلَّمَ مِن القوم واحدٌ أجزأَ عنهم". والمراد: الإجزاء في الردِّ5.

__________

1 أبو محمد، ثقةٌ جليل القدر، من الخامسة، مات في أول سنة 145هـ /4. (التقريب 300) .

(3/243) .

(8/35) .

(2/959) ح 1، ك السلام، باب العمل في السلام.

5 انظر: التمهيد: (5/289) فقد أَوَّلَهُ ابن عبد البر على هذا المعنى.

(3/208)

قال الإمام النووي رحمه الله: "هذا مرسلٌ صحيحُ الإسناد"1. وقال الشيخ الألباني: "وزيد بن أسلم ثقةٌ عالم من رجال الستة، وكان يرسل، وهذا من مرسلاته"2. وقال الشيخ الأرناؤوط: "مرسلٌ صحيح"3.

وقد تابعَ مالكاً على هذا المرسل: ابن جريج، فأخرجه ابن عبد البَرِّ في (التمهيد) 4 بإسناده إليه، عن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرَّ القوم على المجلس فَسَلَّمَ منهم رجلٌ، أجزأَ ذلك عنهم. وإذا رَدَّ من أهلِ المجلس رجلٌ أجزأ ذلك عنهم".

ولعلَّ الحديث بهذه الشواهدِ يَتَقَوَّى فيصلُ إلى رتبةِ الحَسَنِ، وقد حَسَّنَه أبو سعيد النيسابوري في (الأربعين) كما نقله عنه الشيخُ الألباني، ثم تعقبه بقوله: "ولعله يعني: حسن لغيره"5. وقال ابن عبد البر: "حديث حسن لا معارضَ له"6. وحسَّنَه الشيخُ الألباني أيضاً7.

فإذا تقرر ذلك، فإنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - لم يكن مُصيباً في القول بعدم ثبوت الحديث، ولعله لم يتهيأ له الوقوف على شواهده؛

__________

1 الأذكار: (ص 211) .

2 السلسلة الصحيحة: (ح 1148) .

3 التعليق على زاد المعاد: (2/427) .

(5/291) .

5 إرواء الغليل: (3/242) .

6 التمهيد: (5/290) .

7 إرواء الغليل: (3/242) .

(3/209)

فإنَّ الحديث حسن لغيره بشواهد عديدة كما تقدم، والله أعلم.

وقد استدلَّ بهذا الحديث: مالكٌ والشافعيُّ وأصحابهما على أن رَدَّ السَّلام فرضٌ على الكفاية، إذا قامَ به بعض القوم أجزأ عن غيرهم1، وقد أشار ابن القَيِّم - رحمه الله - إلى ذلك أول البحث.

__________

1 انظر: التمهيد: (5/287 - 288) .

(3/210)

3 - باب ما جاء في المصافحة

106- (4) عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ: الأَخْذُ باليَدِ " 1.

ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (تهذيب السنن) 2، ثم قال:"وله علتان:

إحداهما: رواية يحيى بن سُلَيْم له.

والثانية: أن راويه عن ابن مسعود رجلٌ مجهولٌ". ثم نقل عن الترمذي أنه سألَ البخاريَّ عنه، فلم يُعُدَّه محفوظاً.

قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذيُّ في: (جامعه) 3، و (علله) 4، وأبو أحمد الحاكم في (الفوائد) 5 من طريق: يحيى بن سليم الطَّائفي، عن سفيان، عن منصور، عن خيثمة6، عن رجلٍ، عن ابن مسعود رضي الله عنه به.

__________

1 نقل ابن حجر في فتح الباري: (11/56) عن ابن بطال قوله: "الأخذ باليد: هو مبالغة المصافحة ... ".

(8/79) .

(5/75) ح 2730 ك الاستئذان، باب ما جاء في المصافحة.

(2/863) .

5 كما أفاده الشيخ الألباني في الضعيفة: (3/449) .

6 ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة، الجُعْفي، الكوفي، ثقةٌ، وكان يُرْسِلُ، من الثالثة، مات بعد سنة 80هـ/ ع. (التقريب 197) .

(3/211)

وقد أَعَلَّ الأئمة هذا الحديث وَضَعَّفُوه، فقال الترمذي عقبه: "هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم عن سفيان، وسألت محمدَ بنَ إسماعيل عن هذا الحديث، فلم يُعدَّه محفوظاً، وقال: إنما أراد عندي: حديث سفيان، عن منصور، عن خيثمة، عمن سمع ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا سَمَرَ إلا لِمُصَلٍّ أو مُسَافِرٍ".

قلت: فقد حمل البخاريُّ - رحمه الله - في هذا الحديث على يحيى بن سليم الطائفي، وأنه انقلبَ عليه، فجاء بمتنِ حديثِ الأخذِ باليد فَرَكَّبَهُ على إسناد حديث آخر، وهو حديث: "لا سَمَرَ إلا لِمُصَلٍّ ... " 1.

وقال البخاري مرة: "هذا حديث خطأ"2. ثم بيَّنَ الصوابَ في حديث المصافحة هذا، فقال: "وإنما يُرْوَى عن منصور، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد - أو غيره - قال: من تَمَام التحية ... "3. كذا في (جامع الترمذي) ، وفي (العلل) 4 له: "وإنما يُروى عن منصور، عن الأسود بن يزيد - أو عبد الرحمن بن يزيد - أنه قال ... ".

ويحيى بن سليم: سيئُ الحفظ، يَهِمُ ويخطئ، ولذلك قال الإمام

__________

1 جامع الترمذي: (5/75 - 76) .

2 علل الترمذي: (2/863) .

3 جامع الترمذي: (5/76) .

(2/863) .

(3/212)

أحمد: "أتيته فكتبت عنه شيئاً، فرأيته يُخَلِّطُ في الأحاديث فتركته"1. وخطَّأه غيره.

وقال أبو حاتم رحمه الله: "حديثٌ باطلٌ"2 ولَعَلَّه - رحمه الله - يشير إلى العِلَّة التي ذكرها البخاري. وقد ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة يحيى الطائفي من (ميزانه) 3 على عادته في ذكر شئٍ من حديث الراوي مما انفرد به، أو أُنْكِرَ عليه.

وقد ضَعَّفَ إسناده أيضاً: الحافظُ ابن حجر، فقال: "إسناده ضعيف"4 وقال مرة: "في سنده ضعف"5.

ويضافُ إلى ما تَقَدَّمَ: الجهالةُ في إسناده، حيث لم يُسَمّ الرَّاوي عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقد أشار الزيلعي إلى ذلك، فقال: "وفيه أيضاً مجهولٌ"6. ونقل المناوي في (فيض القدير) 7 عن المنذريِّ مثل ذلك.

وقد أورد الشيخُ الألبانيُّ هذا الحديث في (السلسلة الضعيفة) 8،

__________

1 انظر: الميزان: (4/384) ، وتهذيب التهذيب: (11/226 - 227) .

2 علل ابن أبي حاتم: (2/307) ح 2433.

(4/384) .

4 الدارية: (2/234) .

5 فتح الباري: (11/56) .

6 نصب الراية: (4/260) .

(6/11) .

(3/449) ح 1288.

(3/213)

ونقل أقوال الأئمة في تضعيفه، ثم ذكر له بعضَ الشواهد من حديث: أبي أمامة، والبراء بن عازب، وَضَعَّفها، ثم قال: "وجملة القول: أنَّ طرقَ هذا الحديث كلها واهيةٌ، وبعضها أشد ضعفاً من بعض، فليس فيها ما يمكنُ الاعتمادُ عليه كشاهدٍ صالح، فالذي أستخيرُ الله فيه: أَنَّهُ ضعيفٌ مرفوعاً، صحيحٌ موقوفاً، والله أعلم".

فَتَلَخَّصَ من ذلك أن هذا الحديث:

1- ضعيف السند؛ لوجود يحيى الطائفي فيه.

2- ومقلوبُ المتن؛ إذ رُكِّبَ متنه على إسناد آخر.

3- وفي إسناده راوٍ مجهولٌ.

4- وأنَّ الصواب فيه: الوقفُ على الأسود بن يزيد، أو عبد الرحمن بن يزيد.

وبذلك يكون للحديث علتان أخريان زيادة على ما ذكر ابن القَيِّم رحمه الله.

ومع كل هذا، فقد رَمَزَ له السيوطي في (الجامع الصغير) 1 بالحُسْن! فلعله حَدَثَ خطأٌ؛ إذ إنَّ هذه الرموزُ قد يغلبُ عليها تحريف النساخ، كما نَبَّه عليه الشيخ الألباني2. فالله أعلم.

__________

1 مع فيض القدير: (6/11) ح 8238.

2 مقدمة ضعيف الجامع: (1/13) .

(3/214)

4 ـ باب الرجل يدعى إلى طعام، هل يكون ذللك إذنا له؟

...

4- باب الرجل يدعى إلى طعام، هل يكون ذلك إذنا له؟

قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وقد روى أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم، من حديث قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: "رسولُ الرَّجُلِ إلى الرَّجُلِ إِذْنُه". وفي لفظ: "إذا دُعِيَ أَحَدُكُم إلى طَعَامٍ، ثُمَّ جَاءَ مَعَ الرَّسُولِ، فإِنِّ ذَلِك إذْنٌ لَهُ".

ثم قال: "وهذا الحديث فيه مقالٌ، قال أبو عليٍّ اللؤلؤي: سمعتُ أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع. وقال البخاريُّ في (صحيحه) : وقال سعيد: عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: هو إذنه. فَذَكَرَهُ تعليقاً لأجل الانقطاع في إسناده"1.

قلت: عند التدقيق نجد أن المذكور في كلام ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثان، أما أولهما، فهو:

107- (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رسولُ الرَّجُلِ إلى الرَّجُلِ إِذْنُه ".

وهذا الحديث أخرجه، أبو داود في (سننه) 2، والبخاري في (الأدب المفرد) 3، والبيهقي في (سننه) 4 من طريق: حَمَّاد بن سلمة،

__________

1 زاد المعاد: (2/432) .

(5/376) ح 5189.

(ص 157) .

(8/340) .

(3/215)

عن هشام بن حسان1 وحبيب بن الشَّهيد.

وأخرجه: ابن حبان في (صحيحه) 2، والبيهقي في (سننه) 3 من طريق: حماد بن سلمة أيضاً، لكن عن: أيوب وحبيب بن الشَّهيد. ثلاثتهم عن:

محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.

قلت: هكذا إسنادُ الحديث بهذا اللفظ عند الأئمة المذكورين، خلافاً لما يظهر من كلام ابن القَيِّم السالف؛ حيث جعل هذا اللفظ من رواية: قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة! وسيأتي أن هذا الإسناد الذي ساقه ابن القَيِّم إنما هو إسناد الحديث الثاني الآتي بعد هذا إن شاء الله.

وهذا الإسنادُ صحيحٌ، رجاله ثقاتٌ؛ فقد رواه عن ابن سيرين جماعة كما تقدم، وفيهم هشام بن حَسَّان الذي هو من أثبتِ الناسِ في ابن سيرين.

وأما الحديث الثاني، فهو:

108- (6) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دُعِيَ أَحَدُكُم إلى طَعَامٍ، فجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ، فإِنِّ ذَلِك له إذْنٌ ".

__________

1 الأزدي، القردوسي، أبو عبد الله البصري، ثقةٌ، من أثبت النَّاس في ابن سيرين، من السادسة، مات سنة 147 أو 148هـ / ع. (التقريب 572) .

2 الإحسان: (7/526) ح 5781.

(8/340) .

(3/216)

هذا الحديث أخرجه، أبو داود في (سننه) 1، والبخاري في (الأدب المفرد) 2، والبيهقي في (سننه) 3. وعلقه البخاري في (صحيحه) 4 - كما مضى في كلام ابن القَيِّم - كلهم من طريق:

سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع5، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. واللفظُ المذكور هو لفظ أبي داود، ومثله لفظ البخاريّ والبيهقي، ولكن ليس عندهما قوله: "إلى طعام ".

ووقع في (سنن أبي داود) عقب الحديث: قال أبو علي اللؤلؤي: "سمعت أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئاً". وقد وقعت كلمة "شيئاً" في السنن بين قوسين، وَنَبَّه الحافظ ابن حجر على أن هذه اللفظة في رواية أبي الحسن بن العبد6. كذا أَعَلَّهُ أبو داود - رحمه الله - بالانقطاع، ووافقه على ذلك المنذري في (مختصر السنن) 7، وَأَيَّدَه بإخراج البخاري له معلقاً، وكأنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - نقل كلام المنذري بعينه.

__________

(5/376) ح 5190. ك الأدب، باب في الرجل يُدعى، أيكون ذلكَ إذنه؟

(ص 157) باب دعاء الرجل إذنه.

(8/340) .

4 ك الاستئذان، باب إذا دُعِيَ الرجلُ فجاء هل يستأذنُ (فتح الباري 11/31) .

5 هو: نُفَيْع الصائغ، المدني، نزيل البصرة، ثقةٌ ثبتٌ، مشهور بكنيته، من الثانية/ ع. (التقريب 565) .

6 فتح الباري: (11/31) .

(8/64) .

(3/217)

أما عدمُ سماع قتادة من أبي رافع، فقد قاله أيضاً: شعبة1، وابن معين2.

ولكن رَدَّ ذلك الحافظ الذهبي، ومن بَعْدِه الحافظ ابنُ حجر رحمهما الله تعالى، قال الذهبي - مُعَقَّبَاً على مقالة أبي داود -: "قلتُ: بل سمع منه؛ ففي صحيح البخاريَّ حديث سليمان التيمي، عن قتادة، سمعت أبا رافع، عن أبي هريرة حديث: إنَّ رحمتي غلبت غضبي"3. وكذا قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) 4، وأما في (تهذيب التهذيب) 5 فإنه أوردَ مقالةَ أبي داود ثم قال: "كأنه يعني حديثاً مخصوصاً، وإلا ففي صحيح البخاريِّ تصريحٌ بالسماع منه".

وعلى القول بثبوت سماع قتادة من أبي رافع في هذا الحديث، فإن هذا الإسنادَ يبقى معلولاً بعنعنة قتادة؛ فإنه مدلس6، ولم يُصَرِّح بسماعه في هذا الحديث، قال الذهبي رحمه الله: "وهو حجة بالإجماع إذا بَيَّنَ السَّماع؛ فإنه مدلسٌ معروفٌ بذلك ... "7.

__________

1 علل ابن أبي حاتم: (ص 170) ، وجامع التحصيل: (ص 312) .

2 جامع التحصيل: (ص 312 - 313) .

3 سير النبلاء: (5/283) .

(11/31 - 32) .

(8/354) .

6 انظر طبقات المدلسين: (ص 102) .

7 سير أعلام النبلاء: (5/271) .

(3/218)

ولكن يشهد له حديث أبي هريرة الماضي، الذي ذكره ابن القَيِّم - رحمه الله - مع حديث قتادة.

فَتَلَخَّصَ من هذا: أن المذكور في كلام ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثان، لكل منهما إسناد غير إسناد الحديث الآخر، وإن اتفقا في الصحابي، وأن التعليل الذي ذكره - رحمه الله - ينصرف إلى الثاني منهما كما يتضح من الدراسة السابقة، لكن الحديث الأول يشهد له ويقويه، فيصح الحديث بذلك، والله أعلم.

قال البيهقي رحمه الله عقب هذين الحديثين: "وهذا عندي - والله أعلم - فيما إذا لم يكن في الدار حُرْمَة، فإن كان فيها حُرْمَةٌ، فلا بد من الاستئذان بعد نزول آية الحجاب".

(3/219)

5 - باب ما جاء في التنفير من الكذب

109- (7) عن عائشة رضي الله عنها: "ما كان شيءٌ أَبْغَضَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من الكَذِبِ، وما جَرَّبَ على أَحَدٍ كَذِبَاً فَرَجَعَ إِليه مَا كَانَ حَتَّى يَعْرِفَ منه تَوْبَةً ".

قال ابن القَيِّم رحمه الله: "حديثٌ حسنٌ، رواه الحاكم في المستدرك من طريق: ابن وهب، عن محمد بن مُسْلم، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عائشة رضي الله عنها"1.

قلت: هذا الحديث يرويه: معمر، عن أيوب2، عن ابن أبي مُلَيْكَة3 أو غيره، عن عائشة رضي الله عنها.

أخرجه كذلك: عبد الرزاق في (مصنفه) 4: أخبرنا معمر به، ولفظه: "ما كان خُلُقٌ أبغضَ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذبِ، ولقد كانَ الرَّجُلُ يكذب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكِذْبَة فما يزال في نَفسِهِ عليه، حتى يعلَم أنْ قد أحْدَثَ منها توبة ".

__________

1 إعلام الموقعين: (1/119 - 120) .

2 هو السختياني.

3 عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان، التيمي، المدني، أدرك ثلاثين من الصحابة، ثقةٌ فقيهٌ، من الثالثة، مات سنة 117هـ/ ع. (التقريب 312) .

(11/158) ح 20195.

(3/220)

ورواه عن عبد الرزاق: أحمد وابن راهويه في (مسنديهما) 1، وبلفظه، لكن قال فيه ابن راهويه: "ما كان خُلُقٌ أبغضَ إلى رسول الله ... " وكذا هو عند ابن حبان في (صحيحه) 2 من طريق عبد الرزاق.

وتابع معمراً: محمدُ بن مسلم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها. أخرج ذلك البيهقي في (سننه) 3 من رواية:

مروان بن محمد4، محمد بن مسلم5، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة به، ولفظه هو الذي ذكرناه أول الباب.

وخالف ابنُ وهب مروانَ بن محمد، فرواه عن: محمد بن مسلم، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عائشة به.

أخرج ذلك الحاكمُ في (المستدرك) 6، ولفظه: "ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، وما جَرَّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد - وإنْ قَلَّ - فيخرج له من نفسه حتى يجدد له توبة" قال أبو عبد الله: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبيُّ.

__________

1 حم: (6/152) ، سق: (3/654) ح 702.

2 الإحسان: (7/495) ح 5706.

(10/196) .

4 ابن حسان الأسدي، الدِّمشقي، الطَاطَري، ثِقَةٌ، من التاسعة، مات سنة210هـ/ م 4. (التقريب 526) .

5 الطائفي، صدوقٌ يخطئ من حفظه، من الثامنة، مات قبل التسعين/ خت م 4.

(4/98) .

(3/221)

ولكن سُئل أبو حاتم - رحمه الله - عن حديث مروان بن محمد هذا؟ فقال: "ما أدري ما هذا؟ إِنَّمَا يُرْوَى هذا الحديثُ عن أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة1، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلٌ. ومن يقول: عن ابن أبي مليكة، ليس بِمُصِيبٍ عندي". ثم حَدَّثَ في موضع آخر من (العلل) 2 بحديث ابن وهب، عن محمد بن مسلم - الذي سبق قبل قليل عند الحاكم - ثم قال: "إِنمَّا هو عن إبراهيم بن ميسرة، عن عائشة مرسلٌ".

وقد ذهب الحافظ الدارقطني - رحمه الله - إلى ذلك أيضاً، فذكر في (علله) 3 أوجه الاختلاف على أيوب، ثم ذكر أنَّ حماد بن زيد، وحاتم ابن وردان، ووهيب رووه عن أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة مرسلاً، قال: "وهو الصواب".

والمراد بذلك: انقطاعه بين إبراهيم بن ميسرة وعائشة رضي الله عنها؛ فإنه لم يُعرف برواية عنها ولا أدركها، وإنما يَرْوي عن: سعيد بن جبير، وابن المسيب، وطاووس، ومجاهد وطبقتهم4.

فإذا ثبت أن الصواب في هذا الحديث: ما ذكره ابن أبي حاتم،

__________

1 الطائفي: نزيل مكة، ثَبْتٌ حافظٌ، من الخامسة، مات سنة 132هـ / ع. (التقريب94) .

2 العلل: (2/236) ح 2198.

3 ج5 (ق 87) .

4 انظر: تهذيب الكمال: (2/221 - 222) .

(3/222)

والدارقطني، وأنه ليس لابن أبي مليكة ذكر فيه، فإنه يكون معلولاً بالانقطاع، مع ما تقدم من الاختلاف على أيوب في إسناده، وما جاء عند عبد الرزاق من الشك في إسناده، وقوله: عن ابن أبي مليكة أو غيره. وهذا الغير مجهول لا يُعرف، وهو يؤكد ما ذهب إليه ابن أبي حاتم وغيره من عدم صحة ذكر ابن أبي مليكة في إسناده.

وكذا الاختلاف في لفظه: فعند عبد الرزاق "ما كان خلقٌ أبغض إلى أصحاب رسول الله ... ". وعند غيره: " ... أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

فإذا عُلِمَ ذلك، فإنَّ تحسينَ ابن القَيِّم - رحمه الله - له: لا يصحُّ، لما تقدم من حاله، والله أعلم.

(3/223)

6 - باب ما جاء في ذَم الغناء

110- (8) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: "الغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ في القَلْبِ".

ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (إغاثة اللهفان) 1، فقال: "وقال شعبة: حدثنا الحكم، عن حماد، عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود ... " فذكره.

ثم قال: "وهو صحيحٌ عن ابن مسعود من قوله. وقد رُوِيَ عن ابن مسعود مرفوعاً، رواه ابن أبي الدنيا في ذَمِّ الملاهي قال: أخبرنا عصمة بن الفضل، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا سلاّم بن مسكين، حدثنا شيخٌ عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الغناءُ ينبت النفاقَ في القلب كما ينبت الماءُ البقل" ".

قال: "وقد تابع حَرَمِيَّ بن عمارة عليه بهذا الإسناد والمتن: مسلمُ بن إبراهيم" ثم ساقه من طريقه عند ابن الْمُنَادى في أحكام الملاهي، ثم قال: "فمداره على هذا الشيخ المجهول. وفي رَفْعِهِ نظرٌ، والموقوف أصح".

__________

(1/248) .

(3/224)

وقال في كتابه (الكلام على مسألة السماع) 1: "صحَّ ذلك عنه - أي ابن مسعود - ومن الناس من يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه موقوف".

قلت: أما الموقوف على ابن مسعود، فقد أخرجه البيهقي في (سننه) 2 عن ابن أبي الدنيا، وذلك من طريقين:

الطريق الأول: - وهو الذي ساقه ابن القَيِّم - عن غندر3، عن شعبة، عن الحكم4، عن إبراهيم5، عن ابن مسعود6.

وهذا الإسناد صحيحٌ، إلا أنه منقطع بين إبراهيم وابن مسعود؛ لأنه لم يلقه على قول أكثر أهل العلم7، ولكن احتملَ بعض الأئمة مراسيله وقَدَّمَها على مراسيل غيره، قال يحيى بن معين: "مراسيل إبراهيم أحبُّ إليَّ من مراسيل الشَّعْبِيِّ"8. ونقل العلائي عن الإمام أحمد بن حنبل

__________

(ص 473) .

(10/223) .

3 هو: محمد بن جعفر الهُذَلي، ثقةٌ صحيح الكتاب إلا أنَّ فيه غفلةً/ ع. (التقريب 472) .

4 هو: ابن عتيبة، الكوفي.

5 هو: النخعي.

6 وانظر: ذم الملاهي: (ص 38) ح 13.

7 انظر: المراسيل لابن أبي حاتم: (ص 8-10) ، وجامع التحصيل: (ص 168) .

8 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/18) .

(3/225)

أنه قال: "مرسلاتُ إبراهيم النخعي لا بأس بها"1. ثم قال: "وخَصَّ البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود دون غيره"2.

وعلى كلِّ حالٍ فإن إبراهيم لم ينفرد برواية ذلك عن ابن مسعود، وإنما تابعه عليه محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، وهو:

الطريق الثاني: أخرجه البيهقي - أيضاً - في (سننه) 3 من طريق ابن أبي الدنيا، عن: علي بن الجعد4، عن محمد بن طلحة5، عن سعيد ابن كعب المرادي، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد6، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: "الغناءُ ينبتُ النفاق في القلبِ كما ينبتُ الماءُ الزرعَ، والذِّكْرُ ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع" 7.

وهذا الإسناد رجاله ثقاتٌ، إلا سعيد بن كعب؛ فإنه - فيما فتشت - لم يرو عنه غير محمد بن طلحة، وذكره ابن أبي حاتم في (الجرح

__________

1 جامع التحصيل: (ص 99) .

2 المصدر السابق، وانظر (ص 168) .

(10/223) .

4 ابن عبيد الجوهري، البغدادي، ثقةٌ ثبتٌ رُمِي بالإرجاء، من صغار التاسعة، مات سنة 230هـ / خ د. (التقريب 398) .

5 ابن مُصَرِّف اليامي، كوفيٌّ، صدوقٌ له أوهام، وأنكروا سماعه من أبيه لصغره، من السابعة، مات سنة 167هـ/ خ م د ت عس ق (التقريب 485) .

6 ابن قيس النَّخَعي، أبو جعفر الكوفي، ثقةٌ، من السادسة/ بخ 4. (التقريب 493) .

7 وانظر: ذَمّ الملاهي: (ص 38) ح 12.

(3/226)

والتعديل) 1 فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في (الثقات) 2، ساكتاً عنه أيضاً، فالظاهر - والله أعلم - أنه إلى الجهالة أقرب.

ولكن إذا ضُمَّ هذا الطريقٌ إلى طريق الحكم عن إبراهيم الماضي، تَقَوَّى كلّ منهما بالآخر، وقد تقدم أن ابن القَيِّم صَحَّحَ الموقوفَ، ونقل ابن حجر الهيثمي عن البيهقي قوله: "إن وقفه عليه هو الصحيح"3.

هذا فيما يتعلق بالرواية الموقوفة، وأما الرواية المرفوعة:

فأخرجها أبو داود في (سننه) 4، وابن المنادى في (أحكام الملاهي) 5 من طريق:

مسلم بن إبراهيم6، حدثنا سلاّم بن مسكين، عن شيخ شَهِدَ أبا وائل7 في وليمةٍ، فجعلوا يلعبون، يَتَلَعَّبُون، يُغَنُّونَ، فحلَّ أبو وائل

__________

(2/1/57) .

(8/262) .

3 كَفُّ الرِّعَاعِ: (ص 65) .

(5/223) ح 4927 ك الأدب، باب كراهية الغناء والزمر.

5 انظر: إغاثة اللهفان: (1/248) .

6 الأزدي الفراهيدي، أبو عمرو البصري، ثقةٌ مأمونٌ مُكْثِرٌ، عَمِيَ بآخرة، من صغار التاسعة، مات سنة 222هـ/ ع. (التقريب 529) .

7 هو: شقيق بن سلمة.

(3/227)

حُبْوَتَه1، وقال: سمعت عبد الله - يعني ابن مسعود - يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الغناء ينبت النفاق في القلب". هذا سياق أبي داود.

وتابع مسلمَ بن إبراهيم على هذه الرواية: حَرَمِيُّ بن عمارة2، قال: حدثنا سلاّم بن مسكين به3، أخرجه عنه: ابن أبي الدنيا في (ذم الملاهي) - ومن طريقه البيهقي في (سننه) 4 - ولفظه: "الغِنَاءُ ينبت النِّفَاقُ في القلب، كما ينبت الماء البقل ".

وهذا الإسناد رجاله رجال الصحيح، إلا أنَّ عِلَّتَهُ هذا الشيخ المجهول، فإنَّ مداره عليه، ولذلك ضَعَّفَهُ جماعةٌ، فقال الغزالي في (الإحياء) 5: " ... ورفعه بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غير صحيح". قال العراقيُّ في تخريجه لأحاديث الإحياء - عقب كلام الغزالي -: "لأنَّ في إسناده من لم يُسَمِّ"6. وَضَعَّفَهُ ابن القَطَّان7. وقال النوويُّ: "لا يصحُّ".

1 قال أبو موسى في المجموع المغيث: (1/396) : "الاحتباءُ: جلسة الأعراب ... وهو ضَمُّ الساقين إلى البطن بثوبٍ يلفونه عليهما". وقال في (لسان العرب) : (ص765) : "الحِْبْوَة والحُبْوة: الثوب الذي يَحْتَبِي به".

2 ابن أبي حفصة، العَتَكِي، البصري، أبو روح، صدوقٌ يَهِمْ، من التاسعة، مات سنة

__________

201هـ / خ م د س ق. (التقريب 156) .

3 وسبق تنبيه ابن القَيِّم على هذه المتابعة.

(10/223) .

(2/283) .

6 المصدر السابق.

7 فيض القدير: (4/413) .

(3/228)

ووافقه الزركشي1. ورمز له السيوطي بالضعف في (الجامع الصغير) 2. وَضَعَّفَهُ الشيخ الألباني3. وقد سبق قولُ ابن القَيِّم رحمه الله: "في رَفْعِه نَظرٌ".

فتلخص من ذلك: أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الصواب وَقْفُهُ على ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا ما قَرَّرَهُ ابن القَيِّم رحمه الله.

قال ابن حجر الهيتمي: "ومثله لا يقال من قِبَلِ الرأي؛ لأنه إخبارٌ عن أمرٍ غيبي، فإذا صحَّ عن الصحابة فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو مقررٌ عند أئمة الحديث والأصول4 ... وحينئذٍ فالحجة فيه دون سواه"5.

__________

1 فيض القدير: (4/413) .

2 انظر: فيض القدير مع الجامع الصغير: (4/413) ح 5809.

3 ضعيف الجامع: (ح3941) .

4 انظر: حول ذلك: تدريب الراوي: (1/190) .

5 كفُّ الرِّعاع: (ص 65 - 66) .

(3/229)

7 - باب في الأمر بتحسين الأسماء

111- (9) عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي، أنه قال: "إِنَّكُم تُدْعَونَ يَومَ القِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُم وأَسْمَاءِ آبَائِكُم، فَأَحْسِنُوا أَسَمَاءَكُم".

قال ابن القَيِّم رحمه الله: "رواه أبو داود بإسناد حسن"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2. وأحمد في (مسنده) 3، وابن حبان في (صحيحه) 4، والبيهقي في (سننه) 5، كلهم من طريق:

هشيم، عن داود بن عمرو6، عن عبد الله بن أبي زكريا7، عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

وهذا الإسناد لا يقلُّ عن درجة الحَسَنِ إذا سَلِمَ من الانقطاع. قال عنه النووي: "إسناد جيدٌ"8. ولكنه إسناد منقطع كما بيَّنه غيرُ واحدٍ:

__________

1 تحفة المودود: (ص 111) .

(5/236) ح 4948 ك الأدب، باب في تغيير الأسماء.

(5/194) .

4 الإحسان: (7/528) ح 5788.

(9/306) .

6 الأزدي، الدمشقي، عاملُ واسط، صدوقٌ يخطئ، من السابعة/د. (التقريب199) .

7 الخُزاعي، أبو يحيى الشَّامي، واسم أبيه: إياس، وقيل: زيد، ثقةٌ فقيهٌ عابدٌ، من الرابعة، مات سنة 119هـ/د. (التقريب303) .

8 الأذكار: (ص246) .

(3/230)

قال أبو داود عقب إخراجه: "ابن أبي زكريا لم يدرك أبا الدرداء". وقال البيهقي: "هذا مرسلٌ، ابن أبي زكريا لم يسمع من أبي الدرداء"1. وقال المنذري: "عبد الله بن أبي زكريا: كنيته أبو يحيى ... ثقةٌ عابدٌ، لم يسمع من أبي الدرداء، فالحديث منقطع"2. وقال ابن حجر: "رجاله ثقات، إلا أنَّ في سنده انقطاعاً بين عبد الله بن أبي زكريا - راويه عن أبي الدرداء - وأبي الدرداء؛ فإنه لم يدركه"3.

وقد رمز له السيوطي في (الجامع الصغير) 4 بالحُسْنِ، فلم يصب، وقد أورده الشيخ الألباني في (ضعيف الجامع) 5 وقال: "ضعيف".

فَتَبَيَّنَ من ذلك أنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - لا يُوافَقُ على الحكم بحُسْنِ هذا الإسناد؛ لما فيه من الانقطاع.

ولكن يشهد لمعنى هذا الحديث: ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من تغييره بعض الأسماء إلى أسماء حسنة، وأيضاً: ما صحَّ من أن الناس يُنْسَبُونَ يوم القيامة إلى آبائهم.

وقد أشار ابن القَيِّم - رحمه الله - إلى هذا المعنى، فقال - عند كلامه على حديث أبي الدرداء الذي معنا -: "وفي هذا الحديث رَدٌّ على

__________

1 سنن البيهقي: (9/306) .

2 مختصر السنن: (7/251) .

3 فتح الباري: (10/577) . وانظر: المراسيل لابن أبي حاتم: (ص113) .

4 مع فيض القدير: (2/553) ح2533.

(ح2035) .

(3/231)

من قال: إن الناس يوم القيامة إنما يُدْعَوْنَ بأمهاتهم لا آبائهم، وقد تَرْجَمَ البخاري في صحيحه لذلك، فقال: باب يُدْعَى الناس بآبائهم، وذكر فيه حديث نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغَادِرُ يُرْفَعُ له لواءٌ يومَ القيامة، يقال له: هذه غدرة فلان بن فلان" 1.

قال ابن حجر - رحمه الله - في كلامه على هذا الحديث: "فَتَضَمَّنَ الحديث: أنه ينسب إلى أبيه في الموقف الأعظم"2.

وأما الأحاديث التي فيها الأمر بتغيير الأسماء إلى أحسن منها: فقد أخرج البخاري - أيضاً - منها جملة3.

فثبتَ بذلك: أن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وإن كان منقطعاً، فإن معناه قد صحَّ من جهات أخرى، وأن إطلاق ابن القَيِّم - رحمه الله - الحكم بحسنِ إسناده فيه نظر، والله أعلم.

__________

1 تهذيب السنن: (7/250) . وانظر: صحيح البخاري: ك الأدب، باب ما يُدْعى الناس بآبائهم ح6177، 6178. (فتح الباري10/563) .

2 فتح الباري: (10/563) .

3 صحيح البخاري: ك الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه، ح6191 - 6193. (فتح الباري 10/575) .

(3/232)

8 - باب ما جاء في الديك

112- (10) عن زيد بن خالد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَسُبُّوا الديك؛ فَإِنَّه يُوقِظُ للصَّلاةِ".

قال ابن القَيِّم رحمه الله: "صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ... "1 فذكره.

قلت: هذا الحديث يرويه أبو داود في (سننه) 2 من طريق: عبد العزيز ابن محمد. وأحمد، والطيالسي في (مسنديهما) 3، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) 4، وابن حبان في (صحيحه) 5 من طريق: عبد العزيز6 بن أبي سلمة. وعبد الرزاق في (المصنف) 7 من طريق: معمر، كُلُّهم عن: صالح بن كيسان8، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن زيد بن خالد الجُهَني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَسُبُّوا الديك؛ فَإِنَّه يُوقِظُ للصَّلاةِ".

__________

1 زاد المعاد: (2/471) .

(5/331) ح 5101، ك الأدب، باب ما جاء في الديك والبهائم.

3 حم: (5/192-193) ، طس: (ح957) .

(ص525) ح945.

5 الإحسان: (7/493) ح5701.

6 ابن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، المدني، نزيل بغداد، ثقةٌ فقيهٌ مصنِّفٌ، من السابعة، مات سنة 164هـ/ ع. (التقريب 357) .

(11/262) ح20498.

8 المدنيُّ، أبو محمد أو أبو الحارث، مُؤَدِّب ولدِ عمر بن عبد العزيز، ثقة ثبتٌ فقيهٌ، من الرابعة، مات بعد سنة ثلاثين، أو بعد الأربعين /ع. (التقريب 273) .

(3/233)

هذا لفظ أبي داود، ولفظ الطيالسي، وابن حبان، وأحدُ لفظي أحمد: " ... فإنه يدعو إلى الصلاة ". ولفظ النسائي واللفظ الآخر لأحمد: "فإنه يُؤَذِّنُ بالصلاة ".

وعند عبد الرزاق ذكر سبب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولفظه: "لَعَنَ رَجُلٌ دِيكاً صَاحَ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تلعنه؛ فإنَّه يدعو للصلاة ".

وقد رُوي عن صالح بن كيسان على أوجه أخر؛ فأخرجه الطيالسي في (مسنده) 1، فقال: " ... عن عبد العزيز الماجشون، عن صالح، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه". قال راوي المسند: "وهذا أثبت عندي". لكن سأل ابن أبي حاتم أباه عنه؟ فقال: "ليس لابن أبي قتادة عن أبيه هاهنا معنى، وحديث صالح، عن عبيد الله بن عبد الله، عن زيد ابن خالد: صحيحٌ"2.

وأخرجه البزار في (مسنده) 3 من طريق: مسلم بن خالد، عن صالح بن كيسان، عن عون بن عبد الله، عن أبيه، عن ابن مسعود به.

قال البزار: "أخطأَ فيه مسلم بن خالد، والصواب: عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله، عن زيد بن خالد". وكذا قال أبو حاتم الرازي لما سُئل عنه4.

__________

(ح957) .

2 علل ابن أبي حاتم: (2/345) ح2559.

3 كشف الأستار: (2/433) ح2040.

4 علل ابن أبي حاتم: (2/277) ح2332.

(3/234)

قلت: فعادَ الحديث إلى زيدِ بن خالد، وقد ثبَتَ صحته عنه رضي الله عنه، فقد تَقَدَّم تصحيح أبي حاتم - رحمه الله - له، ونقلَ الحافظ ابن حجر تصحيح ابن حبان له وأقَرَّهُ1، وقال الإمام النووي رحمه الله: "إسنادٌ صحيحُ"2. ورمز له السيوطي بالصحَّة في (الجامع الصغير) 3. ونقل المناوي كلام النووي في تصحيح إسناده، ثم قال: "وقال غيره: رجاله ثقات"4. وصححه الشيخ الألباني5.

فإذا تَقَرَّرَ ذلك، وأنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - قد وافَقَهُ على تصحيحه جماعة من العلماء، فإن قوله - رحمه الله - في (المنار المنيف) 6: "وبالجملة: فكل أحاديث الدِّيك كذبٌ، إلا حديثاً واحداً: "إذا سَمِعْتُمْ صياح الدِّيَكَة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت مَلَكَاً " فيه نظرٌ؛ فإنَّ تصحيحه هذا الحديث هنا يُسْتدركُ به على إطلاقه هذا الحكم في المنار، فلعله - رحمه الله - غفل عن ذلك هناك. والله أعلم.

__________

1 فتح الباري: (6/353) .

2 رياض الصالحين: (ص655) ح1728.

3 مع فيض القدير: (6/399) ح9786.

4 المصدر السابق.

5 صحيح الجامع: (ح7314) ، والتعليق على المشكاة: (ح4136) .

(ص56) .

(3/235)

من كتاااااااب الفرائض

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها

17- من كتاب الفرائض

1- باب ما جاء في ميراث ذوي الأرحام

113- (1) عن المقدام بن معدي كَرِب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَكَ كَلاًّ1 فإليَّ - وَرُبَّما قال: إلى الله وإلى رسوله - وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَن لا وَارِثَ لَه: أَعْقِلُ له2، وأَرِثُهُ، والخالُ وارثُ من لا وَارِثَ له: يَعْقِلُ عنه، وَيَرِثُهُ ".

قال المنذري - رحمه الله - عَقِبَ هذا الحديث: "واخْتُلِفَ في هذا الحديث، فروي عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام. وروي عن راشد بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، مُرْسَلاً".

قال: "وقال أبو بكر البيهقي في هذا الحديث: كان يحيى بن معين يُضَعِّفُهُ، ويقول: ليس فيه حديث قويٌّ"3.

وقد تعقب ابن القَيِّم رحمه الله المنذري، فقال: "فهذا ما رُدَّ به حديث الخالِ، وهي بأَسْرِهَا وجوهٌ ضعيفةٌ".

قال: "أما قولهم: إن أَحَادِيثَهُ ضَعيفةٌ. فكلام فيه إجمالٌ، فإن أُرِيَد بها: أنها ليست في درجة الصحاح التي لا عِلَّة فيها: فصحيح، ولكن هذا لا يَمْنَعُ الاحتجاجَ بها، ولا يوجب انحطاطها عن درجة

__________

1 الكَلُّ: الثِّقَلُ، والعِيَالُ، وهو أيضاً: اليتيم. المصباح المنير: (2/538) .

2 العَقْلُ: الدِّيَة، وعَقَلْتُ له دَمَ فلان: إذا تركتُ القَوَدَ للدِيَة. المصباح المنير: (2/423) .

3 مختصر السنن: (4/170) .

(3/239)

الحسن، بل هذه الأحاديث وأمثالها هي الأحاديث الحسان، فإنها قد تعددت طرقها، ورويت من وجوه مختلفة، وعرفت مخارجها، ورواتُها ليسوا بمجروحين ولا مُتَّهَمِين ... "1.

ثمَّ ذكر - رحمه الله - أنه يُروى كذلك من حديث: عمر بن الخطاب، وعائشة رضي الله عنهما، ثم أخذ في بيان ما أُعِلَّت به، والجواب عن ذلك.

قلت: حديث المقدام هذا مداره على راشد بن سعد2، وَرُوِيَ عنه على أربعةِ أوجه:

أولها: ما أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في (سننهم) 3، وأحمد في (مسنده) 4، وسعيد بن منصور في (سننه) 5، وابن حِبَّان في (صحيحه) 6، والطبراني في (الكبير) 7، والبيهقي في (سننه) 8، كلهم من طريق: شعبة.

__________

1 تهذيب السنن: (4/170 - 171) .

2 الْمَقْرَئي، الحمصي، ثقةٌ كثير الإرسالِ، من الثالثة، مات سنة 108هـ، وقيل 113هـ/ بخ 4. (التقريب 204) .

3 د: (3/320) ح2899 ك الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام. س: الكبرى (6/116) ح6322. جه: (2/914) ح 2738 ك الفرائض، باب ذوي الأرحام.

(4/131، 133) .

(3/1/72) ح 172.

6 الإحسان: (7/611) ح 6003.

(20/264) ح 625.

(6/214) .

(3/240)

وأخرجه: أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 1، وأحمد في (مسنده) 2، وابن الجارود في (المنتقى) 3، والطبراني في (الكبير) 4، والدارقطني في (سننه) 5، والحاكم في (المستدرك) 6، والبيهقي في (سننه) 7 - من طريق أبي داود - كلهم من طريق: حماد بن زيد. كلاهما - حماد وشعبة - عن:

بُدَيْل بن ميسرة، عن عليِّ بن أبي طلحة8، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهَوْزَنيِّ9، عن المقدام رضي الله عنه به.

واللفظ المذكور في مطلع البحث هو لفظ رواية شعبة، والسياق لأبي داود من بينهم، وأما لفظ رواية حماد بن زيد فهكذا: +

__________

1 د: (3/320) ح 2900. س: الكبرى (6/116) ح 6321.

(4/133) .

(ح 965) .

(20/265) ح 626.

(4/85) ح 57، 58.

(4/344) .

(6/214) .

8 واسم أبي طلحة: سالم. مولى بني العباس، سكن حمص، أَرْسَلَ عن ابن عباس ولم يره، من السادسة، صدوقٌ قد يُخْطئ، مات سنة 143هـ / م د س ق. (التقريب402) .

9 هو: عبد الله بن لُحَيّ، الحِمْصي، ثقةٌ مخضرم، من الثانية/ د س ق. (التقريب319) .

10 فَسَّر أبو داود الضيعة عقب الحديث بِأَنَّهَا: العِيَال. قال المنذري في (مختصره 4/170) : "وقال غيره: ضيعة أي عيالاً ذوي ضيعةً، أي تُركوا فَضُيِّعوا، وهو مصدر، يقال: ضَاعَ عيالُ الرجلِ، ضيعةً، وضياعاً بالفتح ... ". وانظر النهاية: (3/107) .

(3/241)

وأنا مولى من لا مولى له: أرث ماله، وأفكُّ عَانَه1، والخال مولى من لا مولى له: يرث ماله، ويفك عانه". سياق أبي داود، والباقون بنحوه. وعند الدارقطني: "ضياعاً"، وعنده: "عانيه".

والحديث بهذا الإسناد حَسَّنَهُ أبو زرعة2، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" لكن تعقبه الذهبي، فقال: "عليٌّ: قال أحمد: له أشياء منكرات. قلت: لم يخرج له البخاريُّ"3.

قلت: وعليُّ بنُ أبي طلحة قال فيه أبو داود: "هو إن شاء الله مستقيم الحديث"4. وقال النسائي: "ليس به بأس"5 وَوَثَّقَهُ العجليُّ6. وذكره ابن حبان في (الثقات) 7. وقال ابن القطان: "ثقة"8.

فالرجل على هذا صالحُ الأمر، مستقيم الحال، ووجود بعض المنكرات في حديثه لا يخرجُهُ عن حَدِّ الاحتجاج به، ولا يَنْزِلُ بحديثه عن درجة الحسن،

__________

1 قال الخطابي: "يريد: عانيه، فحذف الياء، والعاني: الأسير". (معالم السنن 4/107) .

2 علل ابن أبي حاتم: (2/50) ح 1636.

3 تلخيص المستدرك: (4/344) .

4 تهذيب التهذيب: (7/339 - 340) .

5 المصدر السابق.

6 المصدر السابق: (7/341) .

(7/211) .

8 بيان الوهم والإيهام: (3/541) .

(3/242)

ولا سيما إذا تُوبع على روايته - كما في هذا الحديث -،فالحكمُ ما حَكَمَ أبو زرعة - رحمه الله - من تحسين الحديث بهذا الإسناد.

الوجه الثاني من وجوه روايته عن راشد بن سعد: ما أخرجه النسائي في (الكبرى) 1،وأحمد في (مسنده) 2، والطبراني في (الكبير) 3- وأشار إليه أبو داود4 - من طريق:

معاوية بن صالح5، عن راشد بن سعد، عن المقدام بن معدي كرب بنحو ما تَقَدَّمَ، إلا أن الطبراني ليس عنده ذكر الخال.

هكذا رواه معاوية بن صالح، فأسقط منه أبا عامر الهوزني، وجعله عن: راشد، عن المقدام.

وقد حكم الدارقطنيُّ - رحمه الله - للرواية المتَّصِلَة، فنقل عنه صاحب (الجوهر النقي) 6 أنه ذَكَرَ: أن شعبة وحماداً وإبراهيم بن طهمان رووه عن بديل، عن عليِّ بن أبي طلحة، عن راشد، عن أبي عامر، عن

__________

(6/115) ح 6320.

(4/133) .

(20/266) ح 628.

4 السنن: (3/321) .

5 ابن حُدَير، الحَضْرَمي، أبو عمر أو أبو عبد الرحمن، الحِمْصي، قاضي الأندلس، صدوقٌ له أوهامٌ، من السابعة، مات سنة 158هـ / ر م 4. (التقريب 538) .

(6/214) .

(3/243)

المقدام. وأن معاوية بن صالح خالفهم، فلم يذكر أبا عامر بين راشد والمقدام، ثم قال الدارقطني: "والأول أشبهُ بالصواب". وَأَيَّدَ ابن القطَّان كلام الدارقطني هذا، فقال: "وهو على ما قال؛ فإنَّ عليَّ بنَ أبي طلحة ثقة، وقد زاد في الإسناد من يتصلُّ به، فلا يضره إرسالُ من قَطَعَهُ ولو كان ثقةً، فكيف إذا كان فيه مقالٌ؟ فنَرَى هذا الحديث حديثاً صحيحاً"1.

الوجه الثالث: ما أخرجه ابن حبان في (صحيحه) 2، والطبراني في (الكبير) 3 - وأشار إليه أبو داود أيضاً - من طريق:

عبد الله بن سالم4، عن الزُّبَيْدِي5، عن راشد بن سعد، عن ابن عائذ6 عن المقدام به، بنحو ما تقدم في حديث حماد بن زيد.

__________

1 بيان الوهم والإيهام: (3/541) ح 1319.

2 الإحسان: (7/611) ح 6004.

(20/265) ح 627.

4 الأشعري، أبو يوسف الحمصي، ثقةٌ رُمِيَ بالنَّصْبِ، من السابعة، مات سنة 179هـ / خ د س. (التقريب 304) .

5 هو: محمد بن الوليد بن عامر الزُّبَيْدي، أبو الوليد الحمصي، القاضي، ثقة ثبتٌ، من كبار أصحاب الزهري، من السابعة/خ م د س ق. (التقريب ص 511) .

6 سمَّاه ابنُ حبان - عقب إخراج روايته -: عبد الله بن عائذ، وبهذا الاسم ترجمة ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/2/122) فقال: "عبد الله بن عائذ الثمالي، أبو الحجاج، له صحبة ... ". وذكره في (2/2/102) باسم: عبد بن عبد الثمالي، وقال: "روى عن النبي صلى الله عليه وسلم". وَجَزَم ابنُ حجر في (الإصابة 2/339) بأنهما واحد، يُقال له هذا وهذا.

(3/244)

وقد اعتبر ابنُ حبان - رحمه الله - هذه الرواية محفوظة أيضاً؛ فإنه لما أخرجَ رواية علي بن أبي طلحة المتقدمة، أعقبها رواية الزبيدي هذه، ثم قال: "سمع هذا الخبر راشدُ بن سعد: عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام. وسمعه: عن عبد الله بن عائذ الأزدي، عن المقدام بن معدي كرب، فالطريقان جميعاً محفوظان، ومتناهما متباينان".

قلت: وأما قوله: "متناهما متباينان" لأنه أخرج رواية أبي عامر الهوزني من طريق شعبة، وقد تقدم لفظها، لكن قد رويت من طريق حماد بن زيد بنحو رواية ابن عائذ هذه، فلا اختلاف إذن.

وعلى ما قاله ابن حبان، تكون هذه رواية أخرى لراشد بن سعد، تابع فيها ابن عائذ أبا عامر الهوزني المتقدمة روايته، وحينئذٍ لا يكون هذا من الاختلاف بين الروايات.

الوجه الرابع: ما أخرجه النسائي في (الكبرى) 1 من طريق: ثور ابن يزيد، عن راشد بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً. وقد سبق في كلام المنذريِّ الإشارة إلى هذا المرسل، وأَنَّه جَعَلَ ذلك من الاختلاف على راشد.

وهذا المُرْسل لا تُعَلُّ به الروايات المتصلة، فراشد بن سعد كان معروفاً - مع ثقته - بكثرة الإرسال، ولا مانع أن يكون رواه مرة مرسلاً، مع روايته إياه متصلاً من أكثر من وجه، كما تقدم.

__________

(6/116) ح 6323.

(3/245)

فهذه أوجه روايته عن راشد بن سعد، وقد رَجَّحَ الدارقطني - كما تقدم - رواية عليِّ بن أبي طلحة على رواية معاوية بن صالح، وجمعَ ابنُ حبان بين رواية عليِّ بن أبي طلحة، ورواية الزبيدي، فلا تؤثر الرواية المرسلة على الروايات المتصلة، وبذلك يتبين أنه لا مجال لإعلال رواية راشد بن سعد هذه بالاختلاف، وأن الحديث من هذا الطريق حسنٌ كما تقدم تقريره.

وثمة طريق آخر لحديث المقدام هذا من غير رواية راشد بن سعد، وهو ما أخرجه أبو داود في (سننه) 1 - ومن طريقه البيهقي2 - من طريق: إسماعيل بن عياش، عن يزيد بن حجر3، عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب4، عن أبيه5، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا وارث من لا وارث له: أفك عانيه، وأرث ماله. والخال وارث من لا وارث له: يفك عانيه، ويرث ماله".

وهذا الإسناد ضعيفٌ: فيزيد بن حجر: مجهول، وكذا يحيى بن المقدام، وبينهما: صالح بن يحيى، ليِّن الحديث. وإذا كان كذلك، فإنَّ الاعتماد يكون على رواية راشد بن سعد المتقدمة.

__________

(3/321) ح 2901.

(6/214) .

3 الشَّامي، مجهول، من السابعة/ د. (التقريب 600) .

4 الكِنْدي، الشَّامي، لَيِّنٌ، من السادسة/ د س ق. (التقريب 274) .

5 يحيى بن المقدام بن معدي كرب، مستور، من الرابعة/ د س ق. (التقريب 597) .

(3/246)

ثم انتقل ابن القَيِّم بعد ذلك إلى حديث آخر في توريث الخال، وهو حديث:

114- (2) عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كتب إلى أبي عبيدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَن لا مَوْلَى له، والخَالَ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ ".

وقد عزاه ابن القَيِّم إلى الترمذي - وأنه حَسَّنَه - وابن حبان، ثم رَدَّ القولَ بإعلاله، فقال: "ولم يصنعْ من أَعَلَّ هذا الحديثَ بحكيم بن حكيم، وأنه مجهول شيئاً؛ فإنه قد رَوَى عنه: سهيل بن أبي صالح، وعبد الرحمن بن الحارث، وعثمان بن حكيم أخوه. ولم يُعْلَمْ أن أحداً جَرَحَهُ، وبمثل هذا يَرْتَفِعُ عنه الجهالة، ويحتجُّ بحديثه"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذي في (جامعه) 2، والنسائي في (الكبرى) 3، وابن ماجه في (سننه) 4، وأحمد في (مسنده) 5، وابن الجارود في (المنتقى) 6، وابن حبان في (صحيحه) 7، والدارقطني،

__________

1 تهذيب السنن: (4/171) .

(4/421) ح 2103 ك الفرائض، باب ما جاء في ميراث الخال.

(6/114) ح 6317.

(2/914) ح 2737.

(1/28، 46) .

(ح 964) .

7 الإحسان: (7/612) ح 6005.

(3/247)

والبيهقي في (سننيهما) 1، كلهم من طريق: سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث2، عن حكيم بن حكيم3، عن أبي أمامة4 بن سهل بن حنيف، أنه قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة: أن عَلِّموا صبيانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي. قال: فكانوا يختلفون بين الأغراض. قال: فجاء سهم غَرْب5، فأصاب غلاماً فقتله، ولم يُعْلَمْ للغلام أهلٌ إلا خاله، فكتبَ أبو عبيدة إلى عمر، فذكر له شأن الغلام: إلى من يَدْفَع عقله؟ فكتب إليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخالُ وارث من لا وارث له". هذا لفظ ابن حبان، وابن الجارود، والبيهقي، وأحمد في رواية، والسياق لابن حبان، وعند الباقين: "ولم يُعلم للغلام أصل"، وأنه كان "في حِجْرِ خال له".

وأما لفظ أحمد في الرواية الأخرى، وابن ماجه، والدارقطني، عن

__________

1 قط: (4/84) ح 53. هق: (6/214) .

2 ابن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعة المخزومي، أبو الحارث المدني، صدوقٌ له أوهامٌ، من السابعة، مات سنة 143هـ / بخ 4. (التقريب 338) .

3 ابن عباد بن حنيف الأنصاري الأوسي، صدوقٌ، من الخامسة/4. (التقريب 176) .

4 هو: أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري، معروف بكنيته، معدودٌ في الصحابة، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة 100هـ/ ع. (التقريب 104) .

5 سهم غَرَْب: أي لا يُعرف راميه. يقال: سهم غرب، بفتح الراء وسكونها، وبالإضافة وغير الإضافة. وقيل: بالسكون: إذا أتاه من حيث لا يدري، وبالفتح: إذا رماه فأصاب غيره. ولم يثبت بعضهم إلا الفتح. (النهاية 3/350 - 351) .

(3/248)

أبي أمامة: أن رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله، وليس له وارثٌ إلا خالٌ، فكتب في ذلك أبو عبيدة إلى عمر ... الحديث، بمثل ما تقدم.

وأما الترمذي: فليس عنده إلا المرفوع فقط، دون باقي القصة.

وهذا الإسناد لا بأسَ به في المتابعات؛ فإن عبد الرحمن بن الحارث تَكَلَّمَ فيه بعضهم، فقال الإمام أحمد: "متروك"1. وقال النسائي: "ليس بالقوي"2 وَضَعَّفَهُ ابن المديني3. لكن قال فيه ابن سعد: "ثقة"4. وقال ابن معين: "صالح"5. وقال مرة: "ليس به بأس"6. وقال أبو حاتم: "شيخ"7. وقال العجلي: "مدنيٌّ ثقة"8. وقال ابن نمير: "لا أُقْدِمُ على ترك حديثه"9 وذكره ابن حبان في (الثقات) 10، وقال: "كان من أهل العلم". ولذلك قال عنه الحافظ ابن حجر: "صدوق له أوهام". فمثله يُحَسَّنُ حديثُهُ إذا اعتضد.

__________

1 تهذيب التهذيب: (6/156) .

2 المصدر السابق.

3 المصدر السابق.

4 المصدر السابق.

5 المصدر السابق.

6 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص 164) رقم 586.

7 الجرح والتعديل: (2/2/224) .

8 تهذيب التهذيب: (6/156) .

9 المصدر السابق.

10 (7/69 - 70) .

(3/249)

وأما حكيم بن حكيم - شيخه في هذا الإسناد -: فقد تقدم في كلام ابن القَيِّم - رحمه الله - أن بعضهم أَعَلَّ الحديث بجهالته، ولم أر ذلك إلا لابن القطان؛ فإنه قال: "لا يُعرف حاله"1. وقال عنه ابن سعد: "كان قليل الحديث ولا يحتجون به"2.

ولكن قال العجلي: "ثقة"3. وذكره ابن حبان في (الثقات) 4. وصَحَّحَ له الترمذيُّ وابن خزيمة وغيرهما، كما قال ابن حجر5 رحمه الله، وقال الذهبي: "ثقة"6. وقال مرة: "حسن الحديث"7. وقال ابن حجر: "صدوق"8. هذا مع رواية جماعة عنه كما تقدم في كلام ابن القَيِّم رحمه الله، فمثله قد خَرَجَ عن وصفِ الجهالة، وحديثه لا يقلُّ - أيضاً - عن رتبة الحَسَنِ، كما وصفه بذلك الذهبي رحمه الله.

وقد حَسَّنَ الترمذي هذا الحديث، وفي النسخة التي بين أيدينا قوله: "حسن صحيح". ولكن في (تحفة الأشراف) 9: "حسن" فقط،

__________

1 تهذيب التهذيب: (2/449) .

2 المصدر السابق: (2/448) .

3 تاريخ الثقات: (ترتيب الهيثمي) : (ص 129) .

(6/214) .

5 تهذيب التهذيب: (2/449) .

6 المغني: (1/186) .

7 الكاشف: (1/185) .

8 كما تقدم في ترجمته له.

(8/4) .

(3/250)

وكذا نقل عنه الذهبي رحمه الله في (الميزان) 1. وقال أبو بكر البزار: "أحسن إسنادٍ فيه: حديث أبي أمامة بن سهل ... "2. يعني هذا. وقال الحافظ ابن حجر: "حديثٌ حسنٌ"3. وقال الشيخ الألباني: "إسناده حسن"4. وقال مرة: "صحيح"5.

فتلخص من ذلك: أن حديث أبي أمامة هذا، عن عمر رضي الله عنه حديثٌ حسنٌ لغيره، وأنَّ الطعن فيه بجهالة حكيم بن حكيم لا ينتهض لإعلاله؛ لما تَقَدَّمَ من توثيق جماعةٍ له، ورواية آخرين عنه، بما يوجب رفع الجهالة عنه. وأما عبد الرحمن بن الحارث: فإنه وإن وَثَّقَهُ بعضهم، إلا أنَّ كلام من تكلم فيه يقتضي ثبوت بعض الضعف فيه، ولكن مثله مقبول في المتابعات والشواهد.

ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثاً آخر في هذا المعنى، وهو حديث:

115- (3) عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الخالُ وارثُ من لا وارث له".

عزاه ابن القَيِّم إلى الترمذي، وأنه قال: "وقد أرسله بعضهم، ولم يَذْكُرْ فيه عن عائشة".

__________

(1/584) .

2 مسند البزار: (1/376) .

3 فتح الباري: (12/30) .

4 الإرواء: (6/137) .

5 صحيح ابن ماجه: (ح2212) .

(3/251)

ثم قال رحمه الله: "وهذا على طريقة منازعينا لا يضرُّ الحديث شيئاً، لوجهين:

أحدهما: أنهم يحكمون بزيادة الثقة، والذي وصله ثقةٌ. وقد زاد، فيجبُ عندهم قبولُ زيادته.

الثاني: أنه مُرْسَلٌ قد عَمِلَ به أكثر أهل العلم - كما قال الترمذي - ومثل هذا حجة عند من يرى المرسلَ حجة، كما نص عليه الشافعيِّ"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذي في (جامعه) 2، والنسائي في (الكبرى) 3، والدارقطني في (سننه) 4، كلهم من طريق: أبي عاصم5.

وأخرجه النسائي في (الكبرى) 6، والحاكم في (المستدرك) 7، من طريق: مخلد بن يزيد8. كلاهما عن:

__________

1 تهذيب السنن: (4/172) .

(4/422) ح 2104.

(6/115) ح 6318.

(4/85) ح54، 55.

5 هو: الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، النبيل، البصري، ثِقَةٌ ثبْتٌ، من التاسعة، مات سنة 212هـ أو بعدها/ع.

(6/115) ح6319.

(4/344) .

8 القرشي، الحرَّاني، صدوق له أوهامٌ، من كبار التاسعة، مات سنة 193هـ /خ (التقريب524) .

(3/252)

ابن جريج، عن عمرو بن مسلم1، عن طاوس، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن قال: "الله ورسولُهُ مولى من لا مولى له، والخالُ وارثُ من لا وارثَ له". هذا لفظ الحاكم، وعند الدارقطني: "الله مولى ... "، أما لفظ الترمذي ففيه ذكر الخال فقط، وهو الذي قدمناه.

قال أبو عيسى الترمذي: "حديث حسن غريب". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي رحمه الله.

وقد رُوِيَ عن أبي عاصم من وجه آخر موقوفاً على عائشة رضي الله عنها، فأخرجه الدارمي في (مسنده) 2، والدارقطني في (سننه) 3، والبيهقي في (سننه) 4، ثلاثتهم عن: أبي عاصم، بالإسناد الماضي إلى عائشة رضي الله عنها قولها، وعندهم: "الله ورسوله ... ".

زاد الدارقطني في روايته: "فقيل لأبي عاصم: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فسكت. فقال له الشاذكوني: حَدِّثْنَا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسكت".

وقد تابع أبا عاصم على هذه الرواية الموقوفة: عبد الرزاق، فأخرجه في (مصنفه) 5: أخبرنا ابن جريج ... فذكره.

__________

1 الجندي، صدوقٌ له أوهامٌ، من السادسة / عخ م د ت س. (التقريب 427) .

(2/265) ح2981 ك الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام.

(4/85) ح55، 56.

(6/215) .

(9/20) ح16202.

(3/253)

قال البيهقي: "هذا هو المحفوظ، من قول عائشة موقوفاً عليها ... وقد كان أبو عاصم يرفعه في بعض الروايات عنه، ثم شكَّ فيه، فالرفع غير محفوظ".

كذا قال البيهقي رحمه الله، وقد تقدم أنَّ مخلد بن يزيد الجَزَرِي قد تابع أبا عاصم على هذه الرواية المرفوعة، ومخلد هذا "صدوقٌ مشهورٌ"1 من رجال مسلم، فأبو عاصم وإن كان تَوَقَّفَ مرَّةً في رفعه، فمتابعة مخلد له على الرفع تدلُّ على أن للمرفوع أصلاً، ولا مانع من أن يكون جاء عن عائشة على الوجهين.

على أن النسائي - رحمه الله - قد أعله "بعمرو بن مسلم"، وبالاختلاف فيه على ابن جريج، فقال: "عمرو بن مسلم ليس بذاك القويِّ، وقد اخْتُلِفَ فيه على ابن جريج". ونقله عنه المزيِّ في (تحفة الأشراف) 2.

أما عمرو بن مسلم فقد ضَعَّفَه أيضاً: أحمد، وابن معين في رواية، وابن خِرَاش. وقال السَّاجي: "صدوقٌ يهم"3. وقال ابن معين مرة: "لا بأس به"4. وذكره ابن حبان في (الثقات) 5. وقال الذهبي: "صالح

__________

1 الذهبي: (الميزان) : (4/84) .

(11/426) .

3 تهذيب التهذيب: (8/105) .

4 سؤالات ابن الجنيد لابن معين: (ص346) رقم303.

(7/217) .

(3/254)

الحديث"1. ومع ذلك، فهو من رجال مسلم، فمثله - والله أعلم - حديثه حسنٌ على أقل تقدير، وقد حسَّن له الترمذيُّ كما مضى، كما أنه لم ينفرد بروايةِ هذا الأصلِ، بل جاء من غير طريقه.

وأما الاختلاف فيه على ابن جريج: فإن قيل: إن الكل محفوظٌ، فلا إشكالَ. وإن قيل بترجيح الوقف - كما سبق عن البيهقي، ونقَلَهُ ابن حجر2 عن الدارقطني أيضاً - فليس الاعتماد عليه وحده، وإنما يكون الاعتمادُ على ما تقدم من المرفوعات، ويكون هذا الموقوف للاستشهاد.

وأما ما أشار إليه الترمذي من كونه يُرْوَى مرسلاً - وهو ما نقله ابن القَيِّم عنه وأجاب عنه بما تقدم -: فقد أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 3: عن معمر، عن ابن طاوس4، قال: سمعت بالمدينة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخالُ وارثُ من لا وارثَ له".

فإنَّ هذا المرسلَ يعتضدُ بقول عائشة رضي الله عنها الماضي، وبالأحاديث المسندة في الباب، وبعمل أهل العلم به، كما قَرَّرَهُ ابن القَيِّم رحمه الله، ولا تناقض بينه وبين ما تقدم.

__________

1 الميزان: (3/289) .

2 التلخيص الحبير: (3/80-81) .

(9/19) ح16199.

4 هو: عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقةٌ فاضلٌ عابدٌ، من السادسة، مات سنة 132هـ/ع. (التقريب 308) .

(3/255)

فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن حديث توريثِ الخالِ حديثٌ حسنٌ كما قال ابن القَيِّم رحمه الله، وأنَّه وإن كان في بعض طرقه مقالٌ، فإنَّ في اجتماع هذه الطرق - مع تعدُّدِها، واختلاف مخارجها - ما يقَوِّي هذا الحديثَ ولا يجعله ينزل - بحال - عن درجة الحسن، وقد تَقَدَّم تحسين جماعةٍ له: فحسَّن الترمذيُّ حديثي عمر، وعائشة. وحسن أبو زرعة حديث المقدام، مع تصحيح الحاكم لحديثي عائشة والمقدام رضي الله عنهم أجمعين، وكذا حسَّن الحافظ ابن حجر حديث عمر. كلُّ ذلك يُؤكِّد ما قرَّرَه ابن القَيِّم - رحمه الله تعالى - من تحسين هذا الحديث، وهو ما ثبتَ من خلال هذه الدراسة، والله أعلم.

(3/256)

2 - باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل

116- (4) عن تميم الداري رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله، مَا السُّنَّة في الرَّجُلِ يُسْلِمُ على يدي الرجلِ من المسلمين؟ قال: "هُوَ أَوْلَى النَّاس بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ ".

ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - أن الذين رَدُّوا هذا الحديث، منهم من رَدَّهُ لِضَعْفِهِ، ومنهم من ذهب إلى كونه منسوخاً، ومنهم من تَأَوَّلَهُ - على تقدير صحته - بأن معناه: هو أحقُّ به: يواليه وينصره، ويبره ويصله ويرعى ذِمَامَهُ، ويغسله ويصلي عليه ويدفنه، فهذه أولويته به، لا أنها أولويته بميراثه، قال ابن القَيِّم: "وهذا هو التأويل"1.

ثم ردَّ على من قال بضعفه، فقال: "وحديث تميم وإن لم يكن في رتبة الصحيح، فلا ينحطُّ عن أدنى درجاتِ الحسنِ"2.

قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذيُّ، وابن ماجه في (سننيهما) 3، وأحمد في (مسنده) 4 - ومن طريقه: ابن عساكر في (تاريخ دمشق) 5 - كلهم من طريق: وكيع - وعند الترمذي: عن أبي أسامة، وابن نمير، ووكيع -.

__________

1 تهذيب السنن: (4/185) .

2 المصدر السابق: (4/186) .

3 ت: (4/427) ح 2112 باب ميراث الذي يسلم على يدي الرجل. جه: (2/919) باب الرجل يسلم على يدي الرجل. كلاهما في ك الفرائض.

(4/103) .

(39/181) . في ترجمة "عبد الله بن موهب".

(3/257)

وأخرجه: أحمد في (مسنده) 1 - ومن طريقه: ابن عساكر في (تاريخ دمشق) 2 - والدارمي في (مسنده) 3، وابن أبي حاتم في (علله) 4 عن أبيه، كلهم من طريق: أبي نعيم.

وأخرجه النسائي في (الكبرى) 5 من طريق: عبد الله بن داود6.

وأخرجه أبو يعلى في (مسنده) 7 - ومن طريقه ابن عساكر8 - والدارقطني في (سننه) 9 من طريق: علي بن مسهر10.

وأخرجه النسائي في (الكبرى) 11 - ومن طريقه: ابن عساكر في

__________

(4/103) .

(39/182) .

(2/272) ح 3037 ك الفرائض، باب الرجل يُوالي الرجل.

(2/52) ح 1642.

(6/134) ح 6380.

6 ابن عامر الهَمْدَاني، أبو عبد الرحمن الخريبي، كوفيُّ الأصل، ثقةٌ عابدٌ، من التاسعة، مات سنة 213هـ / خ 4. (القريب 301) .

(13/102) ح 7165.

(39/184) .

(4/181) ح 33.

10 القرشي، الكوفي، قاضي الموصل، ثقةٌ له غرائبُ بعد أن أُضِرَّ، من الثامنة، مات سنة 189هـ/ ع. (التقريب 405) .

11 (6/133) ح 6379.

(3/258)

(تاريخه) 1 - من طريق يونس بن أبي إسحاق2.

وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف) 3 من طريق: عبد الله بن المبارك، وأحمد في (مسنده) 4 - وعنه ابن عساكر5 - من طريق: إسحاق بن يوسف. والطبراني في (الكبير) 6 من طريق: حفص بن غياث. والدارقطني في (سننه) 7 من طريق: إسماعيل بن عياش. وابن عساكر8 من طريق: يونس بن بكير9 كلهم عن: عبد العزيز بن عمر10، عن عبد الله بن مَوْهَب11، عن تميم

__________

(39/185) .

2 السبيعي، أبو إسرائيل الكوفي، صدوقٌ يَهِمُ قليلاً، من الخامسة، مات سنة 152هـ على الصحيح/ رم 4. (التقريب 613) .

(9/39) ح 16271.

(4/102) .

(39/186) .

(2/45) ح 1272.

(4/181) ح 31.

(39/182) .

9 ابن واصل الشيباني، أبو بكر الكوفي، صدوقٌ يخطئ، مات سنة 199هـ/ خت م د ت ق. (التقريب 613) .

10 ابن عبد العزيز بن مروان الأموي، أبو محمد المدني، نزيل الكوفة، صدوقٌ يخطئ، من السابعة، مات في حدود 150هـ / ع. (التقريب 358) .

11 الشامي، أبو خالد، قاضي فلسطين لعمر بن عبد العزيز، ثقةٌ لكن لم يسمع من تميم الداري، من الثالثة/ ع. (التقريب 325) .

(3/259)

الداري رضي الله عنه بنحو ما تقدم، وعند الطبراني: "قلت: يا رسول الله، الرجل يسلم على يديَّ فيموت؟ ". وعند عبد الرزاق قوله صلى الله عليه وسلم: "من أسلم على يدي رجل فهو مولاه" بدون سؤال تميم.

وقد تابع عبد العزيز بن عمر على روايته هذه: أبو إسحاق السَّبيعي، فأخرجه النسائي في (الكبرى) 1، والطبراني في (الكبير) 2، والحاكم في (المستدرك) 3 ومن طريقه: البيهقي في (سننه) 4 - كلهم من طريق: يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عبد الله بن مَوْهَب، عن تميم الداري رضي الله عنه به.

وخالف هؤلاء جميعاً: يحيى بن حمزة، فرواه عن: عبد العزيز بن عمر، عن عبد الله بن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن تميم الداري به. فزاد في الإسناد "قبيصة بن ذؤيب" بين ابن موهب، وتميم الداري.

أخرجه كذلك: أبو داود في (سننه) 5 - ومن طريقه البيهقي6-

__________

(6/133) ح 6378.

(2/45) ح 1274.

(2/219) .

(10/297) .

(3/333) ح 2918 ك الفرائض، باب في الرجل يسلم على يدي الرجل.

(10/296) .

(3/260)

والطبراني في (الكبير) 1، والبخاري في (تاريخه) 2، والحاكم في (المستدرك) 3، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) 4، والبيهقي5 من وجه آخر، كلهم من طريق: يحيى بن حمزة، عن عبد العزيز بن عمر، أنه قال: سمعتُ عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز، عن قبيصة بن ذؤيب، أن تميماً الداري رضي الله عنه قال: يا رسول الله، ما السنة في الرجل ... ؟ الحديث بنحو ما تقدم، وزاد ابن عساكر في روايته: "قال عبد العزيز بن عمر: وشهدتُ عمرَ بن عبد العزيز قضى بذلك في رجلٍ أسلم على يدي رجلٍ، فماتَ وتركَ مالاً، وابنةً له، فأعطى عمر ابنته النِّصْفَ، والذي أسلم على يديه النصف".

وقد حَكَمَ البعض بتقديم رواية الجماعة المتقدمين، التي ليس فيها ذكرٌ لقبيصة، وخطَّأوا من وزاد فيه "قبيصة". فقال الترمذي: "وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن موهب، وبين تميم الداري: قبيصة بن ذؤيب، ولا يصحُّ". وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه يحيى بن حمزة، عن عبد العزيز بن عمر، عن ابن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن تميم الداري ... ؟ قال أبي: حدثني أبو نعيم، عن عبد العزيز، عن ابن موهب،

__________

(2/45) ح 1273.

(3/1/198 - 199) .

(2/219) .

(39/179 - 180) .

(10/296) .

(3/261)

قال: سمعت تميماً الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبي: أبو نعيم أحفظُ وأتقنُ. قلت لأبي: يحيى بن حمزة أفهم بأهل بلده. قال: أبو نعيم في كل شيء أحفظُ وأتقن"1. وقال الحافظ ابن حجر: "تَفَرَّدَ يحيى بن حمزة بهذه الزيادة، وقد رواه بدونها من أسلفنا"2.

ومال آخرون إلى إثبات الرواية التي فيها ذِكْرُ قبيصة، فقد ذكر عبد الله بن الإمام أحمد لأبيه حديث ابن موهب، عن تميم، فقال: "قال يحيى بن حمزة: عن عبد العزيز بن عمر، عن ابن موهب، عن قبيصة، عن تميم"3. وفي لفظ: "إنما هو عن ابن موهب، عن قبيصة، عن تميم"4

وسُئل ابن معين عن هذا الحديث؟ فقال: "أهل الشام يقولون: عن قبيصة"5. وفي (تاريخ أبي زرعة الدمشقي) 6: أنَّ ابنَ معين كتبَ إلى أبي نعيم: أن بينهما رجلاً. فأنكر ذلك أبو نعيم من كتابه. وكان أبو نعيم ينكر وجود قبيصة في الإسناد، ويقول: "أنا سمعت عبد العزيز بن عمر، يذكر عن عبد الله بن موهب، قال: سمعتُ تميماً الداري". فلما احتجوا عليه برواية يحيى بن حمزة، قال: "ومن يحيى بن حمزة حتَّى يُحْتَجَّ عليَّ به؟! ". فقيل له: يا أبا نعيم، لو قيل لك في نُبْلِ رِجَالِك: من

__________

1 علل ابن أبي حاتم: (2/52) ح 1642.

2 تغليق التعليق: (5/226) .

3 علل أحمد: (2/8) رقم 22.

4 جامع التحصيل: (ص 264) .

5 الجرح والتعديل: (2/2/174) .

(1/570) .

(3/262)

الأعمش؟ من فلان؟ ألم يكن القائلُ يستطيع أن يقول: لكلِّ قومٍ عِلْمٌ، ولكل قومٍ رجالٌ، وهم أعلم بما رووا؟ فسكت أبو نعيم1.

وقال ابن القطان: "ورواه يحيى بن حمزة عنه، فأدخل بينهما: قبيصة بن ذؤيب، وهو الأصوب"2. وكأنَّ أبا زرعة الدمشقي - رحمه الله - يُرَجِّح ذلك أيضاً، فإنه قال: "فوجهُ مدخل قبيصة بن ذؤيب في حديثه هذا - فيما نرى، والله أعلم - أن عبد العزيز بن عمر حَدَّثَ يحيى بن حمزة بهذا الحديث من كتابه، وحدثهم بالعراق حفظاً"3. يعني أن الرواية التي حَدَّث بها من كتابه أصحُّ، وهي التي فيها ذكر قبيصة.

وإذا ما راعينا قول الإمام أحمد في عبد العزيز بن عمر: "ليس هو من أهل الحفظ والإتقان"4. وقول ابن حبان: "يخطئ"5. علمنا أن الوهم فيه من عبد العزيز هذا جائز، وأنه ربما أخطأ لمَّا حَدَّثَ من حفظه، فأسقط قبيصة من الإسناد، حتَّى إنَّ أبا نعيم - رحمه الله - لما عُورض برواية يحيى بن حمزة هذه سكت.

فإذا قُبلَ هذا الترجيح للرواية المتصلة، فإنه لم يبق سببٌ لإعلال

__________

1 تاريخ أبي زرعة الدمشقي: (1/570 - 571) ، وتاريخ دمشق: (39/ 187 - 188) .

2 بيان الوهم والإيهام: (3/546) ح 1324.

3 تاريخ أبي زرعة الدمشقي: (1/571) .

4 تهذيب التهذيب: (6/350) .

5 الثقات: (7/114) .

(3/263)

الحديث بالانقطاع بين ابن موهب، وتميم الداري، كما أعله بذلك: يعقوب بن سفيان1، والشافعي2 رحمهما الله؛ لأنَّ هذه الرواية - والحالة هذه - تصبحُ مرجوحةً.

لكن يبقى بعد ذلك الكلام على بعض العلل التي رُمِي بها الحديث، فمن ذلك:

إعلاله بالاضطراب: قاله ابن المنذر، وابن القطان3. وهذا مبنيٌّ على ما تقدم من كونه رُوي مرةً مرسلاً، ومرةً متصلاً، ومع إمكان الترجيح لإحدى الروايتين على الأخرى، لا يبقى وجهٌ للحكم باضطرابه، وقد أمكن ذلك كما تقدم.

ومن ذلك: جهالة عبد الله بن موهب. قال ابنُ معين وقد سئل عنه: "لا أعرفه"4. وقال الشافعي: "وابن موهب ليس بمعروف عندنا"5. وقال ابن القطان: "وعلة هذا الحديث: الجهل بحال عبد الله بن موهب؛ فإنه لا تُعرف حاله وإن كان قاضي فلسطين، ولم يعرفه ابن معين"6.

__________

1 سنن البيهقي: (10/296) .

2 المصدر السابق: (10/297) .

3 انظر: نصب الراية: (4/157) .

4 الجرح والتعديل: (2/2/174) .

5 سنن البيهقي: (10/297) .

6 بيان الوهم والإيهام: (3/546) .

(3/264)

قلت: وقد وَثقَهُ جماعةٌ؛ فقال العجلي: "شاميٌّ ثقةٌ"1. وقال يعقوب بن سفيان: "ثقة"2. وقال الذهبي: "صدوق"3. وقال ابن حجر - كما مر -: "ثقة". ولا شكَّ أن توثيق هؤلاء الأئمة له يدفع القول بجهالته.

ومما أُعِلَّ به أيضاً: ضعف عبد العزيز بن عمر: فنقل الخطابيُّ عن الإمام أحمد قوله: "عبد العزيز - راويه - ليس من أهل الحفظ والإتقان"4. وقال ابن المنذر: "لم يروه غير عبد العزيز بن عمر، وهو شيخٌ ليس من أهل الحفظ والإتقان"5.

وأقول: عبد العزيز بن عمر وَثقَهُ - أيضاً - جماعةٌ؛ فقال ابن معين: "ثقة"6. وقال مرة: "ليس به بأس، ثقة"7. وقال النسائي: "ليس به بأس"8. وقال أبو داود: "ثقة"9. وقال يعقوب بن سفيان: "ثقة"10.

__________

1 تهذيب التهذيب: (6/47) .

2 المعرفة والتاريخ: (2/439) .

3 الكاشف: (2/121) .

4 معالم السنن: (4/186) .

5 نصب الراية: (4/157) .

6 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/367) .

7 سؤالات ابن الجنيد ليحيى: (ص 308) رقم 144.

8 تهذيب التهذيب: (6/350) .

9 تهذيب التهذيب: (6/350) .

10 المعرفة والتاريخ: (2/439) .

(3/265)

وقال أبو زرعة: "لا بأس به"1. وقال أبو حاتم: "يُكْتَبُ حديثه"2. وقال ابن عمار: "ثقة، ليس بين الناس اختلاف"3. وقال ابن شاهين: "ثقة ثقة، قاله أحمد ويحيى"4. وقال الذهبي: "ثقة"5. فإذا ظهر ذلك، فإنه لا متعلق لأحدٍ على عبد العزيز في تضعيف هذا الحديث.

ويتلخص من ذلك أن ما أُعِلَّ به الحديث لا يضره، بل صححه الحافظ أبو زرعة الدمشقي رحمه الله، فقال: "وهذا حديثٌ مُتَّصِلٌ حسنُ المخرج والاتصال، لم أر أحداً من أهل العلم يدفعه"6. وقال مرة: "ولم أر أبا مسهر لما تَحَدَّثَ بهذا الحديث أنكره، ولا رَدَّهُ"7. ولذلك - والله أعلم - قال البخاريُّ - رحمه الله - وقد علقه في (صحيحه) 8 بصيغة تمريض، فقال: ويذكر عن تميم الداري رفعه ... - قال: "واختلفوا في صحة هذا الخبر". فلم يقطع - رحمه الله - بضعفه.

ثم إن البخاريَّ - رحمه الله - قد ردَّ هذا الخبر لا لِعِلَّةٍ فيه، وإنما

__________

1 الجرح والتعديل: (2/2/389) .

2 الجرح والتعديل: (2/2/389) .

3 تهذيب التهذيب: (6/350) .

4 تاريخ الثقات: (ص 162) رقم 932.

5 الكاشف: (2/177) .

6 تاريخ أبي زرعة الدمشقي: (1/571) .

7 المصدر السابق.

8 ك الفرائض، باب إذا أسلم على يديه ... فتح الباري: (12/45) .

(3/266)

لمعارضته خبراً آخر، فإنه قال في (تاريخه) 1 - بعد أن أخرجه -: "ولا يصح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق".

وَرَدَّهُ الأوزاعي - أيضاً - من وجه آخر، فروى أبو زرعة الدمشقي بسنده إلى الوليد بن مسلم: أن الأوزاعي كان يدفع هذا الحديث، ولا يرى له وجهاً، ويحتجُّ على ذلك: بأنه لم يكن للمسلمين يومئذٍ ذمةٌ ولا خراجٌ2.

ولكن تأويلّ هذا الحديث على الوجه الذي اختاره ابن القَيِّم رحمه الله - من أن المقصود بالأولوية: أولوية النصرة، والتأييد، والمعاونة، لا أولوية الميراث - يدفع هذا الإشكال، وقال ابن حجر بأن هذا اختيار الجمهور، قال: "ورجحانه ظاهر"3.

فتلخص من ذلك: أن هذا الحديث قد أُعِلَّ بما لا يؤثر فيه، وأنه بهذا الإسناد يصلُ إلى درجة الحَسَنِ - أو أدنى الحسن - كما قال ابن القَيِّم رحمه الله.

ثم ذكر ابن القَيِّم بعد ذلك شاهداً لهذا الحديث، فقال: "وأما تضعيفُ الحديث: فقد رُوِيَت له شواهد. منها: حديث أبي أمامة".

قلت: يشير - رحمه الله - إلى: ما رُوي:

__________

1 الكبير: (3/1/198 - 199) .

2 تاريخ أبي زرعة: (1/571) .

3 فتح الباري: (12/47) .

(3/267)

117- (5) عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أَسْلَمَ على يدي رجلٍ، فله ولاؤه ".

ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - أن هذا الحديث وإن رُدَّ بـ"جعفر ابن الزبير" فإنه قد رُوي من طريق آخر عند سعيد بن منصور1.

قلت: حديثُ سعيد بن منصور هذا مُخَرَّجٌ في (سننه) 2، وأخرجه أيضاً: الطبراني في (الكبير) 3، والدارقطني في (سننه) 4، وابن عدي في (الكامل) 5 - ومن طريقه البيهقي في (سننه) 6 - كلهم من طريق: عيسى بن يونس7، عن معاوية بن يحيى8، عن القاسم بن عبد الرحمن9، عن أبي أمامة رضي الله عنه به. وعند الطبراني: "فهو مولاه" بدل: "فله ولاؤه".

__________

1 تهذيب السنن: (4/186) .

(3/1/78) ح 200.

(8/223) ح 7781.

(4/181) ح 32.

(6/401) .

(10/298) .

7 ابن أبي إسحاق السٍّبيعي، أخو إسرائيل، كوفيٌّ نزل الشام مرابطاً، ثقةٌ مأمونٌ، من الثامنة، مات سنة 187هـ وقيل: 191هـ / ع. (التقريب 441) .

8 الصَّدَفي، أبو روح الدمشقي، سكن الرَّي، ضعيفٌ، وما حَدَّثَ بالشام أحسن مما حدث بالرَّيِّ، من السابعة/ ت ق. (التقريب 538) .

9 الدمشقي، أبو عبد الرحمن.

(3/268)

وهذا الإسناد ضعيفٌ لأجل معاوية بن يحيى، فقد أجمعوا على ضعفه1، ولذلك فقد أعلَّ هذا الحديث به: ابنُ عدي، والدارقطني، والبيهقي، والهيثمي2. وقال ابن أبي حاتم في (العلل) 3: "وسمعت أبا زرعة وقرأ علينا كتاب الفرائض، فانتهى إلى حديث كان عنده عن: عمرو الناقد، عن عيسى بن يونس، عن معاوية بن يحيى ... فامتنع أبو زرعة من فراءته علينا، ولم نسمعه منه".

قلت: ومعاوية بن يحيى وإن كان ضعيفاً، فقد ذهب بعضهم إلى أنَّ ما حَدَّثَ به بالشام أحسنُ حالاً من غيره4، وإسناد هذا الحديث شاميٌّ، فالغالب أنه مما حَدَّثَ به بالشام، فلعل ذلك يُعطي هذا الحديث قوةً، وأنه - مع ضعف إسناده - إذا ضُمَّ إلى حديث تميم الداري المتقدم، تَقَوَّى كلُّ منهما بالآخر.

وأما رواية جعفر بن الزبير5 التي أشار إليها ابن القَيِّم آنفاً: فأخرجها ابن عديٍّ في (الكامل) 6 - ومن طريقه البيهقي في (سننه) 7 -

__________

1 انظر ترجمته في الميزان: (4/138) ، وتهذيب التهذيب: (10/219) .

2 مجمع الزوائد: (5/334) .

(2/53) ح 1646.

4 قاله أبو زرعة، انظر: الجرح والتعديل: (4/1/384) .

5 الحنفي، أو الباهلي، الدمشقي، نزيل البصرة، متروك الحديث، وكان صالحاً في نفسه، من السابعة، مات بعد 140هـ / ق. (التقريب 140) .

(2/135) .

(10/298) .

(3/269)

من طريق: عيسى بن يونس، عن جعفر بن الزبير، وبالإسناد المتقدم في حديث معاوية.

ولكنَّ جعفر بن الزبير متروك الحديث عندهم1، فيكون الاعتماد في حديث أبي أمامة هذا على ما جاء من رواية معاوية بن يحيى الصدفي - على ما فيها من ضَعْفٍ - فإنها تصلح شاهداً لحديث تميم الماضي، كما ذهب إلى ذلك ابن القَيِّم رحمه الله، والله أعلم.

__________

1 انظر تهذيب التهذيب: (2/90 - 92) .

(3/270)

من كتاااااااب الاذكاااار

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها

18- من كتاب الأذكار

1 - باب ما يقول من نسي التسمية في أول طعامه

118- (1) عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرَ اسْمَ الله تعالى، فَإِنْ نَسِيَ أن يَذْكُرَ اسم الله تعالى في أَوَّلِهِ فَلْيَقُل: بِسْم اللهِ في أَوَّلِهِ وآخره".

قال ابن القَيِّم رحمه الله: "حديث صحيح"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2 من طريق: إسماعيل بن عُلَيَّة. والترمذي في (جامعه) 3، وأحمد في (المسند) 4 من طريق: وكيع. والدارمي في (مسنده) 5 من طريق: معاذ بن هشام. والحاكم في (المستدرك) 6 من طريق: عَفَّان بن مسلم. والبيهقي في (سننه) 7 من طريق: روح، وكذا أحمد في رواية8. والنسائي في (عمل اليوم والليلة) 9 من طريق: المعتمر بن سليمان. والطيالسي في (مسنده) 10،

__________

1 زاد المعاد: (2/397) .

(4/139) ح 3767، ك الأطعمة، باب التسمية على الطعام.

(4/288) ح 1858. ك الأطعمة، باب ما جاء في التسمية على الطعام.

(6/208) .

(2/21) ح 2027.

(4/108) .

(7/276) .

(6/246) .

(ص 261) ح 281، باب ما يقول إذا نسي التسمية ثم ذكر.

10 ح 1566.

(3/273)

كلهم عن: هشام الدستوائي، عن بُدَيْل بن ميسرة، عن عبد الله بن عبيد ابن عُمَير1، عن أم كلثوم - وفي رواية أبي داود، وكذا الطيالسي: عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم - عن عائشة رضي الله عنها به.

وأخرجه ابن ماجه في (سننه) 2، وأحمد والدارمي في (مسنديهما) 3، وابن حبان في (صحيحه) 4، أربعتهم عن: يزيد بن هارون، عن هشام الدستوائي بالإسناد المتقدم، إلا أنه ليس فيه ذكر لأم كلثوم، وفي هذه الرواية قصة.

وهذا الإسناد منقطع؛ فإن عبد الله بن عبيد بن عمير لم يسمع من عائشة، كما قال ابن حزم5 رحمه الله. ولا شكَّ أنَّ رواية الجماعة الذين ذكروا "أم كلثوم" أولى من رواية يزيد بن هارون الذي انفرد بإسقاطها، فتقدم عليها.

وهذا الحديث قال فيه الترمذي: "حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. مع تصحيح ابن حبان إياه.

__________

1 الليثي، الْمَكِّي، ثقة، من الثالثة، استشهد غازياً سنة 113 هـ/ م 4. (التقريب 312) .

(2/1086) ح 3264.

3 حم: (6/ 143) ، مي: (2/21) ح 2026.

4 الإحسان: (7/323) ح 5191.

5 انظر: تهذيب التهذيب: (5/308) .

(3/274)

قلت: لكن في الإسناد أم كلثوم، راوية الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وقد وقع خلاف فيها، فقال الترمذي - رحمه الله - عقب إخراجه حديثها: "هي بنت محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه". قال ابن حجر عقبه: "كذا في عدة أصول، ولا يعكر عليه إلا ما وقع في رواية أبي داود، عن عبد الله بن عبيد، عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم"1. وقال في (التقريب) 2 - معقباً على قول الترمذي -: "فعلى هذا فهي تيمية لا ليثية". وتردد فيها المزي فترجمها: "الليثية أو المكية"3 لكن قال ابن حجر: "فقول ابن عمير: عن امرأة منهم. قابل للتأويل، فينظر فيه، فلعل قوله: منهم أي كانت منهم بسبب: إما بالمصاهرة، أو بغيرها من الأسباب"، قال: "والعمدة على قول الترمذي"4. وقال في (النكت الظراف) 5: "ويمكن تأويل قوله: منهم. أي من أهل جوارهم".

وعلى كُلِّ حالٍ، فسواء أكانت ليثية أم تيمية، فإنها لا يُعْرَفُ لها حال ولا عينٌ، فلم يرو عنها غير: عبد الله بن عمير الليثي" هذا، ولم يوثقها أحد فيما فتشت عنها، ولذلك ذكرها الحافظ الذهبي في آخر كتابه (الميزان) 6 ضمن النساء المجهولات، فقال: "تفرد عنها عبد الله بن عبيد بن عمير في التسمية على الأكل".

__________

1 النكت الظراف: (12/ 443) .

(ص 758) .

3 تهذيب الكمال: (35/382) .

4 تهذيب التهذيب: (12/478) .

(12/443) .

(4/613) .

(3/275)

وعلى هذا: فإنَّ الحُكْمَ على هذا السند متوقفٌ على العلم بحال أم كلثوم هذه، إلا أن يُحْمَل تصحيح من صححه على قول الذهبي رحمه الله: "وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها"1، ومع ذلك فالحديث له شواهد يمكن أن يَتَقَوَّى بها، فمن هذه الشواهد:

حديث أُمَيَّة بن مَخْشِيِّ، ذكره ابن حجر في (فتح الباري) 2 عقب حديث عائشة السالف، فقال: "وله شاهد من حديث أمية بن مخشي ... ".

قلت: وهذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والطبراني في (معجمه الكبير) 4 من طريق: عيسى بن يونس. وأخرجه: أحمد في (مسنده) 5، والطبراني - أيضا - في (معجمه) 6، والنسائي وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 7، والحاكم في (المستدرك) 8، خمستهم من طريق: يحيى بن سعيد، كلاهما عن:

__________

1 الميزان: (4/604) .

(9/521) .

(4/140) ح 3768.

(1/268) ح 855.

(4/336) .

(1/268) ح 854.

7 سي: (ص 262) ح282. ابن السني: (ص 218) ح461.

(4/108) .

(3/276)

جابر بن صُبْح1، عن المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي2، عن عمه أمية بن مخشي3 - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه قال: "بسم الله أوله وآخره". فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ما زالَ الشيطان يأكلُ معه، فلما ذَكَرَ اسم الله - عز وجل - استقاء ما في بطنه". لفظ رواية عيسى بن يونس.

وقد وقع في رواية عيسى بن يونس: أن أُمَيَّة بن مخشي عمُّ الْمُثَنَّى، وفي رواية يحيى بن سعيد: أنه جده. وكأن ابن حجر - رحمه الله - يُضَعِّفُ القول الثاني؛ فإنه قال: "روي عن أمية بن مخشي وهو عمه، ويقال: جده"4.

والْمُثَنَّى بن عبد الرحمن تَفَرَّدَ عنه جابر بن صبح5، لم يرو عنه غيره، ولم يوثقه أحد غير ابن حبان6، وقال علي بن المديني: "مجهول"7. وقال الذهبي: "لا يعرف"8. وسكت عنه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 9.

__________

1 الرَّاسبي، أبو بشر البصري، صدوق، من السابعة/ د ت س. (التقريب 136) .

2 مستور، من الثالثة / د س. (التقريب 519) .

3 صحابيٌّ، يكنى أبا عبد الله / د س. (التقريب 115) .

4 تهذيب التهذيب: (10/ 37) .

5 انظر: الميزان: (3/ 435) .

6 الثقات: (7/ 503) .

7 تهذيب التهذيب: (10/ 37) .

8 الميزان: (3/ 435) .

(4/ 1/ 326) .

(3/277)

ومن هذا يعلم أن قول الحاكم رحمه الله: "صحيح الإسناد"، وموافقة الذهبي إياه غير مقبول منهما؛ إذ الجهل بحال الْمُثَنَّى يمنع من الحكم بصحة إسناده.

وثَمَّةَ شاهد آخر من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:

أخرجه: ابن حبان في (صحيحه) 1، والطبراني في (الكبير) 2، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 3، ثلاثتهم من طريق: خليفة بن خياط، عن عمر بن علي المقدمي4، عن موسى5 الجهني، عن القاسم ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود6، عن أبيه7، عن جده رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من نَسِيَ أن يذكر الله في أول طعامه، فليقل حين يذكر: بسم الله في أوله وآخره؛ فإنه يستقبل طعاماً جديداً، ويمنع الخبيث ما كان يصيب منه ".

__________

1 الإحسان: (7/ 322) ح 5190.

(10/210) ح 10354.

(ص 217) ح 459.

4 بصري، أصله واسطي، ثقة وكان يدلس تدليساً شديداً، من الثامنة، مات سنة 190 هـ/ ع. (التقريب 416) .

5 ابن عبد الله، ويقال: ابن عبد الرحمن، أبو سلمة الكوفي، ثقة عابد، لم يصح أنَّ القطان طَعَنَ فيه، من السادسة، مات سنة 144 هـ/ م ت س ق. (التقريب552) .

6 المسعودي، أبو عبد الرحمن، الكوفي، ثقةٌ عابدٌ، من الرابعة، مات سنة 120 هـ أو قبلها/ خ 4. (التقريب 450) .

7 عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، الكوفي، ثقة، من صغار الثانية، مات سنة79 هـ، وقد سمع من أبيه، لكن شيئاً يسيراً / ع. (التقريب 344) .

(3/278)

وهذا الإسناد رجاله ثقات، غير أنه يُخْشَى من عَدَمِ سماع عبد الرحمن بن عبد الله هذا الحديث من أبيه، فإنه قد تُكُلِّمَ في سماعه منه، واختلف الأئمة في ذلك، فمنهم من أثبت له السماع، ومنهم من نفاه، وقال علي بن المديني: "سمع من أبيه حديثين: حديث الضبِّ، وحديث تأخير الوليد للصلاة"1.

وفي الإسناد أيضاً: عمر بن علي الْمُقَدَّمي، وهو شديد التدليس، كما وصفه بذلك ابن حجر2 رحمه الله، ولكنه صَرَّحَ هنا بالسماع، فانتفى بذلك احتمال تدليسه.

وذكر له الشيخ الألباني شاهداً ثالثاً3: من رواية امرأة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعزاه لأبي يعلى4، وقال: "بسند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، غير إبراهيم بن الحجاج، وهو ثقة". ثم نقل عن الهيثمي قوله: "رجاله ثقات"5. وصحح إسناده أيضاً: محقق المسند.

فَتَحَصَّلَ من ذلك: أن حديثَ الباب وإن كان فيه ضعف، فإنه يَتَقَوَّى بهذه الشواهد، ويصير بذلك حسناً على أقل أحواله. أما تصحيح

__________

1 تهذيب التهذيب: (6/215 - 216) . وانظر: جامع التحصيل: (ص 272) .

2 طبقات المدلسين: (ص 130) في الطبقة الرابعة، وانظر: تهذيب التهذيب: (7/486) .

3 إرواء الغليل: (7/27) .

4 المسند: (13/78) ح7153.

5 مجمع الزوائد: (5/22) .

(3/279)

ابن القَيِّم - رحمه الله - إياه فلا يوافق عليه، لما تقدم من الكلام في طرقه، فلعله - رحمه الله - وقف عليه من طرق صحيحة غير هذه، أو قصد: أنه صحيح بشواهده، والله أعلم.

وقد رمز له السيوطي بالصحة1، وصححه الشيخ الألباني2، مع ما تقدم من تصحيح الترمذي والحاكم والذهبي لرواية عائشة رضي الله عنها.

__________

1 الجامع الصغير مع فيض القدير: (1/296) ح476.

2 إرواء الغليل: (7/24) ح 1965، وصحيح الجامع رقم: (380) .

(3/280)

2 - باب ما يقول إذا دخل السوق

119- (2) عن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ دَخَل السُّوق فقال: لا إِلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ، له الْمُلْكُ وله الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ، وهو حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخير، وهو على كُلِّ شَيءٍ قَدير: كُتِبَ له ألفُ ألفِ حسنة، ومُحِيَ عنه ألفُ ألفِ سيئة، وَرُفِعَ لَهُ ألفُ ألفِ درجة".

ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (تهذيب السنن) 1 ثم قال: "حديثٌ معلولٌ، لا يثبتُ مثله، وذكر له الترمذيُّ طرقاً". ثم ذكر هذه الطرق، وبيّن عِلَّةَ كل طريق منها:

أما الطريق الأولى: فإنها أمثل طرقه، لكن فيها أزهر بن سنان، وهو لا بأس به، وقد تكلم فيه بعضهم.

وأما الطريق الثانية: ففيها عمرو بن دينار2، وقد ضُعِّفَ.

وأما الطريق الثالثة: ففيها عمران بن مسلم، وهو منكر الحديث.

قلت: هذا الحديث مداره على: سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله، عن جَدِّه عمر رضي الله عنه. وله عن سالم طرق:

__________

(7/336 - 337) . وانظر: المنار المنيف: (ص41 - 43) .

2 البصري، الأعور، قهرمان آل الزبير، أبو يحيى، ضعيفٌ، من السادسة / ت ق. (التقريب 421) .

(3/281)

الطريق الأول: رواه عمرو بن دينار، عن سالم به.

أخرجه: ابن ماجه في (سننه) 1، وأحمد والطيالسي في (مسنديهما) 2، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 3، والطبراني في (الدعاء) 4، كلهم من طريق: حماد بن زيد.

وأخرجه الترمذي في (جامعه) 5 من طريق: المعتمر بن سليمان وحماد بن زيد.

وأخرجه الطبراني في (الدعاء) 6 من طريق: ثابت بن يزيد7.

وأخرجه الطبراني في (الدعاء) 8 - أيضاً - من طريق: عبد الله بن بكر السهمي9، عن هشام بن حسان. جميعهم عن: عمرو بن دينار، عن سالم به.

__________

(2/752) ح 2235. ك التجارات، باب الأسواق ودخولها.

2 حم: (1/47) . طس: (ح 12) .

(ص95) ح182. باب ما يقول إذا دخل السوق.

(2/1165) ح789، باب القول عند دخول الأسواق.

(5/491) ح3429. ك الدعوات، باب ما يقول إذا دخل السوق.

(2/1166) ح791.

7 الأحول، أبو زيد البصري، ثقة ثَبْتٌ، من السابعة، مات سنة 169 هـ/ع. (التقريب 133) .

(2/1166) ح790.

9 أبو وهب البصري، ثقةٌ، مات سنة 208 هـ / ع. (التقريب 297) .

(3/282)

وخالف فضيل بن عياض1 عبد الله السهمي، فرواه عن: هشام بن حسان، عن سالم، عن ابن عمر2. فأسقط منه "عمرو بن دينار" و"عمر ابن الخطاب".

وخالفهما: سويد بن عبد العزيز، فرواه عن: هشام، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب موقوفاً عليه3، ولم يذكر فيه "سالماً".

وقد أُعِلَّ هذا الطريق بعلل:

أولها: أنه مضطرب، قال الإمام الدارقطني - بعد أن ذكرَ أوجه الاختلاف فيه -: "ويشبه أن يكون الاضطراب فيه من عمرو بن دينار"4.

ثانيها: ضعف عمرو بن دينار5، وقد أَعَلَّهُ بذلك الدارقطني أيضاً6.

ثالثها: نكارته، قال أبو حاتم: "هذا حديث منكر جداً، لا يحتمل سالم هذا الحديث"7.

__________

1 ابن مسعود التميمي، أبو علي، الزاهد المشهور، ثقةٌ عابدٌ إمامٌ، من الثامنة، مات سنة 187 هـ، وقيل: قبلها/ خ م د ت س. (التقريب 448) .

2 انظر: علل الدارقطني: (2/49) .

3 المصدر السابق.

4 علل الدارقطني: (2/49) .

5 انظر أقوال العلماء فيه في: تهذيب التهذيب: (8/30 - 31) .

6 علل الدارقطني: (2/49) .

7 علل ابن أبي حاتم: (2/171) .

(3/283)

الطريق الثاني عن سالم: رواه عنه محمد بن واسع1.

أخرجه الترمذي في (جامعه) 2، والدارمي في (مسنده) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، والعقيلي في (الضعفاء) 5 كلهم من طريق: يزيد بن هارون.

وأخرجه الطبراني في (الدعاء) 6 من طريق: سعيد بن سليمان الواسطي. كلاهما عن:

أزهر بن سنان7، عن محمد بن واسع قال: قدمتُ مكة فلقيني أخي سالم بن عبد الله بن عمر، فَحَدَّثَنِي عن أبيه، عن جَدِّه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره. وزاد الدارمي والعقيلي قول محمد بن واسع: "فقدمت خراسان فلقيتُ قتيبة بن مسلم، فقلت: إني أتيتك بهدية، فحدثته، فكان يركب في موكبه، فيأتي السوق، فيقوم فيقولها، ثم يرجع".

ووقع في المستدرك: "قدمت المدينة" بدل "مكة". ولعله خطأ.

__________

1 ابن جابر بن الأخنس الأزدي، أبو بكر أو أبو عبد الله، البصري، ثقةٌ عابدٌ كثيرُ المناقب، من الخامسة، مات سنة 123 هـ/ م د ت س. (التقريب 511) .

(5/491) ح 2428.

(2/203) ح2695، ك الاستئذان، باب ما يقول إذا دخل السوق.

(1/538) .

(1/133) .

(2/1167) ح792.

7 البصري، أبو خالد القرشي، ضعيف، من السابعة/ ت. (التقريب 97) .

(3/284)

وأزهر بن سنان ضعيف، قال ابن معين: "لا شيء"1. ولَيَّنَه الإمام أحمد2. وقال الساجي: "فيه ضعف"3. وقال العقيلي: "في حديثه وهم"4. وقال ابن حبان: " ... منكر الرواية في قلته، لم يتابع الثقات فيما رواه"5. وقال الذهبي: "فيه لين"6.

قلت: ومع ضعف أزهر هذا، فقد خالفه فيه يزيد الدورقي صاحب الجواليق7، فقد أخرج العقيلي في (ضعفائه) 8 من حديث إبراهيم بن حبيب بن الشهيد9، قال: حدثنا يزيد الدورقي أبو الفضل - صاحب الجواليق - قال: كان محمد بن واسع الأزدي لا يزال يجيء إلى دكان، فيقعد ساعة في أصحاب الجواليق، فنرى أنه يذكر ربه، فحدثنا، قال: كنت بخراسان مع قتيبة، فاستأذنته في الحج، فأذن لي، فلقيت سالم ابن عبد الله، فسمعته يذكر: أنه من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله ... قال: فلما رجعت إلى خراسان قال لي قتيبة: ما أفدتنا؟ فحدثته بهذا

__________

1 الجرح والتعديل: (1/1/ 314) .

2 تهذيب التهذيب: (1/204) .

3 المصدر السابق.

4 تهذيب الكمال: (2/327) . ولم أجده في العقيلي.

5 المجروحين: (1/178) .

6 المغني: (1/65) .

7 الجُوَالِقَ: وعاءٌ. والجمع: الجَوَالِقَ، بالفتح، والجَوَالِيق. (مختار الصحاح 106) .

(1/134) .

9 الأزدي، أبو إسحاق البصري، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة 203 هـ/ س. (التقريب 88) .

(3/285)

الحديث. فكان قتيبة يركب في الأيام، فيقف في السوق فيقولها أربعين مرة، ثم ينصرف.

فهو هنا موقوفٌ على سالم من قوله، ولم أقف - بعد البحث - على ترجمة يزيد صاحب الجواليق، لكن قدم العقيلي هذه الرواية على رواية أزهر السالفة، فقال: "وهذا أولى من حديث أزهر"1.

وقد حكم الأئمة على رواية أزهر بالنكارة والضعف، فقد نقل أبو غالب الأزدي عن علي بن المديني أنه ضعّف أزهر بن سنان جداً في حديث رواه عن محمد بن واسع، وأشار ابن حجر - رحمه الله - إلى أن المقصود هو هذا الحديث2.

وحكم أبو حاتم على الحديث بالنكارة، وحمل ذلك على محمد بن واسع، فقال: "روى عن سالم، عن ابن عمر حديثاً منكراً"3. لكن تعقبه الذهبي رحمه الله، فقال: "النكارة إنما هي من قِبَلِ الراوي عنه"4. يعني: أزهر بن سنان.

فقد تَبَيَّنَ من ذلك أن حديث أزهر هذا ضعيف السَّنَد، وأنَّ الصَّوابَ وقفه على سالم بن عبد الله بن عمر، مع الحكم بنكارته: ربما من أجل متنه كما سيأتي، وربما من أجل المخالفة في إسناده، فإن المشهور أنه: عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله.

__________

1 الضعفاء: (1/134) .

2 تهذيب التهذيب: (1/204) .

3 الجرح والتعديل: (4/1/ 113) .

4 الميزان: (4/58) .

(3/286)

ومن أجل ذلك فقد حكم الترمذي على حديث أزهر هذا بالغرابة، فقال: "هذا حديث غريب".

ولهذا الحديث طريق ثالث:

أخرجه الترمذي في (علله) 1 - وعلقه في (جامعه) 2 - والعقيلي في (الضعفاء) 3، والحاكم في (المستدرك) 4 من طريق:

يحيى بن سليم الطائفي، عن عمران بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعاً.

وعمران بن مسلم اختلف فيه الأئمة في هذا الحديث: هل هو عمران القصير أم غيره؟ فَفَرَّقَ البخاريُّ بينهما، وجعل الراوي هنا غير القصير، فقد سأله الترمذي: من عمران بن مسلم هذا، هو عمران القصير؟ فقال البخاري: "لا، هذا شيخ منكر الحديث"5. وفرق بينهما العقيلي في (الضعفاء) 6، وكذا ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 7.

وخالفهم في ذلك الدارقطني رحمه الله، فقال: "وقد قيل إن

__________

(2/912) باب ما يقول إذا دخل السوق.

(5/492) .

(3/304) .

(1/539) .

5 علل الترمذي: (2/912) .

(3/304 - 305) .

(3/1/304 - 305) .

(3/287)

عمران بن مسلم هذا ليس بعمران القصير، ذكره أبو عيسى ... عن البخاري، وهو عندي عمران القصير ... ليس فيه شك"1.

وحاصل الخلاف في ذلك: أَنَّ عمران القصير من رجال الصحيح، أما الآخر - فكما قال البخاري -: منكر الحديث، ولكن مهما يكن من أمر فإن هذه الرواية قد ضَعَّفَها الأئمة، فقال الإمام البخاري - لما سأله عنها الترمذي -: "هذا حديث منكر"2. وكذا قال أبو حاتم3 رحمه الله.

وقال ابن أبي حاتم: "وهذا الحديث هو خطأ، إِنَّمَا أراد: عمران ابن مسلم، عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، عن سالم، عن أبيه. فغلط وجعل بدل عمرو: عبد الله بن دينار، وأسقط سالماً من الإسناد"4. ثم ساقه بإسناده إلى عمران بن مسلم على الصواب.

قلت: وعلى قول من ذهب إلى أن عمران هذا هو القصير، فَإِنَّه - أيضاً - ينفردُ بأشياء لا يرويها غيره5. وقد ذكره ابن حبان في (الثقات) 6 لكنه قال: "إلا أن في رواية يحيى بن سليم عنه بعض

__________

1 علل الدارقطني: ج4 ق (58/ أ) .

2 علل الترمذي: (2/912) .

3 علل ابن أبي حاتم: (2/181) .

4 المصدر السابق.

5 انظر: تهذيب التهذيب: (8/138) .

(7/242) .

(3/288)

المناكير ... ". وهذا الحديث هو من رواية يحيى بن سليم عنه، فيكون قد وقع فيه خطأ على ما بَيَّنَ ابن أبي حاتم رحمه الله، ويرجع الحديث بذلك إلى رواية عمرو بن دينار عن سالم المتقدمة، وقد تبين ما فيها من مقال.

فَتَلَخَّصَ من ذلك: أنَّ أسانيدَ هذا الحديثِ لا تخلو من مقال، قال العقيلي رحمه الله: "والأسانيد فيه فيها لين"1. وقد مضى معنا حكم جماعة من العلماء عليه بالنكارة، فقد تكون النكارة في متنه من جهة ذكر هذا العدد فيه على هذه الصورة، وقد أشار إلى ذلك الإمام الشوكاني بقوله: " ... وإن كان في ذكر العدد على هذه الصفة نكارة"2. فقد علم أن من جملة القرائن التي يستدل بها على بطلان الحديث: اشتماله على الإفراط بالوعد العظيم على الفعل اليسير3.

وقد ضَعَّفَهُ أيضاً الأئمة: النسائي، والدارمي، وأبو زرعة كما في (كشف الخفاء) 4. وقال العلامة أحمد شاكر: "إسناده ضعيف جداً"5. يشير إلى رواية عمرو بن دينار المتقدمة.

وأما جعل البغوي له في (مصابيح السنة) 6 من قسم الحسن،

__________

1 الضعفاء: (3/ 305) .

2 تحفة الذاكرين: (ص 209) .

3 انظر: النكت على ابن الصلاح، لابن حجر: (2/843) .

(2/248) ح2472.

5 التعليق على المسند: (1/297) ح327.

(1/118) .

(3/289)

وكذا تحسين الشوكاني له1، ثم الشيخ الألباني2: فلم أر أن الصواب قد حالفهم في ذلك، ويكون ابن القَيِّم - رحمه الله - بذلك قد أصاب في إعلاله هذا الحديث، وقوله إنه "لا يثبت مثله" والله تعالى أعلم.

__________

1 تحفة الذاكرين: (ص 209) .

2 في صحيح الجامع: (ح 6231) .

(3/290)

3 - باب من قال: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس

120- (3) عن عبد الرحيم بن زيد العَمِّي، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذكروني عند ثلاث: تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس".

ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث دليلاً للقائلين بعدم استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس، ثم قال: "لا يصح ... وله ثلاث علل:

إحداها: تَفَرُّدُ سليمان بن عيسى به، قال البيهقي: وهو في عِدَادِ من يَضَعُ الحديث.

الثانية: ضَعْفُ عبد الرحيم العَمِّي.

الثالثة: انقطاعه"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه البيهقي في (سننه) 2 من طريق: يحيى ابن يحيى، عن سليمان بن عيسى3، عن عبد الرحيم بن زيد4 العمي، عن أبيه5، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

__________

1 جلاء الأفهام: (ص 237) .

(9/286) .

3 هو: سليمان بن عيسى بن نجيح السجزي.

4 ابن الحواري، البصري، أبو زيد، متروك، كَذَّبَهُ ابن معين، من الثامنة، مات سنة 184 هـ / ق. (التقريب 354) .

5 زيد بن الحواري، أبو الحواري، قاضي هَرَاة، ضعيف، من الخامسة/4. (التقريب223) .

(3/291)

وقد ذكر البيهقي - رحمه الله - العلل الثلاث، وأشار إلى عِلَّةٍ رابعة لم يَتَعَرَّض لها ابن القَيِّم رحمه الله، وهي: ضعف زيد العَمِّي، والد عبد الرحيم.

أما العلة الأولى، وهي الكلام في سليمان بن عيسى: فإنه كما قال البيهقي، فقد قال الجوزجاني: "كان كَذَّابَاً مُصَرِّحَاً"1. وقال أبو حاتم: "رَوَى أحاديث موضوعة، وكان كَذَّابَاً"2. وقال الذهبي: "هالكٌ"3. وتتمة كلام البيهقي - كما في (السنن) 4 له -: "ولو عرف يحيى بن يحيى حالَه، لما استجازَ الرواية عنه".

وأما العِلَّةَ الثانية، وهي ضَعْفُ عبد الرحيم العَمِّي: فإن حاله أسوأ مما قال ابن القَيِّم رحمه الله، فقد كَذَّبَه ابن معين5. وقال البخاري: "تركوه"6. وقال النسائي: "متروك"7. وقال أبو حاتم: "ترك حديثه"8. وقال أبو زرعة: "واهي، ضعيف الحديث"9. وقال

__________

1 أحوال الرجال: (ص 207) .

2 الجرح والتعديل: (2/1/ 134) .

3 الميزان: (2/218) .

(9/286) .

5 الميزان: (2/605) .

6 الضعفاء الصغير: (ص 157) .

7 الضعفاء والمتروكين: (ص 69) .

8 الجرح والتعديل: (2/2/340) .

9 المصدر السابق.

(3/292)

الجوزجاني: "غير ثقة"1. وقال ابن حبان: "يروي عن أبيه العجائب، لا يشك من الحديث صناعته أنها معمولة أو مقلوبة كلها ... "2. وقال الحافظ ابن حجر: "متروك".

وأما أبوه زيد: فإنه وإن كان أحسن حالاً من ولده، إلا أنه قد ضُعِّفَ أيضاً، فقال ابن معين: "ليس بشيء"3. وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، يُكْتَبُ حديثه ولا يحتجُّ به"4. وقال ابن حبان في ترجمة ابنه: " ... فأما ما روى عن أبيه: فالجرحُ ملزقٌ بأحدهما أو بهما"5.

وقد سبق التنبيه على أنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - لم يذكر سوى ثلاث علل، ولم يذكر ضعف "زيد العمي" والد عبد الرحيم، ولعل السبب في ذلك هو أنه أورد الحديث من رواية: عبد الرحيم بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بدون ذكر أبيه، ولكن الحديث في (سنن البيهقي) : عن عبد الرحيم بن زيد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب.

وأما العلة الثالثة، وهي انقطاعه: فلم يذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - وجهه، ولعل موضعه: بين زيد العمي والنبي صلى الله عليه وسلم، فإن زيداً هذا لم

__________

1 أحوال الرجال: (ص 197) .

2 المجروحين: (2/161) .

3 رواية الدقاق عن ابن معين: (ص 40) رقم 47.

4 الجرح والتعديل: (1/2/560) .

5 المجروحين: (2/161) .

(3/293)

يدرك النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً، بل تُكُلِّم في روايته عن مرة الهمداني1.

فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن الحديث لا يصحُّ كما قال ابن القَيِّم رحمه الله، بل قال الشيخ الألباني: "موضوع"2.

__________

1 انظر: (المراسيل) لابن أبي حاتم: (ص 65) .

2 السلسلة الضعيفة: (ح 539) .

(3/294)

من كتاب الفضااااائل

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها

19- من كتاب الفضائل

1 - باب في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

121- (1) عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيّ صَلاةً لَمْ تَزَل الملائكةُ تُصَلِّي عليه ما صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبدٌ من ذلك أو لِيُكْثِرْ".

أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث من طريق الإمام أحمد، بإسناد فيه عاصم بن عبيد الله، ثم أورده من طريق عبد الرزاق: عن عبد الله بن عمر العمري بلفظ قريب، ثم قال: "وعاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر العُمَرِي، وإن كان في حديثهما بعض الضعف، فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين، يدلُّ على أن له أصلاً، وهذا لا ينزل عن وسط درجات الحسن"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (سننه) 2، وأحمد والطيالسي في (مسنديهما) 3، وإسماعيل بن محمد الأصبهاني في (الترغيب والترهيب) 4 وإسماعيل بن إسحاق القاضي في (فضل الصلاة على

__________

1 جلاء الأفهام: (ص 29) ح 46، 47.

(1/ 294) ح 907، ك إقامة الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

3 حم: (3/ 445) . طس: (ح 1142) .

(2/ 686) ح 1652، باب الترغيب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

(3/297)

النبي) 1 - وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) 2 من طريق الطيالسي - كلهم من طريق: شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه عامر بن ربيعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم به. واللفظ المذكور هو لفظ الإمام أحمد، وفيه قول عامر بن ربيعة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول ... فذكره، وألفاظ الباقين بنحوه.

وهذا الإسناد ضعيف من أجل عاصم بن عبيد الله؛ فإن الجمهور على ضعفه3، بل قال فيه البخاري4، وأبو زرعة، وأبو حاتم5: "منكر الحديث". وقال الدارقطني: "مدنيٌّ يترك هو مُغَفَّلٌ"6.

قلت: وكأنَّ الكلام فيه من قِبَلِ حفظه، فقد كان يخطئ ويَهِمُ، ومع ذلك فقد احتمله البعضُ، قال العجلي: "لا بأس به"7. وقال ابن عدي: "روى عنه ثقات الناس واحتملوه، وهو مع ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حديثه"8. وقد جعله بعضُ الأئمة في مرتبة عبد الله بن محمد بن عقيل،

__________

1 انظره مع تخريج الألباني: (ص 27) ح6.

(1/ 180) .

3 انظر ترجمته في: الميزان: (2/353 - 354) . وتهذيب التهذيب: (5/46 - 49) .

4 الضعفاء الصغير: (ص 180) .

5 الجرح والتعديل: (3/ 1/ 348) .

6 سؤالات البرقاني للدار قطني: (ص 49) رقم 339.

7 الثقات: (بترتيب الهيثمي) : (ص 241) .

8 الكامل: (5/ 228) .

(3/298)

فقال يحيى القطان: "هو عندي نحو ابن عقيل"1. وقال الإمام أحمد: "ما أَقْرَبُهُمَا"2. والمعلوم أنَّ ابن عقيل صدوقٌ، قد احتمله بعض الأئمة، وقال البخاريُّ رحمه الله: "كان أحمد، وإسحاق، والحميدي يحتجون بحديثه"3. وقال الذهبي: "حديثه في مرتبة الحسن"4. فهذا حال عبد الله بن عقيل، وإذا كان عاصم - بمقتضى كلام هؤلاء الأئمة - في رتبته، فإن حاله يكون كحاله، وأمره يحتمل كأمره.

وقد روى عنه شعبة مع تشدده في الرجال، ولم يكن يروي إلا عن ثقة إلا في النادر، قال السخاوي: " ... وعلى كل حال: فهو لا يروي - يعني شعبة - عن متروك، ولا من أجمع على ضعفه"5. وهذا الحديث من روايته عنه.

وأيضاً: فالترمذي - رحمه الله - يصحح كثيراً من حديثه، ولذلك فقد جعله الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في قسم المختلف فيهم: هل هم ممن غلب على حديثهم الوهم والغلط أم لا؟ 6.

وما دامَ الرجلُ بهذه المثابة، وأنَّ بعضَ الأئمةِ قد احتملوه، ولم يُجْمِع أهل هذا الشأن على ضعفه، وروى عنه أئمة معتبرون،

__________

1 تهذيب التهذيب: (5/ 47) .

2 المصدر السابق.

3 شرح علل الترمذي: (ص 249) ، والميزان: (2/ 484) .

4 الميزان: (2/ 485) .

5 فتح المغيث: (1/ 314) .

6 شرح علل الترمذي: (ص 249) .

(3/299)

وصَحَّحَ - مع ذلك - له مثل الترمذي، فإن حديثه يكون مُحْتَمَلاً، وبخاصة إذا تابعه غيره ممن هو مثله أو أعلى منه رتبة، وسيأتي أنه توبع على هذه الرواية.

ولذلك فقد قَبلَ هذا الحديث بعضهم، وجعله حسناً، فقال المنذري رحمه الله: "وعاصم وإن كان واهي الحديث، فقد مشاه بعضهم وصحح له الترمذي، وهذا الحديث حسن في المتابعات"1. وَحَسَّنَه كذلك الحافظ ابن حجر2. ووافقهما على ذلك السخاوي3 رحمه الله.

وقد ذكر السخاويُّ أن عاصماً اختلف عليه في هذا الحديث، فقيل: عنه، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه كما مضى. وقيل: عنه، عن عبد الله بن عامر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لكن صحح السخاوي كونه عن عامر بن ربيعة، فقال: "وهو أصح"4.

وقد تُوبعَ عاصمٌ على رواية هذا الحديث، تابعه: عبد الرحمن بن القاسم5، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 6 - ومن طريقه

__________

1 الترغيب والترهيب: (2/ 500) ح 19.

2 القول البديع: (ص 121) .

3 المصدر السابق.

4 المصدر السابق: (ص 114) .

5 ابن محمد بن بكر الصديق، التيمي، أبو محمد المدني، ثقة جليل، من السادسة، مات سنة 126 هـ، وقيل بعدها / ع. (التقريب 348) .

(2/ 215) ح 3115.

(3/300)

أبو نعيم في (الحلية) 1 - عن:

عبد الله بن عمر2، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من صَلَّى عليّ صلاةً، صَلَّى الله عليه، فأكثروا أو أَقِلُّوا". وعند أبي نعيم: "من صَلَّى عليّ صَلاةً، صَلَّى الله عليه عشراً ... ".

وقد سقط من مصنف عبد الرزاق "عبد الرحمن بن القاسم" وجاء تاماً في (الحلية) ، وكذا ساقه ابن القَيِّم - رحمه الله - من طريق عبد الرزاق تاماً3.

فهذه متابعة جيدةٌ من عبد الرحمن بن القاسم - وهو إمام جليل - لعاصم بن عبيد الله، وهي وإن اختلف لفظها قليلاً عن لفظ رواية عاصم، إلا أن المعنى متقارب، وتشهد لها في الجملة.

وأما وجود عبد الله العمري في سند هذه المتابعة فإنه لا يَضُرُّ؛ لأنَّه وإن ضُعِّفَ، إلا أن أمره قد احْتُمِل، قال الحافظ الذهبي رحمه الله: "وحديثه يتردد فيه الناقد، أما إن تَابَعَه شيخ في روايته: فذلك حسن قوي إن شاء الله"4. ولَمَّا لم ينفردْ برواية هذا الحديث، وإنما جاء من وجهٍ

__________

(1/ 180) .

2 ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن، العمري، المدني، ضعيف عابد، من السابعة، مات سنة 171 هـ/ م 4. (التقريب 314) .

3 جلاء الأفهام: (ص 29) ح 47.

4 سير أعلام النبلاء: (7/ 341) .

(3/301)

آخر كما تقدم، فإنَّ الأمر يكون على ما وصف الذهبي إن شاء الله، ويتأيد حينئذ قول ابن القَيِّم رحمه الله: " ... فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين، يدلُّ على أن له أصلاً".

وقد قَوَّى الشيخ الألباني - رحمه الله - حديث عاصم السابق بهذه المتابعة، فقال: "ثم وجدتُ لعاصم متابعاً عند أبي نعيم في (الحلية) ، فالحديث حسن على الأقل"1. وحَسَّنَه كذلك في صحيح ابن ماجه2.

فتلخص من ذلك: أن الحديثَ وإن كان فيه بعض الضعف، فإنَّه يَتَقَوَّى بمجيئه من وجهين مختلفين، وأن ذلك لا يقل عن وسط درجات الحسن، كما قال ابن القَيِّم رحمه الله.

__________

1 تخريج أحاديث فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لإسماعيل القاضي: (ص 27) ح6.

(ح 379) .

(3/302)

2 - باب ما جاء في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

122- (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "مَنْ قَرَأ سورةَ الكهف يوم الجمعة، سَطَعَ له نور من تحتِ قدمه إلى عَنَانِ1 السَّمَاء، يُضيء به يوم القيامة، وغُفِرَ له ما بين الجمعتين ".

ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث ضمن كلامه على خصائص يوم الجمعة، وصدره بصيغة التمريض: "رُوِي" ثم قال: "وذكره سعيد بن منصور من قول أبي سعيد الخدري، وهو أشبه"2.

قلت: أما حديث أبي سعيد، فقد أخرجه: الحاكم في (المستدرك) 3 - وعنه البيهقي في (سننه) 4 - من طريق: نعيم بن حماد5، عن هشيم، عن أبي هاشم6، عن أبي مجلز7،

__________

1 العَنَانُ: السَّحَاب، وزناً ومعنىً، واحدته: عَنَانَة، وقيل: ما عَنّ لك منها، أي اعترض وبدا لك إذا رفعت رأسك. (النهاية 3/ 313، المصباح المنير ص 433 - عنن) .

2 زاد المعاد: (1/ 377 - 378) .

(2/ 368) .

(3/ 249) .

5 ابن معاوية بن الحارث الخُزَاعي، أبو عبد الله المروزي، نزيل مصر، صدوق يخطئ كثيراً، فقيه عارف بالفرائض، من العاشرة، مات سنة 228 هـ على الصحيح / خ مق د ت ق. (التقريب 564) .

6 الرُّمَّاني، الواسطي، واسمه: يحيى بن دينار، ثقة، من السادسة، مات سنة 122 هـ/ ع. (التقريب 680) .

7 هو: لاحق بن حميد بن سعيد السَّدوسي، البصري، مشهور بكنيته، ثقة، من كبار الثالثة، مات سنة 106 هـ وقيل: 109هـ/ ع. (التقريب 586) .

(3/303)

عن قيس بن عباد1: عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قَرَأَ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين ".

قال أبو عبد الله الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". لكن تعقبه الذهبي فقال: "نعيم ذو مناكير".

وقد تابع نعيمَ بن حماد على هذه الرواية: يزيدُ بن مخلد بن يزيد2، عن هشيم، وقال فيه: "أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق". أشارَ إلى هذه المتابعة: البيهقي في (سننه) 3.

وخالفهما: سعيد بن منصور، وأبو النعمان، وأبو عبيد، وأحمد بن خلف البغدادي، فرووه عن هشيم، فجعلوه موقوفاً على أبي سعيد من قوله.

أما حديث سعيد بن منصور: فهو في (سننه) ، كما أشار البيهقي - رحمه الله - إلى ذلك4. ورواية أبي عبيد: أخرجها في (فضائل القرآن) 5 له، قال: حدثني هشيم. وأخرج الدرامي في (مسنده) 6 رواية

__________

1 الضبعي، أبو عبد الله البصري، ثقة مخضرم، من الثانية، مات بعد سنة 80 هـ، ووهم من عده من الصحابة / خ م د س ق. (التقريب 457) .

2 له ترجمة في الجرح والتعديل: (4/ 2/ 291) وسكت عنه ابن أبي حاتم.

(3/ 249) .

4 في سننه: (3/249) . ولم أقف عليه في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور.

(2/52) ح 459.

(2/326) ح3410.

(3/304)

أبي النعمان1: حدثنا هشيم. وأما رواية أحمد بن خلف: فأخرجها ابن الضريس في (فضائل القرآن) 2 عن هشيم، والخطيب في (تاريخ بغداد) 3 بإسناده إلى هشيم. وجاء عند هؤلاء: " ... أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".

فهؤلاء الأربعة قد رووه موقوفاً، وفيهم إمامان جليلان: سعيد ابن منصور، وأبو عبيد، وأما أبو النعمان: فهو ثقة أيضاً، إلا أنه تغير بآخرة. وأحمد بن خلف: ذكره الخطيب في (تاريخه) 4، وقال: "وهو شيخ غير مشهور عندنا".

ولا شَكَّ أن رواية من وقفه أرجحُ من الأخرى؛ إذ هم أوثق، وأشهر، وأثبت ممن رفعوه، فنعيم بن حماد - أحد رواة الرفع - كثير الخطأ، ويزيد بن مخلد - مُتَابِعُهُ - شبه المجهول، فلا يقاومان هؤلاء الأئمة.

وقد وقع في بعض ألفاظه: "ليلة الجمعة" بدل: "يوم الجمعة"، وانفرد بذلك أبو النعمان دون سائر من رواه، وذلك فيما أخرجه الدارمي، ولعل ذلك من تخليط أبي النعمان المعروف بـ"عارم"؛ فإنه اختلط في آخر حياته.

__________

1 هو: محمد بن الفضل السدوسي، لقبه: عارم، ثقة تغير في آخر عمره، من صغار التاسعة، مات سنة 223 أو 224 هـ /ع. (التقريب 502) .

(ص 164) ح 212.

(4/ 134 - 135) .

(4/ 134) .

(3/305)

ووقع فيه اختلاف آخر، إذ إن سائر الروايات قد وردت بلفظ: " ... ما بينه وبين البيت العتيق". وخالف نعيم بن حماد وحده، فقال: "ما بين الجمعتين"، ولعلَّ ذلك من مناكيره؛ فإنه لم يوافقه على هذه اللفظة أحد، حتى أن يزيد بن مخلد - الذي تابعه على رفع هذا الحديث - جاء به موافقاً للفظ الجماعة، مما يؤكد أن نعيم بن حماد قد أخطأ في متنه كما أصابه الخطأ في سنده.

وقد تُوبع هشيمٌ على معنى هذا الحديث، تابعه: سفيان الثوري، وشعبة.

أما حديث سفيان: فأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) 1، وعبد الرزاق في (مصنفه) 2، والحاكم في (المستدرك) 3 - وأشار إليه البيهقي4 - كلهم من طريق: سفيان، عن أبي هاشم، بالإسناد الماضي إلى أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: "من قَرَأَ سورة الكهف كما أنزلت، ثم أدرك الدجال، لم يُسَلَّطْ عليه، أو لم يكن له عليه سبيل، ومن قرأ سورة الكهف كان له نوراً من حيث قرأها ما بينه وبين مكة". هذا لفظ النسائي، ونحوه لفظ عبد الرزاق، والحاكم، ووقع في أوله عند عبد الرزاق: "من توضأ ثم فرغ من وضوئه،

__________

(ص 529) ح 954.

(3/ 378) ح 6023.

(1/ 564) ، (4/ 511) .

(3/ 249) .

(3/306)

ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. خُتِمَ عليها بخاتم، فوضعت تحت العرش، فلا تكسر إلى يوم القيامة، ومن قرأ سورة الكهف ... ".

وهذا وإن لم يكن فيه النص على "يوم الجمعة"، إلا أنه في جملته يشهد لحديث هشيم الماضي، ويؤكد صحة من أتى به عنه موقوفاً، فقد اتفق عبد الرزاق، وعبد الرحمن بن مهدي على روايته عن سفيان موقوفاً على أبي سعيد.

قال أبو عبد الله الحاكم: "حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.

وأما شعبة: فقد اختلف عليه فيه، فأخرجه النسائي في (اليوم والليلة) 1 من طريق: غندر، عن شعبة، به موقوفاً. وأخرجه النسائي2 أيضاً، والطبراني في (الأوسط) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، ثلاثتهم من طريق: يحيى بن كثير5، عن شعبة به مرفوعاً. ولفظه بنحو لفظ حديث الثوري، إلا أن عندهم: " ... ومن قرأ بعشر آيات من آخرها، فخرج

__________

(ص 528) ح 953.

(ص 528) ح 952.

(2/271) ح 1478.

(1/564) .

5 ابن درهم العنبري مولاهم، البصري، أبو غسان، ثقة، من التاسعة، مات سنة 206 هـ/ ع. (التقريب 595) .

(3/307)

الدجال ... ". وعند الطبراني زيادة دعاء الوضوء الماضي في حديث الثوري.

قال النسائي عقبه: "الصواب في هذا الحديث موقوف"1. وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث مرفوعاً عن شعبة إلا يحيى بن كثير". ومال الدارقطني إلى ترجيح الوقف أيضاً، فقال: " ... وقيل ... عن يحيى، عن شعبة مرفوعاً، ولم يثبت، ورواه غندر وأصحاب شعبة، عن شعبة موقوفاً"2.

فَتَبَيَّنَ من ذلك صِحَّة رواية الوقف عن شعبة، وبذلك توافق رواية الثوري وهشيم المتقدمتين، ويترجح بذلك كون الموقوف عن أبي سعيد أصحّ.

فإذا ثبت أنَّ الصواب في هذا الحديث الوقف، فإنَّه يكون من قبيل المرفوع، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ومثله لا يقال من قبل الرأي، فله حكم المرفوع"3.

هذا فيما يتعلق بحديث أبي سعيد.

وأما اللفظ الذي ذكره ابن القَيِّم رحمه الله، وهو: "من قَرَأَ سورة

__________

1 وهذه العبارة ليست في المطبوع من (اليوم والليلة) لكن استدركها المحقق من هامش إحدى النسخ، وكذا نقلها عن النسائي: الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/ 239) .

2 العلل: ج4 (ق 2/ أ) .

3 النكت الظراف: (3/447) .

(3/308)

الكهف يوم الجمعة، سَطَعَ له نورٌ من تحتِ قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة، وغُفِرَ له ما بين الجمعتين". فليس هذا من حديث أبي سعيد كما هو المتبادر من كلام ابن القَيِّم، وإنما هو من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وقد عزاه ابن كثير في (تفسيره) 1 إلى ابن مردويه، فقال: "وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره - بإسناد له غريب - عن خالد بن سعيد بن أبي مريم2، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال ... " فذكره، وقال: "وهذا الحديث في رفعه نظر، وأحسن أحواله الوقف".

وأورده المنذري في (الترغيب والترهيب) 3، قال: " ... بإسناد لا بأس به".

وترجيحُ الحافظ ابن كثير كونه موقوفاً لا يضره، بل يُقال فيه ما قيل في حديث أبي سعيد المتقدم: من أنه موقوف له حكم الرفع.

فالحاصل: أن حديثَ ابن عمر هذا يصلح شاهداً في الجملة لحديث أبي سعيد المتقدم، وبخاصة ما جاء في لفظ رواية نعيم بن حماد،

__________

(3/70) .

2 المدني، مولى ابن جدعان، مقبول، من الرابعة/د ق. (التقريب 188) .

(1/ 513) ك الجمعة، باب الترغيب في قراءة سورة الكهف ... ليلة الجمعة ويوم الجمعة.

(3/309)

عن هشيم عند الحاكم: "أضاء له من النور ما بين الجمعتين". فإنَّ كلاً منهما يشهد للآخر، ويتقوى به.

ويتلخص من ذلك: أن الحديثَ الذي أشارَ إليه ابنُ القَيِّم من رواية أبي سعيد صحيحُ الإسنادِ، إلا أنَّ الصوابَ فيه الوقفُ كما اختاره رحمه الله، ومع ذلك فإنَّ له حكم الرفع كما مضى. وله شاهدٌ من حديث ابن عمر، والراجحُ فيه الوقف أيضاً، فيكونُ هو الآخر في حكم المرفوع، وبمجموعهما يتأكد ثبوت الحديث، والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج2. باقي صحيح السيرة النبوية تحقيق الشيخ الألباني مراجع ومدقق {من 130. الي234.}

  ج2. صحيح السيرة {ج2. باقي صحيح السيرة النبوية  تحقيق  الشيخ الألباني مراجع ومدقق {من 130. الي234.} صفحة رقم -130 - قال : قلت : من غف...