السؤال باسم الله الأعظم

وسمع آخر يقول في تشهده أيضا : ( أبو داود والنسائي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد ) ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت [ وحدك لا شريك لك ] [ المنان ] [ يا ] بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم [ إني أسألك ] [ الجنة وأعوذ بك من النار ] . [ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( تدرون بما دعا ؟ ) قالوا الله ورسوله أعلم . قال : ( والذي نفسي بيده ] لقد دعا الله باسمه العظيم ( وفي رواية : الأعظم ) الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى}

الاثنين، 12 فبراير 2024

ج1وج2. النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة للحويني

 
  النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة
    النافلة في
    الأحاديث الضعيفة والباطلة
    لأبي إسحاق الحويني 
 
    كلمة الناشر
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1) .
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (2) .
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (3) . أما بعد.....
    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    وهذا كتاب {النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة} .
    وتتشرف دار الصحابة للتراث بنشره، بعد أن تفضل علينا الأخ المكرم / أبو أسحاق الحويني الأثري بنشره.
    وهو رسالة مباركة بإذن الله تعالى نتعهد بنشره تباعاً إن شاء الله على هيئة أجزاء كل جزء مائة حديث.
    وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.
    _________
    (1) سورة آل عمران: 102.
    (2) سورة النساء: 1.
    (3) سورة الأحزاب: 71.
    2222222222222222222222222222222222222222222222222
   
    النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة المؤلف
    إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    أما بعد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    * ... * ... *
    فهذا كتاب {النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة} أحد كتبي التي بدأت في تسطيرها قديماً، منذ نحو عشر سنوات، وهو عبارة عن أحاديث مختلفات في معناها ومرامها، كنت أُسأل عنها، فأضطر إلى تحقيق القول فيها، فإن كان صحيحاً أو ضعيفا احتفظت به في ((مضبطة)) عندي.
    ثم راودتني نفسي أن أجمع الضعيف وحده. فصرت كلما حققت حديثا ألحقته بما سبق لي تحقيقه، وجعلت ألحق ما أجده من زيادات مناسبة، فأضعها في موضعها حتى تجمع لديَّ - وقتها - أكثر من خمسمائة حديث، كنت أتوخى أن لا يكون قد سبقني إليها شيخنا، حافظ الوقت ناصر الدين الألباني في كتابه {سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة} وقد صدر منها.
 
    المجلد الأول والثاني والثالث 0
    ثم قدر الله - عز وجل - وانصرفت عن الكتاب لمشاريعي الأخرى والتي منها:
    1- {بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن} .
    2- {مسيس الحاجة إلى تقريب سنن ابن ماجة} .
    3- {غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود} .
    4- {صحيح كتاب الأدب المفرد} للبخاري.
    5- {صحيح كتاب أخلاق النبي} لأبي الشيخ.
    6- {جنة المستغيث بشرح علل الحديث} لابن أبي حاتم.
    مع أشياء أخرى يطول الأمر بذكرها وإني أسأل الله تعالى أن يجلعها خالصة لوجهه، ولا يجعل فيها شيئا. فهذه المشروعات وغيرها كانت - وما زالت - تلتهم كل وقتي - إلا ما لابد منه لتستقيم أمور الحياة - فلذاك صرفت عن أعمال مشروعي ((النافلة)) وفي مساء يوم من شهر المحرم سنة (1405هـ‍) زارني في بيتي الأستاذان: محمد عامر رئيس تحرير جريدة النور، وعبد الفتاح الشوريجي وكيل حزب الأحرار، برفقة الأخ الصديق الدكتور أحمد نور الدين - أكرمه الله ورعاه، فهو صاحب الفضل الأول في نشر هذه المقالات، وبعد الفضل الإلهي - وفاتحني رئيس التحرير برغبته في أن أكتب مجموعة من المقالات أرد بها على الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي في تهجمه على أعلام المسلمين من الصحابة أمثال ((عثمان بن عفان)) - رضي الله عنه - وكذا ((السيدة عائشة)) أم المؤمنين في كتابه ((علي إمام المتقين)) .
    فقلت له: هذا مطلب لا يسعني التخلف عنه، ولا سيما والكاتب من أجهل الناس، وإن لم أقل أجهلهم بالمنقول، وكيفية قبوله ورده، ومعروف أن أخبار من مضى إنما عمدتنا في معرفتها عن طريق النقل، فقد رأيت الكاتب المذكور أورد في كتابه أخباراً، وحكايات، هي من جنس المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة،
    (1/9)
    مع أشياء أخرى لا يعول عليها من شم ريح العلم ولو مرة في حياته، فكم من مؤلف خاطب ليل، وجارف سيل، لا يميز بين الصحيح والضعيف، ويظن كل مدور رغيفاً!! . فرأيته يأتي بأباطيل وأوابد. قد نص على بطلانها بعض من نقلها كالذهبي وابن كثير يعتنون بنقد الروايات.
    ولكن نقد كتابه أمر يطول، والوقت أعز من أن أنفقه في الرد على رجل، جل مؤلفاته تمشي على هذه الوتيرة، ثم ليس هو وحده بل هناك عشرات مثله، لذلك رأيت أن أختار نماذج من كتابه، وأنقدها، وعليها يقيس القارئ بقية الكتاب. لكن هذا يحتاج مني إلى وقت أتدبر فيه النماذج التي سأنتقيها، وليس ذلك قبل ثلاثة أشهر فقال لي: وحتى تنعم النظر في الكتاب، نرجوا أن تهيئ لنا بعض المقالات من الأحاديث الصحيحة مع شرح شيق يستفيد منه غالب القراء، ويحببهم في السنة النبوية، على صاحبها الصلاة والسلام.
    فقلت له: نعم، غير أني أرى أنه من تمام الفائدة أن تنشر لفيفاً من الأحاديث الضعيفة والموضوعة تحذيراً ونصحاً، والأمر ذلك كما قال الشاعر:
    عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
    ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
    فوافق الرجل، وهكذا بدأت أنشر مقالين:
    الأول: ((النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة)) .
    الثاني: ((الأجوبة الصريحة عن معاني الأحاديث الصحيحة)) .
    وكان الأستاذ رئيس التحرير قد قال لي أكثر من مرة إن الأستاذ ((الحمزة دعبس)) رئيس مجلس الإدارة يريد أن يوقف هذه المقالات، لأنها ليست مفهومة بالنسبة لعامة الناس. فقلت له: هب أنها غير مفهومة لعامة الناس، ولكن يوجد من يفهمها ممن يتجهون معنا هذه الوجهة، ومن الخير أن يستفيد الجميع من ((الصحيفة)) على اختلاف مذاهبهم ولقت بعث هذه المقالات -
    (1/10)
    على قلة مساحتها - روحا علمية في نفوس كثير ممن قابلوني ورغبوا في المزيد، فما الذي يضر، أن تكون الصحيفة لعامة الناس إلا نصف عمود فهو للمتخصصين، وبهذا تجمع بين الحسنيين. مع أن هذه المقالات كان كثير من خطباء المساجد والمدرسين يستفيدون منها، لأني أكتب درجة الحديث في أوله، فكان الواحد منهم يعرف درجة الحديث الذي يريده بكلمة واحدة، وهي تغنيه عن قراءة ما لا يحسن فهمه. فبهذا عمَّ نفعها والحمد لله. ثم قلت له: أرجو أن تبلغ كلامي إلى الأستاذ ((الحمزة)) ثم لم يمض وقت حتى ترك الأستاذ محمد عامر رئاسة تحرير جريدة النور، وبهذا توقفت المقالات. ثم جدد الأخ الدكتور أحمد نور الدين سعيه في إعادة نشر المقالات، مع رئيس التحرير الجديد، فكان الجواب أن الأستاذ ((الحمزة)) هو الذي يأبى نشرها فصرفت النظر عنها. حتى أخبرني أخ لي أنه كلم الأستاذ المذكور بالهاتف في شأن امتناعه عن نشر مقالات الأحاديث الضعيفة مع عظيم أثرها. فكان الجواب: أنا ما عندي مانع، والأخ الحويني هو الذي امتنع، فليس عندنا مقالات له، ولم يعد يراسلنا. هكذا قال!! ويعلم الله أن مقالاتي ما زالت عندهم حتى الآن لم آخذها فألح أخونا على ضرورة إرسال عدة مقالات لعل المقالات الأولى ضاعت.
    فأعطيت الأخ الدكتور أحمد نور الدين مقالاً واحداً ليعطيه لرئيس التحرير، ففوجئ بالرفض، وأن الأستاذ ((الحمزة)) هو الذي يمتنع عن نشرها، فوضح لي أن الأستاذ المذكور - مع فعله الذي أشرت إليه - مستبد برأي نفسه فهو لم يبد أية حجة في امتناعه، وإذا كلمه أحد وافق، ثم يعطي تعليماته بعدم الموافقة.
    فلذلك أعرضت عنه وإنما حدا بي إلى ذكر حقيقة ما حدث، أن كثيراً من إخواننا يحملونني تبعة توقف المقالات، وأن التقصير كان من جهتي ولعل الواقف على كلامي يلتمس لي العذر. والله تعالى يوفقنا إلى مرضاته.
    (1/11)
    أما موضوع الكتاب، فخطره جليل ذلك أن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ... } فصارت السنة بهذه الآية - وبغيرها - هي المبينة في القرآن مما يلتبس على إفهام الناس. ويعلم كل عارف بالتاريخ كم أدخل الوضاعون - على اختلاف مذاهبهم - في السنة من الأباطيل والمناكير، بل وشارك في ذلك كثير من الصالحين الذين لم يكن ضبط الحديث من همتهم، فصار الدخن كثيراً. غير إن كثرة الأئمة العارفين بهذا الشأن كان يهون من الخطب حتى قيل لابن المبارك - شيخ الإسلام: - ((الأحاديث الموضوعة؟! قال: تعيش لها الجهابذة)) . وقال الدارقطني يوماً: ((يا أهل بغداد! لا يظنن أحدكم أنه يقدر أن يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حي)) وذلك لسعة دائرة حفظة وإدراكه.
    ودون الناس الكتب فمنهم من كان يتحرى الصحيح وحده كالشيخين، ومنهم من كان يجمع الصحيح والضعيف دون الموضوع؛ كأصحاب السنن الأربعة (1) وغيرهم، ومنهم من جمع كل ما وقع بإسناد فدونها حفاظاً لها من الضياع، فخلفوا لنا ثروة هائلة، فجزاهم الله خيراً، فدار الزمان، وقبض العلم بقبض العلماء كما في الحديث الصحيح: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) . أخرجه الشيخان وغيرهما، فلما قل العارفون بهذا الشأن، تضاعفت المصيبة بعد أن صار الناس - ومنهم من يتصدر للتدريس والوعظ - يلوكون هذه الأحاديث
    _________
    (1) ولا ينقص هذا وجود بعض الأحاديث الموضوعة في بعضها كسنن ابن ماجة والترمذي فالاجتهاد في شروط قبول الرواية يتفاوت ولعل الموضوع في نظر غيرهم كان فقط في نقدهم وهذا هو اللائق بهم لما عرف من سيرتهم إذا أنهم ذكروا الحديث الموضوع نهوا عليه والله اعلم
    (1/12)
    الباطلة، والتي لا أصل لها صحيح إطلاقاً، فيعلمونها للناس، ويأخذونهم بلازمها، بل ويعرضون عن الحديث الصحيح - أحياناً - لأنه يناقض أحد هذه الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة. وذلك عن جهل بعدم ثبوتها.
    ولست أنسى أنني دخلت في أحد المساجد المشهورة، فصعد الخطيب وصار يزمجر ويندد بالذين يهاجمون مشايخ الطرق الصوفية، أصحاب الكرامات، ثم ساق للناس هذه القصة مساق الدليل على صحة دفاعه فقال: خرج أحد المريدين يقصد شيخه، فأعترضته امرأة في الطريق، فقالت له: أن ابني في الجندية وقد أرسل لي رسالة، فهلا قرأتها عليَّ؟! فوافق الرجل المريد وذهب معها إلى البيت، ولا يوجد فيه أحد!! فدخلت المرأة بيتاً في دارها، فتزينت ثم خرجت للرجل وقالت له: هيت لك! وإلا صرخت ورميتك بالفاحشة!! فقال الرجل: لكني أريد أذهب إلى الغائط (دورة المياه) فأذنت له، فدخل ثم صار يدعو الله باسمه الأعظم!! فبينما هو كذلك، إذ رأى سُلماً، فنْزل عليه إلى الشارع!! وذهب إلى شيخه فقال له: أين كنت يا بني لقد تأخرت؟! فقال: عرضت لي حاجة، فقال الشيخ: يا بني لا تخجل، أنا الذي نصبت لك السلم؟!!! وما أن، انتهى الخطيب من هذه الحاكية حتى هاج الناس، وبكى بعضهم من التأثر، وخلع بعضهم العمائم إعجاباً. ومع بطلان هذه القصة، وما في معناها من المخالفات الشرعية فإن الناس طربوا لها، مع كون الخطيب ساق عدة آيات وأحاديث صحيحة فما اهتز وجدان أحد، فضلاً عن إثارتها لدموعه. والسبب في ذلك شرحه يطول، وقد شرحته في غير هذا الموضع (1) ، فانظر إلى هذا المثال، وألوف مثله يلقيها الواعظون، والمعلمون، فما بالك بغيرهم؟!! مما يدل على ضرورة تبصير الناس بهذا المسلك الخطر.
    _________
    (1) في جزء لي في شرح حديث ((إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعاً 00) يسر الله طبعه
    (1/13)
    وإذا كان ابن الجوزي - رحمه الله - وكان يعيش في القرن السادس تمثل - لقلة العالمين بفن نقد الأسانيد - بقول القائل:
    وكانوا إذا عُدُّوا قليلاً ... فقد صاروا أقل من القليل
    فما الذي يقال في زماننا وفقد صار المحسنون لهذا الشأن لا يتجاوزن أصابع اليد الواحدة إن لم يكن أقل من ذلك؟!!
    وكان شخينا حافظ الوقت، الشيخ الإمام، حسنة الأيام، ناصر الدين الألباني حفظه الله وأمتع المسلمين بطول حياته قد بدأ قديما بنشر مقالات في الأحاديث الضعيفة والموضوعة في مجلة التمدن الإسلامي ثم جمعها ونشر منها مجلدات حتى الآن (1) وقد ذاع هذا كتابه جداً - كسائر كتبه - وكان عظيم النفع والأثر لما أحيا به الروح العلمية القوية، التي غابت بموت المحسنين لهذا الفن، حتى يصدق فيه أنه مجدد شباب الحديث في القرن الخامس عشر، لا ينازع في هذا إلا من ينادي بما يكره.
    والأحاديث التي أذكرها كنت اشترطت ألا يوجد فيها شيء سبقني الشيخ إلى تحقيقه فيما نشر حتى الآن من ((السلسلة الضعيفة)) ، وإن كان قد حققه في المجلدات الأخرى، والتي ما صدر شيء منها، وكنت بدأت في تهذيبها وإعادة تحقيقها تحقيقاً مختصراً حتى يلائم المساحة المسموح لي بها في ((جريدة النور)) فأهملت الرد التفصيلي على العلل الموجودة في الأحاديث، رجاء الاختصار، وليس عن غفلة مني، وأهملت أيضاً البديل الصحيح - إلا نادراً - لنفس الغلة السابقة. ثم طلب مني الكتاب للنشر، فدفعت بالمائة حديث الأولى على الاختصار السابق مع إضافة شيء يسير سمح به وقتي، ولعل الله - عز وجل - يوفقني بعد ذلك في الوفاء بما ألمحت إليه، مع ذكر
    _________
    (1) ثم نشر المجلد الثالث ورأيت فيه بعض الأحاديث التي سبق تحقيقها على اعتبار أنها كانت محجوبة قبل ذلك فلم أحذفها من كتابي رجاء أن تحصل بها فائدة زائدة والله الموفق
    (1/14)
    البديل إن وقفت إلى وجدانه. والله المستعان.
    ثم إني أنبه إلى أمور منها:
    1- هو أن التحقيق في هذا المجال، يستلزم مناقشته بعض الأئمة من السالفين أو المعاصرين في بعض ما ذهبوا إليه، فلا يقعن في روع أحد أن ذلك هو من الحط عليهم، وعدم ذكرهم بالجميل، فضلاً عن أن يكون اغتيابا لهم، وكان يقال: ((اعف عن ذي قبر)) ! فإنا نبرا إلى الله العظيم من ذلك. وكيف يكون تعقبنا لكبراء شيوخنا وعلماء سلفنا هو من الطعن عليهم: ((.. وبهم ذكرنا، وبشعاع ضيائهم تبصرنا، وباقفاء واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا، وما مثلنا إلا كما ذكر أبو عمرو ابن العلاء قال: ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال ... )) (1) .
    بل من أنعم النظر، وأعمل الفكر وجد أن بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا، هو غاية الإحسان إليهم فإن هؤلاء الأئمة يوم وضعوا الكتب، أو تكلموا في العلم إنما كانوا يريدون بيان وجه الحق، فإذا أخطأ الواحد منهم كان هذا نقيض ما أحب وقصد، فالتنبيه على خطئه من أجل إعادة الأمر إلى قصده ومحبوبه واجب على كل من له حق عليه، إذ لم يكن أحد من هؤلاء الأئمة معصوماً من الزلل، وآمنا من مقارفة الخطل، وإن كان ما يتعقب به عليهم لا يساوي شيئاً في جنب ما أخروه من صواب، فشكر الله مسعاهم، وجعل الجنة مأواهم، وألحقنا بهم بواسع إحسانه ومَنِّهِ. وحسبنا أن نسوق على كل مسالة دليلها العملي، حتى لا نرمي بسوء القصد، أو شهوة النقد. وإني على يقين من وقوع الخطأ في بعض ما أذكره. والسبب واضح لكون
    _________
    (1) من مقدمة ((موضح الأوهام)) للخطيب (1/5) .
    (1/15)
    المرء غير معصوم، فإن كان السالفون مع علمهم وروعهم وقع منهم بعض الخطأ لهذه العلة، فنحن أحق بذلك منهم، وإنما حدا بي إلى إطالة القول في ذلك أمران:
    الأول: إعذاراً، وحتى لا يتعقب على لإغفاله.
    الثاني: أن بعض إخواننا - جزاه الله خيراً - أنكر علي أنني أتعقب بعض كبار الأئمة وأتخذهم غرضاً (1) فقال: ((أين هو من فلان الإمام)) ؟! وصرح بأشياء كرهتها له، مع مسامحتي إياه في قولها، والجواب من وجهين:
    الأول: أننا إذا أخذنا بعض المآخذ على الأئمة، فلا يعني أننا صرنا مثلهم في علمهم فضلا عن أن نرتفع عليهم؛ لأن الجزئيات في العلم لا تكاد تتناهى، ولو أراد أي عالم في الدنيا إلا يخطئ في شي من العلم، لمات وعلمه في صدره، فليس إلى العصمة من الخطأ سبيل.
    الثاني: أن يكون تعقيبي على ضربين.
    1- إما أن أكون مصيباً في قولي، فما المانع أن يُقبل مني؟!
    2- أن أكون مخطئا، فعلى المعترض أن يبين ذلك بالدليل، فليس قويماً ولا في ميزان العدل كريماً، أن يقبل القول من إنسان لمجرد أنه قديم، وأن يُهتضم حق المصيب لكونه حديثاً ولله در من قال:
    قل لمن لا يرى المعاصر شيئاً ... ويرى للأوائل التقديما
    إن ذاك القديم كان حديثاً ... وهذا الحديث سيبقى قديما
    نقول هذا الكلام ونحن والحمد لله من العارفين لأقدار العلماء، وإن بدرت مني عبارة قد تبدو جافة، فإني معتذر عنها، إنما قد يكون ذلك من حظ العلقة التي هي في قلب ابن آدم.
    2- الأمر الثاني: أن الحكم على الأحاديث بما يناسبها إنما تخضع
    _________
    (1) أما اتخاذهم غرضا فاني أبرا من ذلك ولحوم العلماء مسمومة وقل رجل ولع في أعراضهم بغير حق إلا هتك الله ستره ففضحه في خلقه نسأل الله السلامة
    (1/16)
    فيه للقوانين العامة التي حددها علماؤنا مصطلح الحديث، مع إعمال النظر والاستفادة من استقراء الأئمة المحسنين لهذا الشأن، ولا مجال لما يسميه بعض الأغمار ((النقد عن طريق الكشف)) ، فإن معنى الأخذ بها أن يصير الباطل حقاً، والحق باطلاً. قال العجلوني في ((كشف الخفاء)) (1/10) : ((وفي الفتوحات المكية للشيخ الأكبر قدس الله سره (!) ما حاصله: فرب حديث يكون صحيحاً من طريق رواته يحصل لهذا المكاشف أنه غير صحيح لسؤاله لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيعلم وضعه ويترك العمل به، وإن عمل به أهل النقل لصحة طريقه. ورب حديث ترك العمل به لضعف طريقه من أجل وضاع في رواته، يكون صحيحاً في نفس الأمر لسماع المكاشف له من الروح حين إلقائه على روسول الله - صلى الله عليه وسلم -.)) أ. هـ‍.
    قلت: لقد أساء العجلوني جد الإساءة وكتابه، أنه نقل هذا الباطل ولم يقدح فيهِ! وهل في إقراره هذا الكلام إلا هدم لكتابه كله إذ هو قائم على القواعد المعروفة عند أهل الحديث؟! لقد ظننت أن تحت القبة شيخاً!! وليس هذا الكلام بأول شيء مرق بهِ ابن العربي على الإسلام وأهله، حتى لقد كفَّره جماعة من العلماء، وحرموا النظر في كتبه؛ لأن قولُهُ هذا يتمشى مع زعمه أن للشريعة ظاهراً وباطناً، أما الظاهر فهوَ لعامة الناس، الذين هم علماء الملة، فلا يرونهم على شيء لا من العلم ولا من التقوى. لأن ذلك لمن أدركوا علم الباطن!! وهذا القول ساقط بأدلة كثيرة طرفاً منها في جزء لي سميته: ((كشف المخبوء، بثبوت حديث التسمية عند الوضوء)) وهو قيد الطبع.
    3- الأمر الثالث: أن ما ذكرته في كتابي إنما هو بحسب ما ظهر لي بعد إعمال القاعدة العلمية، ولا شك أنه قد وقع في خلل بعض ما ذهبت إليه، فأنا لا أؤكد الثقة به، وكل من عثر على حرف منه، أو معنى يجب تغييره فإني أناشده الله في إصلاحه، وأداء حق النصيحة فيه، وما أبرأ من العثرة والزلة ^17
    (1/17)
    وما أستنكف من الرجوع إلى الصواب عن الغلط، فإن هذا الفن لطيف، وابن آدم إلى العجز، والضعف، والعجلة أقرب، فرحم الله أخاً نظر فيه نظرة تجرد وإنصاف، ودعا لي بظهر الغيب على صواب وفقني الله إليه، واستغفر لي زلاتي الكثيرة فيه.
    ((والله أسال أن يجعله زاداً لحسن المصير إليه، وعتاداً ليمن القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل)) .
    وهذا أود الشروع فيما له قصدت، وعلى الله العظيم توكلت. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج2. باقي صحيح السيرة النبوية تحقيق الشيخ الألباني مراجع ومدقق {من 130. الي234.}

  ج2. صحيح السيرة {ج2. باقي صحيح السيرة النبوية  تحقيق  الشيخ الألباني مراجع ومدقق {من 130. الي234.} صفحة رقم -130 - قال : قلت : من غف...