السؤال باسم الله الأعظم

وسمع آخر يقول في تشهده أيضا : ( أبو داود والنسائي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد ) ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت [ وحدك لا شريك لك ] [ المنان ] [ يا ] بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم [ إني أسألك ] [ الجنة وأعوذ بك من النار ] . [ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( تدرون بما دعا ؟ ) قالوا الله ورسوله أعلم . قال : ( والذي نفسي بيده ] لقد دعا الله باسمه العظيم ( وفي رواية : الأعظم ) الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى}

الأحد، 11 فبراير 2024

ج7وج8وج9.{تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع الحديث الخامس عشر الي آخر الصفحة }

 

ج7وج8وج9. تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع


الحديث الخامس عشر:


((
جهد البلاء كثرة العيال مع قلة الشئ)) .
ضعيف على الأقل رواه الحاكم في ((تاريخه)) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الشيخ الألباني في ((ضعيف الجامع)) (3/81) : ((ضعيف)) ، وأحال على ((الضعيفة)) (2592) . ورواه أيضاً الديلمي كما في ((فردوس الأخبار)) (2401) ، وذكر محققاه عن الحافظ في ((تسديد القوس)) قوله ((أسنده عن ابن عمر، وفيه قصة)) اهـ. قلت: وهي أن ابن عمر قال: ((سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً يتعوذ بالله من جهد البلاء، فذكره)) كما قال الحافظ المناوى رحمه الله في ((الفيض)) (3/352) - إذ عزاه السيوطي للحاكم - وقال عقبة: ((ورواه الديلمي أيضاً كما ذكر)) . وهذا الاقتصار منى على تضعيف الحديث إنما تبعت فيه صاحب ((ضعيف الجامع)) حفظه الله لتعذر نظري بنفسي في إسناده، وإلا فاحتمال ضعفه الشديد عندي قائم، فالله تعالى أعلم. وأسأله التيسير. وهذا الحديث ينبغي أن يكون محله في ((البدائل المستحسنة)) لشدة استهتاره بين المسلمين في هذا العصر، بل وكثرة إلحاح الصحف ووسائل الإعلام الحكومية به على الناس، لإقناعهم بالحد من نسلهم، وبترك قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((تزوجوا الولود، فإني مكاثر بكم الأمم)) في نصوص كثيرة يعلم من مجموعها بأن تكثير الذرية المسلمة من مقاصد الشريعة المقطوع بها!! لكنى لا أستحضر له الآن بديلاً صالحاً، فيمكن إيراد بدائل تنقصه وتبطله إن شاء الله! . نعم. لبعض السلف كلمات مشهورة في ذم صاحب العيال وأنه لا يفلح ... الخ، لها محمل مخصوص لا ينبغي أن تتعداه وليس هذا مجالها.
(
وقد) روى الحديث موقوفاً على ابن عمر أيضاً بسند مظلم فيه جهالة وانقطاع. قال السهمي في ((تاريخ جرجان)) (ص140) : ((حدثنا إبراهيم
(1/69)
ابن عبد الله الشطي حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد الحمادي حدثنا محمد بن القاسم حدثنا أبي حدثنا أبو عكرمة الضبي حدثنا الحسين بن يزيد حدثنا سعد ابن عامر عن إبراهيم النخعي قال: ((سئل ابن عمر: ما جهد البلاء؟ قال: قلة المال، وكثرة العيال)) . وفي هذا الإسناد ما يأتي:
1-
إبراهيم بن عبد الله الشطي - شيخ السهمي - ترجمه، فلم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً.
2-
وشيخه الحمادي، لم أهتد إليه.
3-
وأبو عكرمة الضبي احتمل المعلق على ((تاريخ جرجان)) أنه هو الذي ترجمه الدولابي في ((الكنى)) (2/36) بروايته عن الحسن الجعفري، ورواية الأصمعي عنه. وهذا احتمال وجيه، فإنه من هذه الطبقة. ولم أجد لأبي عكرمة ترجمة أخرى تفصح عن حالة في الحديث. ثم وجدت المعافى بن زكريا النهرواني روى في ((الجليس)) (1/265: 269) خبراً عن محمد بن القاسم (وهو أبوبكر الأنباري ومنه استفدنا تعيينه. وهو وأبوه صدقهما الخطيب) عن أبيه عن أبي عكرمة هذا، فسماه: ((عامر بن عمران بن زياد)) . ووجدت أيضاً الطوسي روى في ((أمالية)) (ص512-513) أثراً من طريق أبي بشر حيان بن بشر الأسدي قاضي المصيصة قال: حدثني خالي أبو عكرمة عامر بن عمران الضبي الكوفي قال: حدثنا محمد بن المفضل الضبي عن أبيه ... )) فذكره. ففتشت عن: ((عامر بن عمران بن زياد)) فيما طالته يداي من كتب رجال الحديث وغيرهم، فلم أظفر به أيضاً. والحاصل من مجموع ما وقفت عليه من روايات أنه مستور، والله أعلم.
4-
والحسين بن يزيد، ليس هو الطحان الأنصاري الكوفي المترجم في ((التقريب)) (1361) وغيره، وهو لين الحديث، فإنه متأخر عن هذا. ولعل الصواب في اسمه: ((الحسن بن يزيد)) - وهو الجعفري - على ما في ((الكنى والأسماء)) . وقد يكون أيضاً ((الحسين بن يزيد)) المترجم في ((اللسان)) (2/317) وجهله ابن القطان. ويشبه أن يكون من رواة الشيعة.
(1/70)
5-
وسعد بن عامر لم أهتد إليه. وهناك: ((سعيد بن عامر)) وهو الضبعي البصري وهو ثقة من التاسعة كما في ((التقريب)) (2338) . و ((سعيد بن عامر)) آخر تابعي يروىعن ابن عمر وعنه ليث بن أبي سليم، فكلاهما يخالف هذا في الطبقة.
6-
وإبراهيم النخعي هو الثقة الحافظ الإمام المشهور، لكن روايته عن ابن عمر والصحابة - في جملتهم - منقطعة، ولم أقف على الأثر موصولا في مكان آخر
استدراك:
ووجدت الأثر عن ابن عمر عند ابن أبي الدنيا في ((إصلاح المال)) (463) من طريق إسماعيل بن عياش عن أبي الخصيب يسار بن عبد الله عن إياس بن معاوية عنه قال: جهد البلاء: كثرة العيال وقلة الشئ)) . وشيخ إسماعيل لم أهتد إليه، ويحتمل أن يكون: ((بشر بن عبد الله بن يسار)) وهو صدوق لكن لم أجد له رواية عن إياس ولا رأيت أحد كنّاه.
وإياس ثقة مشهور بالعقل والحلم، لكن روايته عن ابن عمر منقطعة.
_________
(1)
إلا أن مراسيله عن ابن مسعود - خاصة - صحيحة جداً، لأنه لا يرسل عنه إلا ما سمعه من غير واحد عنه. انظر ((التبييض)) (رقم 31:1/92) . والأثر الصحيح الذي أرسله عن ابن مسعود في قصته مع حذيفة في الاعتكاف كاف في إعلال ونسف ما شاع هذه الأيام من الرواية المرفوعة لأثر حذيفة: ((لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ... )) والتفرقة بين قول إبراهيم: ((أن حذيفة قال لابن مسعود)) وبين: ((أن ابن مسعود قال له حذيفة)) ظاهرية لا يحسن الأخذ بها. وحسبي هذا في هذا المقام.
(1/71)
الحديث السابع عشر:
((
حسنات الأبرار سيئات المقربين)) . باطل لا أصل له. قاله الشيخ الألباني أمتعنا الله بعمره في ((الضعيفة)) (100) .
قال: ((وقد أورده الغزالي في ((الإحياء)) (4/44) بلفظ: ((قال القائل الصادق: حسنات الأبرار ... )) قال السبكي (4/145-171) : ((ينظر إن كان حديثاً، فإن المصنف قال: قال القائل الصادق، فينظر من أراد)) . قلت: الظاهر أن الغزالي لم يذكره حديثاً، ولذلك لم يخرجه الحافظ العراقي في ((تخريج أحاديث الإحياء)) وإنما أسار الغزالي إلى أنه من قول أبي سعيد الخراز الصوفي، وقد أخرجه عنه ابن الجوزي في ((صفوة الصفوة)) (2/130/1) وكذا ابن عساكر في ترجمته كما في ((الكشف)) (1/357) قال: ((وعده بعضهم حديثاً وليس كذلك)) . قلت: وممن عده حديثاً، الشيخ أبو الفضل محمد بن محمد الشافعي فإنه قال في كتابه ((الظل المورورد)) (ق12/1) : ((فقد أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ... )) فذكره. ولا يشفع له أنه صدّره بصيغة التمريض - إن كانت مقصودة منه - لأن ذلك إنما يفيد فيما كان له أًل ولو ضعيف، وأما فيما لا أصل له - كهذا - فلا. قلت: ثم إن معنى هذا القول غير صحيح عندي، لأن الحسن لا يمكن أن تصير سيئة أبداً مهما كانت منزلة من أتى بها، وإنما تختلف الأعمال باختلاف مرتبة الآتين بها إذا كانت من الأمور الجائزة التي لا توصف بحسن أو قبيح، مثل الكذبات الثلاث التي أتى بها إبراهيم عليه السلام، فإنها جائزة لأنها كانت في سبيل الإصلاح، ومع ذلك فقد اعتبرها إبراهيم عليه السلام يئة، واعتذر بسببها عن أن يكون أهلاً لأن يشفع في الناس صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا وسائر أخوانهما أجمعين. وأما اعتبار الحسنة التي هي قربة إلى الله تعالى سيئة بالنظر إلى أن الذي صدرت منه من المقربين، فمما، لا يكاد يعقل)) اهـ. قلت: وهذا كلام نفيس جداً، ولكن ليت الشيخ حفظه
(1/72)
الله تحقق من مدى نسبته إلى أبي سعيد الخراز - رحمه الله - واسمه: ((أحمد ابن عيسى البغدادي)) ، فسيأتي تحقيق أنه كذب عليه أيضاً.
وما كان الشيخ ليعجزه أن يعلم أن أبا سعيد هذا بغدادي، وبالتالي يرجع إلى ترجمته في ((تاريخ بغداد)) وكذلك ((تاريخ دمشق)) كما دله عليه الشيخ العجلوني رحمه الله فيما تقدم من عزوه لان عساكر.
أما أنا فلم أكن لأفعل (1) ذلك لولا أنه قد لفت نظري أثناء تقليب المجد الأول من ((كشف الخفاء)) قول العجلوني (1137) تحته: ((هو من كلام أبي سعيد الخراز كما رواه ابن عساكر في ترجمته، وهو من كبار الصوفية مات في سنة ما ئتين وثمانين. وعده بعضهم حديثاً وليس كذلك ... )) قلت: وتمام كلامه - الذي لم يسقه الشيخ -: ((وقال النجم: رواه ابن عساكر أيضاً عن أبي سعيد الخراز من قوله، وحكى عن ذي النون انتهى. وعواه الزركشي في لفظته للجنيد ... )) الخ. قلت: علقة بن الجوزي في ((صفة الصفوة)) (2/437) فقال: ((وعن علي بن حفص الرازي قال: سمعت أبا سعيد الخراز يقول: ذنوب المقربين حسنات الأبرار)) . ووصله الخطيب (4/277) - وعنه ابن عساكر (2/65) -، فقال: ((أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي أخبرنا أحمد ابن نصر الذارع قال: سمعت أبا محمد الحسن بن ياسين يقول: سمعت علي بن حفص الرازي يقول: ... فذكره. وهذا إسناد هالك غاية! وفيه:
1-
الحسن بن الحسين المعروف بابن دوما النعالي - شيخ الخطيب - مترجم في ((تاريخه)) (7/300-301) وفيه: ((كتبنا عنه وكان كثير السماع في أشياء لم تكن سماعه ... )) حتى قال: ((ذكرت لمحمد بن علي الصوري خبراً من حديث الشافعي كان حدثنا به ابن دوما. فقال الصوري: لما دخلت بغداد رأيت هذا الجزء وفيه سماع ابن دوما الأكبر، وليس فيه سماع أبي علي (يعني شيخ الخطيب هذا) ، ثم سمع فيه
_________
$!
بل ظللت حتى تلك اللحظة معتقداً حقاً أنه من كلام أبي سعيد الخراز الثابت عنه حتى دعاني الفضول إلى معرفة إٍناده إليه من ((تاريخ دمشق)) !
(1/73)
أبو علي لنفسه، وألحق اسمه مع اسم أخيه ... )) وأقره الحافظ في ((اللسان)) (2/201) .
2-
وشيخه أحم بن نصر الذارع، قال الخطيب (5/184) : ((نزل النهروان وحدّث بها عن الحارث بن أبي أسامه، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، و ... ،...، وجماعة غير هؤلاء ممن لا يعرف. وفي حديثه نكرة تدل على أنه ليس بثقة. حدثنا عنه ... و ... وأبو علي بن دوما النعالي ... )) . وقال الذهبي في ((الميزان)) (1/161-162) : ((بغدادي مشهور. روى عن الحارث ابن أبي أسامه وطبقته، فأتى بمناكير تدل على أنه ليس بثقة. قال الدارقطني: دجّال، يكنى أبا بكر، فمن أباطيله ... )) فذكر إسناداً مسلسلاً بآل البيت إلى علي قال: ((خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فصاحت نخلة بأخرى: هذا النبي المصطفى، وعلىّ المرتضى ... )) وفيه: ((فقال: يا علي! إنما سمي نخل المدينة صوحانياً، لأنه صاح بفضلي وفضلك)) (!!!) ثم قال: ((أنبئت علي بن كليب ... )) فذكر إسناداً إلى ابن عباس، قال: ((لما قتل علي عمرو بن عبد ود، هبط جبرائيل بأترجة من الجنة، فقال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله يقول لك: حيّ بهذه علياً فدفعها إليه فانفلقت في يده، فإذا فيها حريرة بيضاء مكتوب فيها بصفرة: تحية من الطالب الغالب إلى على بن أبي طالب)) قال: ((فهذا من إفك الذارع)) اهـ. وأقره الحافظ في ((اللسان)) (1/317-318) . قلت: فهل يصدق هذا الدجال الأفاك على أبي سعيد الخراز،وقد افترى الكذب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى (ابن عباس) ، بل على رب العالمين ورسوله الأمين؟ !!
3-
وشيخه الحسن بن ياسين لم أٌف له على أثر، فلعله من شيوخه المجاهيل الذين أشار إليهم الخطيب.
4-
وشيخه علي بن حفص الرازي لم أقف له على ترجمة مستقلة، ولكن ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله في جملة الراوة عن أبي سعيد في ((سير أعلام النبلاء)) (13/420) .
(1/74)
أقول: ولعل تفرد بن دوما - غير الموثوق به - عن هذا الذارع الدجال بهذا الأثر، هو السر في عد إيراد أبي نعيم له في ((الحلية)) مع أنه جمع فيها كل غث وثمين، وكذلك لم يورده السلمي في ((طبقات الصوفية)) ولا القشيري في ((الرسالة)) , أما قول النجم الغزي: ((وحكى عن ذي النون)) ، وقول الزركشي إنه من كلام الجنيد، فقد كلفني بعض العنت من حيث لم أكن أحتسب، ففتشت في ترجمة مل منهما من ((الحلية)) و ((تاريخ بغداد)) و ((تاريخ دمشق)) - ولم أجد ترجمة للجنيد في نسخة الظاهرية - و ((الطبقات)) و ((الرسالة)) فلم أجد فيها كلها هذا الكلام ولا قريباً منه. فإذا كان هذا هو حال السند الذي يجزم العامة وقبلهم الخاصة بسبته إلى ابن أبي سعيد الخراز، - وهو منه برئ بل ما هكذا لفظه أيضاً! - فكيف بغيره؟ والله المستعان.
(1/75)
الحديث السابع عشر:
((
الدنيا دار من لا دار له، [ومال من لا مال له] ، ولها يجمع من لا عقل له)) . منكر. رواه الإمام أحمد (6/71) - بدون الفقرة الوسطى -، وقال الشيخ الألباني حفظه الله في ((الضعيفة)) (1933) : ((من طريق دويد عن أبي إسحاق عن عروة (وفي الأصل: زرعة) عن عائشة مرفوعاً. وقال ابن قدامة في ((المنتخب)) (10/1/2) : ((هذا حديث منكر)) (1) . قلت: وأبو إسحاق الظاهر أنه السبيعي، وهو مدلس مخالط. ودويد، وهو ابن نافع. قال الحافظ: ((مقبول)) . كذا قال، وفيه نظر، فقد روى عنه جمع، منهم الليث بع سعد، ووثقه الذهلي وغيره، وقال ابن حبان: ((مستقيم الحديث)) . وكذا قال الذهبي. وقد تابعه أبو سليمان النصيبي عند ابن أبي الدنيا في ((ذم الدنيا)) (ق29/2) ، فالعلة السبيعي. ولذلك فإنه لم يصب من جوّد إسناده كالمنذري في ((الترغيب)) 4/104) ، والعراقي في ((التخريج)) (3/202) ، وتبعهم المناوى والزرقاني، وقلدهم الغماري كعادته في ((كنزه)) (1799) ، وكأنهم لم يقفوا على شهادة إمام السنة بنكارته، كما تقدم. وقد أحسن صنعاً الحافظ السخاوي في ((المقاصد)) في اقتصاره على قوله (217/494) : ((ورجاله ثقات)) . وسبقه إلى ذلك الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/288) ، فلم يصححاه؛ خلافاً لفهم الزرقاني في ((مختصر المقاصد)) (108/464) : ((صحيح)) . ومثل هذا الفهملكلمة: ((رجاله ثقات)) خطأ شائع مع الأسف كما نبهنا عليه في غير ما موضع.
هذا، والحديث رواه الإمام أحمد في ((الزهد)) (ص161) عن مالك بن مغول قال: قال عبد الله: فذكره موقوفاً على عبد الله، وهو ابن مسعود،
_________
$!
كذا في ((الضعيفة)) فلا أدرى أسقط منها قوله: ((قال الإمام أحمد)) أم هو قول ابن قدامة نفسه، فإن الشيخ سيذكؤ كلاماً الأولى حمله على الإمام أحمد رحمه الله نورده بعد هذا بأسطر.
(1/76)
ورجاله ثقات أيضاً، ولكنه منقطع، مالك هذا تابعي تابعي، ورى عن السبيعي وغيره. والحديث عزاه السيوطي لأحمد والبيهقي في ((الشعب)) عن عائشة. والبيهقي فيه عن ابن مسعود موقوفاً. فمن أخطاء المناوى قوله عقبة في ((التيسير)) : ((بأسايد صحيحة)) اهـ. قلت: وكلام الشيخ - أمتعنا الله بعلمه وعمره - يتضمت تعقباً جيداً لمن قووا هذا الحديث المنكر - على أمور متعددة لاح لي خلافها - لولاها لوددت أن أسلم بكل حرف أفدناه الشيخ جزاه الله خيراً.
الأول: قوله: ((دويد)) ، وهو ابن نافع ... )) قلت: لم يتبين لي ذلك، فإنه ورد في ((المسند)) هكذا: ((عن دويد)) بالمعجمة. وابن نافع يروى عن عروة رأساً (على قول الشيخ إنه عروة لا زرعة) ويروى عنه الليث بن سعد وإسماعيل ابن رافع المدني ونظراؤهما من المتقدمين. أما هذا فيروى عنه حسين بن محمد المروذي – شيخ الإمام أحمد -، وهو متأخر عن ابن رافع، فإنه من التاسعة (ت213 أو بعدها) . وابن نافع من السادسة؛ ولم أجد أحداً نص على روايته عن أبي إسحاق السبيعي أيضاً. وبعد تقرير هذا، فاجئني قول الأمير ابن ماكولا رحمه الله في ((الإكمال)) (4/386) : (( ... ودويد بن سليمان حدث عن سلم ابن بشير بن حجل وعثمان بن عطاء، روى عنه حسين بن محمد المروذي. ودويد ابن نافع، مصري، مولى سعيد بن عبد الملك بن مروان، يكنى أبا عيسى، روى عنه جماعة من أهل مصر ... )) حتى قال (4/387) : (( ... ودويد لم ينسب، يروى عن أبي إسحاق عن زرعة عن عائشة: الدنيا دار من لا دار له، وله أحاديث في الزهد)) اهـ. دلني على كلامه محقق ((المؤتلف)) (ص1008) جزاه الله خيراً، فإن الدارقطني رحمه الله قال: ((ودويد بن نافع، يروى عن الزهري، وضبارة بن عبد الله بن أبي السليك، روى عنه بقية بن الوليد. ودويد لم ينسب، يروى عن أبي إسحاق، عن زرعة، عن عائشة: ((الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له)) . وله أحاديث نحو هذا في الزهد)) اهـ. فتحقق ما قد ملت إليه، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الثاني: قوله: ((أبو إسحاق الظاهر أنه السبيعي ... )) . قلت: نعم، هو
(1/77)
المتبادر - غالباً - عندج الإطلاق، لولا أنني لم أجد له رواية عن عروة (على تصويب الشيخ، وستأتي الإجابة عنه) ولا رواية لأحد يدعي: ((دويداً)) عنه. نعم، وما ذكره ابن ماكولا والدارقطني ليس فيه تصريح بأن أبا إسحاق - شيخ دويد - هو السبيعي، بل الظاهر أن كلاً منهما جكى السند كما وقع له. نعم، عروة بن الجعد البارقي رضي الله عنه صحابي يروى عنه أبو إسحاق، لكنى لم أجد له رواية عن عائشة. على أن في كون الراوي عنها اسمه: ((عروة)) نظر، يأتي قريباً.
الثالث: قوله: ((وقد تابعه أبو سليمان الضبي عند ابن أبي الدنيا ... )) . قلت: قال ابن أبي الدنيا في ((ذم الدنيا)) (182ط. دار القرآن) : ((حدثني محمد بن العباس بن محمد نا أبو سليمان النصيبي عن أبي إسحاق عن زرعة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له)) . وعنه رواه البيهقي في ((الشعب)) 3/3/81ب -82أ) .
ولم يبين لنا الشيخ حفظه الله من أبو سليمان النصيبي هذا، وكدت آيس منه حتى وجدت - قدراً - أثناء تقليب المجلد الثالث من ((الجرح والتعديل)) (3/427) : ((داود بن هلال النصيبي أبو سليمان روى عن المسعودي ومالك ابن مغول وبكر بن خنيس وأسد بن عمرو. روى عنه زهير بن عباد الرؤاسي)) . ولم يكذر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فوقع في قلبي أنه هو هو دويد المذكور - فيكون اسمه مصغراً رواه حسين المروذي مرة فكناه ونسبه، فحفظه عنه محمد ابن العباس - شيخ ابن أبي الدنيا - ورواه مرة أخرى فصغره ولم ينسبه أو يكنيه. أما دويد بن سليمان الذي أفرده ابن ماكولا، يحتمل أن يكون هو هو أيضاً - بقرينة أنه ذكر رواية المروذي وحده عنه - فيكون ابن ماكولا سمى أباه: ((سليمان)) خلافاً لابن أبي حات، أو الصواب: ((داود أبو سليمان)) . وهذا الأخير مجرد احتمال، والعلم عند الله تعالى.
الرابع: قوله: ((عن عروة (وفي الأصل: زرعة) ... )) . قلت: لماذا لم يبقه
(1/78)
الشيخ عفا الله عنه على ما في الأصل، لا سيما وهو كذلك عند ابن أبي الدنيا والبيهقي، بل وفي كلام ابن ماكولا والدارقطني؟ هذا، وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله الحديث في ((تفسيره)) أربع
مرات - معزواً للإمام أحمد - وساق إسناده في موضعين منهما:
الأول: في (3/33) ، وفيه: ((عن زرعة عن عائشة)) .
والثاني: في (4/501) ، فقال: ((عن عروة عن عائشة)) . فلا أدري ما سبب هذا التردد، ولماذ صوب الشيخ زرعة إلى عرورة، ومن زرعة الذي يروي عن أم المؤمنين رضي الله عنه؟ الله أعلم.
الخامس: قوله - في أثر بن مسعود -: ((ولكنه منقطع، مالك ها تابع تابعي روى عن السبيعي ونحوه ... )) . قلت: طالعت جمسع شيوخه الذين أوردهم له الحافظ المزي رحمه الله في ((تهذيب الكمال)) (ق1300) ، فلم أجد أحداً منهم يمكنهم إدراك ابن مسعود أصلاً، إلا أن يكون عبد الله بن بريدة، لو صح سماعه من ابن مسعود. ولذلك فالأشبه أن هذا الإسناد معضل. ثم وقفت له من قريب على طريق أخرى، فقد رواه أبو عبد الله اليزيدي في ((أمالية)) (ص91) فقال: ((حدثنا أبو حرب حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة قال: قال عبد الله بن مسعود ... فذكره.
وهذا إسناد لا يثبت أيضاً، أبو حرب اسمه محمد بن خالد المهلبي، فكنت أظنه: ((محمد بن خالد بن خداش المهلبي)) ، وهو صدوق يغرب كما قال الحافظ (5843) لكن تبين لي أنه غيره، فإن كنية ابن خداش: ((أبو بكر)) ولم أجد له رواية عن شيوخ هذا من خلال ما أورده له اليزيدي من آثار في ((الأمالي)) ثم إني تعبت عليه جداً فلم أقف له على ترجمة. فإن كان حفظه بهذا الإسناد، فإنه أيضاً معضل - في الغالب - بين قتادة وابن مسعود، والأشهر طريق مالك ابن مغول عن عبد الله. ومن طريقه رواه ابن أبي الدنيا (16) : ((حدثني سريج ابن يونس نا عنبسة بن عبد الواحد عند به. وعنه البيهقي في ((الشعب))
(1/79)
ثم جدت الحديث بعد ذلك موقوفاً على كل من أبي الدرداءوعمر بن عبد العزيز، بإسنادين تالفين.
(( (
أما) أثر أبي الدرداء، فرواه ابن عساكر (13/771) من طريق عبد الملك ابن عمير عن رجاء بن حيوة عنه به. وإسناده تالف، فيه سهل بن علي الدوري، قال الخطيب (9/119) : (وزعم أبو مزاحم الخاقاني أنه كان يرمى بالكذب)) .
وقال الذهبي في ((المغني)) (1/288) : ((متهم بالكذب)) . قلت: والثابت بهذا الإسناد من طرق على عبد الملك به إلى أبي الدرداء قوله: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم ... )) . وهو منقطع أيضاً بين رجاء وبينه كما أومأت في مقدمة ((التبييض)) (1/4) ولعلي أتعرض له مرة ثانية إن شاء الله في ((التبييض)) أو (العلل)) أو كليهما، فالله المستعان.
(
وأما) أثر عمر بن عبد العزيز، فرواه ابن أبي الدنيا (112) من طريق زكريا ابن منظور عن عمه عنه أنه كتب إلى أخ له.. الأثر، وفيه ((فإن الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له)) . وزكريا ضعيف أو واه، قزاه ابن معين في بعض الروايات عنه. وعمه لم أهتد إليه، وشيخ ابن أبي الدنيا: أبو سعيد المديني هو عبد الله بن شبيب الربعي وهو أخباري علامة لكنه واه كما قال الذهبي في ((الميزان)) (2/438) وجعء محرفاً في الكتاب: ((حدثني أبو سعيد المديني عبد الله بن المسيب)) !! وشيخه محمد بن عمر بن سعيد العطار لم أهتد إليه، فالسند مهلهل لم يسلم منه سوى الراشدين رحمه الله!
(
ملحوظة هامة) : ومما يؤخذ على الإمامين ابن كثير والسيوطي في ((الدر)) (6/341) عفا الله عنهما - وغيرهما كثير - أنهم عزوا الحديثبتمامه إلى الإمام أحمد مع أن الفقرة الوسطى - ((ومال من لا مال له)) - ليست عنده، بل عند ابن أبي الدنيا والبيهقي. والأدهى والمر أن الشيخ أبا أحمد الغزالي عفى الله عنه زاد في ((الإحياء)) (3/203) في متن الحديث: ((وعليها يعادى من لا علم له، وعليها يحسد من لا فه له، ولها يسعى من لا يقين له)) . وبين الحافظ العراقي
(1/80)
رحمه الله أن هذه الزيادة عند مخرجيه. وقال ابن السبكي رحمه الله في ((طبقات الشافعية)) (6/345) : ((لم أجد هذه الزيادة)) كما في ((تخريج الإحياء)) (2946) ، وأخطأ العارقي خطأ آخر. فلفق بين هذا الحديث وحديث آخر في ذم الدنيا أيضاً، فانظر جواب العراقي وابن السبكي عما صنع في ((التخريج)) (3552) . وممن زادها أيضاً ابن حجر الهيثمي الفقيه رحمه الله في ((أسنى المطالب)) كما في ((كشف الخفاء)) (1315) .
أما صاحب: ((من وصايا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم)) - سامحه الله - فقد وقع في كل، فأورد الحديث بلفظ أحمد (ص641) وقال: ((رواه أحمد، وزاد: ((ومال من لا مال له)) ! ثم أورده (ص770) بالزيادة الباطلة، وقال: ((رواه أحمد من حديث عائشة)) !! ومثل هذا في ((وصاياه)) كثير مع أنه أحشاها بالمناكير والواهيات التي لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيها. بل الوصايا نفسها تسع منها - فيالجزء الأول وحده - لا يصح، ما بين ضعيف ومنكر وواه. هدانا الله وإياه لتحري الحق والصواب، وتحاشي الوقوع في الكذب على سيد الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعامله الله تعالى بما يستحق، إذ رمى أهل السنة والجماعة الذين يصفون رب العالمين بما وصف به نفسه، ووصفه به نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقلة الأدب! ، إذ قال على الملأ عقب خطبة جمعة بالمعادي ما معناه: ((يقولون: إن الله في السماء، انظروا إلى قلة الأدب؟!)) . فالله بيننا وبينك ياطة، (يوم لا ينفع ما ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) .
استدراك:
ثم وجدت الحافظ رحمه الله يقول في ((نزهة الألباب)) (1077) : ((دويد: هو داود ابن سليمان النصيبي)) . فصح - ولله الحمد - ما احتملته، مع استبعاد أن يكون هو هو داودبن هلال النصيبي. ووجدت احديث مرفوعاً أيضاً في ((الأصول من الكافئ)) (2/129) لثقة الرافضة الكليني، وفيه قصة. وهو عن جعفر الصادق معضلاً. وفي إسناده جماعة من الرافضة لم أهتد إليهم، وفيه أيضاً أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وهو من غلاتهم، له كتاب ((التحريف)) - يعني في القرآن -، نعوذ بالله من الكفر والخذلان.
(1/81)
💥💥💥💥💥💥💥💥
(
فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع
الحديث الثامن عشر:
((
صاحب الشئ أحق أن يحمله إلا أن يكون ضعيفاً يعجز عنه، فيعينه أخوه المسلم)) .
ضعيف جداً، أو موضوع. رواه أبو يعلى والطبراني في ((الأوسط)) كما في ((المجمع)) (5/121-122) وابن الأعرابي في ((معجمه)) (235/1-2) وابن بشران في ((الأمالي)) (2/53-54) والحاظ محمد بن ناصر في ((التنبيه)) (16/1-2) من طريق يوسف بن زياد البصري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة قال: ((دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم السوق، فقعد إلى بزارين، فاشترى سراويل بأ {بعة دراهم، قال: وكان لأهل السوق رجل يزن بينهم الدارهم يقال له: فلا الوزان، قال: فدعي ليزن ثمن السراويل، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:أتزن وأرجح، فقال الوزان: إن هذا القول ما سمعته من أحد من الناس، فمن أنت؟ قال أبو هريرة: فقلت: حسبك من الرهق والجفاء في دينك ألا تعرف نبيك. فقال: أهذا نبي الله؟ فألقى الميزان ووثب على يد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فجذبها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال: ((مه إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها، وإني لست بملك، إنما أنا رجل منكم)) . ثم جلس فاتزن الدراهم وأرجح كما أمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأحملها عنه، فمنعني وقال: ... فذكره، قال: قلت: يا رسول الله أو أنك لتلبس السراويل؟ قال: نعم، بالليل والنهار، وفي السفر والحضر، قال يوسف: وشككت أنا في قوله: ومع أهلي، فإنني أمرت بالستر فلم أجد ثوباً أستر من السراويل)) . وفي إسناد هذا الحديث.
1-
يوسف بن زياد. قال الدارقطني: ((مشهور بالأباطيل)) وسيأتي كلامه
(1/82)
بتمامه قريباً. وقال النسائي: ((ليس بثقة)) . وقال البخاري وأبو حاتم والساجي: ((منكر الحديث)) . وبه وحده أعله الحافظ الهيثمي رحمه الله في ((المجمع)) .
2-
وشيخه: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم - وهو الإفريقي - ضعيف في حفظه، كما في ((التقريب)) (3862) ، وقد وثقه بعضهم ودفع قول مضعفيه بما لا طائل تحته.
وللحديث طريق أخرى عند البيهقي في ((الشعب)) و ((الأدب)) (758) فيها حفص بن عبد الرحمن - راويه عن الإفريقي - حكى ابن الجوزي أن ابن حبان رماه برواية الموضوعات عن الثقات ولم أجده في ((المجروحين)) ، بل لم أهتد إليه. والحديث أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) وقال: لا يصح، قال الدارقطني في ((الأفراد)) : الحمل فيه على يوسف بن زياد لأنه مشهور بالأباطيل، ولم يروه عن الإفريقي غيره)) . وأقره الشيخ الألباني حفظه الله في ((الضعيفة)) (89) ، ومنها اختصرنا هذا التخريج، فجزاه الله عنا وعن الإسلام والسنة خيراً. وقد حكى فيها أيضاً عن الحافظ السخاوي رحمه الله - في ((فتاويه الحديثية)) (ق86/1) - قوله: ((سنده ضعيف جداً، واقتصر شيخنا في ((فتح الباري)) على ضعف رواته، ولشدة ضعفه جزم بعض العلماء بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يلبس السراويل)) . قلت: ومع تهافت إسناد هذا الحديث، فإنه يتردد كثيراً بين الناس، فعسى أن ينفع الله عز وجل بإيراده ههنا أقواماً، فإن الكثيرين لا تطول أيديهم كتب الشيخ حفظه الله، ومنهم من لا يعرفه، ومنهم من يصدق ما يرميه به بعض الحمقى والموتورين من شتى التهم والنقائص. فلعل الله تعالى يجعلني ((وساطة خير)) بين هؤلاء وبينه.
(
أما) السراويلات (1) ، فقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الزاد))
_________
$!
جمع: ((سراويل)) فإنه مفردة. أما ما شاع بين الناس من أن: ((سراويل)) جمع مفردة: ((سروال)) ، فقد ذهب العلامة الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)) إلى أن ذلك لغة ضعيفة، وكلام ابن القيم سأحكيه يؤيد ذلك. وفي مادة: ((سرل)) من ((لسان العرب)) كلام نافع في ذلك.
(1/83)
(1/35) : ((
فصل: واشترى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - سراويل، والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها، وقد روى في غير حديث أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه ... )) كذا قال رحمه الله، وسكت محققاً ((الزاد)) (1/139) عن تعقب قضية كونه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس السراويل أم لا بما تقدم عن الإمام السخاوي، شأنهما في كثير مما لا ينبغي السكوت عنه في ذلك الكتاب. أما شراؤه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إياها، فصحيح ثابت؛ فقد روى أبو داود (2/220) والترمذي (2/385) والنسائي (7/284) من طرق عن الثوري ثنا سماك بن حرب، حدثني سويد بن قيس رضي الله عنه قال: ((جلبت أنا ومخرمة العبدي بزاً من هجر، فإتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فسوامنا سراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((زن وأرجح)) . قال الترمذي: ((حديث سويد حديث حسن صحيح. وأهل العلم يستحبون الرجحان في الوزن. وروى شعبة هذا الحديث عن سماك، فقال: عن أبي صفوان: وذكر الحديث)) اهـ. قلت: ورجح الإمام أبو داود رواية سفيان وأشار إلى متابعة قيس بن الربيع - وهو ضعيف - عل إسناده. أما إقراره صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصحابة على لبس السراويل، فمما ثبت فيه حديث أبي أمامة رضي الله عنها قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم..
وفيه: ((فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تسرواوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب ... )) الحديث، وإسناده حسن كما قال الحافظ رحمه الله في ((الفتح)) (10/367) ، وبه (50) ختمت تخريج والتعليق على كتاب ((الحقوق)) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله وأمتعنا به. مع تعليق نافع بإذن الله تعالى عن مخالفة أهل الشرك وحرمة حلق اللحية عن جميع الأئمة، فانظره إن شئت.
وحديث أبي أمامة دل على حصول المخالفة بلبس السراويل تارة، والإزار
(1/84)
أخرى. علماً بأن السراويل الشرعية تختلف كثيراً عن ((البنطلون الأوربي)) الذي يحدد العورة كاملة - في أحيان كثيرة - ويفصلها أثناء السجود بين يدي رب العالمين!
فاللهم أهدنا والمسلمين أجمعين لتعظيم حرماتك والتأدب بين يديك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. آمين.
(
أما) الراوية الموقوفة لحديث الترجمة، فقريب منها ما روي في ((الأدب المفرد)) للبخاري رحمه الله (551) بسند فيه جهالة، من طريق علي بن هاشم ابن البريد قال: حدثنا صالح بياع الأكسية عن جدته قالت: رأيت علياً رضي الله عنه اشترى تمراً بدرهم، فحمله في ملحفته. فقلت له (أو قال له رجل) : أحمل عنك يا أمير المؤمنين. قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل)) . وهذا إسناد ضعيف له علتان:
الأولى: جهالة حال - بل عين - صالح بياع الأكسية هذا، فقد ترجمه الحافظ في ((التهذيب)) (4/407-408) براوية ابن البريد وحده عنه، ولم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً. وإلى جهالته أشار الذهبي في ((الميزان)) (2/304) فقال: ((وصالح بياع الأكسية عن جدته. ما روى عنه سوى على بن هاشم بن البريد)) . وقال الحافظ في ((التقريب)) (2895) : ((مقبول)) أي لين الحديث حيث لم يتابع.
الثانية: جده صالح هذا، فلم أهتد إلي اسمها، ولا وجدتها في ((الميزان)) ولا ((التهذيب)) ولا ((تقريبه)) ولا ذكرها الحافظ المزي ضمن الرواة عن علي في ((تهذيب الكمال)) ، ولعلي لم أنعم النظر. وقد سكت عنها أيضاً الشيخ فضل الله الجيلاني في ((فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد)) (2/9) ، فلم يترجم لها على خلاف عادته. فالله أعلم. والظاهر أن حالها كحال حفيدها أيضاً.
(
وفي عموم) الاستغناء عن الناس والاعتماد على النفس، ثبتت بعض
(1/85)
الأحاديث منه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((استغنوا عن الناس، ولو بشوص السواك)) وهو حديث رجاله ثقات لكنه معل بالإرسال عن ميمون بن أبي شبيب - وإن اغتر بظاهر إسناده جماعة في القديم والحديث - لكن رأيت له شواهد في ((زهد وكيع)) تقوية إن شاء الله تعالى.
ووصيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا ذر رضي الله عنه إذ قال له: ((لا تٍأل الناس شيئاً. قال: قلت: نعم، قال: ولا سوطك إن يسقط منك، حتى تنزل إليه فتأخذه)) . وصح عن ثوبان رضي الله عنه كان يفعل امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيضاً ألا يسأل الناس شيئاً، وغير ذلك مما لا مجال لتخريجه واستقصائه، فـ: ((لكل مقام مقال)) كما قال الصحابي الجليل أبو الطفيل عامر بن وائلة رضي الله عنه - وهو آخر الصحابة موتاً على الإطلاق كما قال الإمام مسلم وغيره (ت110هـ) . ثم وجدت في ((الميزان)) (3/133) : ((علي بن صالح بياع الأكسية، عن جد له، عن علي. وعنه أحمد ابن منيع. لا يعرف)) اهـ. لا أشك أن هذا تصحيف صوابه: ((علي عن صالح بياه الأكسية، عن جدته، عن علي)) كما تقدم، فإن صالحاً تفرد عنه علي بن هاشم بن البريد، وأحمد بن منيع يروى عنه ابن البريد كما في ((تهذيب الكمال)) (1/495) وكذلك (ق:994) من ((المخطوط)) ، والله أعلى وأعلم (وما توفيقي إلا بالله) .
استدراك:
وروى أثر علي أيضاً: عبد الله بن الإمام أحمد في ((زوائد الزهد)) (ص133) و ((زوائد فضائل الصحابة)) (916) وابن أبي الدنيا في ((التواضع)) (102) عن سريج بن يونس عن علي بن هاشم عن صالح بيا الأكسية، فقال: ((عن أمه أو جدته)) ورواية عبد الله: ((فقالوا: تحمل عنك ... )) ورواية ابن أبي الدنيا: ((فقلت: أحمل عنك ... )) . وأم صالح أيضاً لم أهتد إليها. وهذه الزواية - على الشك - أصح إسناداً من رواية ((الأدب)) .
(1/86)
الحديث التاسع عشر:
((
القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب اغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح فأما القلب الأجرد، فقلب المؤمن سراجه فيه نوره. وأما القلب الأغلف، فقلب الكافر. وأما القلب المنكوس، فقلب المنافق، عرف ثم أنكر. وأما القلب المصفح، فقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القبح والدم، فأي المادتين غليت على الأخرى غليت عليه)) .
ضعيف. رواه الإمام أحمد (3/17) والطبراني في ((الصغير)) (1075) وعنه أبو نعيم (4/385) من طريق أبي معاوية شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن ليث بن أبي سليم عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً به (1) . وقال الطبراني: ((لم يروه عن شيبان إلا أحمد بن خالد الوهبي، ولا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد)) اهـ. قلت هذا حسب مبلغ علمه رحمه الله، وإلا فقد تابع الوهبي أبو النضر هاشم بن القاسم عند الإمام أحمد.
وقال الهيثمي في ((المجمع)) (1/63) : ((رواه أحمد والطبراني في ((الصغير)) ، وفي إسناده ليث بن أبي سليم)) اهـ. قلت: وهو ضعيف كما يأتي، وللإسناد علة أخرى، وهي الإنقطاع بين أبي البختري، واسمه: سعيد بن فيروز الطائي الكوفي - ثقة ثبت - بين أبي سعيد الخدري. قال الحافظ العلائي رحمه الله في ((جامع التحصيل)) (242) : (( ... وقال أبو حاتم: لم يدرك (يعني أبا البختري) أبا ذر ولا زيد بن ثابت ولا رافع بن خديج ولا أبا سعيد الخدري
_________
$!
والحديث في ((فردوس الأخبار)) (4732) - بنحوه - معزواً لابن عباس ولم يسق محققاه إسناد الديلمي، فلا أدري أأسنده من حديث ابن عباس أم هو خطأ صوابه: ((أبو سعيد)) ؟
(1/87)
ولم يلق سلمان ... )) . وفي ((التهذيب)) (4/73) : ((وقال أبو داود: لم يسمع من أبي سعيد)) . ووما زاده الحافظ قوله: ((قلت: وقال ابن سعد: قتل بدجيل مع ابن الأشعث سنة (83) وكان كثير الحديث يرسل حديثه ويروى عن الصحابة ولم يسمع من كثير أحد، فما كان من حديثه سماعاً فهو حسن، وما كان غيره فهو ضعيف)) .
قلت: لفظه في ((الثقات)) (6/205) : ((وكان أبو البختري كثير الحديث يرسل حديثه، ويرى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يسمع من كبير أحد، فما كان من حديثه سماعاً فهو حسن، وما كان عن، فهو ضعيف)) اهـ. وعلى ذلك، فرواية أبي البختري عن الصحابة بالعنعنة ضعيفة عند ابن سعد رحمه الله لكثرة إرساله. وهناك علة ثالثة أدق من هاتين، وهي الوقف على حذيفة كما يأتي قريباً. ومع كل ما تقدم، فقد قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (1/56) - بعد أن أورد الحديث من رواية ((المسند)) : ((هذا إسناد جيد حسن)) ! كذا قال عفا الله عنه، وإني استعنت بالله جل وعلا في نقل بحث قيم للحافظ السيوطي روّح الله روحه بشأن ليث بن أبي سليم هذا، لم أجد له مثله في الدقة وطول النفس بشأن غيره من الرواة، إذ قال في رسالة: ((أعذب المناهل في حديث: من قال أنا عالم فهو جاهل)) من كتابه ((الحاوي)) (3/7-8) : (( ... وهذا الحديث حكم عليه الحفاظ بالوهم في رفعه، فإن ليث بن أبي سليم متفق على ضعفه. قال فيه أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث. وقال: ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا في أحد منه في ليث، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيه. وقال فيه ابن معين والنسائي: ضعيف. وقال ابن معين: ليث أضعف من عطاء بن السائب (1) . وقال عثمان بي أبي شيبة: سألت جريراً عن ليث وعن عطاء بن السائب وعن يزيد بن أبي زياد، فقال:
_________
$!
أي أضعف من عطاء بعد اختلاطه، وإلا فهو ثقة صحيح الحديث فيما رواه عنه متقدموا أصحابه. الذين سمعوا منه في القدمة الأولى للبصرة كأيوب وشعبة والسفيانين وحماد بن زيد، وأقرانه: كالأعمش. والله أعلم.
(1/88)
كان يزيد أحسنهم استقامة في الحديث، ثم عطاء، وكان ليث أكثرهم تخليطاً. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: وسألت أبي عن هذا، فقال: أقول كما قال جرير.
وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا يحيى بن معين عن يحيى بن سعيد القطان أنه كان لا يحدث عن ليث بن أبي سليم. وقال عمرو بن علي: كان يحيى لا يحدث عن ليث بن أبي سليم. وقال أبو معمر القطيعي: كان ابن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم. وقال علي بن المديني: قلت لسفيان: إن ليثاًروى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ، فأنكر ذلك سفيان وعجب منه أن يكون جد طلحة لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقال علي بن محمد الطنافسي: سألت وكيعاً هن حديث من حديث ليث بن أبي سليم، فقال: ليث ليث، كان سفيان لا يسمي ليثاً، وقال قبيصة: قال شعبة لليث بن أبي سليم: اين اجتمع لك عطاء وطاوس ومجاهد؟ فقال: إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه. فما زال شعبة متقياً لليث مذ يومئذ. وقال أبو حاتم: أقول في ليث كما قال جرير بن عبد الحميد. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغ به، وهو مضطرب الحديث. وقال أبو زرعة أيضاً: ليث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث. وقال مؤمل بن الفضل: قلنا لعيسى بن يونس: لم تسمع من ليث بن أبي سليم؟ قال: قد رأيته وكان قد اختلط، وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره. هذا مجموع كلام أئمة الحديث في تخريجه (كذا، ولعل الصواب: تخريجه) . والحاصل أنه كان في صحة عقله كثير التخليط في حديثه بحيث جرح بسبب ذلك، ثم طرأ له بعد ذلك الاختلاط في عقله فازداد حاله سوءاً. وحكم المختلط الذي كان قبل اختلاطه من الثقات الحفاظ المحتج بهم أنا ما رواه بعد اختلاطه يرد، وكذا ما شك فيه: هل رواه قبل الاختلاط أو بعده، فإنه مردود. فإذا كان هذا حكم من اختلط من الثقات الحفاظ الذين يحتج بهم، فكيف بمن اختلط من الضعفاء المجروحين الذين لا يحتج بهم قبل طروء الاختلاط عليهم؟ .
وقد جرت
(1/89)
عادة الحفاظ إذا ترجموا أحداً ممن تكلم فيه أن يسردوا في ترجمته كثيراً من الأحاديث التي أنكرت عليه، وإن كان له أحاديث سواها صالحة نبهوا على أن ما عدا ما سردوه من أحاديثه صالح مقبول، خصوصاً إذا كان الرجل ممن خرج له في أحد ((الصحيحين)) ، فإنهم يقولون: إن صاحب الصحيح لم يخرج من حديثه إلا ما صح عنده من طريق غيره، فلا يلزم من ذلك قبول كل ما رواه. هكذا نصوا عليه. وهذا الرجل روى له مسلم مقروناً بأبي إسحاق الشيباني، فالحجة في رواية أبي إسحاق، والحديث الذي خرجه صحيح من طريق أبي إسحاق لا من طريق ليث ابن أبي سليم. ولما ترجمه ابن عدي في ((الكامل)) سرد أحاديثه التي أنكر ت عليه ثم قال: له أحاديث صالحة غير ما ذكرت، وكذا صنع الحافظ الذهبي في ((الميزان)) سرد له أكثر من عشرة أحاديث أنكرت عليه منها هذا الحديث الذي نحن فيه - أعني حديث: من قال أنا عالم فهو جاهل - وحديث: من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمد فقد جهل، وقد أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) وحديث: كان باليمن ماء يقال له: زعاق، من شرب منه مات. فلما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجه إليه: أيها الماء أسلم، فقد أسلم الناس. فكان بعد ذلك من شرب منه حم ولا يموت، في أحاديث أخر، على أن هذا الحديث الذي نحن فيه لم يجزم ليث برفعه لقوله فيما تقدم: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذه الصيغة تقال عند الشك ... )) .
ثم مال رحمه الله إلى بطلان المتن لثبوت خلافه عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وأورد إشكالاً على حكمه بالبطلان مع عدم ثبوتها ليث بكذب، فأجاب عنه بأحسن بيان. وسوف نورد تمام كلامه هذا إن شاء الله في قسم آخر من هذا الكتاب، فقد جاء الحديث الذي أسس السيوطي الرسالة على بطلانه عن كل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويحيى بن أبي كثير رحمه الله، ولم يثبت عنهما. وأقول: هكذا فليكن التحقيق، وقد أطال الحافظ السيوطي رحمه الله النفس في بيان حال ليث بما لم أره لغيره، ويا ليته ثبت على هذا
(1/90)
المنهد في عامة كتاباته - لا فيما يمس جناب العلماء فحسب - إذاً لسد الباب على الكثيرين ممن تعقبوه واستدركوا عليه ممن أتوا بعده، كالحافظ المناوى فمن بعده. ومع ذلك فلى مؤاخذة واحدة على التحقيق الساب، أعني حكايته اتفاق العلماء على ضعف ليث ففيها نظر، فقد قواه ابن معين في رواية. قال أبو داود: سألت يحيى عن ليث، فقال: لا بأس به. قال: وعامة شيوخه لا يعرفون. وقال البرقاني: سألت الدارقطني عنه، فقال: صاحب سنة، يخرج حديث. ثم قال: إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب (وفي قصر إنكارهم وعليه بهذا فقط، نظر بما تقدم) وقال ابن شاهين في ((الثقات)) : قال عثمان بن أبي شيبة: ليث صدوق ولكن ليس بحجة. وهذه النقول في ((التهذيب)) (8/467-468) ، ثم وجدت للسيوطي في ((اللآلئ)) (1/101-102) كلاماً يعارض ما ههنا، ورده الأباني في ((الضعيفة)) (1/436-437) ورجح إجماعهم على تضعيفه، وفيه نظر أيضاً، نعم / هذا لا يفيد في تقوية أمر ليث شيئاً، فإن العمل على تضعيفه وإطراح حديثه، ولكن كان ينبغي للحافظ السيوطي عفا الله عنه إيراد هذه الأقوال ودفعها بغيرها من الطعون.
أقول: وقول الحافظ الهيثمي رحمه الله في موضاع من ((المجمع)) - أوردنا أحدها في الحديث الثالث - في حق ليث: ((وهو ثقة مدلس)) مما لا وجه له بشطريه. أما التوثيق فكلاً كما عملت. وأما الرمى بالتدليس فلم أر من سبق الهيثمي إليه: نعم، رماه ابن الجوزي رحمه الله بتدليس الشيوخ إذا كان يروى عن أبي ليقظان عثمان بن عمير - وهو واه - فيقول: ((عثمان بن أبي حميد)) كما أوردته في ((البدائل)) (16) نقلاً عن كتاب ابن الجوزي: ((العلل المتناهية)) ، ونازعني أحد الكرام في ذلك بأنه تخليط لا تدليس! فالله أعلم. على إن إطلاق التدليس - في هذه الحالة - عليه لا يحسن إذا روى عن شيوخه المعروفين وسماهم كمجاهد وعطاء وطاوس وعمرو بن مرة وطلحة بن مصرف ونافع وعكرمة ونحوهم. أما العلة الثالثة للحديث (فقد خالفه) الأعمش وأبان بن تغلب، فرواه كل منهما عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة موقوفاً. بل هو نفسه
(1/91)
كان يضطرب فيه، فقد روها - مرة - مروقوفاً على حذيفة كما يأتي لدى الكلام على رواية أبان بن تغلب. وأخرى موقوفاً على سلمان الفارسي رضي الله عنهما.
أما رواية الأعمش، فعند ابن أبي شيبة في ((الإيمان)) (54) و ((المصنف)) (11/36) وعبد الله بن أحمد في ((السنة)) (820) وأبي نعيم (1/276) وابن بطة في ((الإبانة)) (915) من طرق عنه عن عمرو بن مرة به. ولفظه: ((القلوب أربعة: قلب مصفح، فذلك قلب المنافق، وقلب أغلق (وعند غير ابن أبي شيبة: أغلف) فذاك قلب الكافر، وقلب أجرد كأنه فيه شراج يزهر، فذاك قلب المؤمن، وقلب فيه نفاق وإيمان، فمثله مثل قرحة يمدها قبح ودم، ومثله مثل شجرة يسقيها ماء خبيث وطيب، فأيما غلب عليها)) . وهذا أيضاً إسناد ضعيف لانقطاعه، ففي ترجمة أبي البختري سعيد بن فيروز من ((التهذيب)) (4/72) : ((روى عن أبيه وابن عباس وابن عمر ... وأرسل عن عمر وعلي وحذيفة وسليمان وابن مسعود)) . وقال العلائي في ((الجامع)) : ((كثير الإرسال عن عمر وعلي وابن مسعود وحذيفة وغيرهم رضي الله عنهم)) . ولم يتفطن العلامة الأباني حفظه الله للإنقطاع المذكور، فقال في ((تخريج الإيمان)) : ((حديث موقوف صحيح، وقد خالفه (يعمي الأعمش)) ليث بن أبي سليم، فقال: ((عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فذكره، وليث ضعيف، لا سيما إذا خالف الثقات)) اهـ.
(
وأما) رواية أبان بن تغلب - وهو ثقة - فعلقها الخطابي رحمه الله في ((غريب الحديث) (2/331) ووصلها الخطيب في ((تلخيص المتشابه)) (ص260) بسند صحيح إلى عبد الله بن إدريس، عن ليث (!) وأبان بن تغلب، عن عمرو بن مرة به، بنحو ما تقدم. وفيه: (( ... وقلب منكوس، قال: قلت: ما المنكوس؟ قال: قلب المنافق، عرف ثم أنكر ... )) . وهذا وهم - ولا بد - فقد نفى العلماء إدراك أبي البختري لحذيفة أصلاً، واستبعد أن يكون مدرجاً من قول بعض الرواة دون أبي البختري فإنه خلاف الظاهر. ولعل
(1/92)
الخطيب رحمه الله أحال على لفظ ليث لا أبان، وليث ليث! وفيه زيادة: ((قال حذيفة: وكنا نحدث أن مثل ذاك الرجل يعمل زماناً بعمل أهل الجنة، ثم يختم الله له بعمل أهل النار، والرجل يعمل زماناً بعمل أهل النار، ثم يختم الله له بعمل أهل الجنة)) . ولها شواهد في ((الصحيحين)) وغيرهما. هذا، وقد وهم الشيخ السهروردي عف الله عنه، فعزاه في ((عوارف المعارف)) (ص218) إلي حذيفة مرفوعاً ولم يسنده.
(
وأما) موقوف سلمان، فقال ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (الفرقان: 1249) : ((وذكر أيضاً حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه: ((القلوب أربعة: قلب أغلف، فذلك قلب الكافر. إلى آخره. وقد تقدم)) . قلت: لم استطع الاهتداء إليه في مظانه التي بين يديّ كالجزء الخاص بتفسير ((سورة البقرة)) وغيرها، ولكن قال محققه: ((ضعيف جداً، لأن في إسناده ليث بن أبي سليم، متروك)) . كذا قال: وكأنه فهم ذلك من قول الحافظ رحمه الله في ((التقريب)) (5685) : ((صدوق اختلط (1) جداً ولم يتميز حديثه فترك)) . وقد بينت ما في فهمه هذا من النظر في ((التبييض)) (18) . ولا أبعد أن يكون ليث قد رواه - ههنا - عن عمرو أيضاً عن أبي البختري عن سلمان، فيكون منقطعاً أيضاً.
(
والحاصل) أن الحديث لا يصح رفعه ولا وقفه، وقد اضطرب فيه ليث اضطراباً عجيباً، فمرة يرفعه عن أبي سعيد، ومرة يوقفه على حذيفة - وهو الأصح على ضعفه - ومرة يوقفه على سلمان. والإسناد منقطع في كل، وقد تقدم عن ابن سعد رحمه الله تضعيف ما لم يصرح فيه أبو البختري بالسماع من الصحابة، فكيف بمراسيله عنهم؟ فالله المستعان، وهو حسبي ونعم الوكيل.
_________
$!
انظر تعليق الشيخ محمد عوامة حفظه الله على هذه العبارة، وقد جاء في النسخة الأخرى من ((التقريب)) (2/138) : ((صدوق اختلط أخيراً،..)) الخ.
(1/93)
الحديث العشرون:
((
الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله)) .
ضعيف. رواه الإمام أحمد (4/124) والترمذي (4/54) - وحسنه - وابن ماجه (4260) والطبراني في ((الكبير)) (7/384) والحاكم (1/57-4/251) وأبو نعيم (1/267) وغيرهم من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس رضي الله عنه مرفوعاً به وزاد الإمام النووي رحمه الله في ((رياض الصالحين)) (67) والإمام السيوطي رحمه الله في ((الجامع)) (6468) لفظة: ((الأماني)) بعد قوله: ((وتمن على الله)) . وهي مشهورة أيضاً على الألسنة، ولم أقف عليها مع كثرة وقوفي على الحديث في كتب أخرى سوى المتقدم ذكرها. ثم وجدتها في ((أمالي الطوسي)) الرافضي (ص541) أثناء حديث طويل موضوع ذكرناه أثناء الحديث الحادي عشر، ووعدنا بالتعرض له، رواه من طريق أبي المفضل الشيباني قال: حدثنا رجاء بن يحيى ابن الحسين العبراني الكاتب سنة أربع عشرة وثلاثمائة وفيه مات قال: حدثنا محمد ابن الحسن بن شمون قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن الفضيل ابن يسار عن وهب بن عبد الله بن أبي دبي الهنائي (في الأصل: ابن أبي داود الهنائى) قال: حدثني أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه عن أبي الأسود عن أبي ذر به بطوله، وفيه: ((يا أبا ذر إن الكيس من داون نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله عز وجل الأماني)) .
وفيه الآتي:
1-
أبو المفضل الشيباني، تقدم غير مرة أنه متهم بالوضع.
2-
شيخه رجاء بن يحيى العبرتائي، سماه الخطيب (8/413) : ((رجاء بن محمد بن يحيى العبرتائي الكاتب)) ، وذكر رواية المفضل وحده عنه، ولم يذكر فيخ جرحاً ولا تعديلاً. وذكره السمعاني في ((الأنساب))
(1/94)
(4/139-140)
فلم يزد على الخطيب شيئاً.
3-
محمد بن الحسن بن شمون، قال االشيخ عبد الرحمن الزرعي في كتاب: ((رجال الشيعة في السمزان)) (ص120) : ((قال هاشم معروف (الموضوعات في الآثار والأخبار ص235) : ((هو من الغلاة المعروفين بالكذب ووضع الحديث)) .
4-
عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، لم أقف عليه فيما لدى مصادر، وأتوقع أن يكون من غلاة الشيعة أيضاً، ولم تأتني بعد المراجع الكافية لإثبات ذلك.
5-
الفضيل بن يسار، قال الحافظ رحمه الله في ((اللسان)) (4/454) : عن ابن نصر: (ثنا أحمد بن منصور ثنا موسى بن إسماعيل قال: كان فضيل ابن ياسر رجل سوء. وقال محمد بن نصر: كان رافضياً كذاباً ليس ممن يحتج به ولا يعتمد عليه)) (1) .
وعودة إلى حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أقول: وقال الحاكم - في الموضع الأول -: ((هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه)) فتعقبه الذهبي في ((تلخيص المستدرك)) بقوله: ((قلت: لا والله أبو بكر واه)) . أما في الموضع الثاني، فقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)) فقال الذهبي: ((صحيح)) . وصنيعه - رحمه الله -، في الموضع الأول هو الصواب الذي لا مرية فيه، فإن ابن أبي مريم هذا ضعيف الحديث، ضعفه الجمهور - ووثقه ابن معين في رواية شاذة عنه - ووهاه غير واحد. قال الإمام أحمد: ليس بشئ. وقال الدارقطني - في روياة -: متروك. وقال ابن حبان كان من خيار أهل الشام لكنه كان ردئ الحف، يحدث بالشئ فيهم، فكثر ذلك منه حتى استحق الترك، ولخص الحافظ رحمه الله مجموع كلامهم فيه، فقال في
_________
$!
وبعض الحديث في ((كنز العمال)) (3/698-699) معزواً للديلمي، وليس في ((فردوس الأخبار)) فالحمد لله الذي أظفرني بإسناده. وهو يذكرني بما عزاه الأفاكون للإمام أحمد عن خالد بن الوليد من حديث طويل ملفق من أحاديث كثيرة فيها الثابت والواهي، فهذا كذلك بل هو أعجب.
(1/95)
((
التقريب)) (7974) : ((ضعيف)) ، وكان سرق بيته فاختلط)) . نعم، للحديث - سوى الإفك المتقدم - متابع قاصر المتن، وإسناد كل منهما أيضاً تالف غاية،لا يسمن ولا يغني من جوع!
(
أما) المتبع، فقد قال أبو نعيم - عقب رواية م تقدم -: ((ورواه ثور بن يزيد وغالب عن مكحول عن ابن غنم عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مثله. حدثنا سليمان بن أحمد ثنا مكحول البيروتي ثنا إبراهيم بن بكر بن عمرو (كذا، والصواب: ابن عمرو بن بكر) قال: سمعت أبي يحدث عن ثور وغالب بإسناده)) اهـ. ورواه الطبراني ((شيخ أبي نعيم فيه)) في ((الصغير)) (863) و ((الكبير)) (7/281) . وهذا إسناد واه جداً، كأنه موضوع على ثور وغالب وإبراهيم وأبيه قد أوضحت حالهما بما يغني عن الإعادة أثناء الحديث الخامس. وأما الشاهد، فرواه البيهقي في ((الشعب)) (3/3/75/أ) من طريق محمد بن يونس الكديمي ثنا عون بن عمارة ثنا هشام ابن حسان عن ثابت عن أنس بن مالك قال: جاءت بي أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالت: يا رسول الله خادمك أنس، فادع له، وهو كيس، وهو عاري يا رسول الله، فإن رأيت أن تكسوه) في المخطوطة بعدها كلمة غير واضحة، كأنها: إزاران أو: رداءان) يستتر بهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الكيس من عمل لما بعد الموت، والعاري العاري من الدين، اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة)) . وقال البيهقي: ((عون بن عمارة ضعيف، وله شاهد من حديث شداد بن أوس في بعض ألفاظه)) . ثم رواه من طريق ابن المبارك رحمه الله عن ابن أبي مريم به. وعون بن عمارة - الذي أعل البيهقي هذا الإسناد به وحده - منكر الحديث، حكم ابن لجوزي والذهبي وابن القيم بوضع حديثه عن أبي قتادة مرفوعاً: ((الآيات بعد المائتين)) (1)
عند ابن ماجه (4057) وغيره. وكذلك
_________
$!
عزاه الشيخ الأباني حفظه الله في ((الضعيفة)) (1966) لابن ماجه والعقيلي في ((الضعفاء)) والقطيعي في ((جزء الألف دينار)) والحاكم، فقال: ((عن محمد: (هو ابن يونس بن موسى) قال: ثنا عون بن عمارة العنبري ... ) الخ..فأوهم - عفا الله عنه - أن محمداُ هذا (وهو الكديمي) في أسانيدهم جميعاً، وليس الأمر كذلك، فقد توبع عند جميعهم إلا القطيعي، فقد اطلع على إسناده، فلو كان عنده من طريق الكديمي، فمما يحسن مثل هذا من الشيخ حفظه الله، بل لعله لم يفطن لذلك. والطريف أنه أيضاً حفظه الله لم يعل الحديث بالكديمي، فهل سقط شئ من الطابع أو الناسخ؟ الله أعلم.
(1/96)
غمزه به البخاري رحمه الله. لكن الراوي عنه - محمد بن يونس الكديمي - أوهى منه، فقد أطرحه الجمهور، ورماه ابن عدي وابن حبان وغيرهما بوضع الحديث. نعم، وكان الإمام أحمد حسن الرأي فيه. ومال الخطيب أيضاً إلى تقويته، فلا أدري أينتحل البيهقي هذ المذهب - على بعده - أم لا؟
وممن سكت عنه أيضاً الحافظ المناوى، فقال في ((الفيض)) (5/68) : ((قال - أعني البيهقي -: وعون ضعيف اهـ. وممن ضعفه أيضاً أبو حاتم وغيره)) اهـ. ومع ذلم فالمتن لا يشهد إلا لبعض حديث شداد - كما قدمنا وكما يفهم من كلام البيهقي - وقد اكتفى الشيخ الألباني بقول البيهقي، ثم المناوى عن الإطلاع على إسناده في ((الشعب)) بنفسه، فقال في ((ضعيف الجامع)) (4/167) : ((ضعيف)) ، وأحال على ((فيض القدير)) . وما أبرئ نفسي - على حقارتها -، فقد كنت استشهدت بكلام المناوى والألباني في ((مختصر ضعيف رياض الصالحين)) (1) ، ولم يخطر على بالي طرفة عين أن يسكت هؤلاء الفحول عن الكديمي. ثم إن أصل هذا الحديث عن أنس ثابت في ((الصحيح)) بدون هذا السياق المنكر.
والبديل الصحيح لحديث شداد، هو ما ثبت من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأنصار قال يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقاً. قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم ما بعده استعداداً. أولئك الأكياس)) . وقد وضعت في تصحيح هذا الحديث جزءاً صغيراً كان أول محاولاتي الكتابية، وسميته: ((القسطاس في تصحيح حديث الأكياس)) لما رأيت بعضهم يتهجم على القول بضعفه اكتفاء بضعف إسناد ابن ماجه مع أن للمتن طرقاً وشواهد كثيرة
(1/97)
في مشاهير كتب الحديث، وله إسناد جيد عند البزار والطبراني في ((الأوسط)) والحاكم. وفي هذا المقام أهبتل الفرصة لأزيد ما توصلت إليه بشأن هذه الرسالة:
1-
أن الحديث في ((السيرة)) لابن هشام (4/204-205) عن ابن إسحاق قال: ((وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت رجلاً من أهل البصرة يسأل عبد الله بن عمر بن الخطاب عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم ... )) الحديث بطوله. والظاهر أن شيخ ابن إسحاق هذا، هو: ((معاوية بن عبد الرحمن)) الذي ذكر أبو نعيم روايته عن عطاء معلقة. وذكرت ذلك في ((القسطاس)) (ص1،9،19) . ومعاوية قال أبو حاتم: ((ليس بمعروف)) . ووثقه ابن حبان، فهو صالح في الشواهد على أقل تقدير.
2-
ورواه الدولابي في ((الكنى)) (2/134) – مختصراً – من طريق صدفة ابن عبد الله (وهو السمين الدمشقي) عن عمارة بن إبي يحيى عن عطاء به.
وهذا إسناد ضعيف، صدقه ضعفه الجمهور، ووهاه الإمام أحمد وغيره. وشيخه تعبت عليه وقلبت اسمه على وجوه، فلم أتمكن من الاهتداء إليه.
3-
ورواه الروباني في ((مسنده)) (ق240ب-241أ) – مطولاً بدون القطعة الأخيرة – والبيهقي في ((سننه)) (6/363) والخطيب في ((الجامع)) (894) – بالقطعة الأخيرة وحدها – ثلاثتهم من طريق ابن وهب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عمر به. وإسناده واه، عثمان ضعيف جداً، وروايه أبيه عن ابن عمر منقطعة.
4-
أما موقفي من عبيد الله بن زخر – تالذي راجعني فيه أخي أبو إسحاق الجويني حفظه اللهغير مرة – فمتردد بين تحسين حديثه وتضعيفه، وجزاه الله خيراً إذ بين لي أن المقارنة التي أجريتها بني أحكام الترمذي والبغوي على جملة من الأحاديث لا يتم الاستدلال بها، لجواز أن تكون بسبب اختلاف نسخ ((جامع الترمذي)) ، فيكون البغوي تبع الترمذي اعتماداً على نسخ أخرى سوى التي بأيدينا، وهذا كلام وجيه ودقيق.
والذي أقطه به الآن أن عبيد الله بن زحر أصلح حالاً إذا روى عن أهل
(1/98)
بلده مما رواه عن الأعمش والغرباء، فقد وقفت له على عدة روايات به عن الأعمش أخطأ فيها، ذكر ابن عدي أحدها. ويعجبني كثيراً قول الشيخ الجديع - حفظه الله - في كتاب ((أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان)) (ص76) ، ((وأما ابن زحر، فأردأ أحواله أن يكون ضعيفاً يكتب حديثه)) . فهو متفق معي على دفع القول بوهائه أو اتهامه.
5-
ثم وجدت قريباً حديث الأكياس، قطعة من الحديث الطويل الباطل الذي رواه الطوسي، وكررنا ذكره غيرة مرة، وفيه: ((قلت: يا رسول الله، أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً)) .
(
أما) الرواية الموققوفة لهذا المتن، فقد روى بضعفه بإسناد يشبه الطريقين الأخيرين في الوهاء، عند ابن عساكر (11/269) من طريق أحمد بن مروان الدينوري نا محمد بن عبد العزيز نا هدبة بن خالد عن جزم عن الحسن أن عثمان ابن عفان خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس اتقوا الله، فإن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، واكتسب من نور الله نوراً لظلمة القبور. وليخش عبد أن يحشره الله أعمى وقد كلن بصيراً. وقد يكفي الجكيم جوامع الكلام، والأصم ينادي من مكان بعيد. واعلموا أن من كان الله معه لم يخف شيئاً، ومن كان عليه فمن يرجو بعده؟)) . إسناده - مع حلاوة ألفاظه - واه جداً، بل يشبه أن يكون موضوعاً على ذي النورين رضي اله عنه ففيه:
1-
أحمد بن مروان الدينوري، رماه الدارقطني بالوضع كما ذكرنا في ((التبييض)) (45) .
2-
شيخه محمد بن عبد العزيز - وهو الدينوري أيضاً - ساقط. قال الذهبي في ((الميزان)) (3/629) : ((وهو منكر الحديث ضعيف، ذكره ابن عدي وذكر له مناكير عن موسى بن إسماعيل. ومعاذ بن أسد وطبيقتهما، وكان ليس بثقة يأتي ببلايا. ومما له عن المنهال بن بحر ... ، حتى قال: ((ومن موضوعاته عن قتادة عن أنس رضي الله عنه (كذا فيه، وقد سقط رجلان أو أكثر بين هذا
(1/99)
الرجل وبين قتادة) (1) . كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: صدق الله)) . ومما زاده الحافظ في ((اللسان)) (5/261) ، قول الحافظ الخليلي رحمه الله في ((تاريخ قزوين)) : ((لم يكن بذاك القوي، سمع من شيوخ العراق كأبي نعيم والقعنبي، وقدم قزوين سنة نيف وستين ومائتين)) . قال: ((وأورد له ابن عدي أحاديث قال في بعضها: باطل بهذا الإسناد. ثم قال: وله غير ما ذكرت من المناكير)) .
3-
الحسن البصري رحمه الله، وإن جاء في روايات أخرى إدراكه لعثمان رضي الله عنه وسماعه خطبته، لكنه في هذه لم يبين السماع، فإنه مشهور بالتدليس. وعلى كلٍ، فيغلب على الظن أنه برئ من رواية هذا الأثر عن عثمان، ولعل تفرد الدينوري وشيخه به هو النكتة في إقفار مشاهير كتب الزهد والسير منه، فما وجدته في كتب الزهد المشهورة ولا ((الحلية)) ولا ((الطبقات) ولا ((تاريخ الإسلام)) للذهبي - ترجمة عثمان - ولا ((خطب أبي عبيد)) ، مع أن بعض هذه الكتب لا تتحاشى الأسانيد الواهية مع توفر دواعي وهمم هؤلاء الأئمة على إيراد مثل هذا المتن الحسن، فالله المستعان لا رب غيره.
_________
(1) ·
وهما عمرو بن مرزوق وشعبة)) - فقد ذكر الحافظ الخليلي في ((الإرشاد)) (ص626) الحديث عنه عن عمرو به.
(1/100)
💥💥💥💥💥💥💥💥
(
فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع
الحديث الحادي والعشرون:
((
لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)) .
موضوع. قال العلامة الألباني حفظه الله في ((الضعيفة)) (110) : ((عزاه السيوطي في ((الجامع الصغير)) لرواية الحكيم عن أبي هريرة. قلت: وصرح الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على ((تفسير البيضاوي)) (202/2) بأن سنده ضعيف. وهو أشد من ذلك فقد قال الشيخ المناوى: ((رواه في النوادر)) عن صالح بن محمد عن سليمان بن عمرو عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً بعث بلحيته وهو في الصلاة، فذكره. قال الزبن العراقي في ((شرح الترمذي)) : وسليمان ابن عمرو هو أبو داود النخعي متفق على ضعفه، وإنما يعرف هذا عن ابن المسيب. وقال في ((المغني)) : ((سنده ضعيف، والمعروف أنه من قول ابن سعيد، رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) ، وفيه رجل لم يسم)) . وقال ولده: فيه سليمان بن عمرو مجمع على ضعفه. وقال الزيلعي: قال ابن عدي: أجمعوا على أنه يضع الحديث)) . قلت: رواه موقوفاً على سعيد عبد الله بن المبارك في ((الزهد)) (213/1) : أنا معمر عم رجل عنه به. وهذا سند ضعيف لجهالة الرجل. قلت: فالحديث موضوع مرفوعاً، ضعيف موقوفاً بل مقطوعاً)) اهـ.
قلت: بل واه عندي، فإن الرجل المبهم جاء تعيينه في رواية أخرى، إذ رواه معمر بن نصر المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (151) عن ابن علية عن معمر عن رجل قال: ((رأى ابن المسيب رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلبه خشعت جوانحه)) . قال ابن إسحاق ظ (هو الإمام ابن راهويه رحمه الله شيخ ابن نصر) : قيل لابن علية: جوارحه؟ قال: لا. ورواه ابن أبي شيبة (2/289) عنن ابن علية به، بلفظ: ((جوارحه)) . ورواه عبد الرزاق (3308) عن معمر عن أبان قال: رأى المسيب رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة، فقال:
(1/101)
إني لأرى هذا خشع قلبه خشعت جوارحه. ثم رواه (3309) عن الثوري عن رجل قال: رآني ابن المسيب أعبث بالحصى في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه)) . فيشبه أن يكون معمر سماه ثارة - فحفظ ذلك عبد الرزاق وهو من أثبتهم فيه -، وأبهمه أخرى لعلمه بأنه مرغوب عنه. وكذلم فعل الثوري رحمه الله، فإن من المعروف عنه أنه كان إذ روى عن رجل ضعيف أبهمه أو كناه، كما تكرر عنه في غير وا رواية. وتارة كان يفعل ذلك بعض تلاميذه كوكيع رحمه الله. وأبان كان يكذب وهماً لا عمداً، فلا يبعد عن مثله أن يظن غير سعيد سعيداً من فرط غفلته! ولم يكذر المزي روايته عن ابن المسيب، فالله أعلم. (فإن) قيل: فكيف يقول أبان: ((رأى ابن المسيب رجلاً)) وإنما يعني نفسه؟ فالجواب - بحول الله وقوته - أن هذا أمر مشاهد قد تكرر وقوعه من غير واحد من السلف، وإن اختلفت دواعيهم عما ههنا كأنا أباناً كنى عن نفسه حياة أو نحوه. وأدلل على ذلك بمثالين اثنين، أحدهما عن صحابي جليل، والآخر عن تابعي جليل.
1-
فروى الإمام أحمد في ((المسند)) (1/187) و ((فضائل الصحابة)) (225) وأبو داود (2/516) وغيرهما بسند صحيح عن رباح بن الحارث أن المغيرة بن شعبة كان في المسجد الأكبر وعنده أهل الكوفة عن يمنيه وعن يساره، فجاءه رجل يدعى سعيد بن زيد، فحياه المغيرة وأجلسه عند رجليه على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبل المغيرة فسب وسب: فقال: من يسب هذا يا مغيرة؟ قال: يسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال: يا مغير بن شعب (1) ، يا مغير بن شعب - ثلاثاً -، ألا أسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما سمعت أذناي ووعاه قلبي من رسول الله
_________
$!
هذا يسميه اهل اللغة: ((الترخيم)) ، ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها - كما في ((الصحيحين)) -: ((يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام ... )) . الحديث.
(1/102)
صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإني لم أكن عنه كذباً يسألني عنه إذا لقيته أنه قال: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، وسعد ابن مالك في الجنة، وتاسع المؤمنين في الجنة)) ، لو شئت أن أسميه لسميته، قال: فضج (1) أهل المسجد: يا صاحب رسول الله، من التاسع؟ قال: نا شدتموني بالله، والله العظيم أنا تاسع المؤمنين، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العاشر. ثم أتبع ذلك يمنياً، قال: والله لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضل من عمل أحدكم، ولو عمر نوح عليه السلام)) .ورواه ابن ماجه (133) من هذا الوجه - مختصراً - وفيه: ((فقيل له: من التاسع؟ قال: أنا)) .
وله طرق وألفاظ في ((المسند)) و ((سنن أبي داود)) و ((فضائل الصحابة)) للنسائي وغيرها.
فهذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخاف أن يزكي نفسه بحق، فكيف بالذين يملؤون الآفاق إطراءً وثناء على أنفسهم بحق وبغير حق؟! أما سمعوا الله عز وجل يقول: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب. ولهم عذاب أليم) ؟ .
2-
وروى النسائي (3/54-55) وابن خزيمة في ((التوحيد)) (13) وعنه ابن حبان (الإحسان:1968) - واللفظ له - والحاكم (1/524-525) واللالكائي (845) وغيرهم (35) من طريق حماد (2) بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبيه قال: ((كنا جلوساً في المسجد، فدخل عمار بن ياسر فصلى صلاة خففها، فمر بنا، فقيل له: يا أبا اليقظان خففت الصلاة، قال: أو خفيفة رأيتموها؟ قلنا: نعم. قال: أما إني قد دعوت فيها بدعاء قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم مضى، فاتبعه رجل من القوم. قال عطاء:
_________
$!
في ((المسند)) : ((فصبح)) ، ودلني على الصواب محقق)) جزاه الله خيراً. وهكذا جاءت هذه الرواية الصحيحة بدون ذكر أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.
$!
وقه إسناده في ((الإحسان)) : ((أخبرنا ابن خزيمة قال: حدثنا حميد بن عبده قال: حدثنا حماد بن زيد ... )) ، والصواب: ((حدثنا أحمد بن عبده)) كما في ((الموارد)) (509)
(1/103)
اتبعه أبي، - ولكنه كره أن يقول: اتبعته - فسأله عن الدعاء ثم رجع فأخبرهم بالدعاء: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة العدل والحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظرإلي وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين)) . وهو صحيح الإسناد كما قال الحاكم ووافقه الذهبي وله طريق أخرى فيها شريك القاضي عند أحمد (4/264) وابن أبي شيبة (10/264-265) والنسائي (3/55) . وبقيت طرق وشواهد لا مجال لها ههنا.
فهذا السائب بن مالك والد عطاء رحمهما الله - يقول: ((فاتبعه رجل)) ، كره أن يقول: ((فاتبعته)) حتى يخفى عمله، فلا يدل به، ولا يدلل عليه! وكذلك كانوا رحمة الله عليهم ورضوانه يحرصون على تحقيق الإخلاص - قولاً وعملاً - ويخافون على قلوبهم من الفساد وعلى اعمالهم من الحبوط من محبة الشهرة والعجب والرياء وسائر الآفات التي لا يستمرؤها إلا قلب فاسد مريض! أما الآن، فصرنا لا نسمع بهؤلاء إلا في بطن كتاب، أو تحت تراب (1) ! ورأينا رؤوس الجهالة أدعياء العلم والتحقيق أكثير شئ حرصاً عل الشهرة والشهوات الخفية، تماماً كحرص هؤلاء الأظهار الأبرار الأخيار على إخفاء الأعمال واتقاء الكبير المتعال ّ فنسأل العلي القدير تعالى الثبات في الأمر، ونعوذ بوجهه الكريم من الخذرن والمكر. كلا، ولا يسر كاتب هذه السطور - العبد الفقير - إن يظن أحد من القراء أنه يدعي لنفسه ما يزري على غيره ترك تحقيقه من إخلاص وتجرد وبراءة من الآفات، إذ هو بشر من البشر يعتريه ما يعتريهم،
_________
$!
هذه العبارة اقتبستها من الإمام الذهبي رحمه الله من كتابه الجليل ((سير أعلام النبلاء)) ، فمن أراد أن يعرف هدي السلف في التواضع والإخلاص والإخبات والطاعة لرب العالمين، فعليه به وبأشباهه.
(1/104)
بل هو يطمع في تحقيق ذلك ولا أدري أتطاوعه نفسه أم لا؟ ولا إن كان صادقاً معها أم يخيل لها الصدق؟ .
ولذلك، فلا أجعل في حل من زكاتي – لا سيما على ملأ – بما لا يطلع عليه إلا الذي يلعم السر وأخفى، وأذكره بقول التقى ابن التقي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لرجل قال له: ((لا يزال المسلمون بخير ما دمت فيهم)) ، فأجابه عليه الرضوان: ((إنك لا تدري علام يغلق عليه ابن أمك بابه)) !! فكل الذي أرجوه ممن نفعه الله عز وجل بهذا التذكير والإلحاح الذي ضمنته ثنايا هذا الكتاب أن يدعو لي الله عز وجل أن يرزقني الصدق والإخلاص وأن يجعل عملي كله صالحاً ولوجهه خالصاً ولا يجعل لأحد فيه شيئاً، وأن يرزقني وإخواني وكافة أهل الإسلام حسن العاقبة والخوف من سوء الخاتمة، فإن من المشاهد المعروف أن آمن الناس من الشئ أوقعهم والعياذ بوجه الله تعالى.
(
وعوداً)) إلى ما نحن بصدده، فقد روى الحديث موقوفاً أيضاً على حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه عند ابن نصر أيضاً (150) من طريق الوليد بن مسلم الدمشقي عن ثور بن يزيد عنه، ولفظة: (لو خشع قلب هاذ سكنت جوارحه)) وإسناده ضعيف له علتان:
الأولى: عنعنة الوليد بن مسلم: فإنه ثقة حافظ لكنه كثير التدليس والتسوية.
الثانية: الإعضال بين ثور بن يزيد وحذيفة، فإن جميع شيوخ ثور الذين ذكرهم المزي في ((تهذيب الكمال)) (4/418/419) لا يدرك أحد منهم حذيفة أصلاً، إذ تقدمت وفاته رضي الله عنه (ت36) . وقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في ((الذل والانكسار للعزيز الجبار)) - المتشتهر باسم ((الخشوع في الصلاة)) - (ص12بتعليق على الحلبي) : ((ورأى بعض السلف رجلاً يعبث بيده في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. وروى ذلك عن حذيفة رضي الله عنه وسعيد بن المسيب. ويروى مرفوعاً لكن بإسناد لا يصح)) قال المعلق: ((وجزم شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى)) (18/273)
(1/105)
بنسبته لعمر بن الخطاب)) اهـ. قلت: لعله رحمه الله قد وقف عليه عن الفاروق رضي الله عنه، فإنه قد اطلع على ما لم يطلع عليه كبير أحد. نعم، قد ينتقل وهم من لا يحسن هذا الشأن، بل من لا فهم عنده إلأى ما رواه أبو نعيم (10/230) عن أبي حفص (وهو الحداد عمرو بن سلمة النيسابوري) : ((حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)) ، فيظن أن أبا حفص هذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا أمر يجل عنه آحاد اطلبة ناهيك عن شيخ الإسلام روّح الله روحه الذي لم تر أعين علماء عصره - بحق - مثله، ولا أرى مثل نفسه. وذلك حتى لا يأتي متنطع أو مبتدع في قلبه دغل على أهل السنة والجماعة، فيحاول رمى شيخ الإسلام ببلاده عو أولى بها. فالله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
استدراك:
ثم وجدت الحافظ رحمه الله في ترجمة أم العلاء الأنصرية من ((الإصابة)) (4/478) : (( ... وهذا ظاهر في أن أم العلاء هي والدة خارجة المذكور، فلا يلزم من كونه أبهمها في رواية الزهري أن تكون أخرى، فقد يبهم الإنسان نفسه فضلاً عن أمه)) . اهـ. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
(1/106)
الحديث الثاني والعشرون:
((
ما اجتمع الحلال والحرام، إلا غلب الحرام الحلال)) .
لا أصل له مرفوعاً، قال في ((الضعيفة)) (387) : ((لا أصل له. قال الحافظ العراقي في ((تخريج الإحياء)) ، ونقله المناوى في ((فيض القدير)) وأقره ... )) .
قلت: قد وقفت له على أصل لكنه موقوف واهي الإسناد. قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله في ((غريب الحديث)) (2/31) : في حديث عبد الله رضي الله عنه أنه قال: ((ما اجتمع حرام وحلال، إلا غلب الحرام على الحلال)) . يرويه وكيع عن سفيان عن جابر عن عامر عن عبد الله.
قلت: هذا إسناده واه جداً، له علل ثلاث:
الأولى: التعليق، فإن ابن قتيبة لم يذكر إسناده إلى وكيع، ومن المحتمل جداً أن يكون في الطريق إليه رجل ليس بثقة.
الثانية: شدة ضعف جابر - وهو ابن يزيد الجعفي الكوفي - فإنه واه متهم بالكذب والزجعة (1) . قال إسماعيل بن أبي خالد: قال الشعبي: يا جابر، لا تموت حتى تكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال إسماعيل: فما مضت الأيام والليالي حتى أتهم بالكذب. وسئل زائدة عن ترك الراوية عن ابن أبي ليلى وجابر والكلبي، فقال: أما جابر الجعفي، فكان والله كذاباً
_________
$!
هي اعتقاد طائفة من غلاة الرافضة رجوع على رضي الله عنه إلى الدنيا مرة أخرى. ومما استندوا إليه في ذلك حديث علي بن الحسين قال: كا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم علياً عمامة يقاله لها: السحاب، فأقبل علي رضي الله عنه وهي عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذا عاي قد أقبل في السحاب. قال الراوي: ((فحرفها هؤلاء، فقالوا: على في السحاب)) . وهذا حديث لا يصح، رواه أبو الشيخ في ((الأخلاق)) (ص123-124) ، وفيه مسعده بن اليسع، وهو كذاب. ومع ذلك فقد ساقه ابن القيم عفا الله عنه في ((الزاد)) مساق الثابتات، وسكت عنه المحققان، فما أحسنوا جميعاً.
(1/107)
يؤمن بالرجعة. وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: ما لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي. ما أتيته بشئ من رأيي إلا جاءنب فيه بأثر، وزعم أن عنده ثلاثين ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لم يظهرها.
وكذبه أيضاً سعيد بن جبير وأيوب وابن معين والجوزجاني وابن الجارود، ووهاه الجمهور. نعم، ووثقه الثوري وشعبة ووكيع وشريك، والظاهر أن ذلك كان قبل أن يظهر منه ما ظهر، بدليل قول الشعبي المتقدم، ولذلك حدّث عنه ابن مهدي قديماً ثم اركه بأخره، وكذلك تركه يحيى القطان بأخره. والله اعلم.
وترجمته التفصيلية يمكن الرجوع إليها في ((تهذيب الكمال)) (4/465: 472) و ((الميزان)) (1/379: 384) . وانظر أيضاً: ((مقدمة صحيح مسلم)) (1/15-16) ، وفيها قول ابن عيينة رحمه الله: ((كان الناس يحملون عن جابر فبل أن يظهر ما أظهر، فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس. فقيل له: وما أظهر؟ الإيمان بالرجعة)) .
الثالثة: الانقطاع بين عامر (وهو ابن شراحيل الشعبي) وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال الحافظ العلائي رحمه الله في ((جامع التحصيل)) (322) : (( ... وأرسل عن عمر وطلحة بن عبيد الله وابن مسعود وعائشة وعبادة بن الصامت رضي الله عنه ... )) حتى قال: ((وقال ابن معين: ما روى الشعبي عن عائشة مرسل، وكذلك قال أبو حاتم. وقال أيضاً: لم يسمع الشعبي من عبد الله بن مسعود ولا من ابن عمر ... )) الخ. والله أعل وأعلم.
استدراك:
ووجدت البيهقي في ((السنن)) (7/169) قد علق أثر ابن مسعود أيضاً من نفس الوجه، فقال: ((وأما الذي روى عن بن مسعود أنه قال: ما اجتمع الحرام والحلال إلا غلب الحرام على الحلال، فإنما رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود. وجابر الجعفي ضعيف. والشعبي عن ابن مسعود منقطع، وإنما رواه غيره بمعناه عن الشعبي من قوله غير مرفوع إلى عبد الله بن مسعود)) . اهـ. قلت: ولم أقف عليه بعد عن الشعبي بلفظه ولا معناه، فالله أعلم.
(1/108)
الحديث الثالث والعشرون:
((
من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كتب له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة)) .
ضعيف. روي من حديث أبي هريرة، وابن عباس - بلفظ آخر، وأنس، ومن مرسل الحسن. وموقوفاً على ابن عباس، ورجل اسمه: ((الحسن)) شيخ لليث بن أبي سليم.
أما حديث أبي هريرة فله عنه طريقان:
الأولى: عند الإمام أحمد (2/341) من طريق عباد بن ميسرة، وأبي القاسم ابن منده في ((جزء الرد على من يقول الم حرف لينفي الألف واللام والميم عن كلام الله عز وجل)) (24) . من طريق إسماعيل بن عياش عن صالح بن مقسم عن الحسن عن أبي هريرة به. وإسناده عند أحمد ضعيف، قال الحافظ العراقي رحمه الله: ((وفيه ضعف وانقطاع)) . قال الزبيدي يرحمه الله: ((قلت: قال الهيثمي: فيه عباد بن ميسرة، ضعفه أحمد وغيره ... )) كما في ((تخريج الإحياء)) (844) . ودلني نقل الحافظ المناوى رحمه الله لكلام الهيثمي - في ((الفيض)) (6/59) - على أن الزبيدي عفا الله عنه اقتصر على بعضه ولم يسقه بتمامه، فقد قال في ((المجمع)) (7/162) : ((رواه أحمد، وفيه عباد بن ميسرة. ضعفه أحمد وغيره، وضعفه ابن معين في رواية (كذا، والصواب: ووثقه كما في الفيض) وضعفه في أخرى، ووثقه ابن حبان)) . بل المناوى اختصر أيضاً قوله: ((ووثقه ابن حبان)) . وقال الحافظ رحمه الله في ((التقريب)) (3149) : ((لين الحديث عابد، من السابعة)) . قلت: فكأن الذين أعلوه بعباد هذا لم يقفوا على متابعة صالح بن مقسم، وهو مجهول العين، فقد ترجمه ابن أبي حاتم (4/414) بروايته عن الحسن، وروايته إسماعيل بن عياس وحده عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ولم ينسبه. فإن لم يكن شامياً فإسماعيل أيضاً ضعيف في غير أهل بلده
(1/109)
كما يأتي. ورواية عن إسماعيل: هشام بن عمار، فيه مقال معروف، وقد خولف في الإسناد كما يأتي. وله علة أخرى، وخي الاختلاف في سماع الحسن من أبي هريرة، وقد نفاه الجمهور ومنهم جمع من أصحاب الحسن. ولو سلمنا بثبوت السناع في الجملة - وهذا المذهب كنت عليه ثم توقفت عنه الآن للريبة في ثبوت دليله -، فالعلة عنعنة الحسن فإنه - على جلالة قدره رحمه الله - مدلس.
والحديث ضعفه الشيخ الألباني حفظه الله في ((ضعيف الجامع)) (5/163) ، ووهم مقهرس (المجمع)) - عفا الله عنه - فعزاه في ((الفهارس)) (2/323) إلى عائشة، وإنما هو من حديث أبي هريرة، عقب حديث آخر لعائشة، ولعل الخطأ من غيره، فالله أعلم.
أما الثانية: ففي ((أماي الشجري)) (1/76) من طريق الهيثم بن خارجة، و ((شعب الإيمان)) (4/546ط. الهند) من طريق سعيد بن منصور كلاهما قال: ((حدثنا إسماعيل بن عياش عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة ... )) الحديث، بنحوه فهذا يل رواية هشام عن إسماعيل المتقدمة إن لم يكن التخليط من من إسماعيل نفسه لا سيما وشيخ ابن منده في الإسناد - واسمه: ((محمد بن عبد الرزاق الشيخي)) سبط الحافظ أبي الشيخ رحمه الله - قال المحقق الجديع حفظه الله (ص59) : ((ذكر ضمناً في تجبير السمعاني 2/11)) . ولم يذكر فيه ما يدل على حاله. وهذه الطريق إسنادها ضعيف أيضاً، إسماعيل بن عياش - وهو الشامي الحمصي - ثقة صحيح الحديث في الشاميين - وهو أهل بلده الذين حفظ حديثهم وأتقنه في حداثته - كثير المناكير والتخليط في غيرهم. وليث ليث! وقد تقدم غير مرة، وهو كوفي يشبه ابن عياش في تخليطه ووهمه. ومع ذلك، فلا يفرح أيضاً بهذه الطريق فإنها معلولة، (فقد) رواه الإمام ابن الشريس رحمه الله في ((فضائل القرآن)) (55) من طريق عبد الوارث - وهو ابن سعيد أحد الحفاظ الأثبات - عن ليث، فقال: ((عن رجل يقال له الحسن، أنه قال: من استمع ... )) الأثر بنوه. وهذا أيضاً على وقفه ضعيف لضعف ليث، وفي شيخه جهالة أيضاً. قال ابن أبي حاتم (3/45) : ((الحسن
(1/110)
الكوفي. روى عن ابن عباس روى عنه العلاء بن المسيب وليث بن أبي سليم. سمعت أبي يقول ذلك)) . وقال أيضاً (3/46) : ((الحسن العبدي. روى عن زيد بن وهب عن حذيفة. روى عن ليث - يعني ابن أبي سليم - سمعت أبي يقول ذلك)) .
وهذا مترجم في ((التاريخ الكبير)) (2/309-310) . أما الحسن الكوفي، فاثنان عند البخاري رحمه الله (2/305) حيث قال: ((الحسن الكوفي عن عبد الله بن عباس - قال معتمر عن ليث)) . ثم قال: ((الحسن الكوفي عن حميد بن أب عطاء عن عبد الله بن عمر قوله - قال معتمر وجرير عن ليث)) . وهذا الأخير سماه ابن أبي حاتم (3/34) : ((الحسن بن كثير العجلي الكوفي)) - منا نبهنا العلامة المعلمي طيب الله ثراه - وذكر رواية ليث عنه. وقد ذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6/166) ، وكذلك العبدي (6/170) وذكر رواية ليث عنه أيضاً. أما الحسن الكوفي، فذكره في (4/126) ، وقال: ((شيخ يروي عن ابن عباس، روى عنه ليث بن أبي سليم، لا أدري من هو، ولا ابن من هو)) . قلت: سواء أكان هو الأخير أو غيره من المتقدم ذكرهم، فالجهالة لاصقة به، وتوثيق ابن حبان لمثله غير مقبول.
(
أما) رواية ابن عباس، ففي ((الكامل)) (2/795) من طرق حفص بن عمر بم حكيم الملقب بـ: ((الكبر)) أو ((الكفر)) عن عمرو بن قيس الملائي عن عطاء عنه مرفوعاً: ((من استع حرفاً من كتاب الله، أقرأه نظراً، كتب الله له حسنة، ومحيت عنه سيئة، ورفعت له درجة، ومن قرأ حرفاً من كتاب الله ظاهراً كتب له عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع لع عشر درجات ... )) فأخذ في حديث طريل متهافت وهذا باطل، حفص هذا قال ابن عدي: ((حدّث عن عمرو بن قيس الملائي عن عطاء عن ابن عباس أحاديث بواطيل)) . وأورد له أحاديث ثلاثة، هذا أوسطها، وختم الترجمة بقوله: ((وهذه الأحاديث بهذا الإسناد مناكير لا يرويها إلا حفص بن عمر بن حكيم هذا، وهو مجهول، ولا أعلم أحداً روى عنه غير علي بن حرب ولا أعرف له أحاديث غير هذا)) اهـ. قلت: روى عنه أيضاً محمد بن غالب - تمتام
(1/111)
كم في ((تاريخ بغداد)) (8/202) ، وبه تعقب الحافظ كلام ابن عدي في ((اللسان)) (2/326) . ووقع في هذه الصفحة سقطاً يظن به أن الحافظ رحمه الله قد خلط بين ((حفص بن عمر الحبطي الرملي)) و ((حفص بن عمر بن حكيم)) هذا، وليس الأمر كذلك، فليتنبه.
وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (1/259-260) : ((يروى عن عمرو بن قيس الملائي المناكير الكثيرة التي كأنه (كذا) عمرو بن قيس آخر، ولعله كتب عن عمر بن قيس سندل عن عطاء أشياء أقلبها على عمرو بن قيس الملائي عن عطاء أو أقلبت له، لا يجوز الاحتجاج بخيره ... )) .
(
وأما) حديث أنس، ومرسل الحسن، فقد رواه عبد الرزاق رحمه الله في (مصنفه)) (6013) عن معمر عن أبان عن أنس أو عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له حسنة مضاعفة، ومن تعلم (1) آية من كتاب الله كانت له نوراً يوم القيامة)) .
دلني عليه محقق (شعب الإيمان)) جزاه الله خيراً ولم أكن فطنت له. وإسناده واه، وأبان متروك كما تقدم مراراً.
(
وبقي) موقوف ابن عباس، وهو ما رواه عبد الرزاق أيضاً (6012) وعنه الإمام أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (2/298) والدارمي (2/444) والفريابي في ((فضائل القرآن)) (64) عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: ((من استمع آية من كتاب الله كانت له نوراً يوم القيامة)) . وهذا المتن - مع كونه على القلب من الروايات المرفوعة - فإنه لا يثبت أيضاً، بل هو معلول قال عبد الله بن أحمد رحمهما الله - عقبه -: ((قال أبي: هذا الحديث منكر. كأنه أنكر إسناده)) . قلت: وعلته عنعنة ابن جريج رحمه الله، فإنه مدلس قبيح التدليس كما قال الدارقطني رحمه الله. وفي التسوية بين قوله: ((قال عطاء)) - الذي ثبت عنه أنه لا يقوله إلا فيما سمعه - وقله: ((عن عطاء)) ، نظر لا
_________
$!
لا أدري أهكذا وقعت الرواية أم أنها خطأ صوابه: ((ومن تلا)) ، كما في سائر الروايات؟  يخفى. فكأن الإمام أحمد رحمه الله أنكر إسناده - على قوله ابنه - من أجل هذه العلة. وفي ((التهذيب)) (6/404) : (( ... وقال الأثرم عن أحمد: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت، جاء بناكير)) ، وإذا قال: أخبرني وسمعت، فحسبك به)) . وقال غير واحد من الأئمة أيضاً نحوه. وهو معل أيضاً - كما أومأنا آنفاً - بالانقطاع. قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في ((فضائل القرآن)) (27) : ((حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: من سمع آية من كتاب الله عز وجل تتلى، كانت له نوراً يوم القيامة)) . وحجاج هو ابن محمد المصيصي الأعور، أحد الأثبات الحفاظ. قال الإمام أحمد: ((ما كان أضبطه وأشد تعاهده للحروف)) . ورفع أمره جداً.
وقال مرة: ((كام يقول: حدثنا ابن جريج، وإنما قرأ على ابن جريج ثم ترك ذلك، فكان يقول: قال ابن جريج، وكان صحيح الأخذ)) . وقال المعلى الرازي: ((قد رأيت أصحاب ابن جريج، ما رأيت فيهم أثبت من حجاج)) .
وقال أبو إبراهيم إسحاق بن عبد الله السلمي: ((حجاج نائماً، أوثق من عبد الرزاق يقطان)) . كما في ((التهذيب)) (2/205) . فإذ هو أثبت من عبد الرزاق في ابن جريج، فلا شك في أن روايه هي الراجحة. ورواية عبد الرزاق الموصولة - بذكر عطاء - معلولة. فيكون الإسناد ضعيفاً لانقطاعه بين ابن جريج وابن عباس. والله أعلى وأعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج2. باقي صحيح السيرة النبوية تحقيق الشيخ الألباني مراجع ومدقق {من 130. الي234.}

  ج2. صحيح السيرة {ج2. باقي صحيح السيرة النبوية  تحقيق  الشيخ الألباني مراجع ومدقق {من 130. الي234.} صفحة رقم -130 - قال : قلت : من غف...