السؤال باسم الله الأعظم

وسمع آخر يقول في تشهده أيضا : ( أبو داود والنسائي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد ) ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت [ وحدك لا شريك لك ] [ المنان ] [ يا ] بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم [ إني أسألك ] [ الجنة وأعوذ بك من النار ] . [ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( تدرون بما دعا ؟ ) قالوا الله ورسوله أعلم . قال : ( والذي نفسي بيده ] لقد دعا الله باسمه العظيم ( وفي رواية : الأعظم ) الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى}

الاثنين، 26 فبراير 2024

ج2. آداب الزفاف في السنة المطهرة للألباني من صفحة {أول صفحة112 الي آخر آخر صفحة 218.والاخر }بمشيئة الله

ج2. آداب الزفاف في السنة المطهرة للألباني من صفحة {أول صفحة112  الي آخر آخر صفحة 218.والاخر }بمشيئة الله
 

الجزء الثاني من كتاب آداب الزفاف


صفحة رقم                 -112 .           

38 - الامتناع من مخالفة الشرع :

ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع ، وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة ، حتى ظن كثير منهم - بسبب سكوت العلماء - أن لا بأس فيها ، وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها :

صفحة رقم -113-

1 - تعليق الصور :

الأول : تعليق الصور على الجدران ، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة ، لها ظل ، أو لا ظل لها ، يدوية أو فوتوغرافية ، فإن ذلك كله لا يجوز ، ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها ، وفيه أحاديث :

1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت :

( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة ( 1 ) لي بقرام ( 2 ) فيه تماثيل ، ( وفي رواية : فيه الخيل ذوات الأجنحة ) ، فلما رآه هتكه ، وتلون وجهه ، وقال : يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله 

( 1 ) هو بيت صغير منحدر في الأرض قليلا ، شبيه بالمخدع والخزانة ، كذا قاله ابن الأثير في " النهاية " .

( 2 ) القرام بكسر القاف : الستر الرقيق ، وقيل : الصفيق من صوف ذي ألوان ، وقيل : هو الستر الرقيق وراء الستر الغليظ . " نهاية " .

وقال السرقسطي في " غريب الحديث " :

" هو ثوب من صوف فيه ألوان من العهون ، وهي شفق تتخذ سترا ، ويغطى به هودج أو كلة ، والجمع قرم " .

صفحة رقم -114-

( وفي رواية : إن أصحاب هذه الصور يعذبون ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ، ثم قال : إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ) ، قالت : عائشة : فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين ، [ فقد رأيته متكئا على إحداهما وفيها صورة ] ( 1 ) .

( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم والسياق له . . .

صفحة رقم -115-

2 - وعنها قالت :

( حشوت وسادة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها تماثيل كأنها نمرقة ، فقام بين البابين ، وجعل يتغير وجهه ، فقلت : ما لنا يا رسول الله ؟ [ أتوب إلى الله مما أذنبت ] ، قال : ما بال هذه الوسادة ؟ قالت : قلت : وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها ، قال : أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ، وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة ، فيقال : أحيوا ما خلقتم ؟ وفي رواية : إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة [ قالت : فما دخل حتى أخرجتها ] ( 1 )

( 1 ) البخاري وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " . والزيادة له ، وإسناده صحيح .

والحديث أخرجه الشيخان وغيرهما بنحوه . . .

.{ص116 و117.} ليس موجود بالصل

صفحة رقم -118-

3 - قوله صلى الله عليه وسلم :

( أتاني جبريل عليه السلام ، فقال لي : أتيتك البارحة ، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تمثال [ الرجال ] ، وكان في البيت قرام ( 1 ) ستر فيه تماثيل ،

( 1 ) هو الستر الرقيق كما سبق ، والإضافة فيه كقولك : ثوب قميص ، وقيل : القرام : الستر الرقيق وراء الستر الغليظ ، ولذلك أضاف . كذا في " النهاية " .

صفحة رقم -119-

وكان في البيت كلب ، فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ( 1 ) ، ومر بالستر فليقطع ،

( 1 ) هذا نص صريح في أن التغيير الذي يحل به استعمال الصورة ، إنما هو الذي يأتي على معالم الصورة فيغيرها ، بحيث إنه يجعلها في هيئة أخرى ، وقد عبر بعض الفقهاء عن هذا التعبير بقوله :

" إذا كانت بحيث لا تعيش جاز استعمالها " .

وهذا تعبير قاصر كما لا يخفى . . . .

صفحة رقم -120-

فليجعل منه وسادتين توطآن ، ومر بالكلب فليخرج [ فإنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب ] ، وإذا الكلب [ جرو ] لحسن أو حسين ، كانت تحت نضد ( 1 ) لهم ( وفي رواية : تحت سريره ) ، [ فقال يا عائشة متى دخل هذا الكلب ؟ فقالت : والله ما دريت ] ، فأمر به فأخرج [ ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه ] ( 2 )

( 1 ) بفتح النون والضاد المعجمة : هو السرير الذي تنضد عليه الثياب ، أي : يجعل بعضها فوق بعض . كما في " غريب الحديث " لابن قتيبة ، و" النهاية " لابن الأثير .

( 2 ) حديث صحيح ، وهو مجموع من رواية خمسة من الصحابة : أبو هريرة والسياق له ، وعائشة وميمونة عند مسلم ، وأبو رافع ، وأسامة بن زيد عند الطحاوي بسند حسن .

. [ليس بالصل الصفحات 121 و122 و123 و124]

صفحة رقم -125-

2 - ستر الجدران بالسجاد :

الأمر الثاني مما ينبغي اجتنابه : ستر الجدار بالسجاد ونحوه ، ولو من غير الحرير ، لأنه سرف وزينة غير مشروعة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت :

صفحة رقم -126-

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غائبا في غزاة غزاها ، فلما تحينت قفوله ، أخذت نمطا ( 1 ) [ فيه صورة ] كانت لي ، فسترت به على العرض ( 2 ) ، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقيته في الحجرة ، فقلت : السلام عليك يا رسول ورحمة الله وبركاته ، الحمد لله الذي أعز [ ك ] فنصرك ،

( 1 ) في " القاموس " : " النمط محركة : ظهارة فراش ما ، أو ضرب من البسط " .

( 2 ) أي : الجانب ، في " النهاية " :

" العرض بالضم الجانب والناحية من كل شيء " .

قلت : ولم يورد هذا الحديث في هذه المادة ، والظاهر انه منها بقرينة حديث عائشة الآخر ، قال أنس : كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها . الحديث . رواه البخاري . والله أعلم .

ثم رايت الخطابي روى الحديث في كتابه " غريب الحديث " بلفظ : " العرض " ، ثم قال :

" وهو غلط ، والصواب : " العرص " ، ( يعني بالصاد المهملة والعين المفتوحة ) ، وهو خشبة توضع على البيت عرضا إذا أرادوا تسقيفه ، ثم يلقى عليه أطراف الخشب القصار " . والله أعلم .

صفحة رقم -127-

وأقر عينيك وأكرمك ، قالت : فلم يكلمني وعرفت في وجهه الغضب ، ودخل البيت مسرعا ، وأخذ النمط بيده ، فجبذه ( 1 ) حتى هتكه ، ثم قال : [ أتسترين الجدار ؟ ] [ بستر فيه تصاوير ؟ ] ، إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة [ والطين ( 2 ) . قالت : فقطعنا منه وسادتين ، وحشوتهما ليفا ، فلم يعب ذلك علي ]

( 1 ) أي : جذبه . في " النهاية :

" الجبذ لغة في الجذب ، وقيل : هو مقلوب " .

( 2 ) قال البيهقي :

" وهذه اللفظة تدل على كراهة كسوة الجدران ، وإنكان سبب اللفظ فيما روينا من طرق الحديث يدل على أن الكراهية كانت لما فيه من التماثيل " .

قلت : بل الكراهية للأمرين معا هذا الذي ذكره البيهقي ، ولستر الجدار كما هو صريح الزيادتين اللتين وردتا في بعض طرق الحديث الأولى : " فيه صورة " ، والأخرى : أتسترين الجدار " ، فقد جمعت هذه الرواية ذكر السببين ، لكن عذر البيهقي أنها لم تقع له . والله أعلم . . .

صفحة رقم -128-

( قالت : فكان صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما ] ( 1 )

ولهذا كان بعض السلف يتمنع من دخول البيوت المستورة جدرها ، قال سالم بن عبد الله :

( 1 ) رواه مسلم وأبو عوانة والسياق مع الزيادتين الأولى والثالثة له ، وأحمد والزيادة قبل الأخيرة لمسلم وأبي عوانة .

صفحة رقم -129-

( أعرست في عهد أبي ، فآذن أبي الناس ، وكان أبو أيوب فيمن آذنا ، وقد ستروا بيتي بنجاد ( 1 ) أخضر ، فأقبل أبو أيوب فدخل ، فرآني قائما ، واطلع فرأى البيت مستترا بنجاد أخضر ، فقال : يا عبد الله أتسترون الجدر ؟ قال : أبي : - واستحيى - غلبنا النساء أبا أيوب فقال : من [ كنت ] أخشى [ عليه ] أن تغلبنه النساء فلم [ أكن ] أخشى [ عليك ] أن تغلبنك ثم قال : لا أطعم لكم طعاما ، ولا أدخل لكم بيتا . ثم خرج رحمه الله ( 2 )

3 - نتف الحواجب وغيرها

الثالث : ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلال ، يفعلن ذلك تجملا بزعمهن

( 1 ) بكسر النون جمع " النجد " ، وهو ما يزين به البيت من البسط والوسائد والفرش . " اللسان " .

( 2 ) أخرجه الطبراني وابن عساكر عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم . وهذا سند جيد .

صفحة رقم -130-

وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله بقوله :

( لعن الله الواشمات ( 1 ) ، والمستوشمات ) ( 2 ) [ ، [ والواصلات ] ( 3 ) ، والنامصات [ ( 4 ) ، والمتنمصات ،

( 1 ) جمع واشمة ، اسم فاعل من " الوشم " : وهو غرز الإبرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم ، ثم حشوه بالكحل أو ما شابه فيخضر .

( 2 ) جمع مستوشمة ، وهي التي تطلب الوشم .

( 3 ) رواه البخاري ، وأبو داود ، انظر " الصحيحة " ( 2797 ) .

( 4 ) جمع نامصة وهي التي تفعل النماص ، و( المتنمصات ) : جمع متنمصة وهي التي تطلبه . و" النماص " : إزالة شعر الوجه بالمنقاش كما في " النهاية " وغيره ، وذكر الوجه للغالب لا للتقييد .

صفحة رقم -131-

والمتفلجات للحسن ( 1 ) المغيرات خلق الله ( 3 ) .

( 1 ) أي : لأجل الحسن ، و" المتفلجات " : جمع متفلجة : وهي التي تطلب الفلج ، وهو فرجة ما بين الثنايا والرباعيات ، والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه .

( 2 ) صفة للمذكورات جميعا ، وهو كالتعليل لوجوب اللعن المستدل به على الحرمة .

البخاري ومسلم وأبو داود ، والترمذي وصححه وغيرهم . . .

صفحة رقم -132-

4 - تدميم الأظفار وإطالتها :

الرابع : هذه العادة القبيحة الأخرى التي تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات ، وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم ب ( مينيكور )

صفحة رقم -133-

وإطالتهن لبعضها - وقد يفعلها بعض الشباب أيضا - فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفا ، ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة ( 1 ) التي منها قوله صلى الله عليه وسلم : [ . . . ومن تشبه بقوم فهو منهم ( 2 ) فإنه أيضا مخالف للفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :

( الفطرة ( 3 ) خمس : الاختتان ، والاستحداد ( 4 ) ،

( 1 ) قد ذكرت هذه الأحاديث باستقصاء في كتابي " حجاب المرأة المسلمة " ( ص 53 - 81 ) ، فمن شاء فليراجعها .

( 2 ) رواه أبو داود وأحمد ، وكذا عبد بن حميد في " المنتخب " ( 92/2 ) ، والطحاوي في " المشكل " بسند حسن ، كما بينته في المصدر الآنف الذكر ( ص 80 - 81 ) .

( 3 ) أي : السنة ، يعني : سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم . كذا في ( النهاية ) .

( 4 ) استفعال من الحديد ، والمراد به استعمال الموسى في حلق الشعر من مكان مخصوص من الجسد ، والرواية الأخرى تعين ذلك المكان .

والحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم . . .

صفحة رقم -134-

( وفي رواية : حلق العانة ) ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط ) .

وقال أنس رضي الله عنه :

( وقت ( 1 ) لنا ( وفي رواية : وقت لنا رسول الله ) في قص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة ( 2 )

( 1 ) بالبناء للمجهول ، وهو في حكم المرفوع على الراجح عند العلماء ، ولا سيما وقد صرح في الرواية الأخرى بأن المؤقت هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وإعلال الشوكاني إياها بأن فيها صدفة من موسى ذهول عن أن النسائي رواها من غير طريقه بسند صحيح ، وكذلك رواها من غير طريقه أبو العباس الأصم في " حديثه " ، وابن عساكر .

( 2 ) رواه مسلم وأبو عوانة وأبو داود وغيرهم . . .

صفحة رقم -135-

5 - حلق اللحى :

الخامس : ومثلها في القبح - إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطر السليمة - ما ابتلي به أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للأوربيين الكفار ، حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس ( 1 ) على عروسه وهو غير حليق ( 2 ) وفي ذلك عدة مخالفات :

( 1 ) يقال للرجل : عروس ، كما يقال للمرأة ، كما سبق .

( 2 ) وزاد بعضهم في الضلال ، فجعلوا إعفاء اللحية بمناسبة وفاة قريب لهم من الكمال {إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} .

صفحة رقم -136-

أ - تغيير خلق الله ، قال تعالى في حق الشيطان :

لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ، ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ، ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا .

فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى ، إطاعة لأمر الشيطان ، وعصيان للرحمن جل جلاله ، فلا جرم أن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله للحسن كما سبق قريبا ، ولا شك في دخول اللحية للحسن ( ) في اللعن المذكور بجامع الاشتراك في العلة كما لا يخفى ، وإنما قلت : [ دون إذن من الله تعالى ) ، لكي لا يتوهم ، أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع ، بل استحبه ، أو أوجبه .

ب - مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وهو قوله :

صفحة رقم -137-

( أنهكوا ( 1 ) الشوارب ، وأعفوا اللحى ( 2 )

ومن المعلوم أن الأمر يفيد الوجوب إلا لقرينة والقرينة هنا مؤكدة للوجوب ، وهو :

ج - التشبه بالكفار ، قال صلى الله عليه وسلم :

( جزوا الشوارب ، وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس ( 3 )

( 1 ) أي : بالغوا في القص ، ومثله " جزوا " ، والمراد المبالغة في قص ما طال على الشفة لا حلق الشارب كله ، فإنه خلاف السنة العملية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ، ولهذا لما سئل مالك عمن يحفي شاربه ؟ قال : أرى أن يوجع ضربا ، وقال لمن يحلق شاربه : هذه بدعة ظهرت في الناس ، رواه البيهقي ، وانظر " فتح الباري " ( 10/285 - 286 ) ، ولهذا كان مالك وافر الشارب ، ولما سئل عن ذلك قال : حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر رضي الله عنه كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ ، رواه الطبراني في " المعجم الكبير " بسنتد صحيح ، وروى هو وأبو زرعة في " تاريخه " والبيهقي : أن خمسة من الصحابة كانوا يقمون ( أي يستأصلون ) شواربهم ، يقمون مع طرف الشفة " . وسنده حسن .

( 2 ) البخاري واللفظ له . ومسلم وأبو عوانة وغيرهم .

( 3 ) مسلم وأبو عوانة في صحيحيهما عن أبي هريرة .

صفحة رقم -138-

ويؤيد الوجوب أيضا :

د - التشبه بالنساء ، فقد :

( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ) .

( 1 ) رواه البخاري ، والترمذي وصححه .

صفحة رقم -139-

ولا يخفى أن في حلق الرجل لحيته - التي ميزه الله بها على المرأة - أكبر تشبه بها ، فلعل فيما أوردنا من الأدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة ، عافانا الله وإياهم من كل ما لا يحبه ولا يرضاه .

6 - خاتم الخطبة :

السادس : لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه ب [ خاتم الخطبة ) ، فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضا - لأن هذه العادة سرت إليهم من النصارى ( 1 ) -

( 1 ) ويرجع ذلك على عادة قديمة لهم ، عندما كان العروس يضع الخاتم على رأس إبهام العروس اليسرى ، ويقول : باسم الأب ، ثم ينقله واضعا له على رأس السبابة ، ويقول : الابن ، ثم يضع على رأس الوسطى ، ويقول : الروح القدس ، وعندما يقول آمين يضعه أخيرا في البنصر حيث يستقر .

.

140 ليست بالصل

صفحة رقم -141-

ففيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم الذهب على الرجال وعلى النساء أيضا كما ستعلمه ، وإليك بعض هذه النصوص :

أولا : [ نهى صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب ( 1 )

ثانيا : عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل ، فنزعه فطرحه ، وقال :

( 1 ) رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم . . .

.

صفحة رقم -143-

( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ؟ ) .

فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك وانتفع به ، قال : لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 1 ) .

ثالثا عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر في يده خاتما من ذهب ، فجعل يقرعه بقضيب معه ، فلما غفل النبي صلى الله عليه وسلم ألقاه ، [ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره في يده ف ]

( 1 ) رواه مسلم وابن حبان في " صحيحه " والطبراني وغيرهم . . .

والحديث نص في تحريم خاتم الذهب فما سيأتي عن أحمد رحمه الله أنه يكره فمحمول على كراهة التحريم .

وقد روي عن أبي هريرة مرفوعا : " لعن الله لابسه " .

صفحة رقم -144-

قال : ما أرانا إلا قد أوجعناك وأغرمناك ( 1 ) .

( 1 ) رواه النسائي وأحمد وابن سعد وأبو نعيم في أصبهان ورجاله ثقات رجال مسلم ، لكن النعمان سيء الحفظ ، أخرجه النسائي ، وقال :

" إنه أولى بالصواب " .

قلت : هو صحيح الإسناد مرسلا .

صفحة رقم -145-

رابعا : عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على بعض أصحابه خاتما من ذهب ، فأعرض عنه ، فألقاه ، واتخذ خاتما من حديد ، فقال : هذا شر ، هذا حلية أهل النار ، فألقاه ، فاتخذ خاتما من ورق ( 1 ) فسكت عنه ( 2 ) .

( 1 ) أي : فضة .

( 2 ) حديث صحيح رواه أحمد . والبخاري في الأدب المفرد بسند حسن .

والحديث صحيح ، فإن له في " المسند " طريقا أخرى عن ابن عمرو ، وفيه ضعف . وله شواهد .

صفحة رقم -146-

خامسا : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا ( 1 ) .

سادسا : [ من لبس الذهب من أمتي ، فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة ( 2 ) .

39 - تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء :

واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم خاتم الذهب عليهن ، ومثله السوار والطوق من الذهب

( 1 ) رواه أحمد عن أبي أمامة مرفوعا بسند حسن .

( 2 ) رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بسند صحيح ، وقد تكلم عليه فضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على " المسند " فأجاد .

.

الصفحات{{ 147 و148 و149 و150.}} ليست بالصل

صفحة رقم -151-

لأحاديث خاصة وردت فيهن ( 1 ) ، فيدخلن لذلك في بعض النصوص المطلقة التي لم تقيد بالرجال ، مثل الحديث الأول المتقدم آنفا ، وإليك الآن ما صح من الأحاديث المشار إليها :

الأول : [ من أحب أن يحلق حبيبه ( 2 ) بحلقة من نار فليحلقه حلقة ( 3 ) من ذهب ، ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب ، ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليطوقه طوقا ( وفي رواية : فليسوره سوارا ) من ذهب ، ولكن عليكم بالفضة ، فالعبوا بها

( 1 ) ويأتي بيان ما يباح لهن من الذهب .

( 2 ) فعيل بمعنى مفعول ، وهو يشمل الرجل والمرأة ، كما يقال : رجل قتيل وامرأة قتيل ، وهذا معلوم في اللعة ، وقد جاء في رواية : " حبيبته " بصيغة التأنيث في حديث أبي موسى الآتي الإشارة إليه قريبا إن شاء الله .

( 3 ) هو الخاتم لا فص له ، كذا في " النهاية " .

قلت : وقد توضع الحلقة في الأذن وتسمى حينئذ قرطا كما يأتي ، فالظاهر أن الحديث لا يشمله ، لكن رويت أحاديث تقتضي التحريم ، فيها ضعف ، فانظر ما يأتي ( ص 236 ) .

صفحة رقم -152-

[ العبوا بها ، العبوا بها ] ( 1 )

( 1 ) أخرجه أبو داود ، وأحمد بسند جيد .

وهذا سند جيد رجاله ثقات رجال مسلم ، غير أسيد هذا فوثقه ابن حبان ، وروى عنه جماعة من الثقات ، وحسن له الترمذي في " الجنائز " وصحح له جماعة ، ولذا قال الذهبي والحافظ :

" صدوق " .

صفحة رقم -153-

الثاني : عن ثوبان رضي الله عنه قال :

( جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ [ من ذهب ] [ أي خواتيم كبار ] ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها [ بعصية معه يقول لها : أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار ؟ ] ، فأتت فاطمة تشكو إليها ، قال ثوبان : فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب ، فقالت : هذا أهدى لي أبو حسن ( تعني زوجها عليا رضي الله عنه ) - وفي يدها السلسلة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس : فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار ؟ [ ثم عذمها ( 1 ) عذما شديدا ] ، فخرج ولم يقعد ، فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة ، فأعتقتها ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار ( 2 )

( 1 ) أي : لامها وعنفها ، والعذم : الأخذ باللسان واللوم ، كذا في " اللسان " .

( 2 ) أخرجه النسائي والطيالسي ومن طريقه الحاكم والطبراني في " الكبير وكذا أحمد وإسناده صحيح موصول وكذلك صححه ابن حزم وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي .

.

الصفحات من {154 الي 158 غير موجودة بالأصل}

صفحة رقم -159-

الثالث : عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عائشة قلبين ملويين من ذهب ، فقال : ألقيهما عنك ، واجعلي قلبين من فضة ، وصفريها بزعفران ( 1 ) .

( 1 ) رواه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " بسند صحيح ، والنسائي والخطيب ، والبزار نحوه .

و( القلبين ) : السوارين . ( ملويين ) : مفتولين .

.==============160.=============لا يوجد

صفحة رقم -161-

الرابع : عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :

( جعلت شعائر ( 1 ) من ذهب في رقبتها ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعرض عنها ، فقلت : ألا تنظر إلى زينتها ، فقال : عن زينتك أعرض ، [ قالت : فقطعتها ، فأقبل علي بوجهه ] . قال ( 2 ) : زعموا أنه قال : ما ضر إحداكن لو

( 1 ) جمع " شعيرة " وهي ضرب من الحلي على شكل الشعيرة .

( 2 ) يعني : الراوي ، وهو عطاء بن أبي رباح ، فإنه راوي الحديث عن أم سلمة ، وعليه فهذا القدر من الحديث مرسل ، لأنه لم يسنده إلى أم سلمة ، فهو ضعيف ، نعم أسنده ليث بن أبي سليم ، فقال : عن عطاء عن أم سلمة به نحه ، أخرجه أحمد ، والطبراني في " الكبير " ، غير أن ليثا فيه ضعف من قبل حفظه ، وعطاء لم يسمع منها ، لكن هذا القدر من الحديث صحيح أيضا لأنه مرسل صحيح الإسناد ، وقد روي موصولا كما علمت ، وله شاهدان موصولان من حديث أسماء وأبي هريرة كما يأتي .

صفحة رقم -162-

جعلت خرصا ( 1 ) من ورق ، ثم جعلته بزعفران ( 2 ) .

( 1 ) الخرص بالضم والكسر : الحلقة الصغيرة من الحلي . وهو من حلي الأذن . " نهاية " .

( 2 ) أي : صفرته بزعفران .

والحديث رواه أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين . وهو مرسل صحيح الإسناد .

صفحة رقم -163-

وفي حديث أسماء بنت يزيد في قصة أخرى نحوه :

.===========164======×=====

صفحة رقم -165-

زعفران ، فإذا هو كالذهب يبرق ( 1 )

( 1 ) أخرجه أحمد وأبو نعيم وابن عساكر . وهو شاهد حسن لما قبله .

وتتخذ لها جمانتين من فضة ، فتدرجه بين أناملها بشيء من

40 - شبهات حول تحريم الذهب المحلق ، وجوابها

واعلم أن كثيرا من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الأحاديث لشبهات قامت لديهم ظنوها أدلة ، ولا يزال

صفحة رقم -166-

كثيرون منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الأحاديث ، ولذلك رأيت أنه لا بد من حكاية تلك الشبهات والرد عليها ، كي لا يغتر بها من لا علم عنده بطرق الجمع بين الأحاديث ، فيقع في مخالفة الأحاديث الصحيحة المحكمة ، بدون حجة أو بينة ، فأقول :

دعوى الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء ، وردها

1 - ادعى بعضهم الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء ، وهذا مردود من وجوه :

الإجماع الصحيح :

الأول : أنه لا يمكن إثبات صحة الإجماع في هذه المسألة ، وإن نقله البيهقي في [ سننه ) ( 4/124 ) وغيره ، مثل الحافظ ابن حجر في [ الفتح ) ، ولكن هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال : ( 10/260 ) في بحث خاتم الذهب :

( فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء ) ، ويأتي قريبا ما يبطل هذا الإجماع ، وذلك لأنه لا يستطيع أحد

صفحة رقم -167-

أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة ، وغير هذا الإجماع مما لا يمكن تصوره ، فضلا عن وقوعه ، ولهذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه :

( من ادعى الإجماع فهو كاذب ، [ وما يدريه ؟ ] ، لعل الناس اختلفوا ) .

رواه ابنه عبد الله في [ مسائله ) ( ص 390 ) .

وتفصيل القول في هذا الموضوع الخطير ليس هذا موضعه ، فليراجع من شاء التحقيق بعض كتب علم أصول الفقه التي لا يقلد مؤلفوها من قبلهم مثل : [ أصول الأحكام ) لابن حزم ( 4/128 - 144 ) ، و[ إرشاد الفحول ) للشوكاني ، ونحوهما .

استحالة وجود إجماع صحيح على خلاف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح

الثاني : لو كان يمكن إثبات الإجماع في الجملة ، لكان ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح ، لأنه مناقض للسنة الصحيحة ، وهذا مما لا يمكن تصوره أيضا لأنه يلزم منه اجتماع الأمة على ضلال ، وهذا

صفحة رقم -168-

مستحيل لقوله صلى الله عليه وسلم : [ لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ، ومثل هذا الإجماع لا وجود له إلا في الذهن والخيال ، ولا أصل له في الوجود والواقع ، قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في [ أصول الأحكام ) ( 2/71 - 72 ) :

( وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الإجماع على خلافه ، قال : وذلك دليل على أنه منسوخ . وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين :

أحدهما : أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم لم يكن قط ، ولا هو في العالم ، فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا ، ولا سبيل له - والله - إلى وجوده أبدا .

والثاني : أن الله تعالى قد قال : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبدا ، لا يشك في ذلك مسلم ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى : وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها

صفحة رقم -169-

والذكر محفوظ بالنص ، فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله تعالى عز وجل ضرورة ، منقول كله إلينا لا بد من ذلك ، فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه ، وأنه منسوخ كما ذكر ، لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ ، وهذا تكذيب لله عز وجل في أنه حافظ للذكر كله ، ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلغ عليه السلام عن ربه ، وقد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في حجة الوداع : اللهم هل بلغت ؟ ) . قال :

( ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح ، وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح ، ، وإما بآية متلوة ، ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت ، بل هو موجود عندنا إلا أننا نقول : لا بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا ، منقولا إلينا ، محفوظا عندنا ، مبلغا نحونا بلفظه ، قائم النص لدينا ، لا بد من ذلك ، وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظا منقولا مبلغا إلينا ، ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه ، فهذا باطل عندنا ، لا سبيل إلى وجوده في العالم أبد الأبد ، لأنه معدوم البتة ، قد دخل - بأنه غير

صفحة رقم -170-

كائن - في باب المحال ، والممتنع عندنا ، وبالله تعالى التوفيق ) .

تقديم السنة على الإجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة

وقال العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :

( ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة ، والسنة على الإجماع ، وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة . قال الشافعي : الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة ، وقال في [ كتاب اختلافه مع مالك ) :

( والعلم طبقات : الأولى الكتاب والسنة الثابتة ، ثم الإجماع فيما ليس كتابا ولا سنة . . . ) .

وقال ابن القيم أيضا في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد :

( ولم يكن ( يعني الإمام أحمد ) يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح وقد كذب أحمد من

صفحة رقم -171-

ادعى هذا الإجماع ، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت ، وكذلك الشافعي . . . ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف ، ولو ساغ لتعطلت النصوص ، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص ( 1 ) .

قلت : وهذا ما فعله البعض هنا ، فقدموا ما زعموه إجماعا على النصوص المتقدمة ، مع أنه لا إجماع في ذلك ، وبيانه في الوجه التالي :

الثالث : أنه قد ثبت ما ينقض بالإجماع المزعوم ، وهو ما روى عبد الرزاق في [ المصنف ) ( 11 /70 /19935 ) ، وابن صاعد في [ حديثه ) ( 35/1 - وهو بخط الحافظ ابن عساكر ) ، وابن حزم ( 10/82 ) ، بسند صحيح عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته :

( 1 ) الأعلام : ( 1/32 - 33 ) .

صفحة رقم -172-

( لا تلبسي الذهب إني أخشى عليك اللهب ) .

وروى ابن عساكر ( 19/124/2 ) من طريقين آخرين أن ابنة لأبي هريرة قالت له : إن الجواري يعيرنني ، يقلن : إن أباك لا يحليك الذهب فقال :

قولي لهن : إني أبي لا يحليني الذهب يخشى علي من اللهب .

ورواه عبد الرزاق ( 19938 ) نحوه ، وعلقه البغوي في [ شرح السنة ) ( 3/ 210 / 82 ) ، وحكى الخلاف في هذه المسألة ، فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به عند الأكثرين قال :

( وكره ذلك قوم ) .

ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في المتن ( ص 236 ) وتمامه في التعليق ( 237 ) .

وما حكاه البغوي رحمه الله من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء ، فهي الكراهة التحريمية ، لأنه المعروف في اصطلاح السلف تبعا للأسلوب القرآني في عديد من الآيات الكريمة

صفحة رقم -173-

كقوله تعالى : وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان .

وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي : [ تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ) ( ص 48 - 55 ) ، وذكرت هناك بعض الأمثلة ، فلتراجع .

وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال ، وهو ما تقدم في بحث ( خاتم الخطبة ) أن الإمام أحمد ، والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال ، فهذه الكراهة للتحريم أيضا ، لتصريح الأحاديث المتقدمة هناك به ، وكذلك الأمر في تحريم خاتم الذهب على النساء لأن الأدلة صريحة أيضا ، فمن أطلق كراهته عليهن ، فإنما يعني الكراهة الشرعية ، وهي التحريم ، فتأمل منصفا .

وذكر ابن عبد الحكم في [ سيرة عمر بن عبد العزيز ) ( ص 163 ) أن ابنة عمر بعثت إليه بلؤلؤة وقالت له : إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني ، فأرسل إليها ثم قال لها : إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك بأخت لها

صفحة رقم -174-

ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلاة بالذهب ، لأنها لا تقوم بنفسها ، ولا تحلى عادة إلا بها ، ويؤيد ذلك لفظة : [ الجمرتين ) ، فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم المتقدمة كحديث بنت هبيرة ، فثبت بطلان دعوى الإجماع في هذه المسألة .

دعوى نسخ الأحاديث المتقدمة ، وإبطالها

2 - وادعى آخرون نسخ هذه الأحاديث المحرمة بمثل قوله صلى الله عليه وسلم : [ أحل الذهب والحرير لإناث أمتي . . . ) ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه ، وقد ذكرها الزيعلي في [ نصب الراية ) ( 4/222 - 225 ) ، ثم حققته في تخريج كتاب [ الحلال والحرام ) للأستاذ القرضاوي ( رقم 78 ) ، وهو ادعاء باطل ، لأن للنسخ شروطا كثيرة معروفة عند العلماء ( 1 ) منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ ، ومنها أن لا يمكن الجمع بينهما ، وهذان الشرطان منفيان هنا ، أما الأول فلأنه لا يعلم تأخر هذا الحديث المبيح عن

( 1 ) انظر مقدمة " الاعتبار " .

صفحة رقم -175-

أحاديث التحريم ، وأما الثاني فلأن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في معناه ، وبين الأحاديث المتقدمة ، ذلك لأن الحديث مطلق ، وتلك مقيدة بالذهب الذي هو طوق أو سوار أو حلقة ، فهذا هو المحرم عليهن ، وما سوى ذلك من الذهب المقطع فهو المباح لهن ، وهو المراد بحديث حل الذهب لهن ، فهو مطلق مقيد بالأحاديث المشار إليها ، فلا تعارض وبالتالي فلا نسخ .

ولذلك لم نر أحدا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث المذكورة فيما هو منسوخ ، كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة [ إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث ) ، والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه [ الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ) ، وغيرهما ، بل قد أشار ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الأحاديث ، فقال :

( أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل ، وأعرضت عما لا وجه لنسخه ولا احتمال ، فمن

صفحة رقم -176-

سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب ، فليعلم وهاء تلك الدعوى ، وقد تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا ) .

بل قال المحقق ابن القيم في [ الأعلام ) ( 3/458 ) :

( إن النسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة ، ولا شطرها )

قلت : ثم ساقها ، وليس فيها شيء من هذه الأحاديث السابقة ، فثبت ضعف ادعاء احتمال نسخها ، فكيف الجزم بنسخها ؟ وقد أشار لضعف دعوى النسخ ابن الأثير في [ النهاية ) ، بقوله تعليقا على حديث أسماء المشار إليه آنفا :

( قيل : كان هذا قبل النسخ ، فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء ) .

فإن لفظة : [ قيل ) للتمريض كما هو معروف .

وقال العلامة صدر الدين علي بن علاء الحنفي بعد أن حكى كلام ابن الجوزي الآنف الذكر :

( وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا سلم من

صفحة رقم -177-

الهوى ، وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة ، وذلك إما لعجزه عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها ، وإما لعدم علمه ببطلان ذلك المعارض ، وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة ، ولكن نجد غيره قد بين الصواب في ذلك ، لأن هذا الدين محفوظ ، ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة ( 1 ) .

ولقد صدق رحمه الله في كل ما ذكره ، فأنت ترى أن هذه الأحاديث المحرمة لا تتعارض مطلقا مع حديث حل الذهب للنساء ، لأنه عام ، وتلك خاصة ، والخاص مقدم على العام كما هو مقرر في علم الأصول ، ولهذه القاعدة رجح الإمام النووي رضي الله عنه في [ شرح مسلم ) و[ المجموع ) وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل ، مع أنه مخالف لمذهبه ، بل ومذهب الجمهور ، حتى ظن بعض المتعالمين في هذا العصر أنه لا يقول بالوضوء منه عالم من علماء المسلمين كما نشر ذلك في

( 1 ) كذا في رده على رسالة الشيخ أكمل الدين في انتصاره لمذهب أبي حنيفة ( 103/1 ) .

صفحة رقم -178-

بعض الجرائد الدمشقية سنة 1386 ه تقريبا .

ولما ذكرنا قال ولي الله الدهلوي في [ حجة الله البالغة ) ( 2/190 ) بعد أن ذكر أحاديث التحريم وحديث الحل :

( معناه الحل في الجملة ، وهذا ما يوجبه مفهوم هذه الأحاديث ، ولم أجد لها معارضا ) .

وأقره صديق حسن خان في [ الروضة الندية ) ( 2/217 - 218 ) .

قلت : ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه أن بعض متعصبة الحنفية - وقد سبقت الإشارة إليه - لم ينظر إليها بعين الرضا ، مع أنه حكاها عن الجمهور الذين يقلدهم في هذه المسألة ، واحتج على ذلك بقوله - وقد وفق فيه - :

( إن النسخ لا يلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الأحاديث ممكنا ، بحيث لا يرد شيء من الأدلة ) ، وهذا حق لا ريب فيه ، وهو من المقرر في علم الأصول .

ولكنه مع الأسف لم يستقر عليه الدكتور ، بل رجع

صفحة رقم -179-

إلى ادعاء النسخ معارضا بذلك الأخذ بأحاديث التحريم ، فقال :

( إن الفريقين لما تجاذبا دعوى النسخ احتجنا إلى النظر في التاريخ للترجيح بين المذهبين ، وتعيين الناسخ والمنسوخ ، والتاريخ يؤيد نظر الجمهور ( ) .

فإنه لا شك في أن الصحابة في ابتداء الإسلام كانوا في أمس الحاجة للمال . . . ولقد قسم الأنصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين ، فكان التختم بالذهب في تلك الفترة بطرا وترفا ، فلما مضت الأيام ، وفتحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع )

قلت : وجوابي عليه من وجوه :

الأول : أنه لم يذكر نصا تاريخيا يؤيد تأخر المبيح عن الحاظر ، يرجح به نظر الجمهور ، وإنما هو مجرد الدعوى أن الإباحة كانت بعد رخاء العيش ، فأين الدليل عليها ؟

صفحة رقم -180-

الثاني : هذه الدعوى لو صحت ، لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد شرع في الوقت الذي حرم على النساء ، إن لم يكن تقدم عليه ، وكل عاقل يفهم من قوله : [ في ابتداء الإسلام ) ، أنه يعني في مكة ، أو في أول الهجرة على أبعد تقدير ، وإذا كان كذلك ، فنحن نقطع ببطلان هذه الدعوى لأن تحريم الذهب على الرجال إنما كان في أواخر الأمر ، كما نص على ذلك الحافظ الذهبي في [ تلخيص المستدرك ) ( 3/231 ) ، ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في [ اللباس ) وأحمد في [ المسند ) ( 4/328 ) عن المسور بن مخرمة :

( أن أباه مخرمة قال له : يا بني إنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية ، فهو يقسمها ، فاذهب بنا إليه ، فذهبنا إليه . . . فخرج وعليه قباء من الديباج مزرر بالذهب ، فقال : يا مخرمة هذا خبأته لك ، فأعطاه إياه ) .

وإنما أسلم مخرمة عام الفتح ، وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة ، فهذا نص على أن الذهب كان مباحا إلى ما قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنة ونصف تقريبا ، ولولا ذلك لم يلبس صلى الله عليه وسلم القباء المزرر بالذهب ، ولا وزعه على أصحابه كما هو ظاهر .

صفحة رقم -181-

الثالث : أنه لو صح قوله : [ فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع ) ، لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضا لزوال المانع أيضا وهذا باطل لا يقوله عالم ، وما لزم منه باطل فهو باطل .

فإن قال : هذا غير لازم ، لأن علة تحريم الذهب على الرجال ، غير علة تحريمه على النساء .

قلنا : ما هيه ؟ ولا سبيل له إلى إثباتها أبدا ، إلا بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها وليست هي إلا مجرد رأي تفرد به الدكتور في آخر الزمان

وما يلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والآراء ، إلا محاولتهم التخلص من معارضة النص الشرعي لمخالفته لمذهبهم ، وتقليدهم ، وعاداتهم ، فيقعون فيما هو أعظم منه ولو أنهم استسلموا لحكم الله ورسوله - كما هو المفروض في المسلم - لكان خيرا لهم ، ولم يقعوا في مثل ذلك .

صفحة رقم -182-

وخلاصة البحث : أن القول بنسخ الأحاديث المحرمة للذهب على النساء مما لا دليل عليه ، بل هو مخالف لعلم الأصول ، والواجب الجمع بينها وبين الأحاديث المبيحة للذهب عليهن ، وذلك بحمل المطلق على المقيد ، أو العام على الخاص ، كما شرحنا ، وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء ، إلا المحلق منه ، كما يحرم عليهن استعمال أواني الذهب والفضة اتفاقا ، فلا نسخ عندنا خلافا لما فهمه الدكتور ، وأدار كل بحثه في كتابه عليه ، كما ينبئك به كلامه السابق في المعارضة المزعومة . والله الهادي ، لا رب سواه .

رد الأحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة ، والجواب عنها

3 - وقد يرد بعضهم هذه الأحاديث بأحاديث أخرى ، فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء ، والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتما ، وبيانه :

أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم لا يكون إلا بعد أن يكون مسبوقا بالإباحة ، فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة

صفحة رقم -183-

لمنطوق الأحاديث المحرمة ، ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء الله تعالى أن هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضا ، ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء ، لمجيء النصوص المحرمة ، وقد سبق ذكر بعضها ، بل ذهبوا إلى أنها كانت قبل التحريم ( 1 ) ، وكذلك نقول نحن في الأحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء ، ولا فرق أنها كانت قبل التحريم ، ومن فرق بين هذه وتلك ، فهو متناقض أو متلاعب

تقييد الأحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة ، ورده

4 - وأجاب بعضهم ( 2 ) بأن الوعيد الوارد في الأحاديث المتقدمة إنما هو في حق من لا يؤدي زكاة تلك الحلي دون من أداها ، واستدل عليه بحديث عمرو بن

( 1 ) انظر " فتح الباري " ( 10/258 - 259 ) .

( 2 ) هو المنذري في " الترغيب " ، وقلده بعض المدرسين في " كلية الشريعة " في جامعة دمشق ، الذي سبق بيان خطئه في تضعيف حديث أبي هريرة المتقدم ، ولم يتعرض البتة للجواب عن جوابنا هذا ، الأمر الذي زادنا ثقة بقوته ، وإيمانا بصوابه .

صفحة رقم -184-

شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها ، وفي يد ابنتها مسكتان ( أي سواران ) غليظتان من ذهب ، فقال لها : أتعطين زكاة هذا ؟ قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ قال : فخلعتهما ، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت : هما لله عز ولرسوله .

أخرجه أبو داود ( 1/244 ) ، والنسائي ( 1/343 ) ، وأبو عبيد في [ الأموال ) ( رقم 1260 ) ، وإسناده حسن ، وصححه ابن الملقن ( 65/1 ) ، وتضعيف ابن الجوزي له في [ التحقيق ) ( 6/197/1 ) ، مردود عليه .

ورواه النسائي في [ السنن الكبرى ) ( ق 5/1 ) عن عمرو بن شعيب به موصولا ، ثم رواه عنه مرسلا ، وقال :

( الموصول أولى بالصواب ) .

والجواب : إن هذا استدلال ضعيف جدا ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر في هذه القصة لبس السوارين ،

صفحة رقم -185-

وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما ، بخلاف الأحاديث المتقدمة ، فإنه أنكر اللبس ، ولم يتعرض لإيجاب الزكاة عليها ، والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الإباحة ، فكأنه صلى الله عليه وسلم تدرج لتحريمها ، فأوجب الزكاة عليها أولا ، ثم حرمها ، كما هو صريح الأحاديث السابقة ، ولا سيما الحديث الأول من رواية أبي هريرة مرفوعا :

( من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب . . . ) إلخ ، فإنه لا يدل دلالة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه ، لا لعدم إخراج زكاتها .

والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي ، ومثلها قصة عائشة الآتية في زكاة خواتيم الفضة ، فهذه وتلك لا تدل على تحريم الاستعمال ، بل على وجوب زكاة المستعمل فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى ، فأخذنا تحريم الذهب المحلق عليهن الأحاديث المتقدمة ، وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم ، ومن حديث عائشة المشار إليها وغيرها .

صفحة رقم -186-

وجملة القول أن هذا الحديث لا حجة فيه على ما ذكره المنذري ، لأنه لم ينص فيه على تحريم السوار ، إنما كان لأنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال : إنه مفصل ، وتلك الأحاديث مجملة ، فيحمل المجمل على المفصل ، وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب زكاة الحلي ، فلا يعارض ما أفادته الأحاديث السابقة من التحريم .

تقييد آخر للأحاديث ، والجواب عنه

5 - وأجاب هذا البعض أيضا بجواب آخر ( 1 ) فقال : إن الوعيد المذكور إنما هو في حق من تزينت به وأظهرته ، واستدل بما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( 1 ) وقلده أيضا من أشرنا إليه في التعليق السابق ، دون أن يتعرض للجواب عن ردنا هذا عليه ، بل إنه أوهم طلابه أن هذا التقييد الوارد في حديث النسائي ، ثابت يحتج به ، مع أنه قد ضعفه قبل أسطر بالجهالة الآتي ذكرها ، ولكنه لم يسق لفظ الحديث ليعلم الطالب أنه هو الذي ورد فيه هذا التقييد ، فيعلم عدم ثبوته

ولعل الدكتور وقع منه ذلك اتفاقا ، ولم يتعمده

صفحة رقم -187-

( يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين به ؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به ) .

والجواب من وجهين :

الأول : رد الحديث من أصله لعدم ثبوته ، فإن في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم ( 10/83 ) ولذلك ضعفته في [ المشكاة ) ( 4403 ) .

ثانيا : لو كانت العلة هي الإظهار لكان لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة لاشتراكهما في العلة ، مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما ، ولا قائل بحرمة خاتم الفضة على المرأة مع ظهوره ، فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار . ولهذا قال أبو الحسن السندي :

( تظهره ) يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به ، لكن الفضة مثل الذهب في ذلك ، فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ ، والكلام لإفادة حرمة الذهب ( يعني : المحلق ) على ا لنساء ، مع قطع النظر عن الإظهار والافتخار ) .

صفحة رقم -188-

وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث ، وإلا فقد عرفت ضعفه ، فسقط الاستدلال به أصلا .

رد الأحاديث بفعل عائشة ، والجواب عنه

6 - ومن أعجب ما ردت به هذه الأحاديث الصحيحة قول بعض متعصبة الحنفية :

( إن عائشة رضي الله عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب ، كما رآها ابن أختها القاسم بن محمد وحدث بذلك ، وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه ) .

وأقول : إطلاق عزو هذا الأثر للبخاري فيه نظر ، لأن المعروف عند العلماء أن العزو إلى البخاري مطلقا معناه أنه في [ صحيحه ) مسند ، وليس كذلك أمر هذا الأثر ، فإنه إنما ذكره معلقا بدون إسناد وذكر الحافظ في [ الفتح ) ( 10/271 ) أنه وصله ابن سعد في [ الطبقات ) . وسكت عن سنده ، وهو عندي حسن ، فقال ابن سعد ( 8/48 ) : أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي

صفحة رقم -189-

عمرو قال : سألت القاسم بن محمد قلت : إن ناسا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين : المعصفر والذهب ، فقال : كذبوا والله ، لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات ، وتلبس خواتم الذهب .

لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ : كانت تلبس الأحمرين : المذهب ( 1 ) والمعصفر ) . أخرجه ابن سعد أيضا : وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن ابي أويس عن سلميان بن بلال عن عمرو به ، وهذا الإسناد أصح ، لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز . فإن ثبت ذكر الخاتم في هذا الأثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي ، وإلا فلا حجة فيه مطلقا ، لأن الرواية الأخرى - وهي الأصح - لا ذكر للخاتم فيها ، فهو على هذا مثل حديثها الآخر من طريق القاسم أيضا أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم لا تزكيه . رواه أحمد في مسائل عبد الله ( ص 145 ) ، وسنده صحيح ، فهذا محمول على الذهب

( 1 ) أي : المموه بالذهب ، بمعنى المطلي به ، و" المعصفر " هو الثوب المصبوغ بالعصفر .

صفحة رقم -190-

المقطع ، وهو جائز لهن اتفاقا .

ثم قال ذاك المذكور :

( لا يتصور أن تلبس عائشة رضي الله عنها الذهب الملحق ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم معها وفي بيتها ، ثم لا ينهاها عنه ) .

قلت : هذه مغالطة ظاهرة_ولعلها غير مقصودة - إذ ليس في الأثر المتقدم أن عائشة لبسته على علم منه صلى الله عليه وسلم ، بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه ، فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، لأن القاسم لم يدركه صلى الله عليه وسلم .

ثم قال عطفا على ما سبق :

( أو ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبلغها ؟ فهذا مستحيل قطعا ) .

قلت : لا استحالة في ذلك إلا نظرا ، وهذا ليس يهمنا ، لأن الواقع خلافه ، فكم من سنن فعلية ، وأقوال نبوية خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم ، ولولا صحة السند بذلك عنهم ، لقلنا كما قال المومأ إليه

صفحة رقم -191-

هاهنا ، ولا يتحمل هذا التعليق الإكثار من أمثلة ذلك ، فلنقتصر على مثالين منها :

1 - أن عائشة ترى أن الأقراء إنما هي الأطهار ، كما قال أحمد في [ المسائل ) ( 185 ) ، وروى مالك في [ الموطأ ) ( 2/96 ) بسند صحيح جدا عنها أنها قالت :

( تدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار ) .

ونحوه في مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله ( ص 231 ) .

أقول : وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض ، وبه قال الحنفية ، والرجل منهم ، فهل يرد حضرته مذهبه ، ولا سيما أنه موافق للسنة من أجل قول عائشة هذا ؟ أم يجعل قولها دليلا على نسخ ذلك كما فعل في مسألتنا هذه ؟

2 - قالت عائشة رضي الله عنها : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق ، فقال : ما هذا يا عائشة ؟ فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال : أتؤدين زكاتهن ؟ قلت : لا ، أو ما شاء الله ، قال : هو حسبك من النار .

صفحة رقم -192-

أخرجه أبو داود ( 1/244 ) وغيره ، وإسناده على شرط الصحيح كما قال الحافظ في [ التخليص ) ( 6/19 ) ، ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بن عمرو بن عطاء ثقة محتج به في [ الصحيحين ) كما في [ الترغيب ) ، وظنه ابن الجوزي في [ التحقيق ) ( 1/198/1 ) رجلا آخر فجهله ، وضعف الحديث من أجل ذلك ، فلا يلتفت إليه .

فهذا الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي ، وهو حجة الذين ذهبوا إلى إيجابه ، ومنهم الحنفية .

ثم إنه قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث ، وهو ما أخرجه مالك ( 1/245 ) عن القاسم ابن محمد ( راوي حديث الخاتم ) أن عائشة كانت تل بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي ، فلا تخرج من حليهن الزكاة . سنده صحيح جدا ، وتقدم نحوه من رواية أحمد .

صفحة رقم -193-

فهذه مخالفة صريحة عن عائشة رضي الله عنها لحديثها ( 1 ) فإذا جاز في حقها ذلك ، فبالأحرى أن تخالف حديث غيرها ، لم تروه هي ، وهي على كل حال مأجورة ، فماذا يقول المشار إليه في هذه المخالفة ؟ أيدع الحديث والمذهب لقولها ، أم يتمسك بالحديث ويدع قولها معتذرا عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب ؟

وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما [ لا يتصور ) أو أنه [ مستحيل قطعا ) قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة ، ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلم إلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، مهما كان شأن قائله فضلا وعلما وصلاحا لانتفاء العصمة ، وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا من التمسك بالكتاب والسنة ، وعدم الاعتداد بما سواهما ،

( 1 ) وألفت النظر إلى أن من مذهبها إخراج الزكاة عن مال الأيتام ، انظر " الموطأ " ، و" الأموال " ، و" مسائل الإمام أحمد " لابنه عبد الله . وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " عن القاسم قال : كان مالنا عند عائشة ، فكانت تزكيه ، إلا الحلي ، وسنده صحيح أيضا .

صفحة رقم -194-

كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها ، وبكل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم .

ترك الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها ، وجوابه

6 - هذا ، ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث بعذر أنه لا يعلم أحدا من السلف قال بها ، فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد يكون مقبولا في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد فحسب ، لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ ، ولا سيما إذا كان المستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أمورا لم يقل بها أحد من المسلمين بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها ، دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولا ، مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه ب ( الربا الاستهلاكي ) واليانصيب الخيري - زعموا - ونحوهما أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل ، فإن فيها نصوصا صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها - كما سبق بيانه - فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور ، ولا سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل

صفحة رقم -195-

أبي هريرة رضي الله عنه ، وولي الله الدهلوي وغيرهما كما تقدم ، ولا بد أن يكون هناك غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنص ما من كتاب أو سنة ، وإنما تعهد بحفظهما فقط كما قال : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم نعلم ، ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه .

وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى لها مساس كبير بما نحن فيه ، قال : في [ إعلام الموقعين ) ( 3/464 - 465 ) :

( وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان ، ويهجرون فاعل ذلك ، وينكرون على من يضرب له الأمثال ، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم ، والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة ، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس ، أو يوافق قول فلان وفلان ،

صفحة رقم -196-

بل كانوا عاملين بقوله تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، وبقوله تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ، وبقوله تعالى : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ، وأمثالها ، فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا ، يقول : من قال هذا ؟ دفعا في صدر الحديث ، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل ، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل ، وأقبح من ذلك عذره في جهله ، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع ، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث ، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة . والله المستعان ) .

صفحة رقم -197-

40 - وجوب إحسان عشرة الزوجة :

ويجب عليه أن يحسن عشرتها ، ويسايرها فيما أحل الله لها - لا فيما حرم - ، ولا سيما إذا كانت حديثة السن ، وفي ذلك أحاديث :

الأول : قوله صلى الله عليه وسلم :

( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ( 1 )

الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع :

( 1 ) رواه الطحاوي في " المشكل " من حديث ابن عباس ، وروى منه الشطر الأول الحاكم ، وقال :

" صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي .

وله شاهد من حديث عائشة ، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ، وهو عند الدارمي ، إلا انه قال : " وإذا مات صاحبكم فدعوه " ، بدل قوله : " وأنا خيركم لأهلي " ، وسنده صحيح على شرط البخاري .

وله شاهد آخر ، رواه الخطيب في " التاريخ " من حديث أبي هريرة ، وللترمذي وأحمد الشطر الأول منه نحوه ، وسنده حسن .

صفحة رقم -198-

تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( 1 ) ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع ، واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا . إلا إن لكم على نسائكم حقا ، ولنسائكم عليكم حقا ، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكروهن ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ( 2 )

( 1 ) أي : ظاهرة ، وفي " النهاية " :

" وكل خصلة قبيحة ، فهي فاحشة من الأقوال والأفعال " .

ولذا قال السندي في حاشيته :

" والمراد : النشوز وشكاسة الخلق ، وإيذاء الزوج وأهله باللسان واليد ، لا الزنا ، إذ لا يناسب قوله ( ضربا غير مبرح ) ، وهذا هو الملائم لقوله تعالى : {واللاتي تخافون نشوزهن} الآية ، فالحديث على هذا كالتفسير لها ، فإن المراد بالضرب فيها هو الضرب المتوسط لا الشديد ) .

( 2 ) أخرجه الترمذي ، وقال : " حديث حسن صحيح " ، وابن ماجه من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه ، وصححه ابن القيم في " الزاد " .

وله شاهد من حديث عم أبي حرة الرقاشي ، أخرجه أحمد في " المسند " ، وقد خرجته في " الإرواء " .

واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عوان عندكم ، ليس

الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم :

( لا يفرك ( أي لا يبغض ) مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي منها آخر ( 1 ) .

الرابع : قوله صلى الله عليه وسلم :

( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخيارهم خيارهم لنسائهم ( 2 ) .

( 1 ) أخرجه مسلم ، وغيره من حديث أبي هريرة .

( 2 ) أخرجه الترمذي ، وأحمد ، وأبو الحسن الطوسي في " مختصره " ، وحسنه ، وقال الترمذي :

" حديث حسن صحيح " .

قلت : وهو حسن الإسناد عن أبي هريرة ، وشطره الأول صحيح جاء من طرق صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم ، وقد خرجته في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " طبع المكتب الإسلامي .

199

================ليس بالصل صفحة 199.

صفحة رقم -200-

الخامس : عن عائشة رضي الله عنها قالت :

( دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم [ والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد ] ، [ في يوم عيد ] ، فقال لي : [ يا حميراء ( 1 ) أتحبين أن تنظري إليهم ؟ فقلت : نعم ] ( 2 )

( 1 ) تصغير الحمراء ، يريد البياض ، كذا في " النهاية " .

( 2 ) هذه الزيادة رواها النسائي في " عشرة النساء " ، وقال الحافظ في " الفتح " :

" إسناده صحيح ، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا " .

صفحة رقم -201-

( فأقامني وراءه ] ، فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم ، [ فوضعت ذقني على عاتقه ، وأسندت وجهي إلى خده ] ، فنظرت من فوق منكبيه ( وفي رواية : من بين أذنه وعاتقه ) [ وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة ] فجعل يقول : يا عائشة ما شبعت فأقول : لا ، لأنظر منزلتي عنده ] حتى شبعت .

صفحة رقم -202-

( قالت : ومن قولهم يومئذ : أبا القاسم طيبا ] وفي رواية : [ حتى إذا مللت ، قال : حسبك ؟ قلت نعم ، قال : فاذهبي ) ، وفي أخرى : [ قلت : لا تعجل ، فقام لي ، ثم قال : حسبك ؟ قلت : لا تعجل ، [ ولقد رأيته يرواح بين قدميه ] ، قالت : ما بي حب النظر إليهم ، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ، ومكاني منه [ وأنا جارية ] ، [ فاقدروا قدر الجارية [ العربة ] الحديثة السن ، الحريصة على اللهو ] ، [ قالت : فطلع عمر ، فتفرق الناس عنها والصبيان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر ] ، [ قالت عائشة : قال صلى الله عليه وسلم يومئذ : لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ] ) . ( 1 )

( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم .

صفحة رقم -203-

السادس : عنها أيضا قالت :

( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سهوتها ستر ، فهبت ريح ، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : ما هذا عائشة ؟ قالت : بناتي ، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس ، قال : وما هذا الذي عليه ؟ قال : جناحان ، قال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة ؟ قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه ( 1 ) .

( 1 ) أبو داود في " سننه " والنسائي بسند صحيح .

صفحة رقم -204-

السابع : عنها أيضا :

( أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره ، وهي جارية [ قالت : لم أحمل اللحم ، ولم أبدن ( 1 ) ] ، فقال لأصحابه : تقدموا ، [ فتقدموا ] ، ثم قال : تعالي أسابقك ، فسابقته ، فسبقته على رجلي ، فلما كان بعد ، خرجت معه في سفر ، فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم قال : تعالي أسابقك ، ونسيت الذي كان ، وقد حملت اللحم ، [ وبدنت ] ، فقلت : كيف أسابقك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على هذه الحال ؟ فقال : لتفعلن ، فسابقته ، فسبقني ، ف [ جعل يضحك ، و] قال : هذه بتلك السبقة ( 2 ) .

( 1 ) بدن وبدن ، فبالتشديد بمعنى كبر واسن ، وبالتخفيف من البدانة ، وهي كثرة اللحم والسمنة ، وهذا المعنى هو الأليق بالسياق ، انظر " النهاية " .

( 2 ) أخرجه الحميدي في مسنده وأبو داود والنسائي والطبراني وابن ماجه مختصرا وسنده صحيح كما قال العراقي في " تخريج الإحياء " .

صفحة رقم -205-

الثامن : عنها أيضا قالت :

( إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء ، فأشرب منه وأنا حائض ، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في ، وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه ، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في ( 1 ) .

التاسع : عن جابر بن عبد الله ، وجابر بن عمير ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( كل شيء ليس فيه ذكر الله ، فهو [ لغو ] وسهو ولعب ، إلا أربع [ خصال ] : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشيه بين الغرضين ( 2 ) ، وتعليم الرجل السباحة ( 3 )

( 1 ) أخرجه مسلم وأحمد وغيرهما .

( 2 ) تثنية " غرض " وهو الهدف .

( 3 ) أخرجه النسائي والطبراني وأبو نعيم بإسناد صحيح .

صفحة رقم -206-

41 - وصايا إلى الزوجين :

وختاما أوصي الزوجين :

أولا : أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى ، واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة ، ولا يقدما عليها تقليدا أو عادة غلبت على الناس ، أو مذهبا فقد قال عز وجل : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [ الأحزاب : 36 ] .

ثانيا : أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر ، فلا تطلب الزوجة - مثلا - أن تساوي الرجل في جميع حقوقه ، ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة

صفحة رقم -207-

والرياسة فيظلمها ، ويضربها بدون حق ، فقد قال الله عز وجل :

ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم [ البقرة : 228 ] ، وقال :

الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن ( 1 ) فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( 2 ) إن الله كان عليا كبيرا [ النساء : 34 ] .

( 1 ) أي : خروجهن عن الطاعنة ، قال ابن كثير :

" والنشوز هو الارتفاع ، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها ، التاركة لأمره ، المعرضة عنه " .

( 2 ) أي : إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها ، فلا سبيل له عليها بعد ذلك ، وليس له ضربها ولا هجرانها ، وقوله : {إن الله كان عليا كبيرا} ، تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب ، فإن الله العلي الكبير وليهن ، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن . كذا في " تفسير ابن كثير " .

صفحة رقم -208-

وقد قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تقبح الوجه ( 1 ) ، ولا تضرب ، [ ولا تهجر إلا في البيت ( 2 ) ، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض ( 3 ) إلا بما حل عليهن ] ( 4 )

وقال صلى الله عليه وسلم :

( المسقطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في

( 1 ) أي : لا تقل : قبح الله وجهك . وقوله : " ولا تضرب " يعني : الوجه ، وإنما يضرب عند اللزوم في غير الوجه .

( 2 ) أي : لا تهجرها إلا في المضجع ، ولا تتحول عنها ، أو تحولها إلى دار أخرى ، كذا في " شرح السنة " .

( 3 ) يعني الجماع . وقوله : " إلا بما هو حل عليهن " ، يعني من الضرب والهجر بسبب نشوزهن ، كما هو صريح الآية المتقدمة .

( 4 ) رواه أبو داود والحاكم وأحمد والزيادة له بسند حسن . وقال الحاكم :

" صحيح " . ووافقه الذهبي .

صفحة رقم -209-

حكمهم وأهليهم وما ولوا ( 1 ) .

فإذا هما عرفا ذلك وعملا به ، أحياهما الله تبارك وتعالى حياة طيبة ، وعاشا - ما عاشا معا - في هناء وسعادة ، فقد قال عز وجل : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [ النحل : 97 ] .

ثالثا : وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها ، فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء كما في الآيتين السابقتين : الرجال قوامون على النساء ، وللرجال عليهن درجة ، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى ، ومبينة بوضوح ما للمرأة ، وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته ، فلا بد من إيراد بعضها ، لعل

( 1 ) رواه مسلم وابن منده وقال : " حديث صحيح " .

صفحة رقم -210-

فيها تذكيرا لنساء زماننا ، فقد قال تعالى : وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين .

الحديث الأول : [ لا يحل لأمرأة أن تصوم ( وفي رواية : لا تصم المرأة ) وزوجها شاهد ( 1 ) إلا بإذنه [ غير رمضان ] ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ( 2 )

( 1 ) أي : حاضر مقيم في البلد ، قال النووي في " شرح مسلم " ، تحت الرواية الثانية :

" وهذا النهي للتحريم ، صرح به أصحابنا " .

قلت : وهو قول الجمهور كما في " الفتح " ، ويؤيده الرواية الأولى ، ثم قال النووي :

" وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام ، وحقه فيه واجب على الفور ، فلا يفوته بتطوع ، ولا بواجب على التراخي " .

قلت : فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها ، فبالأولى أن يجب عليها إطاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادها ، وصلاح أسرتهما ، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات ، وقال الحافظ في " الفتح " :

" وفي الحديث أن حق الزوج آكد عكلى المرأة من التطوع بالخير ، لأن حقه واجب ، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع " .

( 2 ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .

صفحة رقم -211-

الثاني : [ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ( 1 ) فلم تأته ، فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح ، ( وفي رواية : أو حتى ترجع ، وفي أخرى : حتى يرضى عنها ( 2 ) .

الثالث : [ والذي نفسي محمد بيده ، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ، ولو سألها نفسها وهي على قتب ( 3 ) لم تمنعه من [ نفسها ] ( 4 )

( 1 ) كناية عن الجماع ، ويقويه قوله صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش " ، أي : لمن يطأ في الفراش ، والكناية عن الأشياء التي يستحيى منها كثيرة في القرآن والسنة . قاله ابن أبي جمرة كما في " الفتح " .

( 2 ) رواه البخاري ومسلم والرواية الأخرى له في رواية وأبو داود وغيرهم .

( 3 ) أي : رحل ، في " اللسان " : " القتب " و" القتب " : إكاف البعير . وفي " الصحاح " : رحل صغير على قدر السنام ، وفي " النهاية " :

" القتب للجمل كالإكاف لغيره ، ومعناه الحث لهن على مطاوعة أزواجهن ، وأنه لا يسعهن الامتناع في هذه الحال ، فكيف في غيرها ؟ " .

( 4 ) حديث صحيح . رواه ابن ماجه وغيره .

صفحة رقم -212-

الرابع : [ لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل ( 1 ) يوشك أن يفارقك إلينا ( 2 ) .

( 1 ) في " النهاية " : " الدخيل : الضيف والنزيل " .

( 2 ) رواه الترمذي وابن ماجه .

صفحة رقم -213-

الخامس : عن حصين بن محصن قال : حدثتني عمتي قالت :

( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة ، فقال : أي هذه أذات بعل ؟ قلت : نعم ، قال : كيف أنت له ؟ قالت : ما آلوه ( 1 ) : [ أي لا أقصر في طاعته وخدمته ] إلا ما عجزت عنه ، قال : [ فانظري ] أين أنت منه ؟ فإنما هو جنتك ونارك ( 2 )

( 1 ) أي : لا أقصر في طاعته وخدمته .

( 2 ) رواه ابن أبي شيبة ، وابن سعد والنسائي في " عشرة النساء " ، وأحمد ، والطبراني في " الأوسط " من " زوائده " وإسناده صحيح كما قال الحاكم . . .

صفحة رقم -214-

السادس : إذا صلت المرأة خمسها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت بعلها ، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت ( 1 ) .

وجوب خدمة المرأة لزوجها

قلت : وبعض الأحاديث المذكورة آنفا ظاهرة الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها ، ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله ، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك ، وقد اختلف العلماء في هذا ، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في [ الفتاوى ) ( 2/234 - 235 ) :

( 1 ) حديث حسن أو صحيح له طرق فرواه الطبراني في الأوسط وكذا ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة . . .

صفحة رقم -215-

( وتنازع العلماء ، هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل ، ومناولة الطعام والشراب ، والخبز والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه ، مثل علف دابته ونحو ذلك ؟ فمنهم من قال :

لا تجب الخدمة . وهذا القول ضعيف ، كضعف قول من قال : لا تجب عليه العشرة والوطء فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف ، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحته لم يكن قد عاشره بالمعروف .

وقيل - وهو الصواب - : وجوب الخدمة ، فإن الزوج سيدها في كتاب الله ، وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كما تقدم ص 270 ) ، وعلى العاني والعبد الخدمة ، ولأن ذلك هو المعروف .

ثم من هؤلاء من قال : تجب الخدمة اليسيرة ، ومنهم من قال : تجب الخدمة بالمعروف . وهذا هو الصواب ، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها

صفحة رقم -216-

لمثله ، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال ، فخدمة البدوية ليست كخدمة القوية ، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة ) .

قلت : وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى أنه يجب على المرأة خدمة البيت ، وهو قول مالك وأصبغ كما في [ الفتح ) ( 9/418 ) ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في [ الاختيارات ) ( ص 145 ) ، وطائفة من السلف والخلف ، كما في [ الزاد ) ( 4/46 ) ، ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلا صالحا .

وقول بعضهم : [ إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام ، مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضا بزوجها ، فهما متساويان في هذه الناحية ، ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته ، ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها ، فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها ، وما هو إلا خدمتها إياه ، ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق ، وإذا لم تقم هي

صفحة رقم -217-

بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها ، وهذا يجعلها هي القوامة عليه ، وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى ، فثبت أنه لا بد لها من خدمته ، وهذا هو المراد .

وأيضا فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح ، وتبقى المرأة في بيتها عطلا عن أي عمل يجب عليها القيام به ، ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق ، بل وفضلت الرجل عليها درجة ، ولهذا لم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلام حينما :

( أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغها أنه جاءه رقيق ، فلم تصادفه ، فذكرت لعائشة ، فلما جاء ، أخبرته عائشة ، قال علي رضي الله عنه : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبنا نقوم ، فقال : على مكانكما ، فجاء ، فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني ، فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما ، أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا

صفحة رقم -218-

وثلاثين ، وكبرا أربعا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم [ قال علي : فما تركتها بعد ، قيل : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين ] ) .

رواه البخاري ( 9/417 - 418 ) .

فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعلي : لا خدمة عليها ، وإنما هي عليك ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدا كما قال ابن القيم رضي الله عنه ، ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم [ زاد المعاد ) ( 4/45 - 46 ) .

هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك ، إذا وجد الفراغ والوقت ، بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين ، ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها :

( كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله ، يعني خدمة أهله ، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ) .

رواه البخاري ( 2/129 و9/418 ) ، والترمذي ( 3/314 ) ، وصححه ، والمخلص من الثالث من

السادس من [ المخلّصيات ) ( 66/1 ) ، وابن سعد ( 1/366 ) . ورواه في [ الشمائل ) ( 2/185 ) من طريق أخرى عنها بلفظ :

( كان بشراً من البشر يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه ) .

ورجاله رجال الصحيح ، وفي بعضهم ضعف ( 1 ) . لكن رواه أحمد وأبو بكر الشافعي بسند قوي كما حققته في [ سلسلة الأحاديث الصحيحة ) ( رقم 670 ) ، والله ولي التوفيق .

وهذا آخر ما وفقنا الله تبارك وتعالى لذكره من آداب الزفاف في هذه الرسالة . و[ سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ) .

( 1 ) قلت : ولذلك ضعفه المعلق على شرح السنة 13/243/3676 وفاته الوقوف على الطريق القوية التي يأتي الإشارة إليها قريباً . وراجع إن شئت كتابي " مختصر الشمائل " رقم 293 للمؤلف .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة العلل والسؤلات الواقعة في كتاب صحيح البخاري لابن المبرد، جمال الدين يوسف بن عبد الهادي الحنبلي (ت ٩٠٩ هـ)

قائمة العلل والسؤلات الواقعة في كتاب صحيح البخاري لابن المبرد، جمال الدين يوسف بن عبد الهادي الحنبلي (ت ٩٠٩ هـ ) الرابط...